تقول الحكاية إن إحدى الزوجات من المحبات للكدايس كانت تربي كديسة تعتني بها جداً وتدللها وتحبها جداً عكس زوجها الذي كان يكرهها جداً لأنها تتمسح فيه وأحياناً تخربشه بأظافرها، وفي يوم بلغ به الغضب من الكديسة مداه فغمتها داخل شوال وذهب بها إلى خارج المربوع والقاها هناك وعندما عاد أدراجه إلى البيت فوجيء بها قد سبقته في العودة، وفي اليوم التالي حملها بذات الطريقة وذهب بها إلى خارج الحي كله ثم القى بها وهي داخل شوالها داخل مكب للنفايات وأسرع في العودة إلى البيت ولكنه ورغم خبيبه المسرع خاب مسعاه إذ كانت في استقباله وهرعت للتمسح بأرجله المغبرة، وفي اليوم الثالث عزم وأقسم على أن يتخلص منها نهائياً مهما كلفه الامر فحملها داخل شوالها المعتاد ووضعه على كتفه وهي تفرفر وتموء وغذّ السير لا يلوي على شيء وقضى سحابة نهاره وهو سائر حتى بلغ مشارف الصحراء وكان التعب قد أنهكه وهدَّ حيله، فألقاها هناك في الصقيعة وكرّ راجعاً ولكنه بعد مسير عدة ساعات ضل الطريق فاتصل على زوجته في الجوال وسألها «إسمعي الكديسة دي جات»، قالت «آي جات»، قال ليها خلاص خليها توصف لي السكة بي وين عشان أنا رحتا...
جميل أن تتأسس لمكافحة الفساد آلية وتقوم له نيابة للثراء الحرام والمشبوه وأخرى للاموال العامة، وجميل أيضاً أن يذم الجميع الفساد ويتبرأ منه ويدعو لتوقيع أقسى العقوبات على الفاسدين، ولكن كل هذا «الجمال» لا يكفي لمكافحة الفساد مكافحة حقيقية فاعلة وناجزة تجتثه من جذوره ومنابعه، فما نخشاه في غياب المعالجة الشاملة للثغرات التي ينفذ منها ويتسلل الفساد وعدم تجفيف منابعه التي كلما قُضي على فاسد أنبتت ألف فاسد، أن تكون كل تلك المحاولات «الجميلة» لمحاربة الفساد مثل «سماحة جمل الطين»، وأن لا تعدو تلك المحاولات للتخلص من الفساد أن تكون مثل محاولات صاحبنا للتخلص من الكديسة، كلما فعلوا شيئاً للتخلص منه ظهرت لهم أشياء وأشياء وكأنه «تِندل- كوشة» كما في الغلوتية السودانية الشهيرة «كان شالوا ما بنشال وكان خلّو سكن الدار»، والفساد مثل ذلك لا تنفع معه المعالجات الجزئية مهما تكاثرت آلياتها طالما أنها لا تطال البيئة التي يتكاثر داخلها الفساد ويتوالد، وستظل مكافحة هذه الآليات غير ذات جدوى وبلا أثر يذكر وإنما ستكون أشبه بمحاولات إ بادة الهاموش والناموس والذباب عن طريق رش المنازل بالمبيدات بينما تبقى البرك الآسنة ومقالب القمامة وكل المحاضن التي تنتج هذه الآفات في مأمن وأمان من عمليات المكافحة، المؤكد أن مثل هذه المكافحة المبتورة والناقصة لن تبيد الهاموش ولن تقضي على الذباب والناموس بل ربما يحدث العكس بأن تتآلف هذه الحشرات مع هذه المبيدات وتصبح لها مناعة ضدها فلا تؤذيها، وما يصدق على طرائق مكافحة هذه الآفات يصدق أيضاً على وسائل مكافحة الفساد إن لم تستهدفه في بيئته التي تنتجه، وكما توجد وتولد كل الحشرات والآفات الضارة في المعاطن المنتنة، هكذا الفساد أيضاً يولد ويتربى في الاجواء المعتمة التي ليس فيها ديمقراطية حقيقية ولا شفافية ولا حريات تستطيع معها أن تقول للأعور أعور ولا رقابة برلمانية فعلية ولا قضاء كامل الاستقلال ولا أجهزة دولة قومية ومحايدة وليست رهينة لدى جهة أو حزب... هذه هي البيئة المثالية التي تنتج الفساد وتُفرّخه ومن أراد المكافحة الحقيقية فعليه بها وأي محاولة دونها ستكون مجرد تكرار لحكاية الكديسة...
جميل أن تتأسس لمكافحة الفساد آلية وتقوم له نيابة للثراء الحرام والمشبوه وأخرى للاموال العامة، وجميل أيضاً أن يذم الجميع الفساد ويتبرأ منه ويدعو لتوقيع أقسى العقوبات على الفاسدين، ولكن كل هذا «الجمال» لا يكفي لمكافحة الفساد مكافحة حقيقية فاعلة وناجزة تجتثه من جذوره ومنابعه، فما نخشاه في غياب المعالجة الشاملة للثغرات التي ينفذ منها ويتسلل الفساد وعدم تجفيف منابعه التي كلما قُضي على فاسد أنبتت ألف فاسد، أن تكون كل تلك المحاولات «الجميلة» لمحاربة الفساد مثل «سماحة جمل الطين»، وأن لا تعدو تلك المحاولات للتخلص من الفساد أن تكون مثل محاولات صاحبنا للتخلص من الكديسة، كلما فعلوا شيئاً للتخلص منه ظهرت لهم أشياء وأشياء وكأنه «تِندل- كوشة» كما في الغلوتية السودانية الشهيرة «كان شالوا ما بنشال وكان خلّو سكن الدار»، والفساد مثل ذلك لا تنفع معه المعالجات الجزئية مهما تكاثرت آلياتها طالما أنها لا تطال البيئة التي يتكاثر داخلها الفساد ويتوالد، وستظل مكافحة هذه الآليات غير ذات جدوى وبلا أثر يذكر وإنما ستكون أشبه بمحاولات إ بادة الهاموش والناموس والذباب عن طريق رش المنازل بالمبيدات بينما تبقى البرك الآسنة ومقالب القمامة وكل المحاضن التي تنتج هذه الآفات في مأمن وأمان من عمليات المكافحة، المؤكد أن مثل هذه المكافحة المبتورة والناقصة لن تبيد الهاموش ولن تقضي على الذباب والناموس بل ربما يحدث العكس بأن تتآلف هذه الحشرات مع هذه المبيدات وتصبح لها مناعة ضدها فلا تؤذيها، وما يصدق على طرائق مكافحة هذه الآفات يصدق أيضاً على وسائل مكافحة الفساد إن لم تستهدفه في بيئته التي تنتجه، وكما توجد وتولد كل الحشرات والآفات الضارة في المعاطن المنتنة، هكذا الفساد أيضاً يولد ويتربى في الاجواء المعتمة التي ليس فيها ديمقراطية حقيقية ولا شفافية ولا حريات تستطيع معها أن تقول للأعور أعور ولا رقابة برلمانية فعلية ولا قضاء كامل الاستقلال ولا أجهزة دولة قومية ومحايدة وليست رهينة لدى جهة أو حزب... هذه هي البيئة المثالية التي تنتج الفساد وتُفرّخه ومن أراد المكافحة الحقيقية فعليه بها وأي محاولة دونها ستكون مجرد تكرار لحكاية الكديسة...
( تعليق: 0)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق