الأربعاء، 8 فبراير 2012

أثر الربيع العربي على المسألة السودانية 2/3



 
أثر الربيع العربي على المسألة السودانية 2/3
مشاركات
 
 
هذه المقالات مأخوذة من ورقة قدّمت في ندوة الربيع العربي والتي أقامها التحالف العربي من أجل دارفور بالقاهرة وصول الإسلاميين للحكم في السودان- النظام في السودان قام على أساس تغيير انقلابي أدى لإسقاط نظام ديمقراطي ليبرالي لصالح ما كان يسمى بالجبهة القومية الإسلامية، وهو آخر اسم يتبناه الحزب الذي خرج من عباءة الإخوان المسلمين بمصر، والذي تسمى بعدة أسماء، آخرها الجبهة القومية الإسلامية. رغم أن الجبهة الإسلامية قد خططت وشاركت في تنفيذ الانقلاب، عن طريق عسكرييها ومدنييها الذين تزيوا بالزي العسكري ليلة الانقلاب، ونفذوا عمليات احتلال بعض المواقع المدنية، وربما العسكرية، وشاركو في اعتقال عدد من وزراء العهد الذي أسقطوه، وزعامات الأحزاب الأخرى، إلا أن العقيد آنذاك عمر حسن البشير ظهر في الإذاعة والتلفزيون معلناً سقوط النظام لصالح القوات المسلحة، وليس لصالح حزب معين، وتم إخفاء طبيعة الانقلاب السياسية حتى وصل الأمر لاعتقال قيادات الجبهة الإسلامية (اذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب للسجن حبيساً). إذاً فأول خلاف بين الحراك السياسي الذي أدى لصعود الإسلاميين في بعض الدول العربية، وما وقع في السودان، هو أن استيلاء الإسلاميون على الحكم في السودان، تم بمؤامرة استولت على قيادة القوات المسلحة من خلف ظهر الشعب نفسه، حيث استُثمِرت مطالب القوات المسلحة في فبراير والتي كانت مقبولة شعبياً، وإن كانت خاطئة دستورياً، لتبدو المسألة وكأنها تدخل عسكري، ضد فساد وعجز حكومة الأحزاب، وبعيداً عن أي نفوذ حزبي. لم يباعد ذلك بين التحرك الانقلابي في يونيو 89 والتحرك الشعبي في المنطقة العربية 2010/2011 فقط من حيث الشكل، بل باعد بينه وبين ذلك الحراك من حيث الموضوع، كما أدى لتباعد بينه وبين الحركات الإسلامية الصاعدة في المنطقة، من حيث المنظور لمشكلات المنطقة، وطريقة علاجها، بل وباعد أيضاً بين النظام الذي تربع على سدة الحكم، وبين الجبهة القومية الإسلامية الوالد البيولوجي له. التمكين رغم أن الجبهة الإسلامية القومية هي التي قامت بانقلاب 89، إلا أن ذلك لم يكن بالاعتماد على قواها الذاتية في الشارع السوداني، وإنما احتاجات للتآمر مع بعض الطامعين، داخل القوات المسلحة لاستخدام هذا الجهاز القومي في أن يسلمها السلطة. لتفعيل ذلك كان لابدّ لها في الشهور الأولى على الأقل، ولحين التخلص من القيادات المعادية لها، من أن تبدو كحركة قومية خارج الإطارات الحزبية. لكي تفعل ذلك اضطرت للاحتفاظ بقيادات داخل المعتقل، مما أدى لإضعاف هيمنتها على آلية اتخاذ القرار في أجهزة الحكم، ومنح العسكريين دوراً في السلطة أكبر مما خططت له قيادة الجبهة الإسلامية. كانت المرحلة الأولى للنظام في السودان هي مرحلة تثبيت دعائم السلطة والتي يشار إليها بالتمكين في أدبيات النظام. شهدت تلك المرحلة صراعاً حول الوسائل والغايات انتهى بانتصار الداعين للحفاظ على السلطة بغض النظر عن المبادئ، وتمت الإطاحة بالعسكريين الإسلاميين الذين كانوا يشكون في شرعية الأساليب الأمنية العنيفة، التي لجأ لها النظام أول الأمر، فذهب عثمان محمد الحسن وفيصل مدني. كان هذا أول انتصار للتيّار السلطوي استبعدت معه التيّارات العقائدية، لصالح القبضة الأمنية. لأهمية دور العسكريين ليس فقط في انتزاع السلطة بل أيضاً في الحفاظ عليها يميل بالكفّة لصالح العسكريين داخل النظام. تبلور ذلك في عام 93 وهو العام الذي كان يفترض فيه تسليم السلطة بالكامل للجبهة حين رفض قائد الانقلاب أن يخلع الزي العسكري. انظر التيجاني عبد القادر في الردّ على أمين حسن عمر "العسكريون الإسلاميون مرة أخرى" حيث جاء "اعتمدت أساساً على الوثيقة الداخلية المكتوبة التي سلمني إياها يداً بيد أحد معاوني الدكتور الترابي وذلك في منزله بالمنشية في عام 2000م، وهي وثيقة تهدف أساساً «لتصحيح الوقائع» من وجهة نظر الأمين العام، والذي لم يكن مشاهداً لتلك الوقائع فحسب وإنما كان محركاً أساسياً لها. جاء في تلك الوثيقة: (كانت خطة الحركة بعد العام الثالث للتمكين أن تبرز الحركة كلها، وتتولى المسؤولية مباشرة برموزها وخطتها، وتجلّى ذلك في قرار حلّ مجلس قيادة الثورة، وكانت الخطة أن يتولى «الأمين أمين عام الحركة، قيادة دولتها»، ولكن خلصت الرؤية أن في رئيس مجلس الثورة ما يحقق ذات الغايات، وأن يهيأ باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة، إلا أنه وفي ذات الساعة التي وضعت فيها الآمال على شخص رئيس مجلس الثورة التمس أن يعذر في أول مخالفة لقرار الحركة، وهو التخلي عن المنصب العسكري برتبته وزيه، وأن يتبعه في ذلك ولاة الولايات، ولم تقف الحركة في ذلك موقفاً حاسماً.." فهذا النص يشير بصورة واضحة إلى أن مبتدأ الخلاف (والذي تحول فيما بعد إلى نزاع شرس، تزايدت أسبابه، وتنوعت مظاهره) لم يكن حول الذات والصفات، كنزاع المعتزلة والأشاعرة، أو حول الإصلاح الزراعي أو التجارة الخارجية، وإنما كان حول من يتولى قيادة الدولة، الأمين العام للحركة الإسلامية (صاحب البيعة المعقودة سراً)، أم الرئيس البشير (صاحب البيعة المشهودة). ومما يؤكد هذا من جهة أخرى أن الخلاف لم يطل في السنوات الثلاث الأولى من عمر الإنقاذ، والتي تميزت بالوئام والتنسيق، رغم أنها كانت سنوات حرب في الداخل ومحاصرة من الخارج، ولكنه نشب في عام 1992، العام الذي انتهت فيه مرحلة التأمين العسكري، وبدأت فيه مرحلة الانتقال إلى الحكم المدني، أي العام الذي طرحت فيه مسألة التخلي عن الرتب العسكرية وتسليم قيادة الدولة إلى قيادة الحركة الإسلامية. التيجاني عبد القادر العسكريون الإسلاميون مرة أخرى كان تركيز السلطة التنفيذية والتشريعية في يد العسكريين، يعني أن تدخل السياسيون المدنيون سيظل تدخلاً غير مباشر، وكون أن القوات المسلحة هي الحامي للنظام، كان يعني أن أي مدني مهما كان موقعه في الحزب، هو في واقع الأمر خارج المؤسسة الفاعلة في الحكم، كما كان يعنى أن أهمية العسكريين الإسلاميين ستحدد برتبتهم العسكرية بغض النظر عن سابقتهم في العمل السياسي، أو دورهم في تكوين الفكر الذي تستند عليه الجبهة. هذه المسألة قادت إلى أن يصبح عصب النظام العسكر، وليس الحزب ولم يغير الرئيس البشير قناعته بذلك حتى الآن، وقد رفض خلع الزي العسكري حتى عندما خاض انتخابات وفق قانون انتخابات ودستور يمنع العسكريين من الترشيح للمناصب الدستورية. للسلطة إغراء لا يقاوم، وتبرير التمسك بها أقرب للقلوب، و أي طرح يقود إلى فقدان السلطة لن يجد في العادة شعبية بين أهل السلطة خاصة وأن طرح العودة إلى الحزب كان يمكن اتهامه بالرغبة في السلطة، إضافة لأن الحزب والذي كانت القيادة بالفعل قد حلته لم يعد في وضع يمكّنه من تثبيت دعائم الحكم. وهكذا بدأ انزلاق السلطة من يد الإسلاميين إلى الأجهزة الأمنية. الفترة الانتقالية بدأ البحث عن سبيل لإنهاء حرب الجنوب باتفاقية الخرطوم للسلام، وهي اتفاقية عقدها النظام مع المنشقين على قيادة الحركة الشعبية، لم تسفر عن وقف الحرب، وهو التكتيك الذي سيكرره النظام عدداً من المرات في دارفور، دون نجاح يذكر. أخذ النظام منحًى أكثر واقعية، بعد ظهور النفط، بحثاً عن نتائج عملية ومن ثم بدء البحث عن اتفاق يحقق سلاماً. لم يكن الطريق سهلاً وانتهى الأمر بالتوقيع على البروتوكولات المكونة لاتفاقية السلام الشامل بدءاً من 2002 وحتى 2004. جاء دستور 2005 كنتاج لكل ذلك وهو دستور ديمقراطي في نصوصه التي احتوت على كل مميزات الحكم الديمقراطي. كانت الاتفاقية نتاج عمل الجناح المعتدل ولكن الجناح الأمني ما لبثّ أن عاد إلى تشديد قبضته على السلطة فحملت الفترة من 2005 وحتى انفصال الجنوب الإخفاقات التالية:- 1- الفشل في مواءمة القوانين مع الدستور، ويبدو ذلك من أمرين بقيت كل القوانين القهرية على حالها، وحتى التي تمت إعادة إصدارها حملت كل السمات السلطوية. 2- فشلت المحكمة الدستورية في حماية الحريات الديمقراطية، أو إلغاء أية مادة بسبب تعارضها مع الدستور. 3- فشل القضاء العادي في الامتناع عن تطبيق أي أحكام مخالفة للدستور. 4- استمرار سيطرة الحزب الواحد على كل مفاصل الدولة واستخدام أجهزة الدولة الدائمة لصالح السياسات الحزبية. 5- الالتفاف حول الحريات الدستورية عن طريق الممارسات السلطوية لدى أجهزة الدولة وعدم قدرة القضاء على ممارسة رقابته على السلطة التنفيذية. 6- احتكار الدولة لوسائل الإعلام والتضييق على حرية الصحافة والتعبير. 7- السيطرة على النقابات العمالية والمهنية بأساليب غير ديمقراطية كل هذا حدَّ من فاعلية الحقوق الدستورية وقد ساهم افتقاد التقاليد الديمقراطية لدى التكوينات السياسية في أن يقلل فرص الضغط على النظام ليقبل تطبيق المواثيق التي وقعها وقَبِل بها. أدى كل هذا في النهاية إلى أن تقرر الحركة الشعبية أن تهرب بنصيبها من السلطة والثروة الذي قسمته لها الاتفاقية جنوباً وكانت انتخابات 2010م، وما صحبها من انسحاب بدون مقاومة من الأحزاب المعارضة الشمالية هي آخر مسمار في نعش السودان الموحد. صادف الربيع العربي زلزال الانفصال في السودان؛ مما أضعف من أثر تلك الأحداث فقد كان الشعب منشغلاً بالانفصال ونتائجه على البلد ومكوناتها. الآن وبعد أن انتهت اتفاقية السلام الشامل إلى بلدين فإن ما يبدو على الأفق هو أن السودان فقد ثلث أراضيه دون أن يكسب سلاماً ولا ديمقراطية فما هي الاحتمالات والسيناريوهات الآن. زاد انفصال الجنوب من حدة الانقسام بين المعسكر السلطوي المعسكر المبدئي، فبينما يرى المعسكر السلطوي أن انفصال الجنوب يعني انتهاء التعددية في السودان، وأن السودان لم يعد فيه سوى المسلمين والعرب، مما يوجب إلغاء الدستور الانتقالي، الذي يقوم على التعدد، وإبداله بدستور يقوم على العروبة والإسلام. يرى المعسكر المبدئي أن التعدد ما زال قائماً، وأن الدستور القادم يجب أن يراعي ذلك. في تقديري أن مسألة التعدد والوحدانية تخفي صراعاً آخر، وهو صراع بين عناصر تنزع لحكم استبدادي ينزع عن الدستور ملامحه الديمقراطية، وبين عناصر ترى استحالة حكم البلاد بنظام استبدادي، وترغب في انفتاح ديقمراطي محدود. الكفّة الآن تميل لصالح الجناح الذي ينزع لتركيز السلطة، إلا أن الصراع قد ظهر بشكل يبدو معه أن الحزب الحاكم لم يعد كتلة صماء، تقبل بقرارات الحكومة، وهو الوضع الذي كان عليه عقب الاستقواء الأول بالسلطة، على زعيم الحزب في انقسام رمضان. وهذا يقودنا إلى المؤتمر الوطني كحزب سلطة.(بقلم: نبيل أديب عبد الله- المحامي)..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق