الأربعاء، 29 فبراير 2012

بداية التبرؤ ونهاية التمكين ( 3-3 )


ان لفظة التمكين راجت في عهد الانقاذ على أفواه قيادات الحركة الاسلامية باعتبارها اللفظة المرادفة لنجاح الانقلاب وبداية تمكنهم من الحكم بيد انهم ارادوا ان يضفوا على اللفظة هالة دينية ليختلط الامر على قواعد الحركة الاسلامية العريضة التي تتشوق نحو رؤية التمكين الرباني الوارد في قوله تعالى ( والذين إن مكناهم في الأرض ) ، وحينما أعلن مؤخراً المشير عمر البشير رئيس الجمهورية تحرير الخدمة المدنية من سياسة التمكين ليصبح التمكين لكافة شرائح الشعب السوداني دون محسوبية إنما قصد تصحيح التجربة الخاطئة التي تسببت كما هو واضح في ( استلاب الخدمة المدنية ) و ( فقدان الملايين من ابناء الشعب السوداني لوظائفهم في المرافق العامة بفعل سيف الصالح العام ) و ( انتشار المحسوبية البغيضة على خلفية الولاء والانتماء الاسري والعشيري والجهوي ) ولكن ومع ذلك ورغم اعلان الرئيس عن انتهاء سياسة التمكين ما تزال مسألة التكتل القبلي داخل بؤر اتخاذ القرار عصية على الإصلاح .
ومن الواضح بحسب المعطيات ان أئمة الحركة الاسلامية ممن تحدث أخيراً بصوت عال ادركوا ان اللحظة الحاسمة قد اقتربت ومثلما حدثت المفاصلة في نهاية التسعينيات على خلفية النسبة العالية من الفساد التي ضربت الاسلاميين بفعل ( التمكين ) ووصف الترابي لها بـ 90% فساد..مثلما حدث بالامس سيحدث اليوم لان المطالبة بسن قوانين لمحاربة ومحاكمة كبار المسؤولين والدستوريين في الدولة يكشف عن خلاف كبير وصراع محموم حول رمي الكرة في ملعب الخصم الاكثر فساداً ، ان مفوضية محاربة الفساد بزعامة ( ابوقناية ) ستكون ساحة المعركة التي يجتمع فيها الخصوم ومثلما تم ضرب ( خلية الأقطان ) التي ينشط فيها اسلاميون كبار ستكون الضربة التالية لاحدى اكبر خلايا الفساد المحسوب على الطرف الآخر بعد ان تكشفت خفايا التجاوزات في منح العطاءات والتوكيلات والعقارات وقطع الاراضي مما يعتبره أطهار الحركة الاسلامية سبة في وجه النظام .
ان الحركة الاسلامية اليوم وبسبب انفصال جنوب السودان عن الوطن الام تتحمل خطيئة تاريخية كبرى لا تغتفر حيث لم تنفع اتفاقية السلام الشامل في إبعاد شبح مخطط تقسيم السودان ولم توفر على الصعيد الداخلي الامن والاستقرار بسبب ( القضايا العالقة ) وبالتالي فان الاتفاقية كانت صفقة خاسرة نجحت بموجبها دولة الكيان الصهيوني في وضع يدها على منابع النيل العظيم المذكور عندهم في التوراة ، ان الاسلاميين كانوا يعلمون بنبوة ( التوراة ) ومشروعات ( بروتوكولات حكماء صهيون ) ومع ذلك سهلوا عملية فصل الجنوب ورقصوا على الأنغام التي تعزف على التباين الإثني والقبلي وهم الذين كانوا يتلون آيات الذكر الحكيم ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ومن عجائب الامور ان الذين ساهموا في فصل الجنوب تحت ذرائع العنصر والثقافة والنوع يتباكون اليوم على النشاط الصهيوني في دولة الجنوب ويرجحون الحرب بين الدولتين على خلفية المشكلات الواردة من الجنوب وكأنهم كانوا يتوقعون استيراد الفواكه والمانجو والعنب والبترول من دولة جنوب السودان .
لقد مكنت الأقدار الاسلاميين من الحكم سنين عددا بيد انهم اليوم يفقدون السيطرة على الامور بسبب الأخطاء الجسيمة المرتكبة تحت ذريعة التمكين وبدلاً من محاكمة التجربة وتوجيه النقد الذاتي يريدون رمي اللائمة والتبروء من اخطاء التجربة بالرجوع الى ما كان من نهج الخلافة الراشدة والطلب من الحكومة التي هي حكومة الحزب سن قوانين لمحاكمة الوزراء والدستوريين ووضع الميزان !!! أين ذهب الميزان طيلة العقدين الماضيين ؟ ترى هل يجوز اطلاق حكم ( عفا الله عما سلف ) تجاه اخطاء وتجاوزات ثلاثة وعشرين عاماً من التمكين ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق