مازالت الأحزاب السودانية المعارضة يتردد عزفها على إسقاط النظام، ولم توضح لنا الطريقة السحرية التي يمكنها أن تتم به هذا العمل المرتقب، كما أن المعارضة الإسلامية أخذت تنحو منحى آخر يسلب أهل المؤتمر الوطني حقهم في الانتماء لهذا الحق.
وشهدت الصحف قبل ثلاثة أسابيع أو أربع مساجلات عنيفة بين كل التنظيمات الاسلامية، حتى شملت أكثرهم هدوءاً ومنطقاً هو الأخ صادق عبد الله عبد الماجد رئيس المؤتمر الاسلامي الحالي ورئيس منظمة الإخوان المسلمين سابقاً، وخرج إلى حلبة الصراع كغيره من القادة الذين ينتمون لمختلف التيارات الاسلامية التي لم يكن لها وجود يذكر في مرحلة تكوين الأحزاب السياسية والذي بدأ بداية منظمة تنظيم الأحزاب السياسية الحالية، وأذكر أنني كنت في السنة الثانية الوسطى وذهبنا أنا واخواني وباقي الأسرة لمقابلة الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد وتهنئته بسلامة الوصول ونيله الشهادة الجامعية، لأن الشيخ صادق تربطنا به صلات أسرية، وذهبنا نحن جميعاً وقضينا يوماً ممتعاً بمنزلهم بشارع الدومة، وكان يستقبل المهنئين العم عبد الله عبد الماجد والأسرة، كما كان الأخ أحمد عبد الله عبد الماجد المدرس بمصلحة المعارف في ذلك الوقت في مقدمة المهنئين، وكان الشيخ صادق رجل هادئ الطبع دقيق الملامح، وكان كل شيء فيه ينم عن أهليته لهذه الجماعة، وكان هناك رجل آخر يحمل نفس الصفات، كان يعمل في العمل الاسلامي من وراء حجاب، ذلكم هو الأخ المرحوم علي طالب الله الذي كان يعمل في وظيفة ادارية في نادي الخريجين منحت له درءاً لمخاطر البريطانيين.
وفي تلك الفترة كان وجود الاسلاميين في المدارس الاسلامية، وأذكر أننا حتى ديسمبر 1955م ذلك الوقت الذي انتهينا منه من الدراسة الثانوية، لم يكن هناك تنظيم فاعل لهذا المسمى، وانما كانت هناك بضعة أشخاص تربط بينهم صلات عقائدية وليست تنظيمية، وأذكر في وادي سيدنا كان من أمثال هذا النمط المرحوم عون الشريف قاسم، وهو رجل قارئ ومطلع. وكانت الجماعة مكونة من الأخ الدكتور هاشم حسن عروة والأخ المرحوم محمد أحمد الخواض وبضعة أشخاص آخرين، وكانوا يعملون ويتعاملون في حذر شديد، الأمر الذي مكن اخواننا حملة الفكر الشيوعي من العمل بنشاط، ولكنه في معظم الأحيان لم يكن عملاً متجاوباً مع الأحزاب السياسية، ولذا فلم يلق استجابة واضحة من الشارع السوداني، ولا من التنظيمات السياسية الأخرى.
وهنا يجدر بي أن أذكر أنه حتى نهاية الخمسينيات ونهاية الستينيات لم يكن هناك نشاط اسلامي منظم كالذي نراه اليوم، وكان للأستاذين حسن عبد الله الترابي وعلي عثمان محمد طه فضل نشر هذه الدعوة بالتحديث الذي نراه الآن، وقد سبقهما بدرجة تنظيمية أقل الأخ صادق عبد الله عبد الماجد والمرحوم علي طالب الله، ولكنني أعتقد ان تأجيج الصراع السياسي بين الاسلاميين وغيرهم بدأ في منتصف الستينيات بقيادة الأخوين الشيخ حسن الترابي والشيخ الأستاذ علي عثمان محمد طه، ودخلت الحركة الإسلامية في صراع عنيف مع من يخالفونها في الرأي، ولكنها بدأت أول ما بدأت نحو الجامعات والمدارس الثانوية، حيث ركز الشيوعيون على دحر القوى الإسلامية، وكانت الحرب سجالاً بين الطرفين.
وأخذت الحركة الإسلامية تنتهج أسلوباً جديداً في التعامل السياسي، واستطاعت أن تعقد اتفاقاً قصيراً مع المرحوم جعفر نميري ولكنه لم يستمر، إذ أن الطرفين كانا يتمتعان بقدر من المغامرة، الأمر الذي دفع في النهاية المرحوم جعفر نميري إلى أن يتهدد ويتوعد بقصم ظهر الاسلاميين، ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك، إذ أن الإسلاميين هم الذين قصمواظهره وأنهوا حكمه، بعد أن حققوا كياناً ووجوداً في مقاعد الجمعية التأسيسية، وحققوا نتيجة أقرب إلى النتيجة التي حققها الاتحاديون في تلك الانتخابات. وبهذه النتيجة أخذ صوتهم يعلو في الشارع السوداني، وأخذوا يمثلون «بعبعاً» كبيراً لكل الأحزاب السودانية، وانفردوا بانقلاب يونيو عام 1989م واستولوا على كل الحقائب السياسية التي كانت في الدولة، تماماً كما فعل الشيوعيون في ثورة أكتوبر 1964م، حيث أنهم وعن طريق المرحوم أحمد سليمان والأخ الأستاذ فاروق أبو عيسى استطاعوا أن يستولوا على عشر من الوزارات وتركوا لبقية أهل السودان خمس وزارات، وسرعان ما فطن إليه حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي اللذين استطاعا أن يحجما دور الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، ويلاحظ أن الاسلاميين لم يكن لهم دور في هذا الوضع الديمقراطي الصحيح والسليم في عام 1964م، ولا بد لي أن أذكر أن الاسلاميين جعلوا من هذا التغيير الذي حدث ونادوا به ثورة اسلامية كاملة، وأخذوا يسيطرون على كل مفاصل الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واستطاعوا أن يركزوا للجميع بأن ما حدث للانقاذ في عام 1989م هو ثورة اسلامية حقيقية، وقد اتفقت الفئتان المتصارعتان وأعني بهما الشعبي والوطني كل بأنه يدعي أنه حقق ثورة اسلامية، وسارت الأمور على نحو لم يشتهه الاسلاميون، فحدث خلاف بين الدكتور حسن الترابي وأهل الانقاذ واسع البون صعب التضاريس، واستطيع أن أؤكد أنه لو استمر الحال على هذا المنوال فإن الحركة الاسلامية ستصاب بضربات موجعة قد تؤدي إلى صور من الفشل بالسرعة التي حققوا بها كل النجاحات.
وفي الشهر الماضي جميعه لاحظنا أن هناك تكتلات اسلامية قد برزت إلى الوجود وهي تدعى صلاحيتها للحركة الاسلامية.
وأنا لست ضد التحرك الواعي الذي يبتغي مرضاة الله والوطن، أما أن يخصص إعلام بأكمله جميعه ينخر في أجساد المنظمات الاسلامية فهذا أمر غير مقبول وغير معقول، ونحن حينما تحفظنا وطالبنا بضرورة يقظة الاسلاميين لم نشأ أن ندعوهم إلى ضرورة الانضباط والتعامل السليم في الأموال العامة والأحكام المحايدة في كل ما يخص ضروريات وأمن الوطن، لم نكن نفعل ذلك عن اعتباط وإنما حرص منا على نقاء وصفاء الحركة الإسلامية، وهذا لن يتم إلا عن طريق النقاء والطهر في الأداء والأمانة والقضاء.
ومن أقرب الأمثلة ذلكم الحوار الذي دار بين الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر وقطبي المهدي القيادي بحزب المؤتمر الوطني، ذلك السجال الذي دار بينهما يوم الأربعاء الماضي في احدى الصحف السودانية، كما قرأت تصريحاً لأحد قادة الأحزاب الاسلامية يؤثر فيه الوجود الاسرائيلي على وجود الموتمر الوطني، وأرجو من قادة هذين الحزبين وقف مثل هذه النقاشات عند حدها، وألا ينزلق أحد بالنقاش السياسي إلى هذا المستنقع الكريه.
وبعيداً عن هذا وذاك فقد شهدت كركاتيرا بإحدى الصحف السودانية لرجل يجر عربة كارو يحمل فيها أنقاضاً، وسمى هذه العربة «شلعوها الخوالدة» وراسم الكركاتير لا بد أن يكون من غير أبناء الجزيرة، لأن شلعوها الخوالدة هي فعلاً قرية من قرى تفتيش النويلة، وتسكنها قبيلة الخوالدة، وعملت في تفتيش النويلة سنة 1957م، ثم رأيت هذه القرية في أوائل التسعينيات، وبعد هذه الغيبة الطويلة أستطيع أن أقول بملء الفم عمروها الخوالدة، لأنها صارت قرية كبيرة تضم عدداً كبيراً من المثقفين والمتعلمين، وكانت دوماً تهتم بالعلم والتقدم.
وليت العربة التي تحمل الأنقاض كانت تسمى «شلعوها الخرطوم»، لأن مصيرها كان أفضل بكثير من مستشفى العيون، هذا الصرح الذي تطاولت أيادي البعض إلى تدميره.
الوزير عبد الوهاب محمد عثمان شاب مثالي يعتز به السودان
جمعتني علاقة حميمة بالأخ عبد الوهاب محمد عثمان عندما كان وزيراً للتخطيط العمراني بولاية الخرطوم الذي أظهر فيه من عبقرية الادارة والعمل كماً هائلاً من حسن الأداء وصوناً عظيماً لمصالح الفقراء، وكان من فرط اعجابي بسياساته أنني كنت أحضر في يومه المخصص يوم الثلاثاء، وهو اليوم المخصص لسماع شكاوى الجماهير التي كان يستمع إليها بصبر وأناءة، وكثيراً ما كان يناقش من يحضر إليه في شكواه التي تجد دوماً حلولاً مقنعة من جانبه أو ردوداً مقنعة أيضاً، وفي كلا الحالتين يخرج الشاكي من مكتبه راضياً مرضياً.
وبدأت مسيرة الانجاز الآن بوزارة الصناعة، وأعلنت الوزارة اتجاهها لانجاز وحدات للمذيب الكيماوي لمصانع الزيوت بولاية شمال كردفان لتحقيق أعلى مردود اقتصادي، والاستفادة من الميزة النسبية للولاية في انتاج الحبوب الزيتية ضمن خطة الوزارة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من زيوت الطعام في العام القادم، بجانب تحقيق فائض للصادر يقدر بنسبة 40 ألف طن في اطار البرنامج الإسعافي الثلاثي، وذلك من ضمن فرص التمويل التي يوفرها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وهذا العمل برمته هو جهد مشترك لوزارة الصناعة مع وزارة الزراعة الاقليمية في شمال كردفان.
إن أول الغيث قطرة، وأنا أتوقع وأتنبأ بأن اللمسات في هذا العمل الجليل ستتم في كل أقسام وزارة الصناعة التي سيجد فيها الأخ عبد الوهاب كل ترحاب ومعاونة من أخوانه في أجزاء الوزارة المختلفة، الذين يتطلعون إلى قيادة مثل قيادة عبد الوهاب محمد عثمان، وأعتقد أن عطاء الأخ عبد الوهاب في هذا الصدد سيضيف الكثير إلى انجازات الحكومة التي لم يقصر فيها في موقعه السابق.
نداء للسيد الرئيس عمر البشير
جاءنا من المواطنة ز.ع. شكوى مفادها أن سكان الثورة الحارة الأولى يعانون أشد المعاناة في الحصول على المياه، إذ ان انقطاع المياه ليلاً ونهاراً أصبح أمراً مألوفاً، والناس في حاجة إليها. ونحن نرجو أن يستوضح الرئيس ادارة مياه المدن عن هذه القطوعات على الرغم من الاعلان عن قيام محطات تقوية جديدة للمياه قام بافتتاحها السيد الرئيس عمر البشير ولكن بلا جدوى، والحال في حاله، ولا ندري كيف سيكون الحال حينما يحل فصل الصيف.. الرجاء تكرمكم بالتوجيه لعلاج هذه المشكلة التي سببت غضباً شديداً عند سكان الحارة الأولى.
اجتماع البشير وسلفا كير
نجح مؤتمر القمة الافريقي والوساطات التي كانت تهتم بأمر السودان أثناء انعقاد المؤتمر، نجحوا جميعاً في اقناع جمهورية شمال السودان ودولة الجنوب بعقد اجتماع رئاسي يضم المشير الرئيس عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية والرئيس سلفا كير ميارديت رئيس حكومة الجنوب.
وإنني على قناعة تامة بأنه لو صفت النفوس فإنه الانجاز الوحيد الذي سيحل هذه المشكلة، لأنها تعقدت فعلاً بكثرة جهات الاختصاص التي تناولتها، ونحن الذين نرى أن حتمية العلاقات الطيبة بين جمهورية السودان ودولة الجنوب يجب أن تكون شعاراً يرفعه جميع أهل السودان، لأننا حينما ارتضينا منح تقرير المصير للإخوة في الجنوب، كنا نعلم أن الانفصال وتكوين دولتين هو الخيار الأفضل بالنسبة للجنوبيين، ولكننا وبكل أمانة كنا نأمل أن تقوم علاقات بين الدولتين أكثر ودية وأكثر تعاوناً لنبني بلدينا بتعاون مشترك يقوم على المحبة والاحترام بين شعبي الدولتين. ورجاؤنا للفريق عمر حسن البشير والفريق سلفا كير أن يؤمنا بهذا المفهوم الذي ذكرت، لأن الانفصال كان على يديهما، ويجب أن يكون الرخاء والنماء على يديهما أيضاً.
كلمة لا بد منها
توفي يوم السبت الماضي البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريك الكرازة المرقسية، توفي عن عمر ناهز «89» عاماً بعد صراع طويل مع المرض، ورحلات علاجية مستمرة بين الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، وفي مصر نعاه دكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر، كما نعته المشيخة العامة للطرق الصوفية لشعب مصر بأكمله، وأعلن عن مشاركة رئيس المشيخة العامة للطرق الصوفية وبعض أعضائها البارزين في تشييع جثمان الفقيد.
ومن جهة أخرى نعته نقابة الأشراف للأمة المصرية جميعها، ووصفته بفقيد مصر والوطن.
لقد كان البابا شنودة رجل سلام ومحبة وعطاء، وكان حريصاً جداً على وحدة الشعب المصري وتذويب الفوارق الدينية التي كانت تغذيها عناصر أجنبية. ونحن في السودان نشعر بأن أمة وادي النيل فقدت رجلاً من أعظم رجالها الذين يتميزون بحسن القيادة وحب الأوطان.
التعزية الحارة لمواطنينا في السودان من الأقباط الذين يعيشون بين ظهرانينا قروناً عدة، ويتفاعلون معنا في أفراحنا وأتراحنا.
وأنا بوصفي واحداً من مواليد المسالمة وسكانها وابن واحد من مواليد المسالمة وسكانها سنة 1856م، وكانت الأسرة طوال هذه الفترة تعيش في رحاب الكرم القبطي وعلاقات حسن الجوار المميزة، ولم نشعر في يوم من الأيام بأن هناك فارقاً بيننا وبين الإخوة الأقباط، ونيابة عن الأسرة التي مازال موقع سكنها قائماً حتى الآن ومنذ «150» عاماً.. أتقدم لجميع قادة الكنيسة القبطية وجميع الإخوة القساوسة والأقباط، أتقدم بأسمى آيات العزاء.. ولولا مرضي للازمت مراسم العزاء في البابا شنودة، وفي كنيسة الخرطوم.
رحم الله البابا شنودة وعوضنا عنه خير العوض.
والله الموفق
وشهدت الصحف قبل ثلاثة أسابيع أو أربع مساجلات عنيفة بين كل التنظيمات الاسلامية، حتى شملت أكثرهم هدوءاً ومنطقاً هو الأخ صادق عبد الله عبد الماجد رئيس المؤتمر الاسلامي الحالي ورئيس منظمة الإخوان المسلمين سابقاً، وخرج إلى حلبة الصراع كغيره من القادة الذين ينتمون لمختلف التيارات الاسلامية التي لم يكن لها وجود يذكر في مرحلة تكوين الأحزاب السياسية والذي بدأ بداية منظمة تنظيم الأحزاب السياسية الحالية، وأذكر أنني كنت في السنة الثانية الوسطى وذهبنا أنا واخواني وباقي الأسرة لمقابلة الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد وتهنئته بسلامة الوصول ونيله الشهادة الجامعية، لأن الشيخ صادق تربطنا به صلات أسرية، وذهبنا نحن جميعاً وقضينا يوماً ممتعاً بمنزلهم بشارع الدومة، وكان يستقبل المهنئين العم عبد الله عبد الماجد والأسرة، كما كان الأخ أحمد عبد الله عبد الماجد المدرس بمصلحة المعارف في ذلك الوقت في مقدمة المهنئين، وكان الشيخ صادق رجل هادئ الطبع دقيق الملامح، وكان كل شيء فيه ينم عن أهليته لهذه الجماعة، وكان هناك رجل آخر يحمل نفس الصفات، كان يعمل في العمل الاسلامي من وراء حجاب، ذلكم هو الأخ المرحوم علي طالب الله الذي كان يعمل في وظيفة ادارية في نادي الخريجين منحت له درءاً لمخاطر البريطانيين.
وفي تلك الفترة كان وجود الاسلاميين في المدارس الاسلامية، وأذكر أننا حتى ديسمبر 1955م ذلك الوقت الذي انتهينا منه من الدراسة الثانوية، لم يكن هناك تنظيم فاعل لهذا المسمى، وانما كانت هناك بضعة أشخاص تربط بينهم صلات عقائدية وليست تنظيمية، وأذكر في وادي سيدنا كان من أمثال هذا النمط المرحوم عون الشريف قاسم، وهو رجل قارئ ومطلع. وكانت الجماعة مكونة من الأخ الدكتور هاشم حسن عروة والأخ المرحوم محمد أحمد الخواض وبضعة أشخاص آخرين، وكانوا يعملون ويتعاملون في حذر شديد، الأمر الذي مكن اخواننا حملة الفكر الشيوعي من العمل بنشاط، ولكنه في معظم الأحيان لم يكن عملاً متجاوباً مع الأحزاب السياسية، ولذا فلم يلق استجابة واضحة من الشارع السوداني، ولا من التنظيمات السياسية الأخرى.
وهنا يجدر بي أن أذكر أنه حتى نهاية الخمسينيات ونهاية الستينيات لم يكن هناك نشاط اسلامي منظم كالذي نراه اليوم، وكان للأستاذين حسن عبد الله الترابي وعلي عثمان محمد طه فضل نشر هذه الدعوة بالتحديث الذي نراه الآن، وقد سبقهما بدرجة تنظيمية أقل الأخ صادق عبد الله عبد الماجد والمرحوم علي طالب الله، ولكنني أعتقد ان تأجيج الصراع السياسي بين الاسلاميين وغيرهم بدأ في منتصف الستينيات بقيادة الأخوين الشيخ حسن الترابي والشيخ الأستاذ علي عثمان محمد طه، ودخلت الحركة الإسلامية في صراع عنيف مع من يخالفونها في الرأي، ولكنها بدأت أول ما بدأت نحو الجامعات والمدارس الثانوية، حيث ركز الشيوعيون على دحر القوى الإسلامية، وكانت الحرب سجالاً بين الطرفين.
وأخذت الحركة الإسلامية تنتهج أسلوباً جديداً في التعامل السياسي، واستطاعت أن تعقد اتفاقاً قصيراً مع المرحوم جعفر نميري ولكنه لم يستمر، إذ أن الطرفين كانا يتمتعان بقدر من المغامرة، الأمر الذي دفع في النهاية المرحوم جعفر نميري إلى أن يتهدد ويتوعد بقصم ظهر الاسلاميين، ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك، إذ أن الإسلاميين هم الذين قصمواظهره وأنهوا حكمه، بعد أن حققوا كياناً ووجوداً في مقاعد الجمعية التأسيسية، وحققوا نتيجة أقرب إلى النتيجة التي حققها الاتحاديون في تلك الانتخابات. وبهذه النتيجة أخذ صوتهم يعلو في الشارع السوداني، وأخذوا يمثلون «بعبعاً» كبيراً لكل الأحزاب السودانية، وانفردوا بانقلاب يونيو عام 1989م واستولوا على كل الحقائب السياسية التي كانت في الدولة، تماماً كما فعل الشيوعيون في ثورة أكتوبر 1964م، حيث أنهم وعن طريق المرحوم أحمد سليمان والأخ الأستاذ فاروق أبو عيسى استطاعوا أن يستولوا على عشر من الوزارات وتركوا لبقية أهل السودان خمس وزارات، وسرعان ما فطن إليه حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي اللذين استطاعا أن يحجما دور الحزب الشيوعي في ذلك الوقت، ويلاحظ أن الاسلاميين لم يكن لهم دور في هذا الوضع الديمقراطي الصحيح والسليم في عام 1964م، ولا بد لي أن أذكر أن الاسلاميين جعلوا من هذا التغيير الذي حدث ونادوا به ثورة اسلامية كاملة، وأخذوا يسيطرون على كل مفاصل الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واستطاعوا أن يركزوا للجميع بأن ما حدث للانقاذ في عام 1989م هو ثورة اسلامية حقيقية، وقد اتفقت الفئتان المتصارعتان وأعني بهما الشعبي والوطني كل بأنه يدعي أنه حقق ثورة اسلامية، وسارت الأمور على نحو لم يشتهه الاسلاميون، فحدث خلاف بين الدكتور حسن الترابي وأهل الانقاذ واسع البون صعب التضاريس، واستطيع أن أؤكد أنه لو استمر الحال على هذا المنوال فإن الحركة الاسلامية ستصاب بضربات موجعة قد تؤدي إلى صور من الفشل بالسرعة التي حققوا بها كل النجاحات.
وفي الشهر الماضي جميعه لاحظنا أن هناك تكتلات اسلامية قد برزت إلى الوجود وهي تدعى صلاحيتها للحركة الاسلامية.
وأنا لست ضد التحرك الواعي الذي يبتغي مرضاة الله والوطن، أما أن يخصص إعلام بأكمله جميعه ينخر في أجساد المنظمات الاسلامية فهذا أمر غير مقبول وغير معقول، ونحن حينما تحفظنا وطالبنا بضرورة يقظة الاسلاميين لم نشأ أن ندعوهم إلى ضرورة الانضباط والتعامل السليم في الأموال العامة والأحكام المحايدة في كل ما يخص ضروريات وأمن الوطن، لم نكن نفعل ذلك عن اعتباط وإنما حرص منا على نقاء وصفاء الحركة الإسلامية، وهذا لن يتم إلا عن طريق النقاء والطهر في الأداء والأمانة والقضاء.
ومن أقرب الأمثلة ذلكم الحوار الذي دار بين الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر وقطبي المهدي القيادي بحزب المؤتمر الوطني، ذلك السجال الذي دار بينهما يوم الأربعاء الماضي في احدى الصحف السودانية، كما قرأت تصريحاً لأحد قادة الأحزاب الاسلامية يؤثر فيه الوجود الاسرائيلي على وجود الموتمر الوطني، وأرجو من قادة هذين الحزبين وقف مثل هذه النقاشات عند حدها، وألا ينزلق أحد بالنقاش السياسي إلى هذا المستنقع الكريه.
وبعيداً عن هذا وذاك فقد شهدت كركاتيرا بإحدى الصحف السودانية لرجل يجر عربة كارو يحمل فيها أنقاضاً، وسمى هذه العربة «شلعوها الخوالدة» وراسم الكركاتير لا بد أن يكون من غير أبناء الجزيرة، لأن شلعوها الخوالدة هي فعلاً قرية من قرى تفتيش النويلة، وتسكنها قبيلة الخوالدة، وعملت في تفتيش النويلة سنة 1957م، ثم رأيت هذه القرية في أوائل التسعينيات، وبعد هذه الغيبة الطويلة أستطيع أن أقول بملء الفم عمروها الخوالدة، لأنها صارت قرية كبيرة تضم عدداً كبيراً من المثقفين والمتعلمين، وكانت دوماً تهتم بالعلم والتقدم.
وليت العربة التي تحمل الأنقاض كانت تسمى «شلعوها الخرطوم»، لأن مصيرها كان أفضل بكثير من مستشفى العيون، هذا الصرح الذي تطاولت أيادي البعض إلى تدميره.
الوزير عبد الوهاب محمد عثمان شاب مثالي يعتز به السودان
جمعتني علاقة حميمة بالأخ عبد الوهاب محمد عثمان عندما كان وزيراً للتخطيط العمراني بولاية الخرطوم الذي أظهر فيه من عبقرية الادارة والعمل كماً هائلاً من حسن الأداء وصوناً عظيماً لمصالح الفقراء، وكان من فرط اعجابي بسياساته أنني كنت أحضر في يومه المخصص يوم الثلاثاء، وهو اليوم المخصص لسماع شكاوى الجماهير التي كان يستمع إليها بصبر وأناءة، وكثيراً ما كان يناقش من يحضر إليه في شكواه التي تجد دوماً حلولاً مقنعة من جانبه أو ردوداً مقنعة أيضاً، وفي كلا الحالتين يخرج الشاكي من مكتبه راضياً مرضياً.
وبدأت مسيرة الانجاز الآن بوزارة الصناعة، وأعلنت الوزارة اتجاهها لانجاز وحدات للمذيب الكيماوي لمصانع الزيوت بولاية شمال كردفان لتحقيق أعلى مردود اقتصادي، والاستفادة من الميزة النسبية للولاية في انتاج الحبوب الزيتية ضمن خطة الوزارة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من زيوت الطعام في العام القادم، بجانب تحقيق فائض للصادر يقدر بنسبة 40 ألف طن في اطار البرنامج الإسعافي الثلاثي، وذلك من ضمن فرص التمويل التي يوفرها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وهذا العمل برمته هو جهد مشترك لوزارة الصناعة مع وزارة الزراعة الاقليمية في شمال كردفان.
إن أول الغيث قطرة، وأنا أتوقع وأتنبأ بأن اللمسات في هذا العمل الجليل ستتم في كل أقسام وزارة الصناعة التي سيجد فيها الأخ عبد الوهاب كل ترحاب ومعاونة من أخوانه في أجزاء الوزارة المختلفة، الذين يتطلعون إلى قيادة مثل قيادة عبد الوهاب محمد عثمان، وأعتقد أن عطاء الأخ عبد الوهاب في هذا الصدد سيضيف الكثير إلى انجازات الحكومة التي لم يقصر فيها في موقعه السابق.
نداء للسيد الرئيس عمر البشير
جاءنا من المواطنة ز.ع. شكوى مفادها أن سكان الثورة الحارة الأولى يعانون أشد المعاناة في الحصول على المياه، إذ ان انقطاع المياه ليلاً ونهاراً أصبح أمراً مألوفاً، والناس في حاجة إليها. ونحن نرجو أن يستوضح الرئيس ادارة مياه المدن عن هذه القطوعات على الرغم من الاعلان عن قيام محطات تقوية جديدة للمياه قام بافتتاحها السيد الرئيس عمر البشير ولكن بلا جدوى، والحال في حاله، ولا ندري كيف سيكون الحال حينما يحل فصل الصيف.. الرجاء تكرمكم بالتوجيه لعلاج هذه المشكلة التي سببت غضباً شديداً عند سكان الحارة الأولى.
اجتماع البشير وسلفا كير
نجح مؤتمر القمة الافريقي والوساطات التي كانت تهتم بأمر السودان أثناء انعقاد المؤتمر، نجحوا جميعاً في اقناع جمهورية شمال السودان ودولة الجنوب بعقد اجتماع رئاسي يضم المشير الرئيس عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية والرئيس سلفا كير ميارديت رئيس حكومة الجنوب.
وإنني على قناعة تامة بأنه لو صفت النفوس فإنه الانجاز الوحيد الذي سيحل هذه المشكلة، لأنها تعقدت فعلاً بكثرة جهات الاختصاص التي تناولتها، ونحن الذين نرى أن حتمية العلاقات الطيبة بين جمهورية السودان ودولة الجنوب يجب أن تكون شعاراً يرفعه جميع أهل السودان، لأننا حينما ارتضينا منح تقرير المصير للإخوة في الجنوب، كنا نعلم أن الانفصال وتكوين دولتين هو الخيار الأفضل بالنسبة للجنوبيين، ولكننا وبكل أمانة كنا نأمل أن تقوم علاقات بين الدولتين أكثر ودية وأكثر تعاوناً لنبني بلدينا بتعاون مشترك يقوم على المحبة والاحترام بين شعبي الدولتين. ورجاؤنا للفريق عمر حسن البشير والفريق سلفا كير أن يؤمنا بهذا المفهوم الذي ذكرت، لأن الانفصال كان على يديهما، ويجب أن يكون الرخاء والنماء على يديهما أيضاً.
كلمة لا بد منها
توفي يوم السبت الماضي البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريك الكرازة المرقسية، توفي عن عمر ناهز «89» عاماً بعد صراع طويل مع المرض، ورحلات علاجية مستمرة بين الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، وفي مصر نعاه دكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر، كما نعته المشيخة العامة للطرق الصوفية لشعب مصر بأكمله، وأعلن عن مشاركة رئيس المشيخة العامة للطرق الصوفية وبعض أعضائها البارزين في تشييع جثمان الفقيد.
ومن جهة أخرى نعته نقابة الأشراف للأمة المصرية جميعها، ووصفته بفقيد مصر والوطن.
لقد كان البابا شنودة رجل سلام ومحبة وعطاء، وكان حريصاً جداً على وحدة الشعب المصري وتذويب الفوارق الدينية التي كانت تغذيها عناصر أجنبية. ونحن في السودان نشعر بأن أمة وادي النيل فقدت رجلاً من أعظم رجالها الذين يتميزون بحسن القيادة وحب الأوطان.
التعزية الحارة لمواطنينا في السودان من الأقباط الذين يعيشون بين ظهرانينا قروناً عدة، ويتفاعلون معنا في أفراحنا وأتراحنا.
وأنا بوصفي واحداً من مواليد المسالمة وسكانها وابن واحد من مواليد المسالمة وسكانها سنة 1856م، وكانت الأسرة طوال هذه الفترة تعيش في رحاب الكرم القبطي وعلاقات حسن الجوار المميزة، ولم نشعر في يوم من الأيام بأن هناك فارقاً بيننا وبين الإخوة الأقباط، ونيابة عن الأسرة التي مازال موقع سكنها قائماً حتى الآن ومنذ «150» عاماً.. أتقدم لجميع قادة الكنيسة القبطية وجميع الإخوة القساوسة والأقباط، أتقدم بأسمى آيات العزاء.. ولولا مرضي للازمت مراسم العزاء في البابا شنودة، وفي كنيسة الخرطوم.
رحم الله البابا شنودة وعوضنا عنه خير العوض.
والله الموفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق