الاثنين، 27 فبراير 2012

بداية التبرؤ ونهاية التمكين «1ــ 3»


بالأمس اهتمت الصحف بخطبة البروفيسور عبدالرحيم علي القيادي الاسلامي المعروف واحد قيادات المؤتمر الوطني من على منبر مسجد الشهيد بالمقرن، الاهتمام له دلالات، فالرجل الإمام كان رئيساً لمجلس شورى الحزب الحاكم، اي بمعنى أن له مكانةً رفيعة المستوى بحيث يمكن أن نصفه بأنه «مرشد للحزب الحاكم»، حينما ينادي بضرورة محاكمة المسؤولين المتورطين في قضايا فساد مهما علت مناصبهم أو بلغت مكانتهم الاجتماعية قياساً على ما كان من نهج المسلمين وتأسياً بالخلافة الراشدة، وذات الحديث ردده بصورة أخرى القيادي بالحركة الإسلامية حسن رزق حينما انتقد من سماهم «اللصوص الذين تتم ترقيتهم وتعليتهم في المناصب بدل إقالتهم».
ومن الواضح بحسب تغير لهجة الاسلاميين المشاركين في السلطة تجاه الفساد المتنوع المستشري في البلاد، أن هنالك حالة «تبرؤ» واضحة من أئمة الإسلاميين باعتبار أن الفساد بضاعة ينشط فيها غيرهم. والسؤال المنطقي هو من من شركاء السلطة «ولغ» في الفساد ويريد تشويه سمعة الشركاء الآخرين؟ لقد أنكر الكل الفساد وأعلنوا محاربتهم له، وأنهم لن يتستروا على أي مسؤول يثبت تورطه في قضايا فساد، بل أن رئيس الجمهورية إنشأ مفوضية لمحاربته. إن بضاعة الفساد أصبحت منكورة من الجميع وصارت مثل «الكرة» الكل يحرص على إبعادها باتجاه مرمى الخصم.
إن التبرؤ والبراءة من الفساد مطلوبة، وقبل أن تستشهد الحركة الاسلامية السودانية بالخلفاء الراشدين، عليهم أن يتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها»، وليتذكروا جيداً قوله صلوات الله وسلامه عليه «إن ما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد». أهلك الذين من قبلكم اي دمرهم ومزقهم شر ممزق وجعلهم أحاديث في الآفاق مثل قوم عاد وثمود ولوط وصالح وغيرهم من ركب الأمم الهالكة، وفي رأيي أن ما يحدث في السودان اليوم هو النذير للجميع سواء الحاكمين ومن شايعهم وسكت وهو يرى فسادهم وتطاولهم في الأرض وفي البنيان بغير الحق. إن الحركة الإسلامية السودانية لا يمكن أن تلعب دور الشيطان مع الإنسان حينما قال له اكفر فلما كفر قال إني بريء منك، لقد ساند الإسلاميون هذا النظام منذ أن كان في المهد صبياً، وتركوه يكبر حتى أكل «طائفة منهم»، ثم جلسوا يدبجون له الفتاوى والمقالات حتى ظنوا جميعاً وصدقوا حكاية تسليم الراية لنبي الله «عيسى»، وظنوا أن الله غافل عما يعملون أو أنهم بمنجاة من العذاب حتى أدركوا ذلك بعد حين.
إن إطلاق الفتاوى والتنظير بعد فوات الأوان لا يفيد، اليوم البلاد تقف على شفير الضياع، وتتزايد شرارة الحرب الأهلية بفعل الحالة الإنسانية المأساوية للنازحين واللاجئين، وبفعل الأزمة الاقتصادية والقتال الدائر في النيل الأزرق وجنوب كردفان، والشد والجذب بين لصوص البترول في الجنوب وفي الشمال، وبعد ذهاب الجنوب ببتروله مازال البعض يكذب ويتحرى الكذب عن وجود بدائل أملاً في تأخير الكارثة، إن الحرب على الفساد جاءت لأن الدهاقنة اكتشفوا أن ثلاثة أرباع الثروة ذهبت إلى جيوب أزلام النظام، وأن المال أصبح دولة بين أهل السلطة فحسب، وأن الربيع العربي قادم قادم لا محالة وإن تأخر، وأن أصدقاء الأمس حان الوقت ليتحاسبوا على ما فعلوه، وإن كان ما فعلوه لتزول منه الجبال، لقد طفح الكيل، ولذلك بدأت أصوات المنابر ترتفع في تناغم مع صوت الشارع والأغلبية العريضة التي ظلت خارج نطاق اهتمامات شركاء السلطة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق