الخبير الإستراتيجي عثمان السيد لـ «الإنتباهة»:
> حوار: عفراء الزاكي
أكد الخبير الإستراتيجي والمدير العام لمركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا الأستاذ/ عثمان السيد، في حواره مع «الإنتباهة» أن نوايا دولة الجنوب ليست سليمة، واتهمها بأنها تسعى لإطاحة الحكومة الحالية، وأضاف أن الخلافات الحالية بين جوبا والخرطوم يمكن أن تنتج عنها مواجهات مسلحة مؤكداً أن كل شيء قابل للحل إذا سلمت النوايا.وفي ذات السياق نظر الأستاذ/ عثمان السيد للوجود الجنوبي بالشمال على أنه ما هو إلا فشلٌ لحكومة الجنوب في تأمين أوضاع المواطنين بالجنوب، وأضاف قائلاً: إن أعداداً كبيرة من الذين ذهبوا للجنوب عادوا أدراجهم بعد ما لاقوه من عنت ورهق وظلم من أبناء جلدتهم..
وتطرق السيد إلى قضية أبيي والوجود الإسرائيلي بالجنوب ومخاطره على دولة الجنوب.. حول هذه المحاور وأخرى كان حوارنا مع الأستاذ عثمان السيد.. فإلى نص الحوار:
> كيف تنظر للخلافات الحالية بين الخرطوم وجوبا من وجهة نظر إستراتيجية؟
< المنظور الإستراتيجي الأصيل والسليم هو أن تكون العلاقات بين دولتي السودان وجنوب السودان علاقة شراكة إستراتيجية منصلحة وحسن جوار وتواصل مستدام لصالح شعبي البلدين اللذين تربطهما روابط عديدة وكثيفة ومصالح متبادلة لا ينبغي لها أن تنقطع ويمكن أن تشكل روابط الرحم والزمالة والعيش المشترك ورحلات الدمرة والنشوق والحركة التجارية ودفقات النفط وجريان الماء أوتاراً لعلاقات متينة وراسخة وآفاقاً واعدة بمستقبل زاهر، ولقد كان ينبغي أن ينطلق المنظور الإستراتيجي للخلافات القائمة حالياً بين الخرطوم وجوبا من حتمية وحيوية العمل الدؤوب لمعالجة قضايا الخلاف وإعادة العلاقات إلى مجراها المأمول من خلال نظرة المصالح الإستراتيجية للبلدين وللإقليم، فاستمرار الخلافات واحتمال تصاعدها سيخلف آثاراً مدمرة على البلدين تنذر بامتدادها الحتمي إلى البيئة الإقليمية بما يفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية المباشرة التي تتحين الفرص للتدخل.. ولكن للأسف فإن القائمين بالأمر في جنوب السودان لا يحفلون كثيراً بإقامة علاقات إستراتيجية منصلحة ومتميزة مع دولة السودان وأن منطلقاتهم الإستراتيجية تُملى عليهم من الخارج وهم يحسبون أنهم بذلك سوف يضربون السودان في مقتل وما دروا أن مكرهم سوف يحيق بهم أولاً وثانياً وأخيراً..
> كيف تتصور مآلات الوضع بين البلدين على ضوء الخلافات الراهنة؟
< لعله ومن خلال إلقاء نظرة سريعة إلى عناوين قضايا الخلاف يتضح أن القضايا الخلافية ذات أثر بالغ وحيوي على الدولتين وحياة الناس اليومية ومعيشتهم، ومن ذلك يمكن إدراك مخلفات وآثار استمرار الخلاف بين البلدين الأمر الذي أدى «من جانبنا في السودان على الأقل» لإعداد معالجات وخطط استباقية وإسعافية للتقليل من آثار استمرار الخلافات والاستعداد بمنظور إستراتيجي يستوعب كافة الاحتمالات من أسوئها إلى ما دون ذلك.. وأخشى أن أقول إن مآلات الأوضاع بين البلدين تتجه نحو التصعيد والمواجهة المسلحة وذلك سوف يؤدي إلى كارثة ماحقة للبلدين.. وكما وصفها رئيس الوزراء الإثيوبي ملس ستكون «يوم القيامة» ليس للسودان «شماله وجنوبه» ولكن للمنطقة ككل..
> هل من الممكن أن يفتح الخلاف حول النفط الطريق لتدخل دولي عسكري أو نحوه؟
< لا أتوقع أن يؤدي الخلاف حول النفط إلى فتح الطريق لتدخل دولي عسكري فللتدخل الدولي العسكري دوافعه وأسبابه المختلفة لكن الخلاف حول النفط وتشابكاته سيؤدي حتماً إلى تدخلات القوى الدولية وقوى المصالح كل بتوجهاته وفقاً لمصالحه ومنظوره الإستراتيجي للأمور، فهناك قوى دولية مثل الصين تتدخل لإيجاد معالجات عاجلة لقضايا الخلاف حول النفط لضمان استمرار تدفقه، وهناك قوى أخرى تسعى وفق منظور تنافسي وإستراتيجي لإبعاد الصين، وهناك قوى وجهات غيرها تسعى لإيجاد موطئ قدم لها، وضمن هذا التدافع يمكن لهذا الطرف أو ذاك وضع العصي أو العراقيل لغيره هنا وهناك، وبالطبع نحن في الطرفين الشمالي والجنوبي في غنى عن كل ذلك وكل تلك الخلافات القائمة والمحتملة، ويمكننا حتماً حسم قضايانا دون أي تدخلات بمختلف أشكالها.. وعلى العموم فإن التدخل العسكري في عالم اليوم لم يعد بالتدخل العسكري المباشر ولكن يتم بصفة غير مباشرة عبر تزويد الجنوب بالأسلحة المتطورة وإتاحة التدريب المتميِّز وتزويدهم بالخبراء في كافة المجالات العسكرية والاستخباراتية والأمنية وهذا واضح للعيان لكل من يزور جوبا هذه الأيام..
> مشكلات الحدود بين الدولتين، هل كان بالإمكان تدارك مخاطرها قبل الاستفتاء؟
< فليكن السؤال عن إمكانية تدارك مشكلات الحدود قبل نتائج الاستفتاء لأن التفاوض والعمل الدؤوب لترسيم الحدود كان جارياً ومتصلاً.. وكذلك كان الحال بالنسبة لمناطق التماس الحدودي والتداخل، ومن المعلوم أنه تم إنجاز نحو «90%» أو أكثر من ذلك بقليل من ترسيم الحدود الطويلة بين البلدين، لكن الجنوب ظل يمارس تكتيكات لخلق وصناعة أزمات لإرباك العملية برمتها ومحاولة إحداث اختلالات في إستراتيجيتنا التفاوضية، وعلى كل فقد تم الاتفاق مؤخراً في أديس أبابا على البدء في ترسيم الحدود المشتركة والانتهاء من هذه المهمة في غضون ثلاثة أشهر على أن يستمر التفاوض حول المناطق