الاثنين، 19 مارس 2012

المزارع المحور وراثيا..ومطلوبات قانون السلامة الحيوية


المزارع المحور وراثيا..ومطلوبات قانون السلامة الحيوية
مشاركات
 
 
الجزء الثاني: وقفنا في الجزء الأول عندما طرح البروف إبراهيم أحمد عمر، وزير العلوم والتكنولوجيا، ورئيس دائرة الإنتاجية والتقانة والجودة بالنهضة الزراعية وقتذاك، السؤال الآتي:- أنا أريد أن أحمل رأياً واضحاً للسيد رئيس الجمهورية حتى يتمكن الرئيس من إصدار قرار واضح بشأن التحوير الوراثي، إما أن يصدر قراراً بقبول المحاصيل المحورة وراثياً أو برفضها؟!!.. الإجابة كانت على النحو الآتي: ليس مطلوباً قرار من السيد الرئيس أن نقبل بها، وليس مطلوباً منه رفضها، ولكن الصحيح أن نقبل ما هو صالح، وأن نرفض ما هو طالح، وفق رؤية علمية ووطنية، أي أن الأمر خاضع لدراسة كل حالة على حدةCASE BY CASE . الرد على سؤال السيد الوزير بني على أساس أن السودان جزء من العالم الذي نعيش فيه ولا يمكن لنا الاختباء وراء الرفض لأن ما نرفضه اليوم قد نحتاجه ونقبله الغد، وأننا لا يمكن أن نعيش في عزلة من التقدم العلمي، وأن أنسب الطرق لمحاربة مقررات وإفرازات العولمة هو أن تعزز مفاهيمك وقيمك في منظومة العولمة، ودعها هي التي تنافس وتحارب، دون السلبية والتباكي على مفاهيمنا وقيمنا السمحة. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر تجربة دول جنوب أفريقيا ليست ببعيدة عنا، حيث أن تداول المحاصيل المحورة وراثياً كان أكثر انتشاراً في الدول التي رفضت قبولها مقارنة مع الدول التي تسمح بتداول هذه المحاصيل، وبناءً على قانون. هذا شيء طبيعي وفق قاعدة كل ممنوع مرغوب... وكنا ندرك أن مثل هذا الرد يستوجب التحرك العلمي لتطوير وتنمية قدراتنا في معارف التحوير الوراثي لاستدراك المخاطر، حتى إذا حدث أي شيء،لا قدر الله، تكون لنا القدرة في الحماية والدفاع . إن التحوير الوراثي لغة حديثة في العلوم يجب أن نفهمها وبلغة الجيش إذا أردت أن تواجه خطراً أو عدواً فتعرف عليه، وعلى لغته وتصرفاته ومناوراته. كما أن زيادة معارفنا العلمية والاهتمام بالبحوث وتجويد مخرجاتنا تجعلنا قادرين على المساهمة في تطوير البشرية والخروج من المحلية والانعتاق من دائرة الدول المتلقية للتقانات إلى رحاب الدول المصدرة لها، وهذا ليس على الله بعسير. عليه إن أهم متطلبات التعامل مع التقانة الحيوية هو بناء القدرات الوطنية. مما لاشك فيه أن هيئة البحوث الزراعية تحملت هذا العبء مبكراً، وأنشأت معملاً للتقانة الحيوية بودمني بدعم مبدئي مقدر من هيئة الطاقة الذرية. وقف هذا المعمل شامخاً وكان هو القادر علمياً وعملياً في التحكم في دخول الأغذية المحورة وراثياً أيام محنة دارفور الغذائية في العام 2005/ 2006 وما تلاها، وفي ذلك اعتمدت على نتائجه هيئة المواصفات السودانية، بالإضافة إلى وزارة الصحة وهيئة العون الانساني ومنظمةٍ الأغذية والزراعة العالمية وكل منظمات الاغاثة بما فيها برنامح الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة مما ادى لتناقص الإرساليات الغذائية الحاوية علىى محاصيل ومنتجات تحتوي علي تحاوير جينيه غير مجازة او غير مقبولة لنا وحتي في بلد المنشأ. نسال الله أن يتقبل هذا العمل خالصا لوجه الله وأن يجعله في ميزان حسنات هيئة البحوث الزراعية ومنسوبيها... القانون الذي بين يدى وحسب افادة المصدر انه القانون الذي اجيز بمرسوم مؤقت مع اضافة مادة تسمح بدخول الكائنات المحورة وراثيا بغرض البحث. لقد عرف القانون التقنية البيولوجية الحديثة بانها تقنيات الحامض النووي بما فيها (DNA ( والحقن المباشر للحمض النووي في الخلايا أو الاعضاء أو دمج الخلايا لما وراء العائلة في التصنيف النباتي والحيواني لتجاوز العوائق الفسيولوجية، كما عرف السلامة الحيوية بانها حماية صحة الانسان والتنوع الاحيائي والبيئة من الاثار المحتملة التي تترتب عن منتجات التقنية البيولوجية الحديثة. وعرف الكائن المحور جينيا بانه أي كائن حي إكتسب تركيبة جديدة من مواد جينية حصل عليها باستخدام التقنية البيولوجية الحديثة. كما تطرق في بنوده لموضوع المخاطر وتقييمها ووضع الشروط اللازمة للتعامل مع وتداول الكائنات المحورة ومنتجاتها وافرد ابوابا لتكوين المجالس واللجان الوطنية الحاكمة. ان كثيرا من الدول لم تستطع تجاوز محنة اجازة قانون السلامة الحيوية، لذا فإن هذا العمل يعتبر إنجازاً كبيراً.. ما هي قدراتنا الآن لإنفاذ قانون السلامة الحيوية؟ أقول: بصراحة، مقدرتنا لا بأس بها كبداية، وإن كان التقدم العلمي يتطلب التدريب المستمر للكوادر السودانية ومساهمتها في كل الفعاليات والمؤتمرات والدورات العالمية ذات الصلة وإلا فإن غيابنا يعني تخلفنا. كما أن التحديث الدوري للمعدات المعملية والاجهزة والوسائل المستخدمة في البحوث والكشف علي المحاصيل الوراثية أمر لا يمكن تجاوزه حيث التطورالعالمي اليومي في مقدرات وكفاءة المعدات والأجهزة. ولقبول نتائجنا عالمياً فيجب ان تكون اجهزتنا علي المستوى العالمي الآن. هناك حدود لقراءة الاجهزة وتسمي التحمل الصفري Zero tolerance، وكلما قل رقم التحمل كان الجهاز أكثر دقة وعلي هذا الاساس تقبل نتائج المعامل او ترفض وفق دقة الاجهزة . وحسب معرفتي فإنه حتى منتصف عام 2010 أن الجهة المؤهلة في السودان من حيث الاجهزة والمعدات والمقدرة العلمية هي هيئة البحوث الزراعية، خاصة بعد افتتاح معمل التقانة والسلامة الحيوية بشمبات والذي أتمني أن يزوره السيد النائب علي عثمان رئيس المجلس الاعلي للنهضة الزراعية لانه بقليل من الجهد يمكن ان نجني ثماره. هذا المعمل به خمسة اقسام رئيسية وهي قسم التقانة الاحيائية الجزيئية، قسم الكيمياء الحيوية، قسم الكشف عن الكائنات المحورة وراثيا، قسم فسيولوجيا النبات، وقسم التقانة الحيوية الرقمية. وللتدليل على مقدرتنا العلمية استشهد بما حققته باحثة هيئة البحوث الزراعية رشا ادم والتي أرسلت في بعثة دراسية الي جامعة جوموكينياتا بكينيا علي منحة مقدمة لهيئة البحوث الزراعية من منظمة تقوية البحوث الزراعية في وسط وشرق افريقيا (ASARECA) حيث تمكنت من تحوير الذرة الشامية ،الصنف السوداني (مجتمع) بنجاح، رغم أن هناك نجاحات عالمية سابقة في تحوير الذرة الشامية وصلت حد الاستخدام التجاري، إلا أن هذا الانجاز مثل نقطة تحول كبيرة في إقناع الممولين من الامريكان والكنديين والاوربين بزيادة دعمهم لبرنامج التقانة الحيوية التابع للمنظمة. أي أننا أصبحنا متمكنين من هذه التقانة ولنا المقدرة ليس على الكشف عن التحوير الوراثي، بل علي عمل التحوير الوراثي ذاته. مازال هذا المعمل فاتحا ابوابه لطلاب الدراسات العليا، ولبناء القدرات البشرية. علمت مؤخراً أن هيئة المواصفات والمقاييس السودانية كعهدها بادرت وأنشأت معامل متقدمة في التقانة الحيوية في كل من الخرطوم وبوتسودان، وبدأت فعلاً عملها في الكشف على الكائنات المحورة وراثيا. وربما تكون هناك جهات بحثية اخري بدأت في تأهيل نفسها أو بدأت العمل فعلاً. لابد من كلمة حق وإشادة بجامعة الخرطوم، كلية الزراعة بشمبات في موقفها الشجاع بتخصيص قسم للتقانة الحيوية والذي منه تخرج معظم منسوبي معمل البحوث الزراعية...لقد صدر القانون وفي رأيي أن به عيباً كبيراً يتمثل في أن القانون استثنى دخول الكائنات المحورة بغرض إجراء البحوث، هذا الأمر خطير ويجب أن يعاد إلى حاكمية السلطة الوطنية. وبالرجوع إلى القوانين المماثلة كما في قانون المبيدات الذي بموجبه يلتزم الباحث أو الجهة البحثية بمخاطبة المجلس القومي للمبيدات وتعبئة البيانات المطلوبة أولاً، والمجلس هو الذي يقرر بالسماح أو الرفض، لذا أحذر من هذا الاستثناء و ارى أن يزال من هذا القانون .......لانفاذ وتفعيل القانون يجب 1- تحديد الوزير المختص وتسمية السلطة الوطنية وهي الجهة الفنية العليا الحاكمة بنص القانون وبلجانها المختصة هي التي تقرر وتضع المواصفات واجراء دراسات تقييم مخاطر المواد المحورة وراثيا، ولها سلطة القبول أو الرفض. 2- تحديد معمل مرجعي وطني تستند عليه السلطة الوطنية في أعمالها العلمية لتنفيذ القانون، وما دام هناك قانون يمكن على ضوئه أن تكون للمعمل شخصية اعتبارية تتبع للسلطة الوطنية وميزانية منفصلة من وزارة المالية. 3- أن يختزل دور الهيئة الوطنية للمواصفات والمقاييس علي الرقابة في المواني والاسواق4- ان يتم االترويج للقانون ونشر الوعي بين المواطنين . 5 - نحن الآن على أبواب دولتين متجاورتين بحدود مفتوحة تزيد عن 2000 كيلومتر طولي، ولا يمكن مهما أوتينا من قوة منع التداخل الحدودي، وهذا الأمر يتطلب التنسيق الكامل بين الدولتين حتى نصل المواءمة في قانون السلامة الحيوية، هذه المواءمة ليست مطلوبة في قانون السلامة الحيوية فحسب، ولكن يجب أن تشمل أيضاً كثيرا من القوانين الزراعية خاصة التي تختص بالمبيدات، التقاوي، الحجر الزراعي الخ، والتي بمواءمتها تتعافى البيئة وصحة المواطنين في البلدين، كما ان تنافر القوانين يجعلها جالبة للفساد والمفسدة. 6- وفق قانون السلامة الحيوية، في حالة ظهور كائنات محورة وراثياً أو منتجاتها في السودان غير مصدقة من السلطة الوطنية، من حقنا كمواطنين، وحق جمعيات حماية المستهلك وكل الجهات المعنية وقفها وفق القانون، ومعاقبة المخالفين. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل (بقلم:البروفسير أزهري عبد العظيم حمادة aahamada56@yahoo.com *)..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق