السبت، 3 مارس 2012

حروب تتكرر لعجز النخبة السودانية لحل القضايا الوطنية (1-2)

حروب تتكرر لعجز النخبة السودانية لحل القضايا الوطنية (1-2)
جاء في الأخبار أن الجبهة الثورية السودانية التي تتكون من عدد من حركات دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال قد أكملت تشكيلها التنظيمي واختارت ممثليها وبعده بفترة قليلة هاجمت الجبهة بحرية الأبيض في جنوب كردفان واتهمت القوات المسلحة دولة جنوب السودان بأنها وراء الهجوم. وأكدت أنها تمتلك حق الرد ثم قدم السودان شكوى لمجلس الأمن بشأن الهجوم والذي تعتقد الحكومة السودانية أنه تم تنفيذه بدعم من دولة جنوب السودان ولم تمر 48 ساعة حتى أكد وزير الإعلام برنابا مريال بنجامين في دولة جنوب السودان أن بلاده تعرضت لقصف جوي في ولاية الوحدة الغنية بالنفط. وقال بنجامين إن بلاده تقدمت بشكوى لمجلس الأمن.. هذا التصعيد حتماً سوف يقود إلى حرب بين البلدين رغم أن القيادات الحاكمة في البلدين تؤكد أنها لا ترغب الدخول في حرب ولكن التوترات والتصعيد من قبل الجانبين حتماً يقود لحرب وتدخلات خارجية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
وفي تطور آخر, وفي إفادة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أمام الكونجرس, (اتهمت السودان أنه ساعٍ إلى تقويض دولة جنوب السودان, لذلك يجب على الولايات المتحدة البحث عن وسائل للضغط على حكومة الخرطوم وعلى الرئيس البشير شخصيا) وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة قد حسمت خياراتها, والجانب الذي يجب أن تقف معه, ولم تحدد السيدة كلينتون إذا كان الضغط الهدف منه هو العمل من أجل إسقاط النظام, أو لكي يستجيب السودان لكل مطالب دولة الجنوب, حقيقة الموقف الأمريكي غامض في المشكلة السودانية تماما, ويسير كما ذكرت سابقاً بذات السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة في الصراع العربي الإسرائيلي, وهذا الموضوع ليس له علاقة بقضية معارضة ونظام ديكتاتوري, إنما بوطن يجب عليه اليقظة التامة لإجهاض كل المؤامرات التي تحاك ضده, أما قضية الديمقراطية وإسقاط النظام, أو البحث عن توافق وطني, هي قضايا شأن داخلي, تحسمها الجماهير السودانية والقوى السياسية التي تمثلها.
وفي جانب آخر, وفي ذات الموضوع, طالب الرئيس الجديد لقطاع التنظيم في المؤتمر الوطني السيد حامد صديق (بضرورة السمو فوق الآراء الحزبية والنظر في كيفية المحافظة على الوطن، معتبراً أي حديث دون ذلك بمثابة الخيانة الوطنية وأقل ما يوصف بأنه ضعف ولاء وطني، وأصاف لابد من الشعور بأن البلاد تتعرض لاعتداء مباشر ما يستوجب الوقوف والدفاع عنها). كان علي السيد حامد صديق قبل ما يحس المعارضة, كان يجب عليه أن يتابع تاريخ حزبه السياسي, الرافض لمشاركة ومساهمة القوى السياسية في حل مشاكل السودان, وأن حزب المؤتمر الوطني يعتقد هو الوصي لوحده علي السودان, ويقع على عاتقه تعقيد وحل مشاكل السودان, وبقية القوى السياسية يجب عليها المباركة والإذعان, وسلوك المؤتمر الوطني هو الذي أوقع البلاد في كل هذه المشاكل, إن كانت داخلية أو خارجية, وإذا رفضت القوى السياسية منهج الإذعان تتهم بالخيانة العظمى, وهي تهم جاهزة رغم معرفتنا أن السودان يتعرض لتحديات كبيرة تهدد وجوده, ولكن كل تلك المشاكل, مسؤول عنها حزب المؤتمر الوطني, الرافضة لقضية التوافق السياسي, والغريب في الأمر أن المؤتمر الوطني صنع كذبة وصدقها وهي كذبة القوى السياسية المتحالفة معه, وهي قوى صنعها, ثم صدق حقيقة أنها قوى سياسية ذات قاعدة جماهيرية, وتخلى عن القوى الحية في المجتمع, وكان الأجدى للمؤتمر الوطني في ظل هذه التحديات والمؤامرات التي تحاك ضد البلاد, أن يسرع بفتح الحوار الوطني, الذي وعد به السيد رئيس الجمهورية كثيراً في خطبه, ولكن عندما يغادر المنبر ينسى قضية الحوار الوطني الذي تحدث عنها ثم تعاد مرة أخرى عندما يواجه المؤتمر الوطني بتحديات, فهل يستطيع المؤتمر الوطني أن ينقل قضية الحوار الوطني من الممارسة التكتيكية إلى واقع فعلي؟
فقضية التحديات الخارجية, والاعتداء على البلاد, وكيفية التصدي لها, ليست دعوات تقال في المنابر من قبل السياسيين والقيادات التنفيذية والسياسية, أو هي شعارات تطلق في المسيرات الجماهيرية, وخلق برامج تلفزيونية للتعبئة, إنما قضية يجب أن تتدارسها كل القوى السياسية الحية في البلاد, وكل منظمات المجتمع المدني, بهدف البحث عن حل جماعي, يتوافق عليه كل أهل السودان, وليس هناك حزب سيوبر أو زعيم كشف عنه الحجاب, وهم القادرين لوحدهم على حل مشاكل السودان السياسية والاجتماعية والاقتصادية, إنما هي مشكلة أمة, يجب أن يشارك فيها قطاع عريض من أبنائها, أو من خلال ممثليها لحل يعيد للبلاد السلام والاستقرار.
