في حلقتين منفصلتين سألتني إذاعة «SBS» وهي إذاعة أسترالية حكومية تعتني بشؤون الجاليات في أستراليا وفيها برامج بلغات مختلفة. كان السؤال الأول هل السودان سوف يلحق بالدول التي شهدت ثورات وتم فيها تغيير الأنظمة السياسية؟ والسؤال الثاني هل سوف ينتقل الصراع القبلي الذي تشهده دولة جنوب السودان وسط الجاليات السودانية في أستراليا؟ وفي هذا المقال أركز فقط على إجابتي على السؤال الثاني الذي أثار حفيظة العديد من الأخوة السودانيين في أستراليا وخاصة السياسيين التابعين لقوى سياسية مختلفة، بما فيهم الحركة الشعبية دون تصنيف في الاتجاهات. حيث كان الجواب التلقائي أن السودان سوف يمثل استثناء لثورات الربيع العربي والسبب في ذلك المعارضة التي تشكل حالياً أكبر ضامن للإنقاذ من الثورة والانتفاضة لماذا؟
ليس السبب كما قال السيد رئيس الجمهورية عمر البشير إن السودان سبق الدول العربية في الثورة منذ أكثر من عقدين هي سنين عمر نظام الإنقاذ وبالتالي السودان ليس في مرمى الثورات العربية. رغم أن قيادات الإنقاذ جميعها تعلم أن العوامل التي تؤدي إلى الثورة متوفرة في السودان من «غلاء وتضخم وسوء في الخدمات ومحسوبية وفساد وعدم استقرار في أغلبية أقاليم السودان وغيرها» إلا أن الشارع لم يتحرك ويستجيب لنداءات المعارضة. بعض من المحللين السياسيين أرجعوا ذلك لضعف المعارضة باعتبار أنها لا تعتبر بديلاً معتمداً عليه لأن قياداتها القابضة على زمام المؤسسات السياسية قد جربت في فترات متكررة وفشلت في الحفاظ على النظام الديمقراطي وهي تمثل سبباً أساسياً لإحجام الشباب عن الخروج والتعبير عن رؤيتهم في التغيير ولكن هذا يعتبر نصف الحقيقة لأن ثورات الربيع العربي أغلبيتها تجاوزت القوى السياسية المطروحة وخرجت ثم لحقت بها القوى السياسية.
وللإجابة على السبب في وجهة نظري رغم أنها تثير حساسية عالية ولكن يجب الحديث عنها بصراحة إذا أردنا فعلاً أن يكون السودان في المستقبل معافى باعتبار أن اجتراح القضايا والغوص في عمقها أفضل من عمليات الهدهدة التي تقوم بها القوى السياسية. وقبل أن أتحدث عن القضية بشكل مباشر يجب أن نرجع بعجلة التاريخ للوراء قبل الإنقاذ وبعد قيام ثورة أبريل، رفضت الحركة الشعبية المشاركة في الديمقراطية الثالثة واعتبرت أن ثورة أبريل هي «مايو تو» وكانت الحركة الشعبية تطرح رؤيتها للسودان الجديد بقيام ثورات من الهامش بهدف تغيير الثقافة السياسية القائمة وتغيير في بنية المجتمع كله لإحداث معادلة تعيد عملية توزيع الثروة والسلطة في السودان والنظر في الهوية القائمة، وأن يشرف الهامش على عملية إعادة البناء من خلال مشروع سياسي جديد وقيم جديدة تطيح بالسودان القديم وعلاقاته الاجتماعية التي تشكل قاعدة هوية الدولة. وكما ذكرت في مقالات سابقة أن الدكتور جون قرنق قد سكت عن القول في نظرية السودان الجديدة لما بعد قيام ثورات الهامش. هذه المقولات والنظرية لم تكن معنية بالديمقراطية وقضايا الحرية وغيرها. ودلالة على ذلك موقفه من ثورة أبريل وحديثه لمجلة الوسط التي تصدر في لندن حيث قال: (إنني لم أكن معني بقضية الديمقراطية في النضال ضد مركزية الدولة لأن الديمقراطية ترف غير مرغوب وإنني معني بإعادة بناء الدولة التي يسهم في بنائها الهامش). هذه الأطروحة وجدت طريقها للتنفيذ وثار الهامش من خلال عمليات الكفاح المسلح ضد السلطة الحاكمة التي أعطت المبرر لتلك الثورات بسياساتها القمعية ومصادرتها للحريات الأمر الذي أدى لتمرد ضد الدولة وضد كل القيم السائد، ورفعت العديد من الشعارات التي تمجد الهامش وتطالب بإعادة بناء الدولة من جديد. الدولة التي يعتقد الهامش أن الجلابة تتسيدها، والتي تتبنى الثقافة العربية الإسلامية كقاعدة أساس للهوية السودانية، ورغم أن مؤتمر القضايا المصيرية قد أكد على عدم قيام أحزاب دينية وقبلية وغيرها إلا أن الدكتور جون قرنق فيما بعد ضغط على القوى السياسية لقبول قوى جهوية مثل مؤتمر البجا والأسود الحرة التي تمثل قبيلة الرشايدة وغيرها لكي تكون هي محور السياسية في المستقبل لأنها تمثل الهامش. كما لا يغيب عن الذاكرة أيضاً الكتاب الأسود باعتباره أحد المحرضات لثورة الهامش ضد المركز.
أصبحت القبلية والجهوية والإثنية هي القاعدة التي تقوم عليها الحركات المسلحة في الهامش وهي التي تعتقد أنه مناط بها عملية التغيير السياسي في ظل الهجوم المحموم على الثقافة العربية الإسلامية والدعوة من أجل طرح هوية جديدة للدولة. وأصبح الحديث يمس قناعات العديد من المواطنين في المدن وفي الخرطوم حيث قيام الثورة فيها هو الذي يهدد بإسقاط النظام ويؤدي لعملية التغيير الديمقراطي، ورغم التعبئة التي صنعتها الثورات العربية إلا أنها لم تجد صدى في الخرطوم بسبب انتشار النعرات الإثنية والجهوية التي تهدد المجتمع المدني الذي ضعف بسبب التحديات المتواصلة التي يتعرض لها. بيد أن مجتمع الخرطوم حيث القوى الحية في المجتمع قد تجاوز العلاقات العشائرية والقبلية وضعفت فيه الروابط القبلية والعشائرية بسبب التصاهر والتمازج بين العشائر المختلفة وأصبح الشخص ينتمي إلى عدة قبائل وعشائر من مناطق السودان المختلفة وهي ما أطلقت عليه الباحثة اليابانية كوريتا (المنبتين). وهؤلاء هم الأساس لقاعدة المجتمع المدني؛ حيث استعاضوا عن العلاقات الأولية القبلية بمؤسسات مدنية متعددة: أحزاب سياسية، نقابات، اتحادات، منظمات وغيرها. وهؤلاء ليس لديهم حامٍ غير الدولة ومؤسساتها القومية مثل القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات والأحزاب وغيرها من المؤسسات ذات الطابع القومي. فهؤلاء لا أعتقد أنهم يقومون بثورة في ظل هذه الأطروحات التي يعتقدون أنهم أول الخاسر فيها في ظل تصاعد النعرات القبلية والجهوية المطروحة بقوة.
إذا كانت ثورات الربيع العربي قد استخدمت التكنولوجيا الحديثة في وسائل الاتصال «الإنترنيت والفيس بوك واليوتيوب وغيرها» في تعبئة الناس وتوحيد صفوفها للإطاحة بالنظم الديكتاتورية القائمة في بلادها نجد أن السودانيين قد وجدوها وسيلة مناسبة لإثارة النعرات الجهوية والإثنية وبالتالي أصبحت الدعوة لعملية التغيير في ظل هذه الدعوات منفرة وغير موحدة وحتى اللغة المستخدمة في وسائل الاتصال، خاصة في بعض الصحف الالكترونية لغة خارجة عن المألوف وعن قواعد الأخلاق التي تعارف عليها الناس. هذا حتماً سوف ينعكس سلباً على قناعات الناس لكي يعيدوا فيها حساباتهم وتقييمهم لمجريات الأمور. أعتقد أن كل القوى السياسية تناضل من أجل الحرية والديمقراطية وسيادة حكم القانون لكي يصدع الناس بآرائهم دون حجر ولكن دون إساءة أو تعدٍ على حقوق الآخرين. بيد أن فوران الهامش سوف يكون خصماً على الديمقراطية وبدلاً من أن يوحد الأهداف ويجمعهم على كلمة سواء سوف يجعلهم جزراً معزولة. وتبقى المعادلة كالآتي: كل ما زادت وتيرة النعرات الجهوية والإثنية تمسك الناس في المدن بالمؤسسات القومية والتفوا حولها حتى إذا لم تحقق رغبتهم في الديمقراطية. وكلما قلت تلك النعرات نظر الناس لقضية الديمقراطية والحرية بموضوعية وتحرروا من القيود التي تمنعهم الانطلاق في عملية التغيير. لذلك مطالب من المعارضة وخاصة الحركات المسلحة أن تعيد قراءة خطابها السياسي وشعاراتها باعتبار أن الذي يناضل من أجل الديمقراطية يجب عليه أن يخلق مواعين الديمقراطية ويشيد ركائزها التي تقوم عليها ولا يرجع بالتاريخ للوراء لكي يعيد العلاقات الأولية الضيقة التي تشكل أكبر عائق للديمقراطية. وفي ظل الظروف الحالية التي تطغي فيها مظاهر القبيلة سوف تتخلف الثورة في السودان عن الثورات العربية. ونسأل الله أن يرجع الناس للحكمة وهو الموفق.
ليس السبب كما قال السيد رئيس الجمهورية عمر البشير إن السودان سبق الدول العربية في الثورة منذ أكثر من عقدين هي سنين عمر نظام الإنقاذ وبالتالي السودان ليس في مرمى الثورات العربية. رغم أن قيادات الإنقاذ جميعها تعلم أن العوامل التي تؤدي إلى الثورة متوفرة في السودان من «غلاء وتضخم وسوء في الخدمات ومحسوبية وفساد وعدم استقرار في أغلبية أقاليم السودان وغيرها» إلا أن الشارع لم يتحرك ويستجيب لنداءات المعارضة. بعض من المحللين السياسيين أرجعوا ذلك لضعف المعارضة باعتبار أنها لا تعتبر بديلاً معتمداً عليه لأن قياداتها القابضة على زمام المؤسسات السياسية قد جربت في فترات متكررة وفشلت في الحفاظ على النظام الديمقراطي وهي تمثل سبباً أساسياً لإحجام الشباب عن الخروج والتعبير عن رؤيتهم في التغيير ولكن هذا يعتبر نصف الحقيقة لأن ثورات الربيع العربي أغلبيتها تجاوزت القوى السياسية المطروحة وخرجت ثم لحقت بها القوى السياسية.
وللإجابة على السبب في وجهة نظري رغم أنها تثير حساسية عالية ولكن يجب الحديث عنها بصراحة إذا أردنا فعلاً أن يكون السودان في المستقبل معافى باعتبار أن اجتراح القضايا والغوص في عمقها أفضل من عمليات الهدهدة التي تقوم بها القوى السياسية. وقبل أن أتحدث عن القضية بشكل مباشر يجب أن نرجع بعجلة التاريخ للوراء قبل الإنقاذ وبعد قيام ثورة أبريل، رفضت الحركة الشعبية المشاركة في الديمقراطية الثالثة واعتبرت أن ثورة أبريل هي «مايو تو» وكانت الحركة الشعبية تطرح رؤيتها للسودان الجديد بقيام ثورات من الهامش بهدف تغيير الثقافة السياسية القائمة وتغيير في بنية المجتمع كله لإحداث معادلة تعيد عملية توزيع الثروة والسلطة في السودان والنظر في الهوية القائمة، وأن يشرف الهامش على عملية إعادة البناء من خلال مشروع سياسي جديد وقيم جديدة تطيح بالسودان القديم وعلاقاته الاجتماعية التي تشكل قاعدة هوية الدولة. وكما ذكرت في مقالات سابقة أن الدكتور جون قرنق قد سكت عن القول في نظرية السودان الجديدة لما بعد قيام ثورات الهامش. هذه المقولات والنظرية لم تكن معنية بالديمقراطية وقضايا الحرية وغيرها. ودلالة على ذلك موقفه من ثورة أبريل وحديثه لمجلة الوسط التي تصدر في لندن حيث قال: (إنني لم أكن معني بقضية الديمقراطية في النضال ضد مركزية الدولة لأن الديمقراطية ترف غير مرغوب وإنني معني بإعادة بناء الدولة التي يسهم في بنائها الهامش). هذه الأطروحة وجدت طريقها للتنفيذ وثار الهامش من خلال عمليات الكفاح المسلح ضد السلطة الحاكمة التي أعطت المبرر لتلك الثورات بسياساتها القمعية ومصادرتها للحريات الأمر الذي أدى لتمرد ضد الدولة وضد كل القيم السائد، ورفعت العديد من الشعارات التي تمجد الهامش وتطالب بإعادة بناء الدولة من جديد. الدولة التي يعتقد الهامش أن الجلابة تتسيدها، والتي تتبنى الثقافة العربية الإسلامية كقاعدة أساس للهوية السودانية، ورغم أن مؤتمر القضايا المصيرية قد أكد على عدم قيام أحزاب دينية وقبلية وغيرها إلا أن الدكتور جون قرنق فيما بعد ضغط على القوى السياسية لقبول قوى جهوية مثل مؤتمر البجا والأسود الحرة التي تمثل قبيلة الرشايدة وغيرها لكي تكون هي محور السياسية في المستقبل لأنها تمثل الهامش. كما لا يغيب عن الذاكرة أيضاً الكتاب الأسود باعتباره أحد المحرضات لثورة الهامش ضد المركز.
أصبحت القبلية والجهوية والإثنية هي القاعدة التي تقوم عليها الحركات المسلحة في الهامش وهي التي تعتقد أنه مناط بها عملية التغيير السياسي في ظل الهجوم المحموم على الثقافة العربية الإسلامية والدعوة من أجل طرح هوية جديدة للدولة. وأصبح الحديث يمس قناعات العديد من المواطنين في المدن وفي الخرطوم حيث قيام الثورة فيها هو الذي يهدد بإسقاط النظام ويؤدي لعملية التغيير الديمقراطي، ورغم التعبئة التي صنعتها الثورات العربية إلا أنها لم تجد صدى في الخرطوم بسبب انتشار النعرات الإثنية والجهوية التي تهدد المجتمع المدني الذي ضعف بسبب التحديات المتواصلة التي يتعرض لها. بيد أن مجتمع الخرطوم حيث القوى الحية في المجتمع قد تجاوز العلاقات العشائرية والقبلية وضعفت فيه الروابط القبلية والعشائرية بسبب التصاهر والتمازج بين العشائر المختلفة وأصبح الشخص ينتمي إلى عدة قبائل وعشائر من مناطق السودان المختلفة وهي ما أطلقت عليه الباحثة اليابانية كوريتا (المنبتين). وهؤلاء هم الأساس لقاعدة المجتمع المدني؛ حيث استعاضوا عن العلاقات الأولية القبلية بمؤسسات مدنية متعددة: أحزاب سياسية، نقابات، اتحادات، منظمات وغيرها. وهؤلاء ليس لديهم حامٍ غير الدولة ومؤسساتها القومية مثل القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات والأحزاب وغيرها من المؤسسات ذات الطابع القومي. فهؤلاء لا أعتقد أنهم يقومون بثورة في ظل هذه الأطروحات التي يعتقدون أنهم أول الخاسر فيها في ظل تصاعد النعرات القبلية والجهوية المطروحة بقوة.
إذا كانت ثورات الربيع العربي قد استخدمت التكنولوجيا الحديثة في وسائل الاتصال «الإنترنيت والفيس بوك واليوتيوب وغيرها» في تعبئة الناس وتوحيد صفوفها للإطاحة بالنظم الديكتاتورية القائمة في بلادها نجد أن السودانيين قد وجدوها وسيلة مناسبة لإثارة النعرات الجهوية والإثنية وبالتالي أصبحت الدعوة لعملية التغيير في ظل هذه الدعوات منفرة وغير موحدة وحتى اللغة المستخدمة في وسائل الاتصال، خاصة في بعض الصحف الالكترونية لغة خارجة عن المألوف وعن قواعد الأخلاق التي تعارف عليها الناس. هذا حتماً سوف ينعكس سلباً على قناعات الناس لكي يعيدوا فيها حساباتهم وتقييمهم لمجريات الأمور. أعتقد أن كل القوى السياسية تناضل من أجل الحرية والديمقراطية وسيادة حكم القانون لكي يصدع الناس بآرائهم دون حجر ولكن دون إساءة أو تعدٍ على حقوق الآخرين. بيد أن فوران الهامش سوف يكون خصماً على الديمقراطية وبدلاً من أن يوحد الأهداف ويجمعهم على كلمة سواء سوف يجعلهم جزراً معزولة. وتبقى المعادلة كالآتي: كل ما زادت وتيرة النعرات الجهوية والإثنية تمسك الناس في المدن بالمؤسسات القومية والتفوا حولها حتى إذا لم تحقق رغبتهم في الديمقراطية. وكلما قلت تلك النعرات نظر الناس لقضية الديمقراطية والحرية بموضوعية وتحرروا من القيود التي تمنعهم الانطلاق في عملية التغيير. لذلك مطالب من المعارضة وخاصة الحركات المسلحة أن تعيد قراءة خطابها السياسي وشعاراتها باعتبار أن الذي يناضل من أجل الديمقراطية يجب عليه أن يخلق مواعين الديمقراطية ويشيد ركائزها التي تقوم عليها ولا يرجع بالتاريخ للوراء لكي يعيد العلاقات الأولية الضيقة التي تشكل أكبر عائق للديمقراطية. وفي ظل الظروف الحالية التي تطغي فيها مظاهر القبيلة سوف تتخلف الثورة في السودان عن الثورات العربية. ونسأل الله أن يرجع الناس للحكمة وهو الموفق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق