عبده مصطفى داؤود(الأرشيف) |
أشرت في الجزء السابق إلى إحدى الممارسات التي كذبت شعارات الإسلاميين التي كانوا يرددونها قبل وصولهم إلى السلطة، ومواصلة لذلك فإن الفساد الذي استشرى في ظل هذه الحكومة يمثل مظهراً آخر من الممارسات التي أكدت زيف الشعارات التي ظل الإسلاميون يرفعونها ففي ظل هذه الحكومة قد أصبح الفساد دولة لها جيوشها وأركان حربها الذين يدافعون عنها. وفي ذلك كتب الأستاذ عبد الوهاب الأفندي في مقال له بعنوان «في أزمة السودان وحكامه» الذي نشر بجريدة الأحداث بتاريخ 24/1/2012م قال: (أما موضوع الفساد فحدث ولا حرج فقد وصف الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد زعيم حركة الإخوان المسلمين المشاركة في النظام الحالي, الحكومة الحالية بأنها أكثر حكومة عاصرها فساداً وهو عاصر كل الحكومات منذ الاستقلال. وليس المشكلة هي مجرد أكل الأموال بالباطل وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات يكفي أن تقارن مرتبات كبار المسؤلين بما ينفقونه هم وأقاربهم ولكن المشكلة في اختيار القيادات وأسرهم عيش الترف في بلد عامة أهله يكابدون الفقر ولا يكادون يجدون قوت يومهم فهذا أمر لا يشي فقط ببعد عن أمر الدين ونسيان لأمر الآخرة وإنما ينبئ كذلك عن فقدان للحس السياسي وللإحساس عموما. فأين هم من حديث لا يؤمن من بات طاعماً وجاره جائع فكيف بمن يكون متخما وشعبه يكابد المسبغة).
يبدو أن تفشي الفساد بهذا الدرجة هو الدافع الحقيقي لمذكرة الألف أخ التي رفعت لنائب رئيس المؤتمر الوطني حيث أشارت هذه المذكرة إلى ظاهرة الفساد كما تابعنا ذلك عبر التعليقات التي كتبت عنها بل تفشي هذا الفساد هو الذي دفع الحكومة لتنشأ مفوضية لمكافحة الفساد حيث صدر قرار بتعين الوكيل السابق لوزارة المالية ومدير ديوان المراجعة الداخلية السابق رئيساً لهذه المفوضية ولكن وقبل الإشارة إلى بعض مظاهر هذا الفساد هناك أسئلة بريئة تطرح نفسها وهي: لماذا ازدادت معدلات الفساد في ظل نظام يدعي أنه يقيم شرع الله؟ ولماذا ينفي بعض كبار المسؤلين وقوع الفساد بالدولة؟ لماذا نجد من بين كبار المسؤلين بالدولة من تدور حولهم شبهات الفساد ولا يزالون في مواقعهم؟ لكن يبدو أنه قد انطبق على هؤلاء المسؤلين قول المولى عز وجل «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون»، لذلك نجد من يتهم بالفساد في موقع يتم نقله إلى موقع آخر يوفر له فرصاً أوسع لمواصلة الفساد.
في مقال سابق بعنوان (الإنقاذ ومحاربة الفساد) أشرت إلى أن السودان لن يكون استثناءً في الثورة على الفساد التي ضربت بالعديد من الدول العربية حتى أطاحت ببعض حكوماتها فهو الآخر يعاني من الفساد الذي وصل درجة جعل الحكومة في أعلى مستوياتها تنادي بمحاربته حيث أعلن رئيس الجمهورية عن عزمه إنشاء مفوضية لمحاربة الفساد وأعقبه نائبه الذي صرح بعدم التواني في محاربة الفساد والمفسدين بالخدمة المدنية بل حتى البرلمان الذي ظل طوال الأعوام الماضية يشير إلى حجم الاعتداء على المال العام بعد مناقشته لكل تقرير من تقارير المراجع العام يبدو أنه قد آثر هذه المرة الانضمام إلى ركب المنادين بمحاربة الفساد وذلك بعد أن نفض غبار التجاهل الذي كان يمثل السمة البارزة لعمله حيث جاء في الأخبار أن هناك 60 ملفاً للفساد سوف تأخذ طريقها إلى القضاء. وقد تساءلت في ذلك المقال: لماذا ظلت الحكومة ساكتة عن الفساد طوال السنين الماضية حتى أصبح دولة لها جيوشها وأركان حربها؟ ومن الذين سيقومون بمحاربة هذا الفساد: هل هم القائمون على الأمر الآن بالدولة من وزراء ووزراء دولة ومستشاريون ومساعدون وغيرهم من التنفيذيين, أم أن الدولة سوف تستعين بأناس ووجوه جديدة غير تلك التي أصبحت مألوفة منذ عام 89 لمحاربة هذا الفساد؟ وقد أشرت إلى أن الشعب السوداني كله سوى تلك الفئة المنتفعة من النظام لا يرى في وجوه القائمين على الأمر اليوم إلا صور الفساد الكالحة ولا يشم منها إلا روائحه النتنة التي تزكم الأنوف و»تطمم القلب» فهل يعقل أن يقوم هؤلاء بمحاربة الفساد وهم الذين أفسدوا؟؟!! يقول ألبرت أنشتاين: (إنك لا تستطيع أن تعالج مشكلة مستعملاً نفس الأشخاص الذين تسببوا في إنتاج المشكلة) وهذا الذي أقوله عن هؤلاء المسؤولين ليس إتهاماً لهم بالباطل فكل أفراد الشعب السوداني يعرفون تاريخهم جيداً حيث كانوا كلهم إما من الطبقة الوسطى أو من الفقراء حتى قبل مجيئ الإنقاذ وإن كان حال بعضهم قد بدأ يتغير إلى الأفضل بعد المصالحة الوطنية التي فتحت لهم الإبواب ليأتوا بفكرة الشركات والبنوك الإسلامية التي كانت حكراً لهم حتى في التوظيف إضافة إلى أن معظم هؤلاء المسؤولين يتباهون اليوم بما يملكون من شركات ويديرونها لذلك كل أفراد الشعب السوداني يتساءل: من أين لهؤلاء الإسلاميين بهذه الأموال الطائلة؟؟ وأذكر هنا أن الظروف جمعتني بالمواصلات العامة لأني لا أمتلك عربة خاصة ولا حتى حكومية, مع رجل نزيه وشريف وطاهر اليد يبدو أنه كان يشغل وظيفة مرموقة نقل لي هذا الرجل شكوى بعض الخليجيين الذين يشكون من أن الوزراء السودانيون قد رفعوا أسعار الشقق بدبي!!!
إن الفساد يمكن تعقبه في مواطن كثيرة وأولى هذه المواطن وكما أشرت في مقال سابق توجد بالقصر وتجسده تلك الجيوش الجرارة من الدستوريين من مساعدين ومستشارين ووزراء ووزراء دولة حيث جاوز عددهم الآن الثمانين دستوري ووجه الفساد هنا يعكسه هذا العدد الضخم من الدستوريين الاتحاديين في دولة تزعم أنها تنتهج اللامركزية في إدارة البلاد فهذا العدد الضخم يزيد على حاجة الدولة التي تتبنى النظام اللامركزي لكن ونسبة لأن الحكومة قد أصبح هدفها لتوسيع المشاركة في السلطة هو إزالة حالة الاحتقان السياسي بالبلاد كما أشار إلى ذلك دكتور مندور المهدي والذي أكد أن الأحزاب المشاركة بالسلطة وصل عددها حتى الآن خمسة عشر حزباً في الحكومة الحالية فإنه ووفق ذلك الهدف من المتوقع أن يتجاوز عدد هؤلاء الدستوريين المائة وبناء على منطق الحكومة الذي يرمي إلى إزالة حالة الاحتقان السياسي فإنه من المتوقع أن يتم تعيين الألف أخ الذين تقدموا بمذكرة إلى المؤتمر الوطني في مناصب دستورية لأنهم قد عبروا في مذكرتهم عن حالة من حالات الاحتقان السياسي داخل الحزب نفسه بل أتوقع ووفقاً لهذا المعيار أن يتم تعيين كل أفراد الشعب السوداني في مناصب دستورية حتى تكتمل عملية إزالة حالات الاحتقان السياسي لأن الشعب كله محتقن اليوم بدليل أن الإسلاميين أنفسهم قد عبروا عن هذه الحالات بالمذكرات!!!
كذلك تعكس مخصصات هؤلاء الدستوريين الوجه الآخر للفساد. فكم تبلغ مخصصات الدستوري الواحد في الشهر؟ وكم تبلغ جملة مخصصاتهم في الشهر ثم في العام؟ وكم هو عدد العربات المخصصة للدستوري الواحد لخدمته هو وأفراد أسرته وأقاربه؟ وكم تكلف نفقات تسيير هذه العربات في اليوم الواحد؟ وأين هذا البذخ والترف من الشعار المرفوع «هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه» ألا تتفقون معي بأن كل من يستمع إلى مثل هذه الشعارات تردد اليوم لا يملك إلا أن يضحك أو يبكي كما أسلفت!! فلو أجرينا مقارنة بسيطة بعد أن نحسن الظن بهؤلاء الدستوريين الذين يرددون أنها لله وليست للسلطة أو الجاه وأن عددهم لم يتجاوز الستة والستين كما أشار السيد وزير المالية من قبل وإن كان عددهم اليوم قد قارب التسعين دستوري وبافتراض أن مخصصات الدستوري الواحد لن تتجاوز العشرين ألف جنيه في الشهر وإن كان العالمون ببواطن الأمر يشيرون بأنها قد تزيد على ذلك, فكم تبلغ جملة مخصصاتهم في الشهر والواحد وكم تبلغ جملتها في العام؟؟!!
فبعملية حسابية بسيطة وغير معقدة نجد أن جملة مخصصات هؤلاء الدستورين تبلغ في الشهر الواحد 1320000 جنيه بالجديد أي واحد مليار وثلاثمائة وعشرين مليون جنيه بالقديم. وإذا ضربنا هذا المبلغ في اثني عشر عدد شهور السنة سوف تبلغ جملة هذه المخصصات مبلغ 15840000 جنيه بالجديد أي خمسة عشر مليار وثمانمائة وعشرين مليون جنيه بالقديم!! فكم تساوي مرتبات العاملين بالدولة التي لا يزال حدها الأدنى 165 جنيهاً بالجديد أي مائة خمسة وستين ألف جنيه بالقديم, مقارنة بهذه المخصصات حتى ولو تضاعف الحد الأدنى عشرة أضعاف؟!! ألا يعد استئثار شرذمة قليلة من الدستوريين نوعاً من أنواع الفساد؟ فهؤلاء الدستوريين قد سبق للأستاذة الغبشاوي أن وصفتهم بأن ضمائرهم قد انتهت حيث عزت أزمة الاقتصاد السوداني إلى أزمة الضمير وليس أزمة أرقام فقد جاء على لسانها بجريدة «الأحداث» في عددها الصادر يوم 19/12/2011م أنها قد وجهت انتقادات حادة للحكومة وحذرت من تجاهل غضب الشعب. وقد وصفت المصرحين بعدم خشيتهم من الشعب بالواهمين، وقد أردفت قائلة: «إذا اشتعلت في الشعب شرارة الغضب سيشمل ذلك كل السودان وليس الخرطوم وحدها ولن يتم الحفاظ على الأمن إلا بإرضاء الشعب». وقد شددت على أن أزمة الاقتصاد السوداني ليست أزمة أرقام ولكنها أزمة ضمير، مؤكدة أن الضمير الإنساني قد انتهى وبات كل مسؤول لا يفكر إلا فيما يجنيه لنفسه وأسرته». وقد جاء حديثها هذا رداً على رئيس البرلمان عند مناقشة الموازنة الحالية حيث ذكر السيد رئيس البرلمان وكما ورد بصحيفة الأحداث بأن الحكومة لا تخاف إلا الله وليس الشعب. وتابع: «نحن لا نخاف إلا من الله وإذا كان وجودنا هنا خوف من الشعب فأحسن نمشي, جايين عشان نعمل الحاجة الصاح التي ترضي الله ولو أغضبت الشعب». ألم أقل لكم إن من يستمع إلى مثل هذه الأحاديث لا يملك إلا أن يضحك أو يبكي!! فهل من مخافة الله ألا تتم مناقشة قانون مخصصات الدستورين بغية إدخال تعديلات عليها حتى يمكن تخفيضها؟؟!! وهل من مخافة الله أن يتمتع الدستوريين بمخصصات يسيل لها لعاب كل الشعب وتتم إجازة الموازنة دون المطالبة بزيادة حدها الأدني الذي لا يزال 165 جنيها؟؟!!! أليس هذا هو الظلم بعينه؟ وهل الله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده يرضيه ذلك؟؟!!! لكن وكما قالت الأستاذة الغبشاوي إن الضمائر قد انتهت.
إن مخصصات هؤلاء الدستوريين, الذين لا يحصيهم العد حيث لا يصبح يوم جديد إلا وعين فيه دستوري هي السبب وراء التدهور والتردي الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد وأن الشعب السوداني كله سوى تلك الشرذمة التي ماتت ضمائرها وأصبح لا هم لها سوى ما تجنيه لنفسها وأسرها, غاضب على هذه الحكومة وسيأتي اليوم الذي تشتعل فيه شرارة هذا الغضب التي سوف تشعل السودان كله كما أشارت الأستاذة الغبشاوي وصدق الله العظيم القائل (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرض ولهم عذاب أليم * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)
ونواصل .
يبدو أن تفشي الفساد بهذا الدرجة هو الدافع الحقيقي لمذكرة الألف أخ التي رفعت لنائب رئيس المؤتمر الوطني حيث أشارت هذه المذكرة إلى ظاهرة الفساد كما تابعنا ذلك عبر التعليقات التي كتبت عنها بل تفشي هذا الفساد هو الذي دفع الحكومة لتنشأ مفوضية لمكافحة الفساد حيث صدر قرار بتعين الوكيل السابق لوزارة المالية ومدير ديوان المراجعة الداخلية السابق رئيساً لهذه المفوضية ولكن وقبل الإشارة إلى بعض مظاهر هذا الفساد هناك أسئلة بريئة تطرح نفسها وهي: لماذا ازدادت معدلات الفساد في ظل نظام يدعي أنه يقيم شرع الله؟ ولماذا ينفي بعض كبار المسؤلين وقوع الفساد بالدولة؟ لماذا نجد من بين كبار المسؤلين بالدولة من تدور حولهم شبهات الفساد ولا يزالون في مواقعهم؟ لكن يبدو أنه قد انطبق على هؤلاء المسؤلين قول المولى عز وجل «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون»، لذلك نجد من يتهم بالفساد في موقع يتم نقله إلى موقع آخر يوفر له فرصاً أوسع لمواصلة الفساد.
في مقال سابق بعنوان (الإنقاذ ومحاربة الفساد) أشرت إلى أن السودان لن يكون استثناءً في الثورة على الفساد التي ضربت بالعديد من الدول العربية حتى أطاحت ببعض حكوماتها فهو الآخر يعاني من الفساد الذي وصل درجة جعل الحكومة في أعلى مستوياتها تنادي بمحاربته حيث أعلن رئيس الجمهورية عن عزمه إنشاء مفوضية لمحاربة الفساد وأعقبه نائبه الذي صرح بعدم التواني في محاربة الفساد والمفسدين بالخدمة المدنية بل حتى البرلمان الذي ظل طوال الأعوام الماضية يشير إلى حجم الاعتداء على المال العام بعد مناقشته لكل تقرير من تقارير المراجع العام يبدو أنه قد آثر هذه المرة الانضمام إلى ركب المنادين بمحاربة الفساد وذلك بعد أن نفض غبار التجاهل الذي كان يمثل السمة البارزة لعمله حيث جاء في الأخبار أن هناك 60 ملفاً للفساد سوف تأخذ طريقها إلى القضاء. وقد تساءلت في ذلك المقال: لماذا ظلت الحكومة ساكتة عن الفساد طوال السنين الماضية حتى أصبح دولة لها جيوشها وأركان حربها؟ ومن الذين سيقومون بمحاربة هذا الفساد: هل هم القائمون على الأمر الآن بالدولة من وزراء ووزراء دولة ومستشاريون ومساعدون وغيرهم من التنفيذيين, أم أن الدولة سوف تستعين بأناس ووجوه جديدة غير تلك التي أصبحت مألوفة منذ عام 89 لمحاربة هذا الفساد؟ وقد أشرت إلى أن الشعب السوداني كله سوى تلك الفئة المنتفعة من النظام لا يرى في وجوه القائمين على الأمر اليوم إلا صور الفساد الكالحة ولا يشم منها إلا روائحه النتنة التي تزكم الأنوف و»تطمم القلب» فهل يعقل أن يقوم هؤلاء بمحاربة الفساد وهم الذين أفسدوا؟؟!! يقول ألبرت أنشتاين: (إنك لا تستطيع أن تعالج مشكلة مستعملاً نفس الأشخاص الذين تسببوا في إنتاج المشكلة) وهذا الذي أقوله عن هؤلاء المسؤولين ليس إتهاماً لهم بالباطل فكل أفراد الشعب السوداني يعرفون تاريخهم جيداً حيث كانوا كلهم إما من الطبقة الوسطى أو من الفقراء حتى قبل مجيئ الإنقاذ وإن كان حال بعضهم قد بدأ يتغير إلى الأفضل بعد المصالحة الوطنية التي فتحت لهم الإبواب ليأتوا بفكرة الشركات والبنوك الإسلامية التي كانت حكراً لهم حتى في التوظيف إضافة إلى أن معظم هؤلاء المسؤولين يتباهون اليوم بما يملكون من شركات ويديرونها لذلك كل أفراد الشعب السوداني يتساءل: من أين لهؤلاء الإسلاميين بهذه الأموال الطائلة؟؟ وأذكر هنا أن الظروف جمعتني بالمواصلات العامة لأني لا أمتلك عربة خاصة ولا حتى حكومية, مع رجل نزيه وشريف وطاهر اليد يبدو أنه كان يشغل وظيفة مرموقة نقل لي هذا الرجل شكوى بعض الخليجيين الذين يشكون من أن الوزراء السودانيون قد رفعوا أسعار الشقق بدبي!!!
إن الفساد يمكن تعقبه في مواطن كثيرة وأولى هذه المواطن وكما أشرت في مقال سابق توجد بالقصر وتجسده تلك الجيوش الجرارة من الدستوريين من مساعدين ومستشارين ووزراء ووزراء دولة حيث جاوز عددهم الآن الثمانين دستوري ووجه الفساد هنا يعكسه هذا العدد الضخم من الدستوريين الاتحاديين في دولة تزعم أنها تنتهج اللامركزية في إدارة البلاد فهذا العدد الضخم يزيد على حاجة الدولة التي تتبنى النظام اللامركزي لكن ونسبة لأن الحكومة قد أصبح هدفها لتوسيع المشاركة في السلطة هو إزالة حالة الاحتقان السياسي بالبلاد كما أشار إلى ذلك دكتور مندور المهدي والذي أكد أن الأحزاب المشاركة بالسلطة وصل عددها حتى الآن خمسة عشر حزباً في الحكومة الحالية فإنه ووفق ذلك الهدف من المتوقع أن يتجاوز عدد هؤلاء الدستوريين المائة وبناء على منطق الحكومة الذي يرمي إلى إزالة حالة الاحتقان السياسي فإنه من المتوقع أن يتم تعيين الألف أخ الذين تقدموا بمذكرة إلى المؤتمر الوطني في مناصب دستورية لأنهم قد عبروا في مذكرتهم عن حالة من حالات الاحتقان السياسي داخل الحزب نفسه بل أتوقع ووفقاً لهذا المعيار أن يتم تعيين كل أفراد الشعب السوداني في مناصب دستورية حتى تكتمل عملية إزالة حالات الاحتقان السياسي لأن الشعب كله محتقن اليوم بدليل أن الإسلاميين أنفسهم قد عبروا عن هذه الحالات بالمذكرات!!!
كذلك تعكس مخصصات هؤلاء الدستوريين الوجه الآخر للفساد. فكم تبلغ مخصصات الدستوري الواحد في الشهر؟ وكم تبلغ جملة مخصصاتهم في الشهر ثم في العام؟ وكم هو عدد العربات المخصصة للدستوري الواحد لخدمته هو وأفراد أسرته وأقاربه؟ وكم تكلف نفقات تسيير هذه العربات في اليوم الواحد؟ وأين هذا البذخ والترف من الشعار المرفوع «هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه» ألا تتفقون معي بأن كل من يستمع إلى مثل هذه الشعارات تردد اليوم لا يملك إلا أن يضحك أو يبكي كما أسلفت!! فلو أجرينا مقارنة بسيطة بعد أن نحسن الظن بهؤلاء الدستوريين الذين يرددون أنها لله وليست للسلطة أو الجاه وأن عددهم لم يتجاوز الستة والستين كما أشار السيد وزير المالية من قبل وإن كان عددهم اليوم قد قارب التسعين دستوري وبافتراض أن مخصصات الدستوري الواحد لن تتجاوز العشرين ألف جنيه في الشهر وإن كان العالمون ببواطن الأمر يشيرون بأنها قد تزيد على ذلك, فكم تبلغ جملة مخصصاتهم في الشهر والواحد وكم تبلغ جملتها في العام؟؟!!
فبعملية حسابية بسيطة وغير معقدة نجد أن جملة مخصصات هؤلاء الدستورين تبلغ في الشهر الواحد 1320000 جنيه بالجديد أي واحد مليار وثلاثمائة وعشرين مليون جنيه بالقديم. وإذا ضربنا هذا المبلغ في اثني عشر عدد شهور السنة سوف تبلغ جملة هذه المخصصات مبلغ 15840000 جنيه بالجديد أي خمسة عشر مليار وثمانمائة وعشرين مليون جنيه بالقديم!! فكم تساوي مرتبات العاملين بالدولة التي لا يزال حدها الأدنى 165 جنيهاً بالجديد أي مائة خمسة وستين ألف جنيه بالقديم, مقارنة بهذه المخصصات حتى ولو تضاعف الحد الأدنى عشرة أضعاف؟!! ألا يعد استئثار شرذمة قليلة من الدستوريين نوعاً من أنواع الفساد؟ فهؤلاء الدستوريين قد سبق للأستاذة الغبشاوي أن وصفتهم بأن ضمائرهم قد انتهت حيث عزت أزمة الاقتصاد السوداني إلى أزمة الضمير وليس أزمة أرقام فقد جاء على لسانها بجريدة «الأحداث» في عددها الصادر يوم 19/12/2011م أنها قد وجهت انتقادات حادة للحكومة وحذرت من تجاهل غضب الشعب. وقد وصفت المصرحين بعدم خشيتهم من الشعب بالواهمين، وقد أردفت قائلة: «إذا اشتعلت في الشعب شرارة الغضب سيشمل ذلك كل السودان وليس الخرطوم وحدها ولن يتم الحفاظ على الأمن إلا بإرضاء الشعب». وقد شددت على أن أزمة الاقتصاد السوداني ليست أزمة أرقام ولكنها أزمة ضمير، مؤكدة أن الضمير الإنساني قد انتهى وبات كل مسؤول لا يفكر إلا فيما يجنيه لنفسه وأسرته». وقد جاء حديثها هذا رداً على رئيس البرلمان عند مناقشة الموازنة الحالية حيث ذكر السيد رئيس البرلمان وكما ورد بصحيفة الأحداث بأن الحكومة لا تخاف إلا الله وليس الشعب. وتابع: «نحن لا نخاف إلا من الله وإذا كان وجودنا هنا خوف من الشعب فأحسن نمشي, جايين عشان نعمل الحاجة الصاح التي ترضي الله ولو أغضبت الشعب». ألم أقل لكم إن من يستمع إلى مثل هذه الأحاديث لا يملك إلا أن يضحك أو يبكي!! فهل من مخافة الله ألا تتم مناقشة قانون مخصصات الدستورين بغية إدخال تعديلات عليها حتى يمكن تخفيضها؟؟!! وهل من مخافة الله أن يتمتع الدستوريين بمخصصات يسيل لها لعاب كل الشعب وتتم إجازة الموازنة دون المطالبة بزيادة حدها الأدني الذي لا يزال 165 جنيها؟؟!!! أليس هذا هو الظلم بعينه؟ وهل الله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده يرضيه ذلك؟؟!!! لكن وكما قالت الأستاذة الغبشاوي إن الضمائر قد انتهت.
إن مخصصات هؤلاء الدستوريين, الذين لا يحصيهم العد حيث لا يصبح يوم جديد إلا وعين فيه دستوري هي السبب وراء التدهور والتردي الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد وأن الشعب السوداني كله سوى تلك الشرذمة التي ماتت ضمائرها وأصبح لا هم لها سوى ما تجنيه لنفسها وأسرها, غاضب على هذه الحكومة وسيأتي اليوم الذي تشتعل فيه شرارة هذا الغضب التي سوف تشعل السودان كله كما أشارت الأستاذة الغبشاوي وصدق الله العظيم القائل (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرض ولهم عذاب أليم * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)
ونواصل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق