الأربعاء، 8 فبراير 2012

الإتقان إلى من يهمهم الأمر



 
الإتقان إلى من يهمهم الأمر
ضياءالدين الجمل
 
 
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".. حديث شريف يحدد لنا ملامح العمل في حياتنا وأهمية إتقان الأعمال التي نقوم، بها حتى نؤدي ما علينا بالشكل الأمثل، وينطبق هذا الحديث على كل مناحي الحياة، فلم يحدد الحديث عملاً ويترك الخيار في أعمال أخرى، فحتى الذبح حثنا النبي الكريم على إتقانه حتى لا يعذب الذبيح وقس على ذلك. كلما طاف بذهني هذا الحديث تجولت بخاطري في أرجاء وطننا الفسيح محاولاً رصد الأعمال التي تتم بإتقان متبعة نهج الحديث والأخرى التي لا تمت للإتقان بصلة، والمحصلة مذهلة، فلا يكاد عمل منذ الاستقلال يبلغ درجة الإتقان والأمثلة كثيرة لا نستطيع حصرها في مقال واحد، لذا فلنكتفِ ببعض الأمثلة. دعونا نبدأ بالشوارع لأنها أمام ناظرينا وزائرينا كل يوم، فلا تكاد تجد شارعاً كامل الإتقان ودعونا نفسر كيف يكون الشارع متقناً.. أولاً: يجب أن يكون الأسفلت على أعلى درجة من الجودة والسفلتة نفسها على أعلى مستوى، كأن يكون الشارع مستوياً تماماً دون نتوءات أو تعرجات، وهو الشيء الطبيعي والذي يجب أن يسأل عنه المهندس الذي يقوم بالتوقيع على استلام الشارع. ثانياً: لابد لأي شارع أن يكون له إفريز وأن يكون له رصيف مرصوف حتى الحائط، بعد ذلك إن أمكن يكون الشارع مضاءً بالله عليكم حاولوا إحصاء عدد الشوارع التي تنطبق عليها هذه المقاييس. الأمر الثاني الصرف الصحي –لا علاقة له بالصرف البذخي - تكاد تكون كل مدن العالم المتحضر وشبه المتحضر بها شبكة صرف صحي وهو أمر بدهي يوضع في الحسبان عند تخطيط أية مدينة أو حي، وقد كنا قديماً من العواصم المتحضرة، إذ كان لدينا شبكة صرف صحي في وسط الخرطوم وامتدت حتى الخرطوم 2 والخرطوم 3 وانتهت بالعمارات لتنعدم بعد ذلك من كافة المخططات السكنية والمدن الجديدة، ولا يخفى على أحد أهمية الصرف الصحي فالأمر لا يحتاج لكثير ذكاء. وإذا أخذنا مشروع الجزيرة، فهو ليس مثالاً لعدم الإتقان بل لانعدام الإتقان تماماً، فالمشروع الزراعي الأكبر في إفريقيا والذي كان يغذي خزانة السودان بالعملات الصعبة وحينها كان الجنيه السوداني يزيد على الثلاثة دولارات أمريكية، تآكل ليصبح شبحاً خاسراً يهدد مزارعيه بالفقر والسجون.. ترى من المسؤول عن هذا التردي؟! سكك حديد السودان كان الناس يضبطون ساعاتهم على صافرتها، وكانت تربط كل مدن السودان، تنقل البضائع والناس والدواب، صارت اليوم أثراً بعد عين، وكل ذلك من الإهمال وعدم الأمانة في تولي الأمر العام ثم عدم الإتقان، علماً بأنها وسيلة النقل الآمن والأرخص بين وسائل النقل المختلفة، ونرى أثرها في كل دول العالم ولازلنا في انتظار من يدعمها لتعود سيرتها الأولى. الخطوط الجوية السودانية مثال حي للتدني في الخدمات وعدم الإتقان، فبعد أن كانت شمس السودان المشرقة أصبحت شمس الإهمال المحرقة، فما آلت إليه من سوء حال يحرق قلب كل العاملين فيها، الذين يعشقونها عشقاً صادقاً، فقلما تجد عاملين في قطاع ما يحبونه كحب أهل سودانير لها، ولو تتبعنا مسارها فإن أسباب تدهورها لا تخفى حتى على الأعمى، وهنا أتقدم بمقترح بسيط ومتواضع لماذا لا نعقد مؤتمراً يضم العاملين بالخطوط الجوية السودانية الحاليين والسابقين، فهم الوحيدون الذين لم يستشاروا في أمر شركتهم، ولنسمع ما لديهم وأنا على يقين تام بأنهم الأقدر على وضع الحلول المناسبة لهذا المرفق الهام والحيوي. ثم الأمر المحير هو سلعة السكر فكلما افتتحنا مصنعاً جديداً للسكر وتباهينا بذلك في وسائل الإعلام المختلفة، كلما زاد سعر رطل السكر، مع العلم أن سكرنا نفسه ومن إنتاج مصنع كنانة يباع في الخارج بسعر أقل من سعره بالداخل، فما جدوى أن نبذل جهداً في إنشاء وإقامة المصانع إذا كان ما تنتجه يمكن أن يأتينا من الخارج بسعر أقل، فلنوجه الأموال إلى وجهتها الصحيحة لتعود على اقتصادنا خيراً، هي فزورة وتحتاج إلى حل. ينسحب الأمر كذلك على التعليم، فبعد أن كانت جامعة الخرطوم من الجامعات المرموقة والتي يشار إليها بالبنان أصبح خريجها غير مؤهل وغير مرغوب في توظيفه كما كان فى السابق، والسبب في غاية البساطة، الإهمال وعدم المحافظة على ما بين أيدينا ناهيك عن إتقانه، والأمر ينسحب كذلك على التعليم العام الأساسي منه والثانوي، فالطالب اليوم لا يكاد يفك الخط ومعلوماته العامة ضحلة جداً ولا أدري من سيقود البلاد مستقبلاً إذا استمر مستوى التعليم على هذا الحال. كما أن اللغز المحير أن معظم من يتبوأون مناصب عليا وسيادية في البلاد نالوا تعليماً مجانياً من بداية الدراسة في الابتدائي مروراً بالوسطى ثم الثانوي، وحتى الدراسة الجامعية والتي كان يدفع للطالب فيها معاش شهري نجدهم اليوم يتحدثون عن رفع الدعم عن البنزين والسكر وخلافه، فأي تردٍ هذا الذي نعيشه. وعلى الصعيد الرياضي فحدث ولا حرج، لازلنا نتمسك بكرة القدم رغم إخفاقاتنا المزمنة ورغم ميزانياتها الباهظة، تاركين الألعاب الفردية والتي لا تحتاج لميزانيات ضخمة رغم أنها ترفع علم السودان أيضاً في حال الانتصار، ولكننا لا نعرف ماذا نريد ولا نجيد حتى أن نحلم بشكل منهجي ومنظم بما يحقق لنا أحلامنا، ولدينا أعظم مثل رياضي على سوء التخطيط وعدم الإتقان ألا وهو المدينة الرياضية والتي يمكن أن نستفيد منها سياحياً بجعلها مزاراً للسياح ليشهدوا كيف يكون الإخفاق وكيف أننا نبز العالم أجمع في هدم كل نظريات التخطيط والاستراتيجيات، وكيف يمكن لصرح كان بالإمكان الفراغ من تشييده في سنة أو سنتين يظل تحت التشييد لأكثر من عشرين عاماً، ألا يستحق مثل هذا العمل أن يكون قبلة للسياح. كل ما سبق يجعلني موقناً بأننا في السودان لو قدر لنا أن نعيش مئة عام فلن يتغير حالنا طالما أننا نسير بهذا النهج الأعرج، الذي ينزلق بنا كل يوم إلى هاوية. أكتفي بهذا وأسأل الله أن يهدي قادتنا إلى معجزة يجعل التخطيط والمنهج العلمي أساساً للعمل ليفضي بهذه البلاد إلى ما فيه خير العباد. والله من وراء القصد
 
إرسال : 0طباعة : 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق