قياس الانحراف لدى الحركة الإسلامية
هل يمكن تطبيق القياسات الإحصائية على مفاهيم وقيم مجردة، أم إن الأمر يتطلب تفكيكها وتحويلها إلى قيم محسوسة يمكن التعامل معها بحسابات الأرقام؟ عنَّ لي هذا التساؤل وأنا أقرأ قولاً نشرته وكالة السودان للأنباء نقلاً عن الأستاذ عبد الله زكريا مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية يفيد بأن الحركة الإسلامية العالمية انحرفت عن مسارها لأنها تبنت الآيديولوجية الرأسمالية الليبرالية، داعياً الصفوة بالحركة الإسلامية في السودان إلى تدارك الخطر المحدق بالبلاد». وأضاف خلال مخاطبته ندوة الانحراف الفكري للحركة الإسلامية العالمي التي عقدت بمقر المركز اليوم أن النظام الرأسمالي تسبب في توسيع دائرة الفقر والبطالة، مشيراً الى سيادة الثقافة الإعلانية التجارية وتحويل المجتمعات إلى استهلاكية، مبيناً احتكار الإعلام لتحقيق أهداف الرأسمالية». ودعوته الصفوة بالحركة الإسلامية في السودان إلى تدارك الخطر المحدق بالبلاد من جراء اعتناق النظام الرأسمالي وفتح باب الحوار للتفاكر ولإيجاد الحلول للمشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي واجتماعي وثقافي يرتكز على الإرث الإسلامي والتمسك بوسائله للخروج من المأزق.
ولأن الانحراف يعتبر أحد مقاييس التشتت في علم الإحصاء، ويطلق مسمى التشتت أو تغير البيانات على الدرجة التي تتجه بها البيانات الرقمية للانتشار حول قيمة وسطى، فإن قياس درجة انحراف الحركة الإسلامية عن القيم والمفاهيم الإسلامية والإنسانية يتطلب إحالتها إلى قيم ومفاهيم متحركة ومحسوسة، بالنظر إلى الجانب الآخر من الصورة التي حاول السيد عبد الله زكريا رسمها للحركة الإسلامية العالمية وذلك بقراءة درجة انحراف الحركة الإسلامية السودانية عن تلك القيم.
قياس الانحراف في الإحصاء يتم بعدة طرق من بينها الانحراف المتوسط والانحراف المعياري وتتعامل هذه القياسات مع الأرقام، حيث يتم تحديد المدى بحساب الفرق بين أكبر وأقل رقم في المجموعة، ويحسب بعدها الوسط الحسابي لمجموع الأرقام، ومن ثم يحسب الانحراف لكل رقم بطرحه من المدى وجمع الناتج وقسمته على الوسط الحسابي. وفي حالة الانحراف المعياري يحسب الجزر التربيعي للعملية.
سنتعامل هنا مع الحركة الإسلامية السودانية كمؤسسة، بعيداً عن رؤى بعض عضويتها من الإسلاميين التي قد تخالف ما تذهب إليه الحركة أو ما ذهبت إليه، لأن العديد من عضويتها لم يتفق معها في بعض مواقفها بل وعارض تلك المواقف جهاراً نهاراً، لكن هذا البعض لم يؤثر على اتخاذ القرار باسم تلك المؤسسة، وبالتالي تصبح هي المسؤولة عنه. فمثلاً الحركة الإسلامية هي من خطط ونفذ انقلاب يونيو 89، رغم معارضة بعض عضويتها للاتجاه الانقلابي.
معضلة قياس انحراف الحركة الإسلامية السودانية ستضطرنا للعمل في عدة اتجاهات، سياسية واقتصادية واجتماعية، والتطرق لبعض مقولات علماء الاجتماع الذين أسسوا لعلم الاجتماع الديني وبالأخص ماكس فيبر وكذلك الاستناد إلى نصوص دينية لتسهيل عملية القياس. وسنبدأ بحديث الرسول الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، عن آيات المنافق «إذا حدث كذب، وإذا أوتمن خان، وإذا وعد أخلف»، أما «ماكس فيبر» فيذهب، في محاولات إثباته للتأثير الديني في تصورات الفرد والجماعات وبالتالي سلوكهم الاقتصادي، إلى أن بنيامين فرانكلين قد عبر بصدق عن السمات اللازمة لوجود النظام الرأسمالي مثل أن الأمانة هي أفضل سياسة، والحساب الدقيق ضرورة لأي عمل، السلوك المنظم، المثابرة، الكفاية، الصدق والإخلاص.
السمات السايكولوجية اللازمة لوجود النظام الرأسمالي (حسب فرانكلين) تتناقض تماماً مع سمات المنافق التي قال بها الرسول الكريم، وبالتالي تبدأ هزيمة قول مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية من هنا، حتى قبل الدخول في تفاصيل حساب مدى انحراف الحركة الإسلامية السودانية.
حساب المدى بين الصدق والكذب في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية ليس صعباً بل متوفراً وسهلا، مما يمكن من بيسر من الوصول إلى قياس انحرافها عن القيم التي تدَّعي الدعوة لها. إذا اعتبرنا أن النظام الاجتماعي بمؤسساته وقيمه في السودان يمثل دائرة درجاتها 360، وان الصدق يقع في الدرجة 90 من الدائرة ونقيضه الكذب يقع على نقطة 270 درجة فإن الخط الواصل بينهما يمثل نصف قطر للدائرة، والفرق بينهما 180 درجة. بحساب تلك القيم الرقمية سيكون متوسط الانحراف قيمته 90، وهو بحسابات علم الإحصاء رقم كبير يعكس مقدار التشتت. ويمكن على ضوء ذلك تطبيق قياسات الانحراف في قيم الصدق والكذب، حفظ الأمانة وخيانتها، الوفاء بالوعد ونقيضه وغيرها.
كذبت الحركة الإسلامية السودانية (وما قام على الكذب فهو باطل) عندما نفذت انقلابها في العام 89 على الشعب السوداني، بتآمرها على النظام الديمقراطي وبنفي قياداتها أن لهم علاقة بالإنقلاب. وهذا إنحراف بيِّن عن قيمة الصدق التي يعلي من شأنها الإسلام ويتصف بها النبي الكريم، وفي ذات الوقت يعتمدها منظرو النظام الرأسمالي كسمة لازمة لوجوده.
خانت الحركة الإسلامية الأمانة عندما حنث بعض أعضائها بالقسم لحماية الدستور والنظام الديمقراطي، وخانوا أمانة مؤسساتهم التي ينتمون إليها تحت دعاوى مثل التي يدعو لها الآن الأستاذ عبد الله زكريا بتدارك الخطر المحدق بالبلاد من جراء اعتناق النظام الرأسمالي وفتح باب الحوار للتفاكر ولإيجاد الحلول للمشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي واجتماعي وثقافي يرتكز على الإرث الإسلامي والتمسك بوسائله للخروج من المأزق. وتجاهل الأستاذ أن الحركة الإسلامية زعمت تبريراً لانقلابها أنها نفذته لحل المشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي يرتكز على الإرث الإسلامي. وها نحن بعد أكثر من عقدين نستمع لذات المبررات. والحفاظ على الأمانة وردها من صفات الصادقين «ترجعونها إن كنتم صادقين»، سورة الواقعة، ويقول الرأسماليون إن الأمانة أفضل سياسة يقوم عليها النظام الرأسمالي.
مَنْ شيمته الكذب بالتأكيد لا يفي بوعوده، وإذا تجاوزنا الكذب فكم من الوعود التي اطلقتها الحركة الإسلامية منذ استيلائها على السلطة قبل أكثر من عشرين عاماً، وظلت هباءاً منثورا. الوفاء بالوعد من القيم الإسلامية الرفيعة وتكشف معدن الإنسان، فإذا كانت واحدة من مبررات إنقلاب الحركة الإسلامية على الحكم في 89 هو الحفاظ على وحدة البلاد، فأين نحن من هذا الوعد بعد انفصال الجنوب؟ وهي لا تفي بوعودها لأنها تطلق الكلام على عواهنه وليست لديها حساب دقيق لأي عمل تقوم به.
لنأخذ نماذج متعددة أخرى لقيم إنسانية، الحرية كقيمة بعيدة كل البعد عن مرتكزات الحركة الإسلامية، وهي لذلك حركة متكلسة تعادي الفكر وحريته وترفع السيف في وجه الرأي، وهي بذلك تناقض قيمة إسلامية أصيلة. فإذا كانت الحركة الإسلامية العالمية انحرفت في هذا الاتجاه فهو إنحراف موجب تقل فيه قيمة المدى الرقمية ويؤشر إلى أنها تسير في الطريق الصحيح، على عكس الطريق الذي يرغب مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية.
العدالة قيمة إسلامية أصيلة، وقيمة إنسانية فإذا كانت الحركة الإسلامية العالمية إنحرفت نحو بسط العدالة وتحقيقها فهو انحراف إيجابي، بدلاً من صنوف الظلم والوانه التي أذاقتها الحركة الإسلامية السودانية للشعب طوال فترة حكمها.
قال الأستاذ زكريا في تلك الندوة: «إن النظام الرأسمالي تسبب في توسيع دائرة الفقر والبطالة، مشيراً الى سيادة الثقافة الإعلانية التجارية وتحويل المجتمعات إلى استهلاكية، مبيناً احتكار الإعلام لتحقيق أهداف الرأسمالية». إن الرأسمالية لا تقوم على سيادة الثقافة الإعلانية التجارية ولا تحويل المجتمعات إلى استهلاكية، بل تقوم على علاقات إنتاج وملكية وسائل انتاج. إن ما يصفه الأستاذ لا علاقة له بالرأسمالية، بل هي شيء تابع ونتيجة، فالرأسمالية بدون إنتاج لن تقوم ولا وجود لها في سلم التطور الإنساني ولا في قائمة النظم الاجتماعية، وهي كنظام اقتصادي له سلبياته الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية غير المنكورة والتي تقف الشعوب في وجهها بكل قوة منذ ما بعد الثورة الصناعية في أوربا. لكن ما يتحدث عنه الأستاذ عبد الله زكريا هو رأسمالية من نوع آخر، هي الرأسمالية الطفيلية التي تقوم على السمسرة وليس الإنتاج، وهو ما ظلت تطبقه الحركة الإسلامية منذ مجيئها للسلطة.
إن قياس درجات انحراف الحركة الإسلامية السودانية يمكن الوصول إليه كما قلت بسهولة، وبالتالي ندعو الذين يرون فيها بارقة أمل للخروج من مأزق أدخلت فيه البلاد بنفسها (بيدها لا بيد عمرو)، أن يرجعوا البصر كرتين ويخافوا الله فينا.
ولأن الانحراف يعتبر أحد مقاييس التشتت في علم الإحصاء، ويطلق مسمى التشتت أو تغير البيانات على الدرجة التي تتجه بها البيانات الرقمية للانتشار حول قيمة وسطى، فإن قياس درجة انحراف الحركة الإسلامية عن القيم والمفاهيم الإسلامية والإنسانية يتطلب إحالتها إلى قيم ومفاهيم متحركة ومحسوسة، بالنظر إلى الجانب الآخر من الصورة التي حاول السيد عبد الله زكريا رسمها للحركة الإسلامية العالمية وذلك بقراءة درجة انحراف الحركة الإسلامية السودانية عن تلك القيم.
قياس الانحراف في الإحصاء يتم بعدة طرق من بينها الانحراف المتوسط والانحراف المعياري وتتعامل هذه القياسات مع الأرقام، حيث يتم تحديد المدى بحساب الفرق بين أكبر وأقل رقم في المجموعة، ويحسب بعدها الوسط الحسابي لمجموع الأرقام، ومن ثم يحسب الانحراف لكل رقم بطرحه من المدى وجمع الناتج وقسمته على الوسط الحسابي. وفي حالة الانحراف المعياري يحسب الجزر التربيعي للعملية.
سنتعامل هنا مع الحركة الإسلامية السودانية كمؤسسة، بعيداً عن رؤى بعض عضويتها من الإسلاميين التي قد تخالف ما تذهب إليه الحركة أو ما ذهبت إليه، لأن العديد من عضويتها لم يتفق معها في بعض مواقفها بل وعارض تلك المواقف جهاراً نهاراً، لكن هذا البعض لم يؤثر على اتخاذ القرار باسم تلك المؤسسة، وبالتالي تصبح هي المسؤولة عنه. فمثلاً الحركة الإسلامية هي من خطط ونفذ انقلاب يونيو 89، رغم معارضة بعض عضويتها للاتجاه الانقلابي.
معضلة قياس انحراف الحركة الإسلامية السودانية ستضطرنا للعمل في عدة اتجاهات، سياسية واقتصادية واجتماعية، والتطرق لبعض مقولات علماء الاجتماع الذين أسسوا لعلم الاجتماع الديني وبالأخص ماكس فيبر وكذلك الاستناد إلى نصوص دينية لتسهيل عملية القياس. وسنبدأ بحديث الرسول الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، عن آيات المنافق «إذا حدث كذب، وإذا أوتمن خان، وإذا وعد أخلف»، أما «ماكس فيبر» فيذهب، في محاولات إثباته للتأثير الديني في تصورات الفرد والجماعات وبالتالي سلوكهم الاقتصادي، إلى أن بنيامين فرانكلين قد عبر بصدق عن السمات اللازمة لوجود النظام الرأسمالي مثل أن الأمانة هي أفضل سياسة، والحساب الدقيق ضرورة لأي عمل، السلوك المنظم، المثابرة، الكفاية، الصدق والإخلاص.
السمات السايكولوجية اللازمة لوجود النظام الرأسمالي (حسب فرانكلين) تتناقض تماماً مع سمات المنافق التي قال بها الرسول الكريم، وبالتالي تبدأ هزيمة قول مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية من هنا، حتى قبل الدخول في تفاصيل حساب مدى انحراف الحركة الإسلامية السودانية.
حساب المدى بين الصدق والكذب في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية ليس صعباً بل متوفراً وسهلا، مما يمكن من بيسر من الوصول إلى قياس انحرافها عن القيم التي تدَّعي الدعوة لها. إذا اعتبرنا أن النظام الاجتماعي بمؤسساته وقيمه في السودان يمثل دائرة درجاتها 360، وان الصدق يقع في الدرجة 90 من الدائرة ونقيضه الكذب يقع على نقطة 270 درجة فإن الخط الواصل بينهما يمثل نصف قطر للدائرة، والفرق بينهما 180 درجة. بحساب تلك القيم الرقمية سيكون متوسط الانحراف قيمته 90، وهو بحسابات علم الإحصاء رقم كبير يعكس مقدار التشتت. ويمكن على ضوء ذلك تطبيق قياسات الانحراف في قيم الصدق والكذب، حفظ الأمانة وخيانتها، الوفاء بالوعد ونقيضه وغيرها.
كذبت الحركة الإسلامية السودانية (وما قام على الكذب فهو باطل) عندما نفذت انقلابها في العام 89 على الشعب السوداني، بتآمرها على النظام الديمقراطي وبنفي قياداتها أن لهم علاقة بالإنقلاب. وهذا إنحراف بيِّن عن قيمة الصدق التي يعلي من شأنها الإسلام ويتصف بها النبي الكريم، وفي ذات الوقت يعتمدها منظرو النظام الرأسمالي كسمة لازمة لوجوده.
خانت الحركة الإسلامية الأمانة عندما حنث بعض أعضائها بالقسم لحماية الدستور والنظام الديمقراطي، وخانوا أمانة مؤسساتهم التي ينتمون إليها تحت دعاوى مثل التي يدعو لها الآن الأستاذ عبد الله زكريا بتدارك الخطر المحدق بالبلاد من جراء اعتناق النظام الرأسمالي وفتح باب الحوار للتفاكر ولإيجاد الحلول للمشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي واجتماعي وثقافي يرتكز على الإرث الإسلامي والتمسك بوسائله للخروج من المأزق. وتجاهل الأستاذ أن الحركة الإسلامية زعمت تبريراً لانقلابها أنها نفذته لحل المشاكل التي تحف بالبلاد والتأسيس لنظام سياسي يرتكز على الإرث الإسلامي. وها نحن بعد أكثر من عقدين نستمع لذات المبررات. والحفاظ على الأمانة وردها من صفات الصادقين «ترجعونها إن كنتم صادقين»، سورة الواقعة، ويقول الرأسماليون إن الأمانة أفضل سياسة يقوم عليها النظام الرأسمالي.
مَنْ شيمته الكذب بالتأكيد لا يفي بوعوده، وإذا تجاوزنا الكذب فكم من الوعود التي اطلقتها الحركة الإسلامية منذ استيلائها على السلطة قبل أكثر من عشرين عاماً، وظلت هباءاً منثورا. الوفاء بالوعد من القيم الإسلامية الرفيعة وتكشف معدن الإنسان، فإذا كانت واحدة من مبررات إنقلاب الحركة الإسلامية على الحكم في 89 هو الحفاظ على وحدة البلاد، فأين نحن من هذا الوعد بعد انفصال الجنوب؟ وهي لا تفي بوعودها لأنها تطلق الكلام على عواهنه وليست لديها حساب دقيق لأي عمل تقوم به.
لنأخذ نماذج متعددة أخرى لقيم إنسانية، الحرية كقيمة بعيدة كل البعد عن مرتكزات الحركة الإسلامية، وهي لذلك حركة متكلسة تعادي الفكر وحريته وترفع السيف في وجه الرأي، وهي بذلك تناقض قيمة إسلامية أصيلة. فإذا كانت الحركة الإسلامية العالمية انحرفت في هذا الاتجاه فهو إنحراف موجب تقل فيه قيمة المدى الرقمية ويؤشر إلى أنها تسير في الطريق الصحيح، على عكس الطريق الذي يرغب مدير المركز العالمي للدراسات الأفريقية.
العدالة قيمة إسلامية أصيلة، وقيمة إنسانية فإذا كانت الحركة الإسلامية العالمية إنحرفت نحو بسط العدالة وتحقيقها فهو انحراف إيجابي، بدلاً من صنوف الظلم والوانه التي أذاقتها الحركة الإسلامية السودانية للشعب طوال فترة حكمها.
قال الأستاذ زكريا في تلك الندوة: «إن النظام الرأسمالي تسبب في توسيع دائرة الفقر والبطالة، مشيراً الى سيادة الثقافة الإعلانية التجارية وتحويل المجتمعات إلى استهلاكية، مبيناً احتكار الإعلام لتحقيق أهداف الرأسمالية». إن الرأسمالية لا تقوم على سيادة الثقافة الإعلانية التجارية ولا تحويل المجتمعات إلى استهلاكية، بل تقوم على علاقات إنتاج وملكية وسائل انتاج. إن ما يصفه الأستاذ لا علاقة له بالرأسمالية، بل هي شيء تابع ونتيجة، فالرأسمالية بدون إنتاج لن تقوم ولا وجود لها في سلم التطور الإنساني ولا في قائمة النظم الاجتماعية، وهي كنظام اقتصادي له سلبياته الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية غير المنكورة والتي تقف الشعوب في وجهها بكل قوة منذ ما بعد الثورة الصناعية في أوربا. لكن ما يتحدث عنه الأستاذ عبد الله زكريا هو رأسمالية من نوع آخر، هي الرأسمالية الطفيلية التي تقوم على السمسرة وليس الإنتاج، وهو ما ظلت تطبقه الحركة الإسلامية منذ مجيئها للسلطة.
إن قياس درجات انحراف الحركة الإسلامية السودانية يمكن الوصول إليه كما قلت بسهولة، وبالتالي ندعو الذين يرون فيها بارقة أمل للخروج من مأزق أدخلت فيه البلاد بنفسها (بيدها لا بيد عمرو)، أن يرجعوا البصر كرتين ويخافوا الله فينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق