في الشأن العام |
يبدو أن قاموسنا السياسي سيذخر بكل جديد من المفردات التي تعبر عن كل مرحلة من مراحل توتر النظام الحاكم، ودرجة ومستوى تحمله للواقع الذى صنعه بيده، فكلما اشتدت قبضة المشاكل عليه، كلما تفتقت عبقرية مسئوليه عن الجديد من طرق ووسائل تحميل الذنب أو إلقاء اللوم على غيرهم، ممن يتوهمون عداءهم لهم، كانوا من داخل أو خارج السودان. وبالطبع يرجع العداء الثابت للأحزاب المعارضة من أذناب الاستعمار، كما تحلو لهم تسميتهم، أضيفت إليها أخيرا الحركة الشعبية وحكومتها بجنوب السودان، التي أصبحت لاعبا رئيسا في خلق كل المشاكل التي تلم بالشمال، ومن ثم تكيل لهم حكومته، اى الشمال، من فيض غضبها ما يقلل من احتقاناته لديها. ولا داعي لتكرار ما سبق ان أتحفنا به قادة النظام من مختلف مفردات الإحباط والدعوة لليأس التي وجهتها لمعارضيها، من شاكلة لحس الكوع، وأحلام ظلوط وغيرها، ويقولون ذلك وهم يعلمون بان المسلم ليس بطعان ولا لعان ولا بذيء. حتى وصلنا مراحل التهديد (بورم الفشفاش وفقع المرارة). وبما ان الشعب السوداني، أو قل غالبيته، قد ظلوا يتعرضون للحالتين وبصورة متكررة على امتداد عهد الإنقاذ، يصبح لا جديد ستضيفه هذه المرحلة من مراحل زجر المواطن،أكثر من تسجيل مفرداتها بقاموس الإنقاذ الخاص بالردح السياسي. وبنظرة في بعض الأقوال وبعض الأفعال التي تصدر من جانب النظام الحاكم، يتأكد لنا الدور الكبير الذى تلعبه في عمليات ورم الفشفاش وفقع المرارة. وبالطبع لا ننكر أن بعضا من تلك الأفعال لم تكن قاصرة على حكومة الإنقاذ وحدها، لولا أنها قد عملت على تقييد أسلوب حكمها، بعد أن ربطته بشرع الله وقواعده، الأمر الذى يحرم عليها الكثير مما قد يسمح به لغيرها من الحكومات التي لم تدع ما لا تستطع إليه سبيلا.
فالشورى من تعاليم الإسلام، رفعها هذا النظام دون ان يلتزم بممارستها وتنفيذ نتائجها كقاعدة، جاءت تلك النتائج ملبية لأهدافه ورغباته، أو منافية لها. فالمتبع بين مسئولي هذا النظام، غض الطرف عن حق المواطن في الاستشارة، وحتى ان فعلوا فهم غالبا ما يتوكل المسئول وينفذ رؤيته دون اعتبار لرؤية الآخرين. وكمجرد مثال لضعف أو انعدام الشورى نبدأ بالمشكلة اليومية التي تؤرق المواطن فوق ما هو عليه من أرق مشاكل الحياة الأخرى، والمتمثلة في المواصلات، فقد طرحت ولاية الخرطوم، وفى إطار مجاهداتها لمعالجة اختناقات حركة المرور بكل طرقاتها، مشروعا لتشييد طريق مواز لشارع القصر على امتداد شاطئ النيل ولمسافة محددة، تبدأ عند كبرى النيل الأزرق، وقد تنتهي عند كوبري توتي. وبالطبع لن يستمر الجسر الطولي ليصل مدينة امدرمان حتى يصبح إضافة حقيقية لعلاج المشكلة. وبما ان اختناقات الحركة تشتد بوسط الخرطوم، وليست بشارع النيل وحده، فقد كتبت العديد من الأقلام حول ذلك الطريق وقلة جدواه مقارنة مع علو تكلفته، بجانب تأثيره على مجرى النيل، وكان الرأي الأجدى أن تتجه الولاية إلى تشييد الكباري الطائرة بوسط المدينة، ولها في ما شيد بالقاهرة خير مثال لكيفية معالجة مثل تلك الاختناقات.ولكن الولاية قررت التنفيذ، بصرف النظر عن كل ما قيل، فتوكلت وشرعت فيه ولا زلنا في انتظار الدور الذى سيلعبه ذلك الطريق، في ذلك المكان، وبمحدودية طوله، في فك الاختناقات التي تعمل على خنق المواطن وفى كل صباح جديد.
وما يزيد الفشفاش ورما، أن الولاية لم تشرع بعد في تطبيق بعض المعالجات التي اقترحت من أكثر من جهة، لأجل انسياب الحركة، ومنها ما أعلنتها ذات الولاية لثقتها في جدواها. وفى مقدمتها أن تصبح حركة وسائل النقل دائرية، بحيث تقضى بذلك على تكدسها بالمواقف التي حددت لها، أو شيدت لأجلها، وبكل ما أهدر فيها من مال، وقوفا في انتظار أن يأتيها المواطن في مواقفها، بدلا من أن تذهب هي إليه في موقفه. كما ولا زالت الطرقات تكتظ بوسائل النقل المختلفة وعلى رأسها ما أسموها، بصات الوالي، التي أضافت لعرقلة الحركة بعدا جديدا. هذه البصات تحتل مساحة كبيرة من الطريق فإذا أضيف لذلك توقفها المفاجئ والمتكرر استجابة لطلب كل راكب، وفى أي مكان يريد، فأصبحت اكبر منافس لعرقلة الحركة وإبطائها. يحدث هذا بينما هذه البصات بالذات، قيل بأنها ستصبح دائرية، تحدد خطوط سيرها، وأماكن توقفها التي لا تحيد عنها قيد أنملة، وحتى يعرف المواطن من أين يعتلى ما ستوصله للمكان الذى يريد، وأين ومتى سيترجل منها حيث يريد. لكن المواصلات لا زالت بذات جوطتها القديمة، تتكدس وسائلها ببعض المواقف، ويتكدس المواطنون بالطرقات في انتظار مقدمها، أو أن يتكبدوا مشاق الوصول إليها حيث تقف. وبذلك امتلأت الطرقات بالمشاة من المواطنين، وفى كل اتجاه، حتى أصبحوا في مقدمة معوقات الحركة، بحركتهم الدائبة أمام وبين السيارات.
ونحن نبحث عن معالجات مشاكل الحركة لابد من أن أشير إلى آخر إضافة لعرقلتها، تسببت في خلقها عدم المراقبة والمتابعة لما تود انجازه أي من مؤسسات الدولة، حتى يتم ملافاة الخلل والعلل قبل تطورها وزيادة رقعتها. تصوروا وزارة الكهرباء، وبعد كل النجاحات التي حققتها في استقرار الإمداد الكهربائي، بإدخال مختلف المعينات التي حققت ذلك، يبدو أن الجهة المعنية بمهمة تنفيذ العمل من أجل استقرار التيار الكهربائي، قد أطلقت يدها لتفعل ما تشاء ودون متابعة أو مراقبة. وكانت النتيجة كمية من العيوب قطعا ستمنح الفرصة لآخرين لتصويبها. فالوزارة ألحقت بكل حي أو منطقة (أمية كهرباء) ربما لتغذية التيار الأمر الذى استوجب إضافة أعمدة جديدة للكهرباء، تتصل بتلك الأمية. وقد تلاحظ ان انجاز تلك المهمة قد تم بسرعة لم تتم مراعاة الدقة والجودة في تنفيذها، بل انصب الجهد في كيفية زرع أعمدة الكهرباء المحددة لكل منطقة في الأرض بأية صورة كانت، وفى أي موقع كان. فالذي حدث أن هذه الأعمدة قد انتصب بعضها في منتصف الطريق، بحيث لا يسمح لغير العربات الصغيرة بالعبور من جانبيها، مع تحريم ذلك على العربات الكبيرة وعلى رأسها الخاصة بجمع النفايات، وبصرف النظر عن التناسق في أبعاد المسافات بين الأعمدة ومدى استقامتها. انظروا بعض الطرقات شرق مستشفى رويال كير، وبشارع الستين وربما بغيرها من الطرقات لتروا العجب نتيجة عدم المتابعة والمراقبة.
والمواصلات بكل هرجلتها الحالية، وضيق الطرقات التي تحتل السيارات المتوقفة، على كيفها نصف مساحتها، تعلن الولاية بأنها بصدد إدخال الترام ضمن وسائل النقل بالخرطوم. وقد شرحت الولاية الكيفية التي ستتم بها صفقة شرائه، حيث اختصرت مشاركتها على الأرض التي سيسير عليها ذلك الترام، وهنا لابد من أن نسأل الولاية عن أين تقع تلك الأرض وهى حاليا، اى الأرض، لم تسع وسائل المواصلات المختلفة بما فيها بصات الوالي التي لم يكتمل عددها بعد. فلم لا تعرض الولاية تفاصيل هذا المشروع للمواطن الذى تسعى مشكورة لحلحلة مشاكل مواصلاته، على الأقل ليعلم الطرق التي ستخصص لسير ذلك الترام، والمناطق التي سيشرفها، وحبذا لو علم عدد الذين من المتوقع الاستفادة من خدماته، ما دام الولاية عزمت وتوكلت مرة أخرى؟ بعدين هنالك شيء اسمه استطلاع الرأي، يستخدم في مثل هذه الحالات، بحيث تقف الولاية على رأى المواطن حول المشروع المراد تقديمه، قبل ان تقدم على التنفيذ، وبالطبع نحن لا نطمع في أن تسمع الولاية رأى المواطن وتستجيب له، لكن على الأقل لتشعره بأنه صاحب الحق في مثل تلك المشروعات ومن ثم له الحق في إبداء رأيه حولها.
وقبل أن تأتى الولاية بترام ليزيد من تعقيدات الحركة تعقيدا، نسأل مرة أخرى عن الذى تم في أمر ترحيل السكة حديد من قلب الخرطوم إلى الخرطوم بحري، بشرق النيل والشجرة جنوب الخرطوم، حتى تعالج بعضا من اختناقات الحركة عندما يقرر أي قطار عبور بعض الطرقات التي يستلزم المرور عبرها، فتتوقف الحركة حتى تعبر العشرات من عرباته بكل بطئها الممل، وهذا دون ان يحدث تعطل لها بمواقع أخرى تعمل على تعطيل الحركة هنالك، فتتوقف الحركة تجاوبا معها بوسط الخرطوم. لقد ذكر احد الوزراء المختصين بذلك الأمر، وفى أمر معالجتهم له، بأنهم بصدد تسيير تلك القطارات عبر أنفاق تحت الأرض، ودون ان ندرى بالكيفية التي تمكن سيادته من معالجة ذلك تحت الأرض وهم عجزوا عن المعالجة فوقها؟
على كل لا يسع المواطن إلا أن يشيل الصبر حتى يكتمل شارع النيل ويتم تشغيله ليرى حجم المعالجة التي سيوفرها لفك اختناقات المواصلات بقلب الخرطوم، ومن بعد يصبر مرة أخرى ليرى قصة الترام وهى تمشى على أية أرض بالخرطوم، ودوره في المعالجات المطلوبة لتيسير حركة المواطنين؟ وبالطبع ان لم تحقق أي من هذه المشروعات أهدافها، فلا بأس من محاولات أخرى فالشعب وراءه أيه؟ فنحن لا ننتهي من علاج مشكلة قبل أن نشرع في خلق أخرى.
وقد انتهينا من مشاكل المواصلات ودورها في فقع مرارة المواطن، دعونا ننظر في أوجاع الحكومة الاتحادية. فقد انتهت المفاوضات بين ممثلي حكومتي الشمال والجنوب إلى ذات النتائج التي ظلت تصل إليها في كل جولة. لكن ما يدهش أن الحكومتين بالشمال والجنوب،ظلتا ترسلان ذات ممثليهما، وهم يحملون ذات أجندتهما السابقة ورؤيتهما للعلاج السابقة، في كل جولة. ويبدو ان الحكومتين قصدتا ان تتخيرا من بين كوادرها من يستطيع ان يرد الصاع صاعين للجانب الآخر.فيصبح السؤال عن ما هو الهدف من تكرار ذات المفاوضات التي نعلم سلفا بأنها ستقود لذات النتائج التي قادت إليها سابقاتها؟. فقصة تصدير بترول الجنوب عبر الشمال، عمل كل جانب على تحديد السعر الذى يرى. وما يرى كل جانب حول الأسعار اللازمة لذلك الفعل، يعطى صورة واضحة إلى استحالة قبوله من الطرف الآخر، خاصة والفرق بين المطلوب من كل جانب والآخر، يبعد بعد السماء للأرض. فكيف تحدد حكومة الجنوب مجرد 64 سنتا لعبور برميل النفط، في حين تحدد حكومة الشمال 32 دولارا لذلك؟. فلابد من أن يكون أحدهما يضحك على الآخر. وبما أنهما لن يتنازلا عن هذه الأسعار يصبح لا ضرورة للتفاوض حولها مرة أخرى، ولم لا يحتكم الجميع للأسعار العالمية ان وجدت؟
وفى هذا المجال يجب ان تصدق الحكومة مع المواطن في حديثها عن الاقتصاد، إذ لا يجوز ان يصرح رئيس البرلمان بان السودان سيتجاوز الفجوة التي خلفها خروج بترول الجنوب وعائداته وذلك بنهاية هذا العام، بسبب دخول آبار بترول جديدة دائرة الإنتاج بالشمال، بل ارجع تذبذب أسعار الدولار، وارتفاع أسعار السلع إلى المفاوضات الجارية بأديس أبابا. والتي فشلت للمرة الثالثة أو الرابعة لا أدرى، فكيف سيصبح الحال بالنسبة للدولار وغلاء الأسعار؟. ان من أكثر ما يستفز المواطن ويفقع مرارته، مثل هذا الحديث الذى يستهين بعقل المواطن. فقد صرح العديد من المسئولين وفى فترات سابقة، ان الخروج من نفق الضائقة الاقتصادية هذه لن يتأتى قبل مرور ثلاث سنوات، فكيف تقلصت الفترة إلى بضعة أشهر؟. ومن قبل بشرتنا قيادة البرلمان بأنهم نجحوا في الوقوف ضد رفع الدعم عن الوقود وبعض السلع الأخرى، ومن بعد أكد وزير المالية عدم الاتجاه لذلك الفعل، لكن بنك السودان المركزي عاد اليوم لينسف كل ذلك الجهد بإعلانه اتجاه الحكومة نحو رفع الدعم عن المحروقات وغيرها تدريجيا، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا. وهكذا يظل المواطن تتقاذفه تصريحات المسئولين سلبا كانت أو إيجابا لا يصمد كثيرا ليصبح سلبا، ومن ثم تقود إلى ورم فشفاشه وفقع مرارته.
فالشورى من تعاليم الإسلام، رفعها هذا النظام دون ان يلتزم بممارستها وتنفيذ نتائجها كقاعدة، جاءت تلك النتائج ملبية لأهدافه ورغباته، أو منافية لها. فالمتبع بين مسئولي هذا النظام، غض الطرف عن حق المواطن في الاستشارة، وحتى ان فعلوا فهم غالبا ما يتوكل المسئول وينفذ رؤيته دون اعتبار لرؤية الآخرين. وكمجرد مثال لضعف أو انعدام الشورى نبدأ بالمشكلة اليومية التي تؤرق المواطن فوق ما هو عليه من أرق مشاكل الحياة الأخرى، والمتمثلة في المواصلات، فقد طرحت ولاية الخرطوم، وفى إطار مجاهداتها لمعالجة اختناقات حركة المرور بكل طرقاتها، مشروعا لتشييد طريق مواز لشارع القصر على امتداد شاطئ النيل ولمسافة محددة، تبدأ عند كبرى النيل الأزرق، وقد تنتهي عند كوبري توتي. وبالطبع لن يستمر الجسر الطولي ليصل مدينة امدرمان حتى يصبح إضافة حقيقية لعلاج المشكلة. وبما ان اختناقات الحركة تشتد بوسط الخرطوم، وليست بشارع النيل وحده، فقد كتبت العديد من الأقلام حول ذلك الطريق وقلة جدواه مقارنة مع علو تكلفته، بجانب تأثيره على مجرى النيل، وكان الرأي الأجدى أن تتجه الولاية إلى تشييد الكباري الطائرة بوسط المدينة، ولها في ما شيد بالقاهرة خير مثال لكيفية معالجة مثل تلك الاختناقات.ولكن الولاية قررت التنفيذ، بصرف النظر عن كل ما قيل، فتوكلت وشرعت فيه ولا زلنا في انتظار الدور الذى سيلعبه ذلك الطريق، في ذلك المكان، وبمحدودية طوله، في فك الاختناقات التي تعمل على خنق المواطن وفى كل صباح جديد.
وما يزيد الفشفاش ورما، أن الولاية لم تشرع بعد في تطبيق بعض المعالجات التي اقترحت من أكثر من جهة، لأجل انسياب الحركة، ومنها ما أعلنتها ذات الولاية لثقتها في جدواها. وفى مقدمتها أن تصبح حركة وسائل النقل دائرية، بحيث تقضى بذلك على تكدسها بالمواقف التي حددت لها، أو شيدت لأجلها، وبكل ما أهدر فيها من مال، وقوفا في انتظار أن يأتيها المواطن في مواقفها، بدلا من أن تذهب هي إليه في موقفه. كما ولا زالت الطرقات تكتظ بوسائل النقل المختلفة وعلى رأسها ما أسموها، بصات الوالي، التي أضافت لعرقلة الحركة بعدا جديدا. هذه البصات تحتل مساحة كبيرة من الطريق فإذا أضيف لذلك توقفها المفاجئ والمتكرر استجابة لطلب كل راكب، وفى أي مكان يريد، فأصبحت اكبر منافس لعرقلة الحركة وإبطائها. يحدث هذا بينما هذه البصات بالذات، قيل بأنها ستصبح دائرية، تحدد خطوط سيرها، وأماكن توقفها التي لا تحيد عنها قيد أنملة، وحتى يعرف المواطن من أين يعتلى ما ستوصله للمكان الذى يريد، وأين ومتى سيترجل منها حيث يريد. لكن المواصلات لا زالت بذات جوطتها القديمة، تتكدس وسائلها ببعض المواقف، ويتكدس المواطنون بالطرقات في انتظار مقدمها، أو أن يتكبدوا مشاق الوصول إليها حيث تقف. وبذلك امتلأت الطرقات بالمشاة من المواطنين، وفى كل اتجاه، حتى أصبحوا في مقدمة معوقات الحركة، بحركتهم الدائبة أمام وبين السيارات.
ونحن نبحث عن معالجات مشاكل الحركة لابد من أن أشير إلى آخر إضافة لعرقلتها، تسببت في خلقها عدم المراقبة والمتابعة لما تود انجازه أي من مؤسسات الدولة، حتى يتم ملافاة الخلل والعلل قبل تطورها وزيادة رقعتها. تصوروا وزارة الكهرباء، وبعد كل النجاحات التي حققتها في استقرار الإمداد الكهربائي، بإدخال مختلف المعينات التي حققت ذلك، يبدو أن الجهة المعنية بمهمة تنفيذ العمل من أجل استقرار التيار الكهربائي، قد أطلقت يدها لتفعل ما تشاء ودون متابعة أو مراقبة. وكانت النتيجة كمية من العيوب قطعا ستمنح الفرصة لآخرين لتصويبها. فالوزارة ألحقت بكل حي أو منطقة (أمية كهرباء) ربما لتغذية التيار الأمر الذى استوجب إضافة أعمدة جديدة للكهرباء، تتصل بتلك الأمية. وقد تلاحظ ان انجاز تلك المهمة قد تم بسرعة لم تتم مراعاة الدقة والجودة في تنفيذها، بل انصب الجهد في كيفية زرع أعمدة الكهرباء المحددة لكل منطقة في الأرض بأية صورة كانت، وفى أي موقع كان. فالذي حدث أن هذه الأعمدة قد انتصب بعضها في منتصف الطريق، بحيث لا يسمح لغير العربات الصغيرة بالعبور من جانبيها، مع تحريم ذلك على العربات الكبيرة وعلى رأسها الخاصة بجمع النفايات، وبصرف النظر عن التناسق في أبعاد المسافات بين الأعمدة ومدى استقامتها. انظروا بعض الطرقات شرق مستشفى رويال كير، وبشارع الستين وربما بغيرها من الطرقات لتروا العجب نتيجة عدم المتابعة والمراقبة.
والمواصلات بكل هرجلتها الحالية، وضيق الطرقات التي تحتل السيارات المتوقفة، على كيفها نصف مساحتها، تعلن الولاية بأنها بصدد إدخال الترام ضمن وسائل النقل بالخرطوم. وقد شرحت الولاية الكيفية التي ستتم بها صفقة شرائه، حيث اختصرت مشاركتها على الأرض التي سيسير عليها ذلك الترام، وهنا لابد من أن نسأل الولاية عن أين تقع تلك الأرض وهى حاليا، اى الأرض، لم تسع وسائل المواصلات المختلفة بما فيها بصات الوالي التي لم يكتمل عددها بعد. فلم لا تعرض الولاية تفاصيل هذا المشروع للمواطن الذى تسعى مشكورة لحلحلة مشاكل مواصلاته، على الأقل ليعلم الطرق التي ستخصص لسير ذلك الترام، والمناطق التي سيشرفها، وحبذا لو علم عدد الذين من المتوقع الاستفادة من خدماته، ما دام الولاية عزمت وتوكلت مرة أخرى؟ بعدين هنالك شيء اسمه استطلاع الرأي، يستخدم في مثل هذه الحالات، بحيث تقف الولاية على رأى المواطن حول المشروع المراد تقديمه، قبل ان تقدم على التنفيذ، وبالطبع نحن لا نطمع في أن تسمع الولاية رأى المواطن وتستجيب له، لكن على الأقل لتشعره بأنه صاحب الحق في مثل تلك المشروعات ومن ثم له الحق في إبداء رأيه حولها.
وقبل أن تأتى الولاية بترام ليزيد من تعقيدات الحركة تعقيدا، نسأل مرة أخرى عن الذى تم في أمر ترحيل السكة حديد من قلب الخرطوم إلى الخرطوم بحري، بشرق النيل والشجرة جنوب الخرطوم، حتى تعالج بعضا من اختناقات الحركة عندما يقرر أي قطار عبور بعض الطرقات التي يستلزم المرور عبرها، فتتوقف الحركة حتى تعبر العشرات من عرباته بكل بطئها الممل، وهذا دون ان يحدث تعطل لها بمواقع أخرى تعمل على تعطيل الحركة هنالك، فتتوقف الحركة تجاوبا معها بوسط الخرطوم. لقد ذكر احد الوزراء المختصين بذلك الأمر، وفى أمر معالجتهم له، بأنهم بصدد تسيير تلك القطارات عبر أنفاق تحت الأرض، ودون ان ندرى بالكيفية التي تمكن سيادته من معالجة ذلك تحت الأرض وهم عجزوا عن المعالجة فوقها؟
على كل لا يسع المواطن إلا أن يشيل الصبر حتى يكتمل شارع النيل ويتم تشغيله ليرى حجم المعالجة التي سيوفرها لفك اختناقات المواصلات بقلب الخرطوم، ومن بعد يصبر مرة أخرى ليرى قصة الترام وهى تمشى على أية أرض بالخرطوم، ودوره في المعالجات المطلوبة لتيسير حركة المواطنين؟ وبالطبع ان لم تحقق أي من هذه المشروعات أهدافها، فلا بأس من محاولات أخرى فالشعب وراءه أيه؟ فنحن لا ننتهي من علاج مشكلة قبل أن نشرع في خلق أخرى.
وقد انتهينا من مشاكل المواصلات ودورها في فقع مرارة المواطن، دعونا ننظر في أوجاع الحكومة الاتحادية. فقد انتهت المفاوضات بين ممثلي حكومتي الشمال والجنوب إلى ذات النتائج التي ظلت تصل إليها في كل جولة. لكن ما يدهش أن الحكومتين بالشمال والجنوب،ظلتا ترسلان ذات ممثليهما، وهم يحملون ذات أجندتهما السابقة ورؤيتهما للعلاج السابقة، في كل جولة. ويبدو ان الحكومتين قصدتا ان تتخيرا من بين كوادرها من يستطيع ان يرد الصاع صاعين للجانب الآخر.فيصبح السؤال عن ما هو الهدف من تكرار ذات المفاوضات التي نعلم سلفا بأنها ستقود لذات النتائج التي قادت إليها سابقاتها؟. فقصة تصدير بترول الجنوب عبر الشمال، عمل كل جانب على تحديد السعر الذى يرى. وما يرى كل جانب حول الأسعار اللازمة لذلك الفعل، يعطى صورة واضحة إلى استحالة قبوله من الطرف الآخر، خاصة والفرق بين المطلوب من كل جانب والآخر، يبعد بعد السماء للأرض. فكيف تحدد حكومة الجنوب مجرد 64 سنتا لعبور برميل النفط، في حين تحدد حكومة الشمال 32 دولارا لذلك؟. فلابد من أن يكون أحدهما يضحك على الآخر. وبما أنهما لن يتنازلا عن هذه الأسعار يصبح لا ضرورة للتفاوض حولها مرة أخرى، ولم لا يحتكم الجميع للأسعار العالمية ان وجدت؟
وفى هذا المجال يجب ان تصدق الحكومة مع المواطن في حديثها عن الاقتصاد، إذ لا يجوز ان يصرح رئيس البرلمان بان السودان سيتجاوز الفجوة التي خلفها خروج بترول الجنوب وعائداته وذلك بنهاية هذا العام، بسبب دخول آبار بترول جديدة دائرة الإنتاج بالشمال، بل ارجع تذبذب أسعار الدولار، وارتفاع أسعار السلع إلى المفاوضات الجارية بأديس أبابا. والتي فشلت للمرة الثالثة أو الرابعة لا أدرى، فكيف سيصبح الحال بالنسبة للدولار وغلاء الأسعار؟. ان من أكثر ما يستفز المواطن ويفقع مرارته، مثل هذا الحديث الذى يستهين بعقل المواطن. فقد صرح العديد من المسئولين وفى فترات سابقة، ان الخروج من نفق الضائقة الاقتصادية هذه لن يتأتى قبل مرور ثلاث سنوات، فكيف تقلصت الفترة إلى بضعة أشهر؟. ومن قبل بشرتنا قيادة البرلمان بأنهم نجحوا في الوقوف ضد رفع الدعم عن الوقود وبعض السلع الأخرى، ومن بعد أكد وزير المالية عدم الاتجاه لذلك الفعل، لكن بنك السودان المركزي عاد اليوم لينسف كل ذلك الجهد بإعلانه اتجاه الحكومة نحو رفع الدعم عن المحروقات وغيرها تدريجيا، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا. وهكذا يظل المواطن تتقاذفه تصريحات المسئولين سلبا كانت أو إيجابا لا يصمد كثيرا ليصبح سلبا، ومن ثم تقود إلى ورم فشفاشه وفقع مرارته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق