كلما زرت الترابي في مكتبه تلفت نظري خارطة السودان القديم تجلس من وراء الشيخ.. وكلما أمعن النظر في رجال حول الشيخ يشدني وجه أبنوسي.. القاضي السابق المحامي اللاحق أشويل.. أشويل من دينكا بحر الغزال.. تم تجنيده لحركة الإخوان منذ زمن بعيد.. يحرص القاضي السابق أن يجلب معه بعض الموز كلما زار شيخه.. كثير من تلاميذ الشيخ تمردوا عليه إلا أن أشويل وموسى المك كور وعبدالله دينق نيال.. رجال الجنوب ما زالوا على بيعتهم. الشيخ الترابي تحت وطأة الشعور العاطفي طالب بأن يتم منح مواطني الجنوب الذين اختاروا البقاء شمالاً الجنسية السودانية.. وذكر الشيخ أهل السودان أن إخوتهم الجنوبيين شاركوا في بناء هذا الوطن.. من الصعب فصل هذه الرؤية من أبعادها العاطفية.. الجنوبيون بمحض إرادتهم اختاروا الانفصال وبنسبة قاربت الكمال.. وليس من اليسير الموافقة على تجنيس عدد كبير من المواطنين بقرار.. في تقديري أن الحكومة مطلوب منها أن تستخدم معيار حالة بحالة.. هذا المقياس استخدمته حكومة الجنوب ومنحت نحو خمسمائة من الشماليين جنسية دولة الجنوب. حزب المؤتمر الشعبي توغل في الاتجاه الخاطئ حينما طالب الحكومة أن تسمح لبترول جنوب السودان أن يشق أراضينا دون ثمن.. الأمين السياسي للحزب الشعبي الأستاذ كمال عمر قدم دفوعات لهذه الأريحية بأنها تمهد لترسيخ السلام وتبعد شبح الحرب. إكرامية المؤتمر الشعبي لم تخطر بقلب باقان أموم أشرس المفاوضين الجنوبيين.. حكومة الجنوب قدمت أرقاماً تصل إلى عتبات الاثني عشر دولاراً لكل برميل.. وفوق البيعة تكلمت عن منحة لا ترد لمساعدة اقتصاد السودان في هذا الظرف الحرج.. صحيح أن مفاوضينا أخذتهم العزة بالإثم ورفضوا سياسة اليد العليا في تقديم العون. يرتكب المؤتمر الشعبي خطأً فادحاً في مصادمة الوجدان الشعبي السوداني.. ليس من القبول أن تصل المعارضة السياسية لتجاوز المصالح الوطنية العليا.. لا توجد بلد في التاريخ تسمح لدولة أخرى أن تستبيح أرضها وبحرها بلا مقابل.. المطلوب من أي حزب أن يكون حريصاً على مصالح المجموعات التي تواليه.. ومن مصلحة أهل السودان أن يصيبهم خير من نفط الجنوب العابر لأرضهم. مواطنو الجنوب ورغم أن بلدهم لم تبلغ الفطام بعد، قدموا تجربة جديرة بالإشادة.. ما إن أعلن الرئيس سلفاكير قراراته الصعبة بإيقاف ضخ النفط حتى خرجت المظاهرات العفوية مؤيدة لقراره.. حتى رياك مشار تجاوز خلافاته مع الرئيس سلفاكير ووقف أمامه في ملف النفط. بصراحة ملف النفط ملف استراتيجي لا يقبل القسمة على الحسابات السياسية.. المفاوض السوداني يمكنه أن يحقق نتائج طيبة إن اصطفّ شعبه من ورائه.. حكومة الجنوب رغم صعوبة موقفها الاقتصادي وتأثرها الشديد بوقف تصدير البترول، إلا أنها تفاوض بنفس بارد. مناديب حكومة الجنوب يستمتعون بهتاف الجمهور المؤيد لموقفهم. من أجل المستقبل.. هذه المرة اتركوا الكرة للبشير. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق