الثلاثاء، 14 فبراير 2012

الشعب السوداني: أنت يا الصابر وعند الله جزاك!!


الشعب السوداني: أنت يا الصابر وعند الله جزاك!!
التيار
 
 
هذا الوطن العزيز وشعبه العظيم يلوكون الصبر.. يصبرون حتى يأذن الله في أمرهم وحتى يعلم الصبر ذاته أنهم يصبرون على شيء أمر من الصبر!! دون شك شعبنا طيب ودون شك شعبنا رحيم ودون شك شعبنا متسامح ودون شك أنه وأنه.... إلخ؛ لذلك يتم استغلاله من الأنظمة الشمولية التي سطت على السلطة كأي لص يسطو ويسرق ويستخدم السلاح، سكيناً كان أم عصاة أم مسدساً أم غير ذلك ليخرس صوت الطرف المسروق من أن ينطلق بأعلى صوت منادياً ومستغيثاً: حرامي.. حرامي!! فالشعب رحيم ونحن من هذا الشعب ونحن لم نأت من كوكب أجنبي.. نحن من هنا من هذا البلد العظيم والأمر كذلك فإنه لا بد لنا أن نضع أساساً نستند إليه في طرح رأينا حيث أن الأمر حماية هذا الوطن، وحيث أنّ الأمر هو حماية هذا الشعب.. حمايتهما من المتسلطين والمتسلقين ومن حفنة من المستغلين ومن الضاغنين على الديمقراطية ومن أصحاب الايديولوجيات اليمينية واليسارية.. نحن أمة وسط، نعم الشعب السوداني يمثل الوسطية بكل معانيها وممارساتها.. والدين الذي نعتنقه يتيح لنا فرصة الاختيار: أنتم وأمور دنياكم.. وفي نفس الوقت يسلبنا تلك الفرصة حيال بعض المسلمات فنكون مسيرين.. لا خيار لنا ولا اختيار.. وأحسن الشاعر في وصف هذا الموقف الذي عبر عنه الفنان الكبير محمد وردي لحناً وأداء مموسقاً حين قال: يا المسيّر وماك مخيّر.. أنت يا الصابر وعند الله جزاك.. نعم لقد وظفت الأنظمة العسكرية الشمولية والديكتاتوريات المتسلطة قدراتها لتسيير الشعب وفق هواها وبذلك سلبت منه حرية الاختيار والمفاضلة وصار مزاج البعض من ذلك الشعب هو مزاج أحادي وهو مزاج منحاز ومزاج منغلق.. ومزاج مشتط، ألغي أي مزيّة أخرى، هي مزيّة الإرادة والحريّة والاختيار، وبذلك طغت تلك المزاجية على شعب بأكمله فأصبح مسيّراً غير مخيّر، وبذلك تراجعت حريات الناس وتراجعت فرص اختياره حيث لم يعد بمقدوره أن يغير وكيف يغيّر وقد غلت أيديه وسلبت إرادته وأصبح لا يرى غير الذي يريدونه له أن يراه ! فصار يردد في دواخله: لو بإيدي كنت غيرت الليالي.. كنت زللت المحال فأصبح كل شيء في حياته محال!! نحن شعب حر، شعب ديمقراطي والديمقراطية أن عرفنا جوهرها فهي قدرة الشعب على التغيير.. تغيير حكامه وتغيير قوانينه عن طريق الاقتراع الحر وبواسطة نوابه وممثليه.. هذا هو جوهر الديمقراطية حيث تجعل الشعب هو أعلى سلطة في البلاد، وممارسة الشعب عملية التغيير عن طريق الاقتراع تعني التزامه لبلوغ هذا التغيير بوسائل ديمقراطية واعتماده على نوابه وممثليه المنتخبين انتخاباً نزيها حراً يعني أنّه يستثمر الديمقراطية استثماراً ذكيّاً ويحترم تشكيلاتها من نقطة البدء إلى نقطة الختام.. وبهذا الذي سقناه وصغناه فينبغي علينا أن نفتح أبصارنا وبصائرنا على حتمية الديمقراطية القادرة وحدها دون سواها على إمداد الشعب بالوعي السياسي بل الإرادة الحاسمة والحازمة مهما تكن ظروفه، وبالتالي يكون بمقدور الشعب مواجهة كل الفتيات على الديمقراطية التي اتّخذها سياجاً لحياته، ونظاماً لحكمه وهنا يكمن جوهر الاختيار لا الانقياد، الحرية لا العبودية، الاستقلالية لا الاستغلالية، الإرادة لا التبعية وفي هذا المعنى هناك حديث شريف يقول فيه الرسول الأعظم محمد بن عبدالله، عليه الصلاة والسلام : "عجب ربك من رجل يدخل الجنة بالسلاسل"!! تمعن أيّها القارئ الكريم هذا الذي ذهبنا إليه.. ثم أمعن النظر أكثر لتدرك ما أردناه من ذلك ونحن على قناعة بأنّ فطنتك وذكاءك ليسا محل اختبار وفي حديث المصطفى صلي الله عليه وسلم عن رجل يدخل الجنة بالسلاسل، فقد يتساءل بعضنا عمن يكون هذا الرجل؟! نقول إنّه أحد الذين يكرهون أنفسهم أو يكرههم غيرهم على طاعة الله وعبادته، وما دام جزاء الطاعة الجنة، وما دام هذا الرجل يأتيها تحت ضغط من نفسه أو من غيره، فإنّه بهذه المثابة يكون كمن يدخل الجنة رغم أنفه، يدخلها بالسلاسل!! نعود إلى تعريف الديمقراطية والذي يؤكد قدرة الشعب على التغيير عن طريق الاقتراع الحر المباشر أو بواسطة نوابه وممثليه وفي هذا الصدد نلجأ إلى الكاتب الكبير الأستاذ خالد محمد خالد الذي أورد في كتابه: دفاع عن الديمقراطية رداً على ذلك بطرح سؤالين مهمين.. الأول منهما: كيف وبأي الوسائل يستطيع الشعب – أي شعب – أن يحرز ويمتلك هذه القدرة على التغيير؟ والسؤال الثاني : ماذا إذا عجز الشعب عن استخدام هذه القدرة على التغيير بالأسلوب الديمقراطي الذي أشرنا إليه؟ حيث يقول خالد: الجواب عند الديمقراطية نفسها ويضيف، أمّا عن السؤال الأول فتؤكد الديمقراطية لنا أنّها وحدها التي تمكن الشعب من امتلاك قوته وقدرته، وتمكنه من شحذ إرادته واحترام وجوده وحقوقه، وذلك داخل المناخ الذي يموج بالحرية والشجاعة اللتان تربيان الرجال.. وأما عن السؤال الثاني: فإنّ المقاومة السلمية المشروعة هي البديل الذي تقدمه الديمقراطية للشعب الذي يحيا في ظلها والذي قد تجابهه أي سلطة مستبدة قاهرة بأقصى ما تستطيع من قمع وتنكيل، سالبة منه تحت نيرانها المفتوحة حقه في التغيير الذي يريده عن طريق الاقتراع الحر لا عن طريق العنف والانقلاب وقبل أن نسترسل فيما أورده الأستاذ خالد نعلق على هذا المقطع الأخير من حديثه المتمثل في مجابهة أي سلطة مستبدة قاهرة بأقصى ما تستطيع تلك السلطة من تطبيقه من قمع وتنكيل في مواجهة المقاومة السلمية المشروعة فنشير إلى ثورات الربيع العربي في هذا الصدد وهي ليست عنا ببعيد.. ماذا حدث في ليبيا من صاحب المقولة الشهيرة: بيت.. بيت.. زنقة.. زنقة، حيث استخدم ذلك المتسلط كل أدوات القهر والقمع والتنكيل، أرضاً وبحراً وجواً.. ثمّ ماذا كانت النتيجة والمحصلة النهائية، سؤالي.. لا يحتاج إلى رد فالواقع يمثل انتصاراً كبيراً لإرادة الشعوب.. ماذا حدث في تونس من بن علي رغم أن ردة فعله كانت أخف من ذاك الذي حدث في ليبيا وماذا كانت النتيجة والمحصلة النهائية، سؤالي.. لا يحتاج إلى رد فالواقع يمثل انتصاراً كبيراً لإرادة الشعوب وهروب زين العابدين بن على بجلده من وطن لفظه.. ماذا حدث في مصر من حسني مبارك ونظام حكمه ثم ماذا كانت المحصلة النهائية، سؤال لا يحتاج إلى رد.. فالواقع يمثل انتصاراً كبيراً للشعب المصري الذي احتشد في ميدان التحرير فحرر البلاد.. واحتشد في كل المدن ونجح في طي صفحة مبارك وأعوانه الذين يحاكمون الآن وسيتم تطبيق العدالة الناجزة عليهم ورغم ذلك ظلت المظاهرات والتجمعات تتابع مطالبها ولا تفتر لها إرادة أو عزيمة، ولا محالة عندي أنّ كل دماء الشرفاء التي أزهقها نظام الفرعون حسني مبارك لن تضيع هدراً، أقل ما حققته من نجاح وإنجاز عظيم هو فتح صفحة ناصعة البياض مكتوب عليها: إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر.. ولا بد لليل أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر!! وقد انكسر أكثر من قيد كان يكبل شعب الحضارة والثقافة.. شعب مصر أم الدنيا !! ماذا حدث في اليمن من علي عبدالله صالح ذلك الرجل غير الصالح وقد انتهت مدة صلاحيته لكنه مصراً أن يأكل ويبلع أقاويله والتزاماته وخطابه السياسي ويراهن على الزمن.. لكن الشعب اليمني العظيم، رفض أن يتم تسميمه بإنتاج أصبح غير صالح للاستخدام وانتصرت إرادة الشعب اليمني رغم الدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت لكن النتيجة.. من يضحك أخيراً.. يضحك كثيراً!! وقد غادر علي عبدالله أملاكه (المدعاة) كسيراً مكسور الخاطر تلاحقه لعنات شعب استرخص الموت من أجل قضيته التي آمن بها ولم تنكسر شوكته أبداً!! ثم ماذا حدث ويحدث في سوريا والأيام تمضي والشهور تمضي وثورة شعب سوريا الأصيل قد ينقضي عامها الأول ومع ذلك فالشعب رابض في جبهاته.. مصرٌ على تحقيق هدفه وإرادته وغايته مهما أهدر نظام بشار العلوي.. نظام بشار البعثي.. نظام بشار الدموي أرواح من يدعي أنه شعبه وأنه ابن جلدتهم وأنه خادم سوريا .. وأنه.. وأنه... إلخ وما درى أنّه في نظر الغالبية سفاح.. ومصاص دماء.. متشبث بالسلطة .. متمترس بالقوة والسلاح ومهما يكن فالنصر حليف الشعب السوري وأكاد أسمع من يقول لبشار: مرحباً بك في روسيا أن لم يطاح برأسه؟! هذه أمثلة يدركها العالم بأكمله وهي أمثلة تعطي صورة حقيقية وفعلية لإرادة الشعوب وتحقق تلك الإرادة ولو بعد حين، حيث أنّ للصبر حدود وللصمت فترة زمنية ثم ينطلق الشعب منادياً: الشعب يريد إسقاط النظام !! ويا شعب السودان.. يا صانع الثورات ويا محقق الانتفاضات أما آن الأوان أن تكسر حاجز الخوف وتصبح مخيراً لا مسيراً أم أنك تراقب الموقف وترصد الأحداث ثم تفاجئ العالم بما يوصف: أم الثورات!! إن غداً لناظره قريب.. حقيقة نقول لك: أنت يا الصابر وعند الله جزاك.. وأحسب أنه جزاء ستترجمه جموع الشعب الهادرة وقد صبرت وصابرت لكنها لم تستسلم .. وبص شوف .. الشعب السوداني بيعمل أيه!! نعود لنكمل ما ورد من رد على السؤال الثاني الذي نادى بالمقاومة السلمية المشروعية حيث أكد خالد محمد خالد بأن المقاومة السلمية عند فشل العديد من الخيارات تكون آنئذ هي البديل.. من أجل ذلك فإن أي ديمقراطية حقيقية وصادقة تسلح شعبها بحق التظاهر.. وحق الإضراب.. وتبقى الديمقراطية مبتورة وناقصة إذا لم توفر هذين الحقين للمواطنين.. إن هذين الحقين يتواءمان تماماً مع فلسفة الديمقراطية ومنهجها، فهي تدرك أن أولى مهامها تجنيب الشعب ويلات الكبت بانفجاراته المدوية والرهيبة، ومن ثمّ فهي ترفع الغطاء عن البخار المحبوس، فتمنح الشعب المغلوب على أمره حق التظاهر وحق الإضراب.. نختتم فنقول أنّ الكثير من الأقلام ومن بينها هذا القلم قد قامت برسالتها ولم تدخر جهداً في توضيح الواقع والحقائق وبعض هذه الأقلام يسيل مدادها على القرطاس منبها صاحب ذلك القلم قائلاً: لقد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي!! أرجو ألا يكون الأمر كذلك يا ثوار أكتوبر.. ويا ثوار أبريل ويا ثوار(؟!) بقلم : طه حسن طه
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق