أهلنا في كل مكان يقولون (الجوع كافر). بالطبع الجوع عادة ما يكون نتيجة الفقر. أما الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فقد قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. نقول نحن إن الفقر مذلة للرجل ولأسرته. فالفقر يتأثر به كل أفراد الأسرة، خاصة الأطفال، وهم أحباب الله كما نعلم. فقد يترك الأطفال المدارس نتيجة الفقر، ويتجهون إلى ما يعرف بعمالة الأطفال وهي محرمة دولياً، أو يتجهون إلى الشوارع ويصبحون متشردين (شماشة). وإن استمروا في الدراسة لا يجدون ما يسدون به رمقهم، ناهيك عن الوصول إلى المدرسة سيرًا على الأقدام لعدة كيلومترات كل يوم مع الجوع، سواء كان ذلك بالمدينة أو القرية. لا أعلم من أين يجدون ثمن الكراسات والكتب والأقلام...الخ؟ ينظرون إلى أقرانهم (أولاد العز) توصلهم السيارات الفاخرة، وبجيوبهم من الأموال ما يفوق راتب الوالد الفقير في الشهر (يومياً). الحقيبة بها ما لذّ وطاب والشاطر والمشطور وما بينهما طازج من المواد المحلية والمستوردة، وفاكهة يحلم بها هذا التلميذ الفقير ويأمل أن يأكلها (في الجنة) إن شاء الله. مثل هذا التلميذ من حزب المعذبين في الأرض، أو بؤساء فيكتور هوجو، قد يكون ممتلئاً بعزة النفس والأنفة والكبرياء (رحمة من ربه)، ولا يعطي الأمر أهمية، ويجتهد ويصل إلى ما يريده بتوفيق من الله سبحانه وتعالى. من ناحية أخرى قد يحدث العكس ويمتلئ (لا إرادياً) حقدًا على زملائه وعلى المجتمع وعلى حظه العاثر الذي أوقعه في أب فقير، ويصبح من الصعب إصلاح نفسيته فيما بعد حتى، وإن بلغ أرفع المناصب في المستقبل. أما النوع الثالث فيسد حاجته (بسرقة) ما يحتاجه من الآخرين، وهو مقتنع بأن هذا (حق من حقوقه) ولا يرى حرمة في ذلك. أما النوع الرابع فيأخذ حقه يومياً و(بالقوة) من الآخرين كإتاوة واجبة التحصيل، والويل لمن يرفض الانصياع، بالتالي هذا النوع إن كان محظوظاً وتخرج، سيكون خطيراً على وظيفته ومجتمعه وأسرته المستقبلية. لماذا كل هذا السرد؟ ولماذا كل هذا التشاؤم؟ جاء بالصحف قبل عدة أيام أن الإحصائيات دلت على أن 150 ألف تلميذ بمدارس الخرطوم وحدها (لا يتناول وجبة الإفطار) بسبب عدم توفر المال لديهم أو لدى أسرهم التي تعيش على الكفاف إن وجد؟ كم يا ترى عدد طلاب الخرطوم؟ وعليه ما هي النسبة المئوية لهؤلاء الذين ارتكبنا جريمة تجويعهم يومياً وهم في (أحرج فترات النمو الجسدي والذهني والنفسي) والتعليمي؟ وبالمرة، كم عدد أمثالهم في كل البلاد التي تعج بخيرات يحسدها عليها كل العالم؟ كيف نطلب من شخص جائع، خاصة وإن كان طفلاً، أن يأتي في المواعيد، ويحضر كل الحصص (8 يومياً)، ويفهم ويسأل ويمتحن ويكون من المبرزين، ونحن لم نوفر له وجبة صغيرة ولو حتى (5 بلحات أو حفنة فول سوداني) يسد بها رمقه ويصلب بها طوله ويوفر بعض الطاقة اللازمة للاستيعاب طوال اليوم؟ أقول: إن شاء الله نحن نأكل السم وأطفالنا بالمدارس يتضورون جوعاً، وبطريقة يومية. هذا الطفل قد يكون تناول عشاءه (غداء/ عشاء) قبل الثامنة مساء أمس بعد حضور الوالد من عمله كما يحدث حالياً في هذا الزمن الأغبر. ثم لا يأكل يومه كله، ولا يشرب حتى ولو كوب شاي أحمر بالبيت قبل ذهابه للمدرسة، ولن نبالغ ونتحدث عن (رفاهية اللبن) الذي أصبح الأطفال يسمعون عنه وعن الزبادي والروب، ويقال لهم في كتب المطالعة وحصة العلوم إنه مهم جدًا لصحتهم. يبقى الطفل على هذا الحال ويعتمد على الماء القراح حتى يذهب إلى البيت، وقد يتصبر ببعض الكسرة البايتة بالماء والملح والشطة (إن وجدت) وينتظرعودة الوالد الفقير من العمل يحمل بعض الأرغفة، وإن أمكن كيس (السلطة) حتى يشاركهم (شبه) وجبة لا تشبع ولا تسمن ولا تغني من جوع (كماً ونوعاً). بمعنى آخر فقد يبقى هذا التلميذ يجوع فعلياً لفترة تمتد يومياً ما بين16 إلى 18 ساعة، والجماعة إياهم وغيرهم بمن فيهم نحن أبناؤهم يعانون من التخمة وزيادة الوزن. نقول وبصراحة دولة لا تهتم بأطفالها دولة لا تستحق البقاء وفي طريقها للفناء. السبب واضح ولا يحتاج لكثير شرح. فهي دولة تقضي على وسيلة استمراريتها وتقضي على مستقبلها بيدها وليس بيد عمر، أي أنها دولة تسعى إلى الانتحار وبسرعة، فالجوع أخطر من الايدز في هذه الحالة. الدول المتقدمة توفر يومياً وتوصله للمنازل اللبن والبيض على حساب الدولة لكل طفل بالمنزل، كما في إنجلترا العديد من الدول الأوربية، والكثير من أبناء المجموعة الحاكمة الآن، رغماً عن أنهم أجانب طوال فترات بعثاتهم أو لجوئهم السياسي عبر الأزمان، فقد كانوا يتسلمون هذه الحصة يومياً لأطفالهم على حساب المواطن الإنجليزي أو الأوروبي الذي يقولون إنه كافر. كما تقوم الدولة بدفع علاوة مواليد لكل طفل بمرتب الوالد أو الوالدة. هذا بخلاف وجبة فاخرة ومجانية بالروضة والمدرسة. قال كفار قال!!! فنحن أقرب للكفر منهم، حيث لا نحترم ونعظم نعمة الله وهي فلذات أكبادنا. سؤالي لحكومتنا (المسلمة) التي تهتم بالبغلة التي لم يعبّد لها عمر الطريق: أليس لدينا ديوان للزكاة يأخذ ما يدعي أنه حق من حقوقه، وغصباً عن الجميع وبالقوة الجبرية، حتى ممن قاموا بدفعها بطريقتهم لمن يستحقونها في رأيهم الخاص. أليس هؤلاء الأطفال أولى بهذه الأموال (منكم أنتم) شخصياً كعاملين عليها؟ هل يصعب عليكم توفير 500 إلى 1000 ساندويتش فول وطعمية يومياً في المدارس التي تزخر بمثل هذه النوعية من فقراء التلاميذ وطلاب الجامعات. هل كثير عليهم التمتع بكوب لبن ولو مرة واحدة في الأسبوع؟ أليس من حقهم أن توفروا لهم الكراسات والأقلام؟ كلكم تمتع حتى الجامعة بالتعليم المجاني بما في ذلك (الباسطة واللبن) في العشاء بالداخليات حتى وإن عدتم بعد منتصف الليل من سينما النيل الأزرق، وقمتم بزيارة السفرة للمزيد بعد ما تعشيتم قبل الذهاب إلى السينما؟ ارحموا أحباب الله حتى يرفع غضبه عنا. أفيدكم بأن بعض تجار مدني قد تبنوا هذا الأمر منذ سنوات ويسمونه (مشروع إفطار الطالب). وأؤكد للجميع أنه لو تقدم ديوان الزكاة أو أي جمعية طوعية لتبني هذا الأمر بالمدن والقرى ستجد الدعم من الكثير من الخيرين بما فيهم مصانع إنتاج المواد الغذائية من أجبان وطحنية وبسكويت ولبن وزبادي وزيوت، بل ستوفر لهم بعض المطاعم الفول والطعمية، أما المخابز بالتأكيد ستوفر لهم الخبز. ناهيك عما يمكن جمعه من حفلات الزواج الباذخة التي لا تعرف ماذا تفعل بفائض المواد الغذائية الفاخرة بعد انتهاء الحفل. نحن بلد خير والمواطن السوداني متأكد من أن المال مال الله ولا يحتاج إلى من يذكره بذلك، لكنه يحتاج إلى من يساعده في توصيله إلى من يحتاج إليه. أما وزارة الرعاية الاجتماعية فيبدو أن الأمر لا يهمها، وتقرأ الخبر كما نقرأه نحن وتنساه بعد قراءته مباشرة. عليه أطالب بإلغائها وتحويل ميزانيتها إلى مشروع إفطار التلميذ وطالب الجامعة. خلال إحدى محاضراتي فوجئت بسقوط إحدى الطالبات من مقعدها. أوقفت المحاضرة وبسرعة قمت بنقلها بسيارتي إلى المركز الصحي الجامعي. قام كبير الممرضين وبسرعة بتركيب دريب جلوكوز وأملاح، وبعد دقائق قليلة استعادت طالبتي وعيها!! علمت من زميلاتها أنها لم تأكل منذ ثلاثة أيام!! لكم الله أطفال السودان. لك الله يا مستقبل هذا الوطن الذي يتوقع من (جيل الجياع) أن يقودوا مسيرته مستقبلاً. ارحموا أحباب الله يرحمكم الله. لا تشبعوا قبل التأكد من أنهم قد شبعوا، كما فعل آباؤنا نحن الذين كانوا لا يضعون اللقمة في فمهم قبل أن يتأكدوا من أننا قد شبعنا ونمنا، ونأكل أرزاً مع الملائكة كما يقول أهلنا بمصر الحبيبة. جزاهم الله عنا كل خير. اللهم نسألك اللطف (آمين).
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق