الأربعاء، 29 فبراير 2012

ا للحرب بين دولتي الشمال والجنوب


* لعنة الله والملائكة ورسوله والناس أجمعين على اتفاقية نيفاشا واللؤم والقبح التي وقعها المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية التي انتهت بفصل جنوب السودان عن شماله في مشهد لم يتوقعه حتى الانفصاليين المتشددين في المعسكرين!!
* فنيفاشا الشؤم انتهت بالسودان الواسع العريض المترامي الاطراف الى الانفصال والتمزيق وانتهت بشعبه الى الفرقة والشتات!.
* نيفاشا خطأ تاريخي وقعت فيه الحركة الاسلامية السودانية بكل بساطة وسهولة وعفوية ودون ان تحسب حسابا لما بعد نيفاشا ودون تقدير لتبعات الاستفتاء على تقرير المصير الذي قاد الى الانفصال قبل الوصول لاتفاق مسبق وحسم القضايا على درجة عالية من الاهمية وعلى رأسها أبيي والبترول وترسيم الحدود والاتفاق على قضايا الدين الخارجي والتي اصبح كل منها يمثل قنبلة موقوتة قد تؤدي الى حرب ضروس لا تبقي ولا تذر!.
* كان من المفروض ان يتم الاتفاق على حل هذه القضايا الخطيرة قبل السماح لشعب الجنوب بالذهاب لصناديق الاقتراع خاصة بعد ان اضحى واضحاً بان خيار الجنوبيين هو الانفصال وليس ما يسمى بالوحدة الجاذبة التي بشرت بها الاتفاقية!.
* ومنذ اليوم الاول لاعلان نتيجة الاستفتاء الذي انتهى بالانفصال فقد بدأ شعب الشمال يدفع ثمن الفاتورة الغالية المكلفة للانفصال حيث لم يتم الاتفاق على أي قضية طرحت للنقاش والحوار رغم الوجود الدولي على طاولة المفاوضات!!.
* ومازالت القضايا الرئيسية الاربعة تراوح مكانها ومازال الحوار حولها اشبه بحوار الطرشان أو باسلوب لا اسمع ولا أرى!!.
* فأبيي المتنازع حول تبعيتها بين الشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية)، تحولت الى مسرح دام شهد ازهاق العديد من الأرواح بين الجانبين الأمر الذي أدى الى التدخل الدولي تحت البند السابع وما ادراك ما البند السابع!!
* وقضايا الحدود مازالت على ما هي عليه رغم ان هناك خريطة واضحة المعالم لحدود مديريات السودان التسع والتي رسمها وحددها الاستعمار الانجليزي وظلت هذه الحدود ثابتة لم يحدث فيها أي تعديل او تغيير رغم انماط الحكم الاتحادي المختلفة بالسودان، وطوال أكثر من 56 عاما!..
* وقضايا الدين الخارجي وفيما يبدو فان الحركة الشعبية لا تقبل بان تتحمل أي جزء منها باعتبارها اموالا صرفت على حررب الجنوب وليس على تنميته!.
* أما قضايا البترول وتصديره ونصيب الشمال من عائدات البترول فقد ظل بمثابة الشرارة التي تنذر باندلاع الحرب خاصة في ظل اتهامات حكومة الجنوب لحكومة الشمال بسرقة بترول الجنوب واصرار حكومة الشمال بأنها اخذت مستحقاتها من عبور البترول عبر انابيب تصديره عينا وانها لن تسمح بتصديره ما لم يتم الاتفاق على استحقاقات الشمال!.
* كل هذه القضايا العالقة تشير الى أحد أمرين اما تعطيل مصالح الشعبين في حالة تمترس كل طرف في موقفه او اندلاع حرب ضروس بينهما لا تبقي ولا تذر خاصة في حالة الفشل في الوصول لحل مرض فيما يتعلق بتبعية ابيي وترسيم الحدود!!.
* وكلا الأمرين احلاهما مر، خاصة وان ظروف كل منهما لا تسمح له لا بالتمترس في موقعه ولا بخوض الحرب التي تتطلب اموالا طائلة لا يملكها أي منهما!!.
* نقول اموالا طائلة لان كلفة الحرب بالنسبة للشمال ووفقا لتقديرات مسؤول ملف الجنوب مساعد رئيس الجمهورية العقيد عبد الرحمن المهدي قد تصل الى مائة مليار دولار مما يعني ان الجنوب في حالة اختياره لخوض الحرب سيكون ايضا بحاجة الى مائة مليار دولار فضلا عن الخسائر التي ستلحق بكل بلد في مجال تدمير البنيات التحتية من طرق وكباري وجسور!!
* وبالتأكيد فإن هذه الكلفة العالية للحرب ستكون مدخلاً للقوى الخارجية لتحقيق اهدافها ومطامعها في نهب خيرات وثروات البلدين الشقيقين المتجاورين دون واعز من ضمير أو اخلاق!.
* والذي سيكسب الحرب هو الذي يفتح ابوابه واسعة امام التدخلات الاجنبية او ربما تكون هناك موازنات دولية لاطالة عمر الحرب والعمل على انهاك الحكومتين والشعبين لتحقيق المزيد من المكاسب والارباح!!.
* ان الحرب (في حالة اندلاعها) فانها لن تكون الخيار المفضل لأي من الشعبين الشقيقين المغلوبين على امرهما بقدرما انها ستكون خيار النظامين الحاكمين في البلدين وبصورة اكثر وضوحا ستكون هي خيار (طرفي نيفاشا) المتشاكسين حيث يسعى كل منهما للقضاء على الآخر!!.
* وفي هذه الحالة فان الخاسر الاول هو الشعبان في الشمال والجنوب لذلك فانه يتعين عليهما ان يمنعا قيام أي حرب بين دولتيهما وان يضغطا في اتجاه الحل السلمي الذي يحقق مصالحهما في العيش بسلام وامان!!.
* من هنا فان مسؤولية نزع فتيل الحرب تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني في البلدين حيث لابد من الضغط في اتجاه السلام والامن والوقوف بصلابة وشجاعة في وجه الحرب وكل ما يمكن ان يقود اليها.!
* وحل قضية ابيي يمكن ان يترك لقبيلتي المسيرية ودينكا نقوك ووفقا للروابط التاريخية التي تربط بينهما ويمكن ان يتم الاتفاق على آلية ادارية بين الطرفين وفي ظل ضمانات ومعاهدة دولية بين حكومتي الشمال والجنوب ولابد لحل مشكلة ابيي من الوصول لمنطقة وسطى تجنب الشعبين مغبة خوض حرب في ظل البند السابع الذي اصبح سيفا مسلطا على الرقاب!.
* وكذلك يمكن الوصول الى ترسيم الحدود وفقا لحدود المديريات التي ورثناها من الاستعمار الانجليزي عام 56 وكل الذي نتمناه ان لا يكون هناك اي توترات في الحدود حتى لا تتأثر بذلك قبائل التماس خاصة وان هناك صلات دم ورحم ومصالح مشتركة تربط بينهم وهي مصالح تتطلب التحرك بحرية ودون قيود بين حدود الدولتين!!.
* وفيما يتعلق بمسألة الدين الخارجي فمن الافضل والاوفق ان يتم تشكيل آلية مشتركة لبحث الدين الخارجي والاتصال بالدول الكبرى والجهات الدائنة لاعفاء هذه الديون خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور والصعوبات المالية التي تعاني منها الدولتان وبالعدم فانه من الممكن تأجيل السداد لفترة لا تقل عن 20 عاما وخلال هذه الفترة يمكن ان يتم التوصل لتسوية مشتركة بين الدولتين!.
* وتبقى قضية البترول بمثابة النقطة الساخنة والقنبلة الموقوتة التي لابد من نزع فتيلها حيث لابد ان يسود العقل والحكمة فالجنوب بحاجة الى تصدير بتروله والشمال بحاجة الى استثمار بنياته الاساسية في مجال النفط نقلا وتصديراً وبقاء بترول الجنوب في باطن الارض بعد قرار رئيس الجنوب بوقف الانتاج والتصدير وقرار الشمال بقفل (بلف البشير) قراران خاطئان تماما ويمثلان عقوبة قاسية على الشعبين معاً حيث لابد ان يستفيد شعب السودان من عائد استثماراته وهناك العديد من الحلول التي يمكن لأي منها ان يوفر حلا لهذه الاشكالية ومن بين هذه الحلول الاحتكام للقوانين والاتفاقات الدولية التي تنظم مثل هذه المسألة.
* ان شعب السودان لا يمكن ان يكون عدواً لشعب جنوب السودان يتمنى موته واختفاءه من على ظهر هذه البسيطة وبنفس القدر فان شعب الجنوب ليس عدواً لشعب السودان يتمنى هلاكه واندثاره والانفصال يجب ان لا يكون مدخلا لكل هذه التوترات رغم تعقيدات العلاقة بين الدولتين، فبالحكمة والعقل يمكن ان يتم حل كافة الاشكالات وبما يحفظ علاقات حسن الجوار وبما يحقق المصالح المشتركة بين الشعبين.
* وغني عن القول ان الشجعان هم وحدهم القادرون على صناعة السلام وتحقيقه وفرضه حتى ينعم به الشعبان.

قياس الانحراف لدى الحركة الإسلامية


قياس الانحراف لدى الحركة الإسلامية
هل يمكن تطبيق القياسات الإحصائية على مفاهيم وقيم مجردة، أم إن الأمر يتطلب تفكيكها وتحويلها إلى قيم محسوسة يمكن التعامل معها بحسابات الأرقام؟ عنَّ لي هذا التساؤل وأنا أقرأ قولاً نشرته وكالة السودان للأنباء نقلاً عن الأستاذ عبد الله زكريا مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية يفيد بأن الحركة الإسلامية العالمية انحرفت عن مسارها لأنها تبنت الآيديولوجية الرأسمالية الليبرالية، داعياً الصفوة بالحركة الإسلامية في السودان إلى تدارك الخطر المحدق بالبلاد». وأضاف خلال مخاطبته ندوة الانحراف الفكري للحركة الإسلامية العالمي التي عقدت بمقر المركز اليوم أن النظام الرأسمالي تسبب في توسيع دائرة الفقر والبطالة، مشيراً الى سيادة الثقافة الإعلانية التجارية وتحويل المجتمعات إلى استهلاكية، مبيناً احتكار الإعلام لتحقيق أهداف الرأسمالية». ودعوته الصفوة بالحركة الإسلامية في السودان إلى تدارك الخطر المحدق بالبلاد من جراء اعتناق النظام الرأسمالي وفتح باب الحوار للتفاكر ولإيجاد الحلول للمشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي واجتماعي وثقافي يرتكز على الإرث الإسلامي والتمسك بوسائله للخروج من المأزق.
ولأن الانحراف يعتبر أحد مقاييس التشتت في علم الإحصاء، ويطلق مسمى التشتت أو تغير البيانات على الدرجة التي تتجه بها البيانات الرقمية للانتشار حول قيمة وسطى، فإن قياس درجة انحراف الحركة الإسلامية عن القيم والمفاهيم الإسلامية والإنسانية يتطلب إحالتها إلى قيم ومفاهيم متحركة ومحسوسة، بالنظر إلى الجانب الآخر من الصورة التي حاول السيد عبد الله زكريا رسمها للحركة الإسلامية العالمية وذلك بقراءة درجة انحراف الحركة الإسلامية السودانية عن تلك القيم.
قياس الانحراف في الإحصاء يتم بعدة طرق من بينها الانحراف المتوسط والانحراف المعياري وتتعامل هذه القياسات مع الأرقام، حيث يتم تحديد المدى بحساب الفرق بين أكبر وأقل رقم في المجموعة، ويحسب بعدها الوسط الحسابي لمجموع الأرقام، ومن ثم يحسب الانحراف لكل رقم بطرحه من المدى وجمع الناتج وقسمته على الوسط الحسابي. وفي حالة الانحراف المعياري يحسب الجزر التربيعي للعملية.
سنتعامل هنا مع الحركة الإسلامية السودانية كمؤسسة، بعيداً عن رؤى بعض عضويتها من الإسلاميين التي قد تخالف ما تذهب إليه الحركة أو ما ذهبت إليه، لأن العديد من عضويتها لم يتفق معها في بعض مواقفها بل وعارض تلك المواقف جهاراً نهاراً، لكن هذا البعض لم يؤثر على اتخاذ القرار باسم تلك المؤسسة، وبالتالي تصبح هي المسؤولة عنه. فمثلاً الحركة الإسلامية هي من خطط ونفذ انقلاب يونيو 89، رغم معارضة بعض عضويتها للاتجاه الانقلابي.
معضلة قياس انحراف الحركة الإسلامية السودانية ستضطرنا للعمل في عدة اتجاهات، سياسية واقتصادية واجتماعية، والتطرق لبعض مقولات علماء الاجتماع الذين أسسوا لعلم الاجتماع الديني وبالأخص ماكس فيبر وكذلك الاستناد إلى نصوص دينية لتسهيل عملية القياس. وسنبدأ بحديث الرسول الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، عن آيات المنافق «إذا حدث كذب، وإذا أوتمن خان، وإذا وعد أخلف»، أما «ماكس فيبر» فيذهب، في محاولات إثباته للتأثير الديني في تصورات الفرد والجماعات وبالتالي سلوكهم الاقتصادي، إلى أن بنيامين فرانكلين قد عبر بصدق عن السمات اللازمة لوجود النظام الرأسمالي مثل أن الأمانة هي أفضل سياسة، والحساب الدقيق ضرورة لأي عمل، السلوك المنظم، المثابرة، الكفاية، الصدق والإخلاص.
السمات السايكولوجية اللازمة لوجود النظام الرأسمالي (حسب فرانكلين) تتناقض تماماً مع سمات المنافق التي قال بها الرسول الكريم، وبالتالي تبدأ هزيمة قول مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية من هنا، حتى قبل الدخول في تفاصيل حساب مدى انحراف الحركة الإسلامية السودانية.
حساب المدى بين الصدق والكذب في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية ليس صعباً بل متوفراً وسهلا، مما يمكن من بيسر من الوصول إلى قياس انحرافها عن القيم التي تدَّعي الدعوة لها. إذا اعتبرنا أن النظام الاجتماعي بمؤسساته وقيمه في السودان يمثل دائرة درجاتها 360، وان الصدق يقع في الدرجة 90 من الدائرة ونقيضه الكذب يقع على نقطة 270 درجة فإن الخط الواصل بينهما يمثل نصف قطر للدائرة، والفرق بينهما 180 درجة. بحساب تلك القيم الرقمية سيكون متوسط الانحراف قيمته 90، وهو بحسابات علم الإحصاء رقم كبير يعكس مقدار التشتت. ويمكن على ضوء ذلك تطبيق قياسات الانحراف في قيم الصدق والكذب، حفظ الأمانة وخيانتها، الوفاء بالوعد ونقيضه وغيرها.
كذبت الحركة الإسلامية السودانية (وما قام على الكذب فهو باطل) عندما نفذت انقلابها في العام 89 على الشعب السوداني، بتآمرها على النظام الديمقراطي وبنفي قياداتها أن لهم علاقة بالإنقلاب. وهذا إنحراف بيِّن عن قيمة الصدق التي يعلي من شأنها الإسلام ويتصف بها النبي الكريم، وفي ذات الوقت يعتمدها منظرو النظام الرأسمالي كسمة لازمة لوجوده.
خانت الحركة الإسلامية الأمانة عندما حنث بعض أعضائها بالقسم لحماية الدستور والنظام الديمقراطي، وخانوا أمانة مؤسساتهم التي ينتمون إليها تحت دعاوى مثل التي يدعو لها الآن الأستاذ عبد الله زكريا بتدارك الخطر المحدق بالبلاد من جراء اعتناق النظام الرأسمالي وفتح باب الحوار للتفاكر ولإيجاد الحلول للمشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي واجتماعي وثقافي يرتكز على الإرث الإسلامي والتمسك بوسائله للخروج من المأزق. وتجاهل الأستاذ أن الحركة الإسلامية زعمت تبريراً لانقلابها أنها نفذته لحل المشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي يرتكز على الإرث الإسلامي. وها نحن بعد أكثر من عقدين نستمع لذات المبررات. والحفاظ على الأمانة وردها من صفات الصادقين «ترجعونها إن كنتم صادقين»، سورة الواقعة، ويقول الرأسماليون إن الأمانة أفضل سياسة يقوم عليها النظام الرأسمالي.
مَنْ شيمته الكذب بالتأكيد لا يفي بوعوده، وإذا تجاوزنا الكذب فكم من الوعود التي اطلقتها الحركة الإسلامية منذ استيلائها على السلطة قبل أكثر من عشرين عاماً، وظلت هباءاً منثورا. الوفاء بالوعد من القيم الإسلامية الرفيعة وتكشف معدن الإنسان، فإذا كانت واحدة من مبررات إنقلاب الحركة الإسلامية على الحكم في 89 هو الحفاظ على وحدة البلاد، فأين نحن من هذا الوعد بعد انفصال الجنوب؟ وهي لا تفي بوعودها لأنها تطلق الكلام على عواهنه وليست لديها حساب دقيق لأي عمل تقوم به.
لنأخذ نماذج متعددة أخرى لقيم إنسانية، الحرية كقيمة بعيدة كل البعد عن مرتكزات الحركة الإسلامية، وهي لذلك حركة متكلسة تعادي الفكر وحريته وترفع السيف في وجه الرأي، وهي بذلك تناقض قيمة إسلامية أصيلة. فإذا كانت الحركة الإسلامية العالمية انحرفت في هذا الاتجاه فهو إنحراف موجب تقل فيه قيمة المدى الرقمية ويؤشر إلى أنها تسير في الطريق الصحيح، على عكس الطريق الذي يرغب مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية.
العدالة قيمة إسلامية أصيلة، وقيمة إنسانية فإذا كانت الحركة الإسلامية العالمية إنحرفت نحو بسط العدالة وتحقيقها فهو انحراف إيجابي، بدلاً من صنوف الظلم والوانه التي أذاقتها الحركة الإسلامية السودانية للشعب طوال فترة حكمها.
قال الأستاذ زكريا في تلك الندوة: «إن النظام الرأسمالي تسبب في توسيع دائرة الفقر والبطالة، مشيراً الى سيادة الثقافة الإعلانية التجارية وتحويل المجتمعات إلى استهلاكية، مبيناً احتكار الإعلام لتحقيق أهداف الرأسمالية». إن الرأسمالية لا تقوم على سيادة الثقافة الإعلانية التجارية ولا تحويل المجتمعات إلى استهلاكية، بل تقوم على علاقات إنتاج وملكية وسائل انتاج. إن ما يصفه الأستاذ لا علاقة له بالرأسمالية، بل هي شيء تابع ونتيجة، فالرأسمالية بدون إنتاج لن تقوم ولا وجود لها في سلم التطور الإنساني ولا في قائمة النظم الاجتماعية، وهي كنظام اقتصادي له سلبياته الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية غير المنكورة والتي تقف الشعوب في وجهها بكل قوة منذ ما بعد الثورة الصناعية في أوربا. لكن ما يتحدث عنه الأستاذ عبد الله زكريا هو رأسمالية من نوع آخر، هي الرأسمالية الطفيلية التي تقوم على السمسرة وليس الإنتاج، وهو ما ظلت تطبقه الحركة الإسلامية منذ مجيئها للسلطة.
إن قياس درجات انحراف الحركة الإسلامية السودانية يمكن الوصول إليه كما قلت بسهولة، وبالتالي ندعو الذين يرون فيها بارقة أمل للخروج من مأزق أدخلت فيه البلاد بنفسها (بيدها لا بيد عمرو)، أن يرجعوا البصر كرتين ويخافوا الله فينا.

زنا المحارم.. أول الطوفان.. !

زنا المحارم.. أول الطوفان.. !
الخرطوم: زهرة عكاشة – ندى أحمد
لم يتبقَ غير أن تتصدر حالات زنا المحارم والاعتداء على الأطفال خصوصاً الأخبار، فلم يعد هناك شيء بعيداً عن الحدوث في ظل الانحرافات الاجتماعية المتزايدة خلال العقدين الماضيين. وزنا المحارم ظاهرة لم يألفها المجتمع السوداني، ولم يتعامل معها بغير ما يرد من وسائل الإعلام في الخارج، فقد كان المجتمع محصناً بتقاليده وقيمه وأعرافه الراسخة، ثم إيمانه العميق بالقيم السماوية الفاضلة. ولأن الأمر أضحى واقعاً منشوراً وقضايا في المحاكم، فلابد من تناوله والبحث من ورائه سعياً وراء الأسباب والدوافع والآثار.
مؤشر خطير
الدكتور سعد عبد القادر العاقب المحاضر في الجامعات السودانية يرى أن الانحراف عن الفطرة كارثة اجتماعية خطيرة مدمرة للأخلاق، مبدياً خشية وأضحة من أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الزنا أخف الأضرار الاجتماعية والأخلاقية. ولا تذهب المخرجة وجدان صباحي بعيداً إذ ترى أن هذه الأفعال غريبة على المجتمع السوداني المتماسك، مشيرة الى أن أثرها النفسي يتعدى المجرم والضحية إلى المجتمع من حولهم أيضاً؛ لأنه سيصاب بفقدان الثقة في الآخر، وعدم الإحساس بالأمان حتى في وجود الأب والخال والعم، وحتى الأخ. بينما رأت «س، م» في هذه الظاهرة على الرغم من قلتها مؤشرا خطيرا على انحلال بعض الأسر السودانية، وأرجعت السبب إلى الابتعاد عن الدين ومشاهدة الشباب الأفلام الإباحية والقنوات الفاضحة، وقالت «س،م» إن السبب من وراء استهداف الأطفال هو عدم قدرتهم على حماية أنفسهم، وأشارت إلى أن الأثر النفسي لهذه الجريمة في الأسرة المعنية يصعب تصوره، فأنا أعتقد أن الأسر التي يتعرض أطفالها للاعتداء تتعرض لتدمير نفسي كامل، وقد لا يتقبل المجتمع التعامل معها.
عدم تقبل
وأكدت وهيبة محمد الحسن «موظفة» أن الظاهرة مخيفة للغاية وتدعو للتوقف عندها كثيراً بالبحث والتحميص عن الدوافع والمسببات، إلا أنها أرجعت سبب تفشيها الى الابتعاد عن الدين، وقالت وهيبة إن أثر هذه الجريمة الأخلاقية النفسي يكون واضحاً من خلال عدم تقبل المجتمع للضحية، وقد يصبح وصمة عار ليس هو فقط بل كل المحيطين به، وربما يصعب على الأسرة الخروج من هذه المحنه دون أن تخسر.
يبنما يرى محمد إسماعيل، موظف بـ»اتحاد أصحاب العمل»، أن الموضوع خطير وأن وجود مثل أفعال كهذه في مجتمعنا السوداني الذي تحكمه الشريعة والأعراف الاجتماعية الضاربة الجذور يدعو للقلق. وقال إسماعيل أن أثر الظاهرة النفسي قد يكون قاسياً أيضاً بالنسبه للمجرم فإذا كان لديه ضمير فإن الشعور بالذنب سيكون رفيقه مدى الحياة، كما أن المجني عليه أو عليها ستصبح لدى أي منهما عقدة نفسية اذا لم يصب بالجنون أو الوفاة.
سلوك عدواني وقلق
لفتت الدكتورة النفسية ناهد محمد الحسن في تفسيرها لهذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا أن المجتمع السوداني كأي مجتمع آخر غير محصن ضد المشاكل السلوكية على اختلاف فظاعتها.. وفي البداية لا يمكن أن نضع قضية الزنا مع زنا المحارم في كفّة واحدة. فالزنا فعل يحدث بين ناضجين متفقين على حدوثه بينما زنا المحارم هي حالة فظيعة من حالات انتهاك الثقة والقرابة حين يقوم شخص بالاعتداء على طفلته أو ابنه أو أخته أو أخيه القاصر، مستغلاً عدم نضجها النفسي والمعرفي كطفلة لا يمكن أن تكون أبداً حالتين متشابهتين. وقالت ناهد كثيراً ما أسمع عبارات من نوع هذه ظاهرة غريبة علينا، لذا من الضروري أن نعي تماماً أن المجتمع السوداني ليس حالة واحدة عبر التاريخ، وإنما حالات عديدة تتغير فيها الخارطة القيمية باستمرار.
ومضت د. ناهد في حديثها قائلة «إن زنا المحارم في المجتمعات المسلمة له تعريفات تختلف من مجتمع إلى آخر، البعض يعرفه على أنه اعتداء على قاصر تربطه معها صلة دم ويدخل في التعريف الإسلامي الربائب وبالتالي زوج الأم. وهناك عوامل كثيرة تؤدي للإعتداء على الأطفال، كالظروف الاقتصادية المتدنية والعنف داخل الأسرةأ بالإضافة الى الثقافة المقبولة والمجتمع الذى يحيا فيه الطفل. علاوة على الإعاقةأ والثقافة الجنسية فى الدول المختلفة. وهناك أيضاً مظاهر انفعالية مصاحبة للتعرض للعدوان والتحرش الجنسي، منها الخوف ممن أعتدى عليهم جنسياً أن يحدث لهم مشاكل مما حدث، فضلاً عن فقد من يحبون ومن أن يطردوا خارج المنزل، وأيضاً الخوف من الإختلاف الذي حدث في حياتهم. علاوة على الغضب ممن اعتدى عليهم من اولئك المحيطين بهم، والذين لم يوفروا لهم الحماية الكافية من أنفسهم. بالإضافة الى العزلة، الناتجة من أن هناك شيئاً غير سليم قد حدث، مع إحساسهم بها أثناء حدوث العدوان، لأنهم يعانون من مشكلة كيف يذكرون لأسرهم ما حدث. والحزن من أن شيئاً ما، أخذ منهم بالقوة وأن هناك شيئاً فقد منهم خاصة الإناث. مع الإحساس بتأنيب الضمير؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوقفوا بقوة ما حدث من إعتداء جنسي وأنهم وأفقوا في البداية على الإستسلام؛ ولأنهم أيضاً احتفظوا بما حدث سراً ولم يبوحوا به في أول مرة. ومن المظاهر أيضاً الاحساس بالعار؛ لأنهم شاركوا في هذا السلوك المشين؛ ولأنهم قد يكونوا إستمتعوا جنسياً بما حدث. زد عليه الاختلاط المعرفي؛ لأنهم قد يكونوا مازالوا يحبون من اعتدى عليهم جنسياً لقربه من قلوبهم، فضلاً على تقلب مشاعرهم بين الألم مما حدث وأحاسيس المتعة.
. وتشير ناهد إلى أن هناك أيضاً مؤشرات إنفعالية وسلوكية تظهر على الطفل كإظهار العواطف بشكل مبالغ فيه أو على نحو غير طبيعي، الى درجة عدم الإرتياح أو رفض العواطف الأبوية التقليدية وإظهار تصرفات جنسية أو ولع بالجنس المبكر، بالاضافة الى مشاكل النوم على إختلافهما القلق والكوابيس، ورفض النوم وحيداً أو الإصرار المفاجئ على إبقاء النور مضاءً، علاوة على التصرفات الطفولية، والقلق والتبول الليلي، وأبانت ناهد أن التغير المفاجئ في شخصية الطفل، والتي تصاحبها مشاكل دراسية مفاجئه والسرحان من المؤشرات أيضاً غير السلوك العدواني أو المنحرف أو حتى غير الشرعي أحياناً، وسلوكيات تدمير الذات أو حتى الأفكار الإنتحارية، وقد يؤدي الأمر الى العجز عن الثقة في الآخرين أو محبتهم.
وتؤكد الدكتورة النفسية أن ردود فعل الضحايا الحياتية تعتمد على ظروف وملابسات الإعتداء بمعنى العمر الذي حدث فيه الإعتداء درجة القرابة مع المعتدي ومدى استمرار الاعتداء واستخدام العنف من عدمه والتهديد. وأضافت الدكتورة أن كل هذه العوامل تلعب دوراً في مستقبل الضحية، ومردها يتوقف على ما إذا كان بمقدوره التعافي والعودة لحياته بصورة طبيعية. وفي كل الأحوال تقول ناهد إنه يجب أن يتوقف الإعتداء ويلقى المعتدي جزاءه، ولابد من أن يتم تأهيل الضحية نفسياً كبداية لحياة جديدة. وتقول الدراسات إن الأطفال الذين يلقون رعاية جيدة نسبة كبيرة منهم ربما يمكنهم من مواصلة حياتهم بصورة سوية بينما نسبة تصل لـ»25%» ربما تعاني بأشكال مختلفة.
آثار ضارة
غير أن الباحث الإجتماعي؛ علي عوض، يقول إن الموضوع لا يرقى لأن يتم اعتباره ظاهرة مخيفة، وذلك كما يشير الباحث لعدم توفر الخصائص التي يمكن القول من خلالها ذلك، وأول تلك الخصائص ظهوره للعيان في المجتمع، ودلل على ذلك بقوله إن ما حدث لايعدو كونه حالات فردية لا يمكن إطلاق التعميم من خلال بحثها. إلا أنه رجع وقال إن لهذا الفعل أو السلوك آثاره الضارة على الفرد، وبالتالي على المجتمع، لأنه يفقده الشعور بالإنتماء وبالتالي تتهدم القناعات الداخلية للفرد في المجتمع وتضامنه معه الذي يكمن في إيمانه به.

الحركة الإسلامية السودانية لم تقدم نموذجاً واحداً عن سماحة الإسلام


٭ المبررات التي ساقها أصحاب مذكرة الألف شخص من أهل الحركة الاسلامية لاستلام السلطة في عام 89 عبر انقلاب عسكري هي:
أولاً:ـ قطع الطريق أمام انقلابين أولهما بعثي حقود والاخر مصري عميل بدعم أمريكي أوروبي!!
ثانياً: قطع الطريق أمام الصليبية من تكرار ما حدث في زنجبار والاندلس في السودان عبر الهالك جون قرنق وحركته، ونظرية ما يسمى بالسودان الجديد التي روجت لها الدعاية الغربية والكنسية، وهيأوا الدنيا لحكم المسيحي لأغلبية مسلمة في السودان، وكان يُحمل في ثنايا هذا المشروع كما هو معلوم تطهير عرقي للعناصر الحاملة للدماء والثقافة العربية!!
ثالثاً: جعل السلطة في أيدٍ أمينة ومؤمنة وجادة ومسؤولة ومتجردة، وقد تجلى ذلك في تصديها للمؤامرات والحروب التي حاول بها الغرب اجهاض التجربة وقدموا في ذلك اكثر من عشر آلاف من خيرة العناصر شهداء غير الجرحى والمعاقين!.
* واعتبرت المذكرة ان استلام السلطة عبر الانقلاب العسكري في عام 89 يعد انجازا للحركة الاسلامية السودانية للأسباب الواردة أعلاه، وذهبت المذكرة الى القول (ان الله منّ على عباده في السودان بظروف جعلت العمل الاسلامي متقدما في المناحي كافة مما جعل التجربة رائدة بكسبها وتجربتها المقتحمة، ولتصبح هادياً لكثير من دول العالم الاسلامي يأخذ العبر منها ويترك اخطاءها ويسعى للاستنارة بإيجابياتها، وهو ما يعد اكبر مكسب لهذه التجربة التي اخرجت انزال قيم الدين من الكتب النظرية الى التطبيق الشجاع العملي في أرض الواقع)!!
٭ تلك هي أهم مبررات ودوافع الانقلاب العسكري الذي قامت به الحركة الاسلامية في ليل بهيم وظلام دامس، ومن على ظهر الدبابة وفوهة البندقية أسوقها بحذافيرها من وحي المذكرة (الألفية)!!
* وقبل أن نخوض في الرد على مبررات الانقلاب العسكري ومسوغاته، نتساءل بمنتهى البراءة ونقول هل يمكن أن يعد الانقلاب العسكري على سلطة شرعية جاءت بإرادة الشعب السوداني، انجازاً يحق للنخبة الاسلامية ان تفخر وتفاخر به، وهي النخبة التي حصلت عن طريق الديمقراطية وبرضا الشعب على 57 مقعداً برلمانياً كان من الممكن ان تتضاعف في الانتخابات التالية الى الضعف؟!.. ثم ألا يعد الانقلاب على الديمقراطية التي ارتضتها الحركة الاسلامية وسيلة لتبادل السلطة سلميا بدليل مشاركتها في الانتخابات التي سبقت الانقلاب، خيانة لاحزاب تحكم بقوانين الشريعة الاسلامية؟!.
٭ ثم هل يخول الاسلام بقيمه السامية وتعاليمه السمحة للمسلم ان يطلب لنفسه السلطة والولاية؟! وما هو رد النخبة الاسلامية السودانية على قوله صلى الله عليه وسلم لعمه الذي طلب الولاية (من طلب هذا الامر لم يعن عليه) أم ان هذه النخبة (الاسلامية) غلب عليها مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)؟!..
٭ ثم ما هي أدلة ان هذه التجربة تجربة رائدة لكثير من الدول الاسلامية، وهل يمكن أن نلمس هذه (الريادة والعظمة) من واقع محاكم النظام العام والمحاكم العسكرية المنصوبة في قارعة الطريق لإلهاب ظهور المعارضين للنظام والبسطاء من أبناء وبنات الشعب السوداني؟!..
٭ هل نلمس تلك (الريادة والعظمة) في مقولة (من أراد ان تثكله أمه أو يؤتم اطفاله ان يغلق متجرده أو يخفي مركبته)؟!!
٭ هل نلمسها في بيوت الاشباح والحبس الانفرادي والتنكيل بالمعارضين؟ أم نجدها في الدم المسفوح لذلك الشاب المسكين (مجدي)، بسبب حفنة من الدولارات قيل انها وجدت بحوزته؟!.. ألا يعد كل ذلك حشفا وسوء كيل، وتزيينا للباطل ومخادعة للنفس والغير وافتراء على الإسلام الحنيف دين الحق والرحمة والعدل والمساواة؟!..
٭ ثم فوق كل ذلك اين نجد تنزيل ما هو موجود بالكتب لأرض الواقع؟!. هل نجده في مصادرة حريات الناس ووأد العدالة وسياسات التمكين والاقالة للصالح العام وتشريد الغلابى وارتفاع نسبة اللقطاء والاطفال مجهولي الأبوين، والانتشار الجنوني للدعارة والايدز وتعاطي المخدرات واختلاس المال العام وتفشي الفساد وانهيار الاقتصاد وتفتيت وحدة البلاد وغير ذلك مما لا يمكن ان يخطر على قلب بشر؟!!.
٭ وتباً لعين الرضا التي هي عن كل عيب كليلة، وكفى بكم داءً يا أهل الحركة الاسلامية ان تروا الموت شافياً بعد ان ضربتكم الانقسامات والانشقاقات، وأعمتكم شهوة الحكم واللهث المرهق خلف السلطة والسلطان والصولجان والمال والجاه وأكل اموال الناس بالباطل!!.
٭ دعونا ننتقل بالحديث والرد على مبررات الانقلاب المشؤوم التي ساقها أهل الحركة الاسلامية في مذكرتهم العجيبة، ونبدأ بمسألة قطع الطريق امام انقلابين عسكريين أولهما بعثي حقود والآخر مصري عميل بدعم امريكي اوروبي، ونتساءل هل كان للبعثيين (الحاقدين) والمصريين (العملاء) السند الكافي في القوات المسلحة الذي يمكنهم من قلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة؟؟ ثم ما هي الحالة الأمنية والسياسية والعسكرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت لتقدير نسب نجاح أو فشل أي انقلاب عسكري يقوم به البعثيون أو المصريون؟!..
٭ نترك الاجابة على هذه التساؤلات لعراب الحركة الاسلامية وقائدها المفكر وعقلها المدبر، الدكتور حسن عبد الله الترابي، حيث يقول الرجل في مؤلفه (قراءات سياسية ص 166 - 176) ما يلي: (منذ بدء تطبيق الشريعة الاسلامية انفتحت الحركة الاسلامية على القوات المسلحة انفتاحاً مكشوفاً جداً، ولأنه كان مكشوفاً لم يلاحظ ـ على ما يبدو ـ ولم يحذر منه احدا ولو كان سريا لانكشف أمره ولقدر خطره ولتم ضربه، وبهذا الانفتاح دخلت قطاعات كبيرة من القوات المسلحة الجامعات وتأهلت للدراسات الاسلامية الشرعية، وبعد الانتفاضة اصبحت الحركة الاسلامية تدافع عن القوات المسلحة وتعزيزها وعدم تخذيلها بتمجيد المتمردين، وانحازت الحركة الاسلامية انحيازا واضحا للقوات المسلحة لسنوات طويلة وكان الآخرون يمجدون اعداء القوات المسلحة بأخطاء نميري كأنهم يحاكمون نظاما عسكريا سابقا، بينما استطاعت الحركة الاسلامية ان تفعل غير ذلك ولم يكن امر قيام الانقاذ تآمراً محدوداً لأن القوات المسلحة كانت في حالة استعداد، وكانت كل القوات مقيمة بوجه دائم في معسكراتها و(ما كان لمجموعة صغيرة متآمرة) ـ وهنا بيت القصيد ـ ان تفعل شيئا في وجود كل القوات المسلحة، وكان لابد من وجود قاعدة واسعة وغالبة فعلا وطبعا كانت الحركة الاسلامية غلبت في القوات المسلحة بسبب آخر أيضا هو ان القوات المسلحة تستمد من المدارس، والمدارس غلبت عليها الوطنية في الخمسينيات ولذلك كان الضباط الذين تولوا السلطة في الخمسينيات وطنيين وغلبت عليها اليسارية في الستينيات، ثم الاخيرة الاسلامية ويظهر ذلك في اتحادات الطلاب والنقابات وفي كل شيء وبذلك لما قامت ثورة الانقاذ كانت فترة المقارنة والمقابلة بين ما هو عسكري وما هو مدني قد تم تجاوزها لحد كبير). المصدر (الحركة الاسلامية من التنظيم الى الدولة 1945 - 2000م) للدكتور عيسى عبد الله!.
٭ ما أوردناه على لسان د.الترابي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك انه لم يكن في مقدور البعثيين او المصريين بالقوات المسلحة السودانية القيام بانقلاب عسكري خاصة في وجود كل القوات المسلحة بمعسكراتها، وانه لم يكن في مقدور مجموعة صغيرة أن تفعل شيئا، وبإفادة د.الترابي تسقط تماما أولى مبررات الانقلاب المشؤوم، ويثبت الكذب الذي حاول أهل المذكرة ان يمارسوه على الشعب السوداني!.
٭ أما المبرر الثاني لقيام الانقلاب والذي أشرنا اليه في صدر هذه المقالة فمن المؤسف جداً أن الانقلاب لم يقطع الطريق أمام ما حدث في زنجبار والأندلس حتى لا يتكرر في السودان، حيث ذهب الجنوب منفصلاً وان الهالك جون قرنق قد دخل الخرطوم وشغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، وبذلك تمكن (المسيحي) من حكم الأغلبية المسلمة، وبالتالي فقد (انكسرت الزجاجة واتدفق الفيها)، ومن ثم سقط المبرر الثاني للانقلاب!!.
٭ أما المبرر الثالث المتعلق بجعل السلطة في أيدٍ أمينة فنترك الإجابة عليه الى فطنة القارئ خاصة وانه معايش لكل كبيرة وصغيرة، ومتابع لتقارير الفساد والافساد التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، من تقاوى فاسدة ونفايات وشركة الأقطان وغير ذلك مما رسخ في عقل المواطن ووجدانه!.
٭ لقد أردنا أن نصل الى حقائق دامغة بأن كل ما ورد في المذكرة من مبررات للانقلاب ما هي الا كذب وخداع وغش، ويضاف لكل ذلك ما ورد في شهادة د.علي الحاج التي أوردتها الأستاذة الكريمة أم سلمة الصادق في مقالها الأخير بالصحافة تحت عنوان (مطلوب من الحركة الاسلامية التخلية ثم التحلية) وقوله ان فكرة الانقلاب تعود لعام 79!!.
٭ وكلنا يعرف ان عام 79 هو عام المصالحة الوطنية بين الرئيس الراحل جعفر نميري والامام الصادق المهدي، وهي المصالحة التي فتحت ابواب المعتقل امام الترابي وجماعته وفتحت لهم ابواب المشاركة في السلطة، ومن ثم (الحفر والدفن) والتغلغل في مفاصل الدولة والتمدد في القوات المسلحة وبقية الاجهزة النظامية، واحكام قبضتهم على الجهاز المصرفي والنقابات والاعلام ومنظمات المجتمع المدني!.
٭ ومما يؤكد صدق ما ذهبنا اليه في سعي الحركة الاسلامية المبكر لاستلام السلطة عن طريق الانقلاب العسكري ما اعترف به الامام الصادق المهدي بأن الجبهة القومية الاسلامية اتصلت به عن طريق الراحل أحمد سليمان في عام 1988م للمشاركة في انقلاب عسكري رغم انه كان رئيساً للوزراء، ويا له من أمر مؤسف أن يكون موقف الامام الصادق من هذا الامر موقفا سلبياً يرقى الى مرحلة الإدانة التاريخية، حيث انه كرئيس للوزراء مناط به حماية الديمقراطية، وكشف هذا الامر للشعب السوداني في وقته واتخاذ التحوطات اللازمة لمنع الانقلاب، ومما يعني انه تستر على جريمة تمثل خرقا للدستور حتى وان لم تقع!!.
٭ ومن المؤسف هنا ان هذا التآمر الذي سعت اليه الجبهة الاسلامية القومية بالاتصال بالسيد رئيس الوزراء للمشاركة في قلب نظام الحكم كان يهدف الى الالتفاف حول اتفاقية الميرغني ـ قرنق، وعلى المؤتمر الدستوري المزمع عقده لحل كافة قضايا السودان والقضاء على الحروب الاهلية والوصول الى وحدة السودان تراباً وشعباً.
٭ ونكاد نجزم اليوم بأن مثل هذه المذكرات التي تصدر هنا وهناك من أجل الحركة الاسلامية دون الاشارة لأسماء بعينها لن تنفع او تفيد، خاصة عندما تفيض بالكذب والخداع والغش والنفاق، وتزيين الباطل ولي عنق الحقيقة وكلها مذكرات ونداءات تأتي في الوقت المبدد من عمر المباراة!!.
٭ يقول الروائي السوري نبيل سليمان (لقد أوصلتنا الدكتاتورية الى عنق الزجاجة كما أوصلت نفسها، وها هي الآن تنادي بالاصلاح بعد ان اصبح الاصلاح ضرورة لها، ولكن بعدما جفت دماؤها ونحرها الفساد)!.
٭ وللكيزان نقول لن تنفع مثل هذه المذكرات وتلك النداءات لاصلاح حال الحركة الاسلامية؛ لأن جسدها بات يعاني من الامراض والاورام الخبيثة والقهر والظلم والاستبداد، وتفتيت وحدة البلاد وتدمير الاقتصاد واستشراء الفساد الذي لن تستطيع كل (بلدوزات) العالم ان تقتلع جذوره!.
٭ الحركة الإسلامية السودانية من خلال تجربة امتدت لـ 22 عاماً متصلة، أهلكت خلالها الحرث والنسل ويبس خلالها الزرع وجف الضرع، لم يتبق لها الا ان تذهب الى متاحف التاريخ تلاحقها ظلامات الجياع المسحوقين ودموع أم مجدي بكبدها المتفطر حزناً وألما لما حاق بمجدي من ظلم تهتز له الأرض والسموات!..

بداية التبروء ونهاية التمكين ( 2-3 )


إن من شروط ودواعي وضوابط وغايات التمكين مما درستها الحركة الاسلامية إقامة العدل والاصلاح بين الناس في ارض الاسلام والتورع والتعفف عن ( الولوغ ) في اموال واعراض المسلمين وغير المسلمين ومن الواضح ان الحركة الاسلامية او ما تبقى من دعائمها وداعميها نسيت حظاً كبيراً من رسالة التعاليم ولذلك انتشر الفساد في السودان واصبح بائناً بينونة كبرى واطلت الدنانير برؤوسها اول ما اطلت عبر أهل التمكين فاغتنوا وحازوا كل غالٍ ونفيس وكأنهم أباحوا لأنفسهم أخذ ما أخذوا - بقوة ونفوذ السلطان - كونهم نفذوا انقلاب الانقاذ وخططوا له ونجحوا وبالتالي أحلوا لأنفسهم كافة الامور وسدوا عيونهم وآذانهم عن صرخات ضحايا الصالح العام واصحاب المظلمات من كل حدب وصوب خصوصاً أولئك الذين صودرت اموالهم وممتلكاتهم وعرباتهم وإبلهم وعقاراتهم ومواشيهم وغير ذلك من انواع التجاوزات الخطيرة .
ان أئمة الحركة الاسلامية السودانية كانوا يعلمون علم اليقين بأنه ( حتى الشاة يؤتى بها يوم القيامة تيعر من فوق رأس السارق ) بيد أنهم سكتوا عن كافة التجاوزات المرصودة سنوياً عبر ديوان المراجع العام وصموا آذانهم عن مظاهر التجاوزات التي لا سبيل الى المراجع العام لتتبعها لانها تتخفى خلف عباءة التمكين لاصحاب الولاء ، سكتوا واعتبروا المسألة من ( أخطاء الممارسة ) ولذلك مضت اكثر من عشرين عاماً وهم يتقلبون بين لعنة السكوت ونغمة التمتع بمزايا التمكين فتهدمت بموجب ذلك كافة دعائم الحكم الراشد وبددت موارد البلاد في إشباع رغبات الحكم واهله المعدودين على اصابع اليد الواحدة واصبح من يريد الإستيزار عليه بالإنضمام الى الحزب الحاكم او موالاته وهذا يعني بالمقابل من اراد التهميش والاقصاء ومحاربته في رزقه ومعاشه وسائر عمله عليه بمعارضة ومناصبة اهل السلطة العداء، وفي هذا لدينا جهاد طويل والحمد لله بيد أن آيات الله لم تزل باقية في الارض فقد شهدنا اليوم بداية التبروء ونهاية التمكين الزائف وفي الارض آيات للموقنين والعاقبة للمتقين وما عند الله هو الابقى لو كانوا يعلمون .
ان التبروء من مصاحبة أخطاء الحكم عقدين من الزمان لا يعفي الناس من تبعات ما جرى ويكفي الحركة الاسلامية السودانية عظة واعتباراً ان الشيوعيين الانقلابيين حينما ارادوا إمتطاء ظهر الرئيس الراحل النميري بعد نجاح ( انقلاب مايو ) باعتباره ( مغفل نافع ) ليخلوا لهم الجو فيبيضوا ويفرخوا إنقلب عليهم النميري وقتها وأذاقهم العذاب وقتلهم تقتيلا ثم استعان بقوم آخرين ليسوا كالشيوعيين ليواصل بهم رحلة الحكم ثم جرى ما جرى وهو كتاب لديكم معلوم ، واليوم لن يختلف إثنان مراقبان حصيفان لمجريات الامور حول وصول محطة المزاوجة غير الشرعية الحادثة الآن بين المعسكرين المعلومين الى نهاياتها الحتمية على خلفية كتاب الفساد ورغبة البعض في التبروء منه ورمي الآخرين به مع انهم جميعاً في الأمر مشتركون ، ان القصر الجمهوري اليوم يعج بالوجوه والبدائل من مختلف الاتجاهات ففيه حزب الوسط ممثلاً في الاتحادي الديمقراطي وفيه حزب الامة وإن أنكر الإمام ذلك وفيه طائفة ممن يمثلون الغرب والشرق وهؤلاء يمثلون فرس رهان جيد متى ما انفض سامر الاسلاميين او حاولوا تطوير المسألة الحكمية نحو ما يعتبرون انه الطريق الأفضل بحسب تصريحات د. ابراهيم احمد عمر عقب التغييرات في هياكل الحزب الحاكم الاخيرة عن (ان مؤسسات الحزب ستنظر بذات المسؤولية والجدية والموضوعية في شأن تغيير رئاسة الحزب اذا جاء وقتها ) وحول هذه الحيثية بالذات يتساءل كثير من المراقبين عن الحصافة في اطلاق مثل هذه الاعلانات مبكراً وما اذا كانت عملية إعادة الهيكلة تكشف عن الدعوة الى وجبة عشاء لاحق يقلل من تكاليف الغداء المعمول على شرف البدء في محاربة الفساد ؟ نواصل

بداية التبرؤ ونهاية التمكين ( 3-3 )


ان لفظة التمكين راجت في عهد الانقاذ على أفواه قيادات الحركة الاسلامية باعتبارها اللفظة المرادفة لنجاح الانقلاب وبداية تمكنهم من الحكم بيد انهم ارادوا ان يضفوا على اللفظة هالة دينية ليختلط الامر على قواعد الحركة الاسلامية العريضة التي تتشوق نحو رؤية التمكين الرباني الوارد في قوله تعالى ( والذين إن مكناهم في الأرض ) ، وحينما أعلن مؤخراً المشير عمر البشير رئيس الجمهورية تحرير الخدمة المدنية من سياسة التمكين ليصبح التمكين لكافة شرائح الشعب السوداني دون محسوبية إنما قصد تصحيح التجربة الخاطئة التي تسببت كما هو واضح في ( استلاب الخدمة المدنية ) و ( فقدان الملايين من ابناء الشعب السوداني لوظائفهم في المرافق العامة بفعل سيف الصالح العام ) و ( انتشار المحسوبية البغيضة على خلفية الولاء والانتماء الاسري والعشيري والجهوي ) ولكن ومع ذلك ورغم اعلان الرئيس عن انتهاء سياسة التمكين ما تزال مسألة التكتل القبلي داخل بؤر اتخاذ القرار عصية على الإصلاح .
ومن الواضح بحسب المعطيات ان أئمة الحركة الاسلامية ممن تحدث أخيراً بصوت عال ادركوا ان اللحظة الحاسمة قد اقتربت ومثلما حدثت المفاصلة في نهاية التسعينيات على خلفية النسبة العالية من الفساد التي ضربت الاسلاميين بفعل ( التمكين ) ووصف الترابي لها بـ 90% فساد..مثلما حدث بالامس سيحدث اليوم لان المطالبة بسن قوانين لمحاربة ومحاكمة كبار المسؤولين والدستوريين في الدولة يكشف عن خلاف كبير وصراع محموم حول رمي الكرة في ملعب الخصم الاكثر فساداً ، ان مفوضية محاربة الفساد بزعامة ( ابوقناية ) ستكون ساحة المعركة التي يجتمع فيها الخصوم ومثلما تم ضرب ( خلية الأقطان ) التي ينشط فيها اسلاميون كبار ستكون الضربة التالية لاحدى اكبر خلايا الفساد المحسوب على الطرف الآخر بعد ان تكشفت خفايا التجاوزات في منح العطاءات والتوكيلات والعقارات وقطع الاراضي مما يعتبره أطهار الحركة الاسلامية سبة في وجه النظام .
ان الحركة الاسلامية اليوم وبسبب انفصال جنوب السودان عن الوطن الام تتحمل خطيئة تاريخية كبرى لا تغتفر حيث لم تنفع اتفاقية السلام الشامل في إبعاد شبح مخطط تقسيم السودان ولم توفر على الصعيد الداخلي الامن والاستقرار بسبب ( القضايا العالقة ) وبالتالي فان الاتفاقية كانت صفقة خاسرة نجحت بموجبها دولة الكيان الصهيوني في وضع يدها على منابع النيل العظيم المذكور عندهم في التوراة ، ان الاسلاميين كانوا يعلمون بنبوة ( التوراة ) ومشروعات ( بروتوكولات حكماء صهيون ) ومع ذلك سهلوا عملية فصل الجنوب ورقصوا على الأنغام التي تعزف على التباين الإثني والقبلي وهم الذين كانوا يتلون آيات الذكر الحكيم ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ومن عجائب الامور ان الذين ساهموا في فصل الجنوب تحت ذرائع العنصر والثقافة والنوع يتباكون اليوم على النشاط الصهيوني في دولة الجنوب ويرجحون الحرب بين الدولتين على خلفية المشكلات الواردة من الجنوب وكأنهم كانوا يتوقعون استيراد الفواكه والمانجو والعنب والبترول من دولة جنوب السودان .
لقد مكنت الأقدار الاسلاميين من الحكم سنين عددا بيد انهم اليوم يفقدون السيطرة على الامور بسبب الأخطاء الجسيمة المرتكبة تحت ذريعة التمكين وبدلاً من محاكمة التجربة وتوجيه النقد الذاتي يريدون رمي اللائمة والتبروء من اخطاء التجربة بالرجوع الى ما كان من نهج الخلافة الراشدة والطلب من الحكومة التي هي حكومة الحزب سن قوانين لمحاكمة الوزراء والدستوريين ووضع الميزان !!! أين ذهب الميزان طيلة العقدين الماضيين ؟ ترى هل يجوز اطلاق حكم ( عفا الله عما سلف ) تجاه اخطاء وتجاوزات ثلاثة وعشرين عاماً من التمكين ؟

البلد في خطر أدركوه!!

وصف المولى عز وجل الحرب أو القتال بالكره «كتب عليكم القتال وهو كره لكم» وإن من افرازاتها البلاء والنقص في الانفس والثمرات. واذا اتسعت رقعتها تتلف المال ويكون ذلك على حساب الخدمات الاساسية، كالصحة والتعليم وغيرها،ثم ان وقود هذه الحرب هم أبناء الشعب من الجانبين.
إن قرار إعلان الحرب من أصعب القرارات وتفاديها من القربات ومهما كانت الدواعي والمبررات فإن المسؤولية تقع على صاحب القرار وفي كل الاحوال انها ليست نزهة. قصدت بهذه المذكرة تذكير الناس بان هنالك قوات مسلحة من ابناء الوطن الاعزاء يرابطون بجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان ومنتشرون بولايات دارفور. وهم على أهبة الاستعداد في أبيي. والبيان الذي صرح به الناطق الرسمي باسمها يقول ان القوات المسلحة تتصدى لهجوم من دولة الجنوب. والاخبار تأتي ايضاً لتقول ان الحكومة تحمل حكومة جوبا مسؤولية التخطيط وتنفيذ الهجوم. وقبل اقل من اسبوعين كانت الحركة الشعبية قطاع الشمال قد قادت هجوماً على مدينة تقلي العباسية واختطفت مجموعة من العمال الصينيين. هذه الاحداث تقرأ مع اجتماع تحالف كاودا وتكوين مكاتبهم وانهم يعملون من اجل اسقاط النظام. اذن القوات المسلحة وحدها التي تتصدى لمثل هذه الحروب التي هي اقرب لحرب العصابات وهي حرب استنزاف «اضرب وفر».
ان القوات المسلحة اكبر من ان نتحدث عنها بالكلمات بل هي الظهر الذي تحتمي بها الشعوب وقت الازمات وهي ذاك الميدان الشاسع الذي نتحسس فيه الدفء والامان وقيمة الاوطان ونتأمل افرادها وهم بيننا اخوة وزملاء وآباء يدافعون عن الحق والارض والانسان وهي تحارب منذ نصف قرن اما آن لها ان تستريح قليلا، وان تختار طريقاً آخر كالذي طرقه د. نافع علي نافع في الاتفاق الاطاري الذي لو قدر له ان يرى النور لما احتجنا الى طلقة واحدة. ولما فقدنا من الارواح والجرحى ومصابي العمليات الحربية. ولما زدنا عدد الارامل والايتام. ولساد السلام والاستقرار بدل الطوارئ والرعب والخوف.
أين العقلاء من اهل السودان، ان حركة العدل والمساواة وحركة مناوي وحتى ياسر عرمان والحلو ومالك عقار بعد الانفصال هم سودانيون شماليون لماذا نتركهم لجنوب السودان ليدفع مرتباتهم وامتيازاتهم مع اننا ووفق الاتفاقية من جانبها الامني هناك مفوضية من مهامها النزع والتسريح واعادة الدمج. كل ذلك كان يمكن ان يتم اذا سمح للاتفاقية ان ترى النور أقصد الاتفاق الاطاري. اما الجانب السياسي يمكن ان يعالج تلقائياً بعد الامني يصبح حزب الحركة الشعبية قطاع الشمال يسجل حتى باسم آخر.
جاءت هذه الاخبار المزعجة في ظروف معقدة ازمة سياسية تكتل احزاب شمالية هدفها الاول اسقاط النظام. ازمة اقتصادية خانقة ظروف معيشية قاسية يشتكي منها كل الناس. وفوق هذا كله حمى مذكرات طالت حزب المؤتمر الوطني جراء الاحتقان وضيق مواعين الشورى. ثم تصريحات وتصريحات مضادة حتى الجماعات الاسلامية طالها الداء انصار السنة مع الصوفية انصار السنة والسلفية انصار السنة والمؤتمر الوطني.
ان المرحلة التي تمر بها حكومة المؤتمر الوطني تشبه الى حد كبير مرحلة ما قبل الانتفاضة. الحديث عن الفساد والحصانات وعن الشلليات وعن الجهويات. وحديث الرئيس عن التمكين والخدمة المدنية كلها حراك في الساحة ينبئ بامر مهم قادم. فهل نحن جاهزون؟!
1- بروفيسور عبد الرحيم علي يطالب بقوانين لمقاضاة الدستوريين «طالب القيادي في المؤتمر الوطني عبد الرحيم علي الدولة بسن قوانين تحكم بالعدل من دون استثناء لافتاً الى ان ذلك كان نهج الحكم النبوي وحكم الخلفاء الراشدين» انتهى. البروفيسور عبد الرحيم قيادي في المؤتمر الوطني بل كان رئيس هيئة شورى المؤتمر الوطني. الا يدل حديثه على ظاهرة الحصانات التي تحول دون محاكمة المسؤولين ولماذا هذا التصريح في هذا الوقت بالذات. ان هذا التصريح خلفه كلام وخلف الكلام كلام. فالرجل ما زال مؤتمراً وطنياً هذه مذكرة. «الصحافة» 52 فبراير 2102م العدد «2766».
2- القيادي بالمؤتمر الوطني د. معتصم عبد الرحيم الذي شغل منصب امين المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ثم والياً بولاية نهر النيل ثم وكيلاً لوزارة التربية والتعليم وما زال عضوا فاعلا في قيادة المؤتمر الوطني. ورد بصحيفة «الانتباهة» العدد «6412» بتاريخ 72 فبراير 2102م «رئيس هيئة شورى المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم معتصم عبد الرحيم عن القيمة الحقيقية للشورى وكيف انها غائبة الآن. وهناك مشكلة حقيقية في الشورى التي تضيق عنها بصورتها التقليدية أجهزة الشورى وان مجالس الشورى بل المجلس الوطني او مجلس الولايات في صورة انعقادها كاملة لا يوجد مجال كبير للشورى وتداول الآراء.
فلهذا اذا ظن الناس ان الشورى الحقيقية تدار داخل مجلس الشورى يكونوا مخطئين كما تطرق لموضوع الشلليات وقضايا كثيرة» أخيراً قال في احدى الفقرات «عندما كنت اميناً للوطني طلب مني من هم لصيقون بي ان نكون «شلة» ثم قال أنا لا استطيع ان أعمل في اجواء الشلليات وكلهم يعلمون ذلك» انتهى شكراً. جزاك الله خيرا.
3- السيد مفوض محاربة الفساد أبو قناية في صالون الراحل سيد أحمد خليفة قال انه يتلقى في اليوم اكثر من 3-5 ملفا عن الفساد وان لا كبير على المساءلة والقانون سيسري على الكل الرجل يحتاج الى مساحات كبيرة اذا كان متوسط الملفات 3-5 كم يكون في العام هذا خلاف تقارير المراجع العام!!
4- الاسلامي كمال رزق مدير معهد تدريب الدعاة والائمة وإمام مسجد الخرطوم الكبير يشن هجوماً كاسحاً على الحكومة وعن الفساد ويقول «اللص في الدولة يتم تبديله لا اعفاؤه والمرتشي يخافه صغار الموظفين ولا يقدمون له النصح وطالب بابداء النصح لكل المسؤولين في العمل حتى تظهر البلاد من المفسدين والمرتشين الذين قال: «ما أكثرهم هذه الايام»، وقال: ان التعيينات تذهب الى الاقرباء والاصدقاء دون القوي الامين واستطرد يستشهدون بالحديث «الاقربون اولى بالمعروف» صحيفة «الجريدة» العدد «182» بتاريخ 52 فبراير 2102م.
5- اضيف الى هذه القائمة الف من القيادات الوسيطة التي رفعت المذكرة التي تحوي ستة عشر بنداً فيها كمال قال هؤلاء.
إذن الحل في الآتي:
مما قاله اهل البيت أهل المؤتمر الوطني وهم قادة وشهاداتهم غير مجروحة أنهم شاهدوا وسمعوا للقوم. ان اقالة هذه الحكومة وحل المجلس الوطني وتكوين حكومة قومية رشيقة تعمل على اجراءات لقيام انتخابات حرة نزيهة.
2- دعوة كل القادة لمؤتمر جامع لمناقشة قضايا السودان وايجاد حل سريع. ايقاف الحرب وإعمال الفكر السياسي والحوار مع كل الكيانات والحركات واقناعها بالعودة للوطن مهما كلف ذلك من زمن ولنا اسوة في نيفاشا كما أن الجسور ممتدة مع أحزاب سياسية كثيرة حتى مع حكومة الجنوب.
3- ان مربع الحرب ظروفه تختلف عن الحرب السابقة التي كان وقودها الشباب والشيب معاً لوضوح الرؤية آن ذاك ولكن الامر اليوم يختلف هذه شهادات اهل الحكومة واهل الحزب الحاكم وهذه هي الملفات فلماذا يقاتل الناس وأهل الحركة الاسلامية يرفعون مذكرات تتحدث عن الفساد وأخرى عن ضيق مواعين الشورى.
الحرب تحتاج الى وقفة وجبهة داخلية متماسكة كما ان عدداً كبيراً ممن يناصبون الحكومة العداء ويحملون السلاح ضدها هم كانوا قادة في الجهاد ايام حرب الجنوب.
4- ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية وتخفيض الضرائب والجمارك للسلع الاساسية ودعم الفقراء والعناية بالطلاب وتوفير متطلباتهم والعناية بالصحة وتوفير الدواء خاصة المنقذ للحياة الذي قيل ان 05% منه قد نفد.
ان الدكتور أمين حسن عمر قال: لو شعرنا بأن الناس قد سئموا يمكن نفكر في انتخابات مبكرة اقول لسيادة الدكتور ان اهل المؤتمر الوطني الكبار قد سئموا بل ها هم يصرحون للصحف لضيق مواعين الشورى، ناهيك عن باقي الناس، المخرج حكومة قومية سريعة وايقاف مظاهر الحرب والحوار ثم الحوار مع كل الفصائل كفانا حروبا ودماء ودموع والله من وراء القصد

الخبير الإستراتيجي عثمان السيد لـ «الإنتباهة»:

الخبير الإستراتيجي عثمان السيد لـ «الإنتباهة»:

أرسل إلى صديقطباعةPDF
تقييم المستخدم: / 0
ضعيفجيد

> حوار: عفراء الزاكي

أكد الخبير الإستراتيجي والمدير العام لمركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا الأستاذ/ عثمان السيد، في حواره مع «الإنتباهة» أن نوايا دولة الجنوب ليست سليمة، واتهمها بأنها تسعى لإطاحة الحكومة الحالية، وأضاف أن الخلافات الحالية بين جوبا والخرطوم يمكن أن تنتج عنها مواجهات مسلحة مؤكداً أن كل شيء قابل للحل إذا سلمت النوايا.وفي ذات السياق نظر الأستاذ/ عثمان السيد للوجود الجنوبي بالشمال على أنه ما هو إلا فشلٌ لحكومة الجنوب في تأمين أوضاع المواطنين بالجنوب، وأضاف قائلاً: إن أعداداً كبيرة من الذين ذهبوا للجنوب عادوا أدراجهم بعد ما لاقوه من عنت ورهق وظلم من أبناء جلدتهم..
وتطرق السيد إلى قضية أبيي والوجود الإسرائيلي بالجنوب ومخاطره على دولة الجنوب.. حول هذه المحاور وأخرى كان حوارنا مع الأستاذ عثمان السيد.. فإلى نص الحوار:


> كيف تنظر للخلافات الحالية بين الخرطوم وجوبا من وجهة نظر إستراتيجية؟
< المنظور الإستراتيجي الأصيل والسليم هو أن تكون العلاقات بين دولتي السودان وجنوب السودان علاقة شراكة إستراتيجية منصلحة وحسن جوار وتواصل مستدام لصالح شعبي البلدين اللذين تربطهما روابط عديدة وكثيفة ومصالح متبادلة لا ينبغي لها أن تنقطع ويمكن أن تشكل روابط الرحم والزمالة والعيش المشترك ورحلات الدمرة والنشوق والحركة التجارية ودفقات النفط وجريان الماء أوتاراً لعلاقات متينة وراسخة وآفاقاً واعدة بمستقبل زاهر، ولقد كان ينبغي أن ينطلق المنظور الإستراتيجي للخلافات القائمة حالياً بين الخرطوم وجوبا من حتمية وحيوية العمل الدؤوب لمعالجة قضايا الخلاف وإعادة العلاقات إلى مجراها المأمول من خلال نظرة المصالح الإستراتيجية للبلدين وللإقليم، فاستمرار الخلافات واحتمال تصاعدها سيخلف آثاراً مدمرة على البلدين تنذر بامتدادها الحتمي إلى البيئة الإقليمية بما يفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية المباشرة التي تتحين الفرص للتدخل.. ولكن للأسف فإن القائمين بالأمر في جنوب السودان لا يحفلون كثيراً بإقامة علاقات إستراتيجية منصلحة ومتميزة مع دولة السودان وأن منطلقاتهم الإستراتيجية تُملى عليهم من الخارج وهم يحسبون أنهم بذلك سوف يضربون السودان في مقتل وما دروا أن مكرهم سوف يحيق بهم أولاً وثانياً وأخيراً..
> كيف تتصور مآلات الوضع بين البلدين على ضوء الخلافات الراهنة؟
< لعله ومن خلال إلقاء نظرة سريعة إلى عناوين قضايا الخلاف يتضح أن القضايا الخلافية ذات أثر بالغ وحيوي على الدولتين وحياة الناس اليومية ومعيشتهم، ومن ذلك يمكن إدراك مخلفات وآثار استمرار الخلاف بين البلدين الأمر الذي أدى «من جانبنا في السودان على الأقل» لإعداد معالجات وخطط استباقية وإسعافية للتقليل من آثار استمرار الخلافات والاستعداد بمنظور إستراتيجي يستوعب كافة الاحتمالات من أسوئها إلى ما دون ذلك.. وأخشى أن أقول إن مآلات الأوضاع بين البلدين تتجه نحو التصعيد والمواجهة المسلحة وذلك سوف يؤدي إلى كارثة ماحقة للبلدين.. وكما وصفها رئيس الوزراء الإثيوبي ملس ستكون «يوم القيامة» ليس للسودان «شماله وجنوبه» ولكن للمنطقة ككل..
> هل من الممكن أن يفتح الخلاف حول النفط الطريق لتدخل دولي عسكري أو نحوه؟
< لا أتوقع أن يؤدي الخلاف حول النفط إلى فتح الطريق لتدخل دولي عسكري فللتدخل الدولي العسكري دوافعه وأسبابه المختلفة لكن الخلاف حول النفط وتشابكاته سيؤدي حتماً إلى تدخلات القوى الدولية وقوى المصالح كل بتوجهاته وفقاً لمصالحه ومنظوره الإستراتيجي للأمور، فهناك قوى دولية مثل الصين تتدخل لإيجاد معالجات عاجلة لقضايا الخلاف حول النفط لضمان استمرار تدفقه، وهناك قوى أخرى تسعى وفق منظور تنافسي وإستراتيجي لإبعاد الصين، وهناك قوى وجهات غيرها تسعى لإيجاد موطئ قدم لها، وضمن هذا التدافع يمكن لهذا الطرف أو ذاك وضع العصي أو العراقيل لغيره هنا وهناك، وبالطبع نحن في الطرفين الشمالي والجنوبي في غنى عن كل ذلك وكل تلك الخلافات القائمة والمحتملة، ويمكننا حتماً حسم قضايانا دون أي تدخلات بمختلف أشكالها.. وعلى العموم فإن التدخل العسكري في عالم اليوم لم يعد بالتدخل العسكري المباشر ولكن يتم بصفة غير مباشرة عبر تزويد الجنوب بالأسلحة المتطورة وإتاحة التدريب المتميِّز وتزويدهم بالخبراء في كافة المجالات العسكرية والاستخباراتية والأمنية وهذا واضح للعيان لكل من يزور جوبا هذه الأيام..
> مشكلات الحدود بين الدولتين، هل كان بالإمكان تدارك مخاطرها قبل الاستفتاء؟
< فليكن السؤال عن إمكانية تدارك مشكلات الحدود قبل نتائج الاستفتاء لأن التفاوض والعمل الدؤوب لترسيم الحدود كان جارياً ومتصلاً.. وكذلك كان الحال بالنسبة لمناطق التماس الحدودي والتداخل، ومن المعلوم أنه تم إنجاز نحو «90%» أو أكثر من ذلك بقليل من ترسيم الحدود الطويلة بين البلدين، لكن الجنوب ظل يمارس تكتيكات لخلق وصناعة أزمات لإرباك العملية برمتها ومحاولة إحداث اختلالات في إستراتيجيتنا التفاوضية، وعلى كل فقد تم الاتفاق مؤخراً في أديس أبابا على البدء في ترسيم الحدود المشتركة والانتهاء من هذه المهمة في غضون ثلاثة أشهر على أن يستمر التفاوض حول المناطق الخمس موضع الخلاف، وبالطبع فإن كل شيء قابل للحل إذا سلمت النوايا.. ولكن المؤلم والمؤسف أن حسن النوايا غير متوفر على الإطلاق لدى دولة الجنوب، بل هناك إصرار على ضم مناطق سودانية مثل أبيي وكفياكنجي وحفرة النحاس وغيرها بقوة السلاح وهذا ما زاد من تعقيد المشكلة على تعقيداتها المعروفة..
> حجم الدعم الذي تتلقاه حركات دارفور من الجنوب ومدى أثر هذا الدعم في تعقيد أزمة دارفور؟
< شواهد وحقائق الدعم الذي تتلقاه حركات دارفور من حكومة الجنوب ومن قبل من الحركة الشعبية رغم شراكتها في حكم البلاد عديدة ومؤكدة، ومؤخراً فإنه لم يبق ضمن البيئة الإقليمية بعد سقوط نظام العقيد القذافي لحركات التمرد في دارفور سوى جنوب السودان مصدر للدعم والتموين والإيواء والإسناد والتدريب، ولقد كان موضوع دعم حكومة الجنوب للتمرد الدارفوري واستضافته لزعزعة استقرار السودان وإفشال برامجه وخططه السلمية ليس لتعقيد أزمة دارفور فحسب بل محاولة التشويش على السودان وعلاقاته الإقليمية والدولية، كان هذا الموضوع مادة لبيانات وإعلانات عسكرية وحكومية سودانية عديدة، ولقد أودع السودان منذ أغسطس 2011م العديد من الرسائل والشكاوى لمجلس الأمن الدولي توضح المدى الذي وصلت إليه حكومة الجنوب في دعمها لحركات التمرد الدارفورية وغيرها، من بين تلك الرسائل المعلومات المؤكدة حول استضافة حكومة الجنوب لاجتماعي واو وياي بجنوب السودان اللذين تمخضت عنهما الجبهة الثورية السودانية التي تضم فصائل دارفورية متمردة والحركة الشعبية لإسقاط الحكومة السودانية بواسطة القوة المسلحة ومن قبل إسقاط اتفاق الدوحة وتفجير الأوضاع في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ومحاولة إلحاق شرق السودان ببؤر التفجر تمهيداً للإجهاز على الحكومة السودانية.. وعليه فإن الجنوب أضحى يشكل مخلب القط ورأس الحية في المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يستهدف تجزئة السودان وتمزيقه وتقطيع أوصاله بدءًا بالجنوب مروراً بدارفور وانتهاءً بشرق السودان..
> من أي الزوايا تنظر للوجود الجنوبي بعد الانفصال؟
< أتعامل مع الوجود الجنوبي في الشمال بعد الانفصال من خلال منظور واسع يستوعب كل التعقيدات والإفرازات التي نشأت بفعل الانفصال والرغبة الجنوبية الكاسحة في تحقيقه، كما يستوعب أن قرار منح الجنسية السودانية للجنوبيين وغيرهم هو قرار سيادي، وأن هذا القرار متوقف عند نقطة أن ازدواج الجنسية للجنوبيين في الشمال مرفوض، لكنني ألاحظ مرونة من جانب الحكومة في فحص الحالات الفردية، وطالما أن السؤال عن الزوايا التي أنظر بها فلا شك أن هناك الزاوية الإنسانية التي لا شك أنها ستكون كفيلة بإزالة كل التعقيدات والعقبات لينساب التواصل الاجتماعي بين شعبي البلدين.. وعلى كلٍ فإن السودان له سجل واضح ومتميز في استضافة اللاجئين وقد أشادت بذلك الأمم المتحدة في التسعينيات.. وإذا كنا نستضيف الآلاف بل الملايين من دول الجوار فلا غبار في أن نستضيف الجنوبيين كلاجئين في بلادنا شريطة أن يكون ذاك مفهوماً ومعروفاً لديهم، ولعل في ذلك خيرًا كثيرًا حيث إنني أعلم أن أعداداً كبيرة قد اعتنقت الإسلام.. كما أن أعداداً كبيرة من الذين ذهبوا إلى الجنوب عادوا أدراجهم بعد ما لاقوه من عنت ورهق وظلم من أبناء جلدتهم وجاءوا للشمال مستجيرين مما وجدوه من عناء وشقاء وازدراء..
> أبيي.. بدا الأمر وكأنما يراد لها أن تكون مبرراً لتدخل دولي عسكري يمهد له التصعيد من جانب دولة الجنوب.. بم تعلق؟
< بقاء مشكلة أبيي دون حل حاسم ونهائي يفتح الباب لكل الاحتمالات وكافة السيناريوهات السيئة، كما يفتح أو يُبقي الباب مفتوحاً لحكومة الجنوب لاستخدامها في مناوراتها وتكتيكاتها التفاوضية وإبقاء حالة التوتر مع السودان وحشد المناصرين الإقليميين والدوليين للضغط على السودان، وما حدث في أديس أبابا مؤخراً لدى التفاوض حول ملف النفط وطرح حكومة الجنوب لموضوع أبيي ومحاولة فرض حزمة قضايا في قلبها ملف أبيي يوضح مدى أهمية هذا الملف في إستراتيجية حكومة الجنوب التفاوضية وموقع مجموعة أبيي في مراكز القوى الحاكمة والمحركة للأمور في جنوب السودان وهي قوى ذات صلات وثيقة بالغرب ومنظماته ومصدر أساسي في بث الكراهية ضد الشمال والشماليين والتشكيك في نوايا حكومة السودان والعمل على إسقاطها بشتى الوسائل والسبل..
> في تقديرك.. ما الذي تريده دولة الجنوب من الشمال من خلال إثارة هذه المشكلات ودعم المتمردين؟
< حكومة الجنوب تسعى بقدر الإمكان لإطاحة الحكومة الحالية وأن تأتي إلى السودان حكومة أخرى لأن السبب الأساسي هو تجزئة السودان إلى دول، وأيضاً تسعى حكومة الجنوب إلى أن تكون الحكومة القادمة علمانية وهذا على نفس النمط الذي تدّعيه زوراً وبهتاناً، لذلك على العلمانية أن لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين علماً بأن المسلمين بالجنوب أكثر من المسيحيين، ولكن واقع الحال يوضح أن المسلمين عرضة للاضطهاد، والمساجد أيضاً قابلة للتدمير هناك.
> الوجود الإسرائيلي بالجنوب.. من أي زوايا الخطر تقرأه؟
< أعتقد أن الوجود الإسرائيلي بالجنوب تحدثت عنه إسرائيل كثيراً وقالت إنهم أنجزوا عملاً رائعاً في السودان وهذا بتدريب عناصر الأمن، ووضع أجهزة تنصت في العديد من المناطق بدارفور، وأعتقد أن هذا قد تم بواسطة القوات الرواندية لأن «التوتسي» هم الذين يسيطرون على زمام الحكم برواندا وتربطهم صلات وثيقة بإسرائيل، وعلى ما أذكر في مقابلة مندوبنا الدائم في نيويورك الفريق/ الفاتح عروة بالمندوب الأمريكي للأمم المتحدة ذكر أنه يجب على السودان أن يقبل بالقوات الإفريقية وشدد على القوات الرواندية بالتحديد، وأنا أجزم بأن هنالك عدداً مقدراً من هذه القوات وصلت إلى دارفور وما زالت موجودة وما هم إلا جواسيس «للموساد»، وقد تمكنوا من وضع الكثير من الأجهزة في أماكن كثيرة بدارفور تعمل على التقاط المعلومات بصورة يومية وهذا دفع مدير شؤون المخابرات الإسرائيلي لقول «تمكنا من إنجاز عملٍ رائع بجنوب السودان ودارفور».
> التعاطف الأمريكي مع جوبا بعد الانفصال بدا أمراً مكشوفاً.. ماذا وراءه من الناحية الإستراتيجية؟
< إن المخطط الغربي قائم على أن دولة السودان بشكلها الحالي مع قيام دولة ذات توجه إسلامي في ليبيا وتونس ومصر وباعتبار أن السودان بحدوده المشتركة مع هذه الدول يشكل حزاماً إسلامياً يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، وأمريكا تهتم بمنطقة القرن الإفريقي لأن بها باب المندب ولموقعها الإستراتيجي لأنها مطلة على البحر الأحمر الذي يمر من خلاله أكثر من «70%» من البترول الخليجي، وأيضاً لقرب دول القرن الإفريقي من دول الخليج لذلك فهذه المنطقة مهمة للاقتصاد الأمريكي، والإستراتيجية الأمريكية قائمة على زعزعة أمن واستقرار دولة الجنوب باعتبار أنها مع مجموعة الدول التي ذكرتها سابقاً يمكن أن تصبح دولة ذات توجه إسلامي يهدد المصالح الأمريكية في إفريقيا وشمالها وبالتالي تتضرر المصالح القومية الأمريكية.
> كيف تحلل وقوف الصين وروسيا مع سوريا في مجلس الأمن؟
< أعتقد أن كلاً من سوريا والصين يعتقدان أنهما قد خُدعا بالنسبة لقرار مجلس الأمن لليبيا، وبالتالي أصبح حزب الأطلسي لديه تفويض من مجلس الأمن ليعمل في ليبيا، والآن في سوريا نجد أن روسيا والصين تصران على أن تؤكدا أنه لا يمكن تجاهلهما في أي قرارات دولية تُتخذ بشأن سوريا أو غيرها وليس هناك مجال لكي تصبح سوريا ليبيا أخرى، لكن أعتقد أن الصين وروسيا يخاطران مخاطرة عظيمة لأن النظام السوري لا شك أنه سيسقط وينهار، ثم إن هذا الموقف من قبل الصين والاتحاد السوفيتي سوف يعرض علاقات البلدين إلى خطورة ماثلة وهي توتر علاقاتهما مع دول الخليج العربي التي يرى أنها أكثر تماسكاً وتشدداً وإصراراً على إسقاط النظام العلوي في سوريا، وربما أدى هذا الأمر لكي تفقد الصين البترول وهي محتاجة لأي نقطة منه تصلها من دول الخليج.
> لماذا لم تقف الصين وروسيا مع السودان في مجلس الأمن؟
< إن الصين وروسيا يقلبان مصالحهما، والصين هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بعد اليابان، وحجم التجارة بين البلدين يقارب «500» مليار وأيضاً هي أكبر دولة لها مخزون من الدولار الأمريكي، وروسيا اليوم لم تعد روسيا الأمس وأعتقد أن وقوفهم ضد السودان كان انحيازاً لمصالحهم القومية، أما بالنسبة للصين فإن السياسة هي مصالح ولا مجال للعاطفة.

إضافة تعليق

رئيس هيئة شورى الوطني بالخرطوم لـ«الإنتباهة»: «2 ــ 2»

رئيس هيئة شورى الوطني بالخرطوم لـ«الإنتباهة»: «2 ــ 2»

أرسل إلى صديقطباعةPDF
تقييم المستخدم: / 0
ضعيفجيد

> أجراه: احمد يوسف التاي ــ عبد الله عبد الرحيم

> هذه الرؤية التي تتحدث عنها جاءت في إطار حديثنا عن «الشلليات» فهل إذا ما طبقتاها ستكبح جماح المدّ المترامي لهذه «الشلليات»؟
< نعم ستكبحها تماماً، وسيكون بعد هذا الكلام الذي يُرفع للناس هو كلام علمي ومجرد من الهوى الشخصي والانتماء الجهوي والقبلي وغيره، وأيضاً هذا الأمر من الممكن أن يعطي فرصة للناس لأنك إن لم تشغلهم سوف يشغلونك لأجل ذلك أنا في تقديري إذا أرادت بعض المجموعات أن تناقش بعض الموضوعات في بيت زول أو حديقة عامة أو مركز اجتماعات أو دراسات أو غيره فيجب أن نرى هل سيرفعون ما توصلوا إليه من معرفة إلى جهات الاختصاص أم سيرفعونه إلى غير هذه الجهات ..
> في رأيك كيف يمكن تدارك مشكلة التداخل بين الحزب والحركة الإسلامية والدولة؟
< أعتقد أن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بل وأجهزة الدولة تحتاج إلى إحياء هذه الجلسات التفاكرية وتشجيع مبادرات كتابة المذكرات وتقديم البدائل في كل قضية من القضايا حتى تنهض وبين الرؤى العلمية التي تجعل الأفكار ومن شاور الرجال شاركهم عقولهم كما يقول المثل.
> ظاهرة المذكرات داخل المؤتمر الوطني، هل أنت مع ما جاء في المذكرة الأخيرة؟
< أنا أعتقد أنه من الأنسب أن نناقش مثل هذه القضايا داخل مؤسسات الحزب وليس من الحكمة والمعقولية أن ننشر هذه القضايا عبر الإعلام، فهناك مؤسسات وقنوات لمناقشة هذه المشكلات، هذه المذكرات مكانها الحزب وليس الإعلام..
> عفوا دكتور ألا ترى أن هناك قضايا حقيقية لمستها هذه المذكرة مثل قضايا الفساد؟
< أنت تريد أن تستدرجني بذكاء إلى الحديث عن المذكرة وأنا لا أود الحديث عنها في الإعلام...
> «مقاطعًا» دعك من الحديث عن الفساد الذي أشارت إليه المذكرة فما تقول عن الفساد الذي استشرى وأصبح ظاهرًا ولايحتاج إلى مذكرات؟
< الآن هناك آلية لمكافحة الفساد وهناك مؤسسات عدلية والمراجع العام، وأعتقد أن الدولة جادة في محاربة الفساد، وهناك الآن قضايا أمام المحاكم وهناك تحريات تجري الآن حول قضايا فساد، فالدولة الآن تكافح كل أنواع الفساد.
> هناك من يرى أن الفساد أصبح جزءًا من حماية النظام ولا يمكن للإنقاذ أن تكبح جماحه، بم ترد؟
< هذا الحديث ليس صحيحًا والدليل على ذلك أن الدولة الآن تحارب الفساد وأعتقد أنه إذا كان هناك ما يسبت ارتكاب مخالفات فإن الولة عبر أجهزتها المنوط بها حماية المال العام ولجم الفساد بكل أنواعه لن تتوانى..
>- كان قد دار حديث في الآونة السابقة عن حوافز الكنترول وأحدث هذا الحديث جدلاً واسعاً في الساحة وتوعدت على إثر ذلك جهات لم تسمها ولكنك طلبت عدم نشر الحوار الذي أجرته معك «الإنتباهة» في هذا الخصوص؟
< نعم كان هناك حديث بهذا الشأن، وقد أُوذيت وأُوذيت أسرتي جراء ذلك الكلام الذي قيل حولي، وللحقيقة أنا أشكر «الإنتباهة» التي تفهّمت موقفي وأوقفت نشر الحوار الساخن الذي أجرته معي في السابق بعد أن رأت جهات أنتمي إليها بالولاء عدم التخاطب من خلال الأجهزة الإعلامية.
>- ولكن هل برّأ هذا الموقف ذمتك ورد لك اعتبارك؟
< أنا بالنسبة لي لا أعاني مشكلة، لأني استلمت المبلغ وفق لائحة مجازة ومصاغة من النائب العام ووزارة المالية صادقت عليها، بمعنى أن المالية والحسابية وافقت عليه وأصدرت بناء على ذلك إذن الصرف، وجاء المراجع العام بعد ذلك وراجع ولم يعلن أن خطأ قد ارتُكب، لذلك أصررت على توضيح هذا من خلال الإعلام، وفضلاً عن ذلك فإن هذه الأموال لم أستفد منها شخصيًا فأنا «سادي» ثغرة للدولة وللحزب وللحركة، وهناك من يأتيني لقضاء حوائجه وأنا أمثل الحركة الإسلامية، منهم من أعرف ومنهم من لا أعرف، وفيهم من يدّعي أنه محتاج لمساعدة ومنهم من أظن أنه يخدعني ولكن من خدعنا في الإسلام انخدعنا له؛ وأعطوا السائل ولو أتاكم على ظهر فرس، ومرات يجيني شخص يملك سيارة أنا نفسي لا أملك مثلها، لكن أنا أشعر بأن هذا حل لإشكالية ولا يمكن أن أقول لهم اذهبوا إلى معتمدكم وحلوا قضاياكم أو إلى لجنة الزكاة في الحي.
>- إثارة القضية في الصحف وبتلك الطريقة ربما أشعرك بأن هناك استهدافًا ضدك؟
< شعرت حقيقة بأن إثارة القضية وبهذه الطريقة بها استهداف لأجل ذلك وعندما كنت في لحظة الغضب قلت الكلام الذي قلته لـ«الإنتباهة» وطلبت إيقاف نشره بعد تدخل بعض الجهات كما قلت سابقاً، وأنا أشكر «الإنتباهة» على تفهمها هذا الموقف وأنا شاعر بأني في وضع أفضل من عدم النشر فلا بد من المسامحة في مثل هذه الأشياء التي تمس الشخص ولكني كنت في تلك اللحظة رأيت أن أولادي وأصدقائي تأذّوا من ذلك فحاولت أن أقول شيئاً يشفي غليلهم ولكن حتى الآن أرجو ألّا أكون قد أشرت في حديثي هذا إلى أي شخص أو مجموعة وأتمنى أن أكون من الكاظمين الغيظ لأن المثل يقول «الفشى غبينته خرب مدينته».
>- هل لك إضافة؟؟
< أقول إن صحيفة «الإنتباهة» نالت حظًا وافرًا من الانتشار وتؤدي دوراً مهما، ومنبر السلام العادل أتمنى أن يكون أحد المنابر التي تتقدم بهذا البلد إلى الأمام لأننا أيضًا يستمر نهجنا في أن نجمع ولا نفرق خاصة في مسألة الأمور الدينية، وينبغي أن نكون رشيقين في معالجة الأشياء المختلف عليها في إطار الإسلام لأن الاستهداف تجاه الإسلام ماضٍ في تزايد، وقد حدثني من أثق بهم أن قوى المعارضة عندما كانوا في الخارج قبل نيفاشا في التدريب بالمعسكرات يضعون صور بعض القيادات الإسلامية لكي يتدربوا عليها عسكريًا فبدلاً ما يتدربوا على الدورة يضعوا لهم صورة «فلان» ويضعون الهدف عند قلبه فيرمون فيه. بل وتحدثوا بأنهم عندما يدخلون الخرطوم لا يتركون من له ذقن بل يؤكد آخرون أنهم لن يتركوا في الأرض من يحفظ سورة الفاتحة. فالحقد ضد الإسلام والمسلمين سواء كانوا أنصار سنة أو جماعة بلاغ أو صوفية فكلهم مستهدَفون لذلك أرجو أن تكون «الإنتباهة» المنبر الذي يضمِّد الجراح والمنبر الذي يجمع الناس.
> «مداخلة»: هذا ما تقوم به «الإنتباهة» الآن ...
< نعم لكني أريد أن أؤكده لأني أرى أحيانًا تفلتاً من بعض الجماعات والطوائف وفيها شيء من السخرية و«ما يفقع المرارة» كما يقول الطيب مصطفى.

إضافة تعليق