وأيضاً على جانب آخر هناك إصرار عند قيادات الجبهة الثورية السودانية أن يحصروا هدفهم فقط في كيفية إسقاط نظام الإنقاذ, وابتعدوا عن قضية الحوار الوطني, وفي نفس الوقت فإن حكومة الإنقاذ تعتقد أنه ليس هناك حلاً للمشكلة غير الحسم العسكري, وبالتالي حملت القوات المسلحة مسؤولية الحسم العسكري, وقد جاء ذلك في الخطاب, الذي كان قد ألقاه الرئيس عمر البشير في منطقة الفرش بمحلية البطانة, في سبتمبر من العام الماضي, والذي قال فيه: (إن الحكومة لن تتفاوض مع الخارجين عن القانون في الخارج, ومن أراد السلام عليه العودة للداخل)، وأضاف قائلاً: (إن حكومته لن تقبل بتكرار تجربة فرض التفاوض, وتوقيع البروتوكولات, ومراقبة الأمم المتحدة). هذا الحديث وما سبقه من كلمات لرئيس الجمهورية, أصبح البرنامج المعتمد من قبل السلطة, في التعامل مع المشكلة في كل من ولايتي النيل الأزرق, وجنوب كردفان, إضافة للحركات المسلحة في دارفور, وهذا الطريق لا اعتقد يفضي إلى سلام, واستقرار في السودان في الوقت القريب, وهي قضية وطنية, يجب أن تنظر إليها النخب السودانية بحس وطني, بعيداً عن حساسيات الانتماء السياسي, لأن الذي يعاني هو الوطن والإنسان السوداني, ويجب أن يكون لها دور محوري في الحل, دون أن تأخذ إذناً من أية جهة كانت, لأن الوطن للجميع وليس لفئة بعينها.
واللافت للنظر في مشاكل السودان, أن القوى السياسية جميعها لا تقبل بالحل السياسي الداخلي, وتفضل دخول طرف ثالث من الخارج, في تبرير أنهم لا يثقون في بعضهم البعض, ورغم أن السيد رئيس الجمهورية, قد أشار في حديثه في منطقة الفرش, للحل السياسي, بشرط أن يكون في الداخل, إلا أن التجارب تؤكد أنهم أكثر ميولاً لتدخل الخارج, أن كان الخارج في دول المحيط, أو في الاتحاد الأفريقي أو العربي, ولكنها لا تقبل تدخلاً من النخب السودانية, للمساهمة في حل المشاكل, وهذا يؤكد أن هناك أزمة ثقة كبيرة ليس بين القوى السياسية مع بعضها البعض, بل هي أزمة ثقة بين النخب السودانية على مختلف أنواعها, وما دامت أزمة الثقة مستحكمة بين النخب السودانية, إن كانت في المعارضة, أو في الحكومة, وحتى النخب غير المنتمية, يبقى وجود الخارج ضرورة مهمة, رغم أنهم جميعا يعلمون إن الخارج لا يتدخل إلا لخدمة مصالحه الخاصة, أن كانت مصالح حالية أو مستقبلية وعندما يفرض الخارج الذي جروا إليه شروطه, تبدأ الشكوى أن هناك أجندة أجنبية, والسودان يتعرض لتهديد وتقسيم, وهناك مخاطر تحيط به, وهم يعلمون يقيناً أنهم سبب مباشر في السماح لتدخل الخارج ورفضهم تدخلات داخلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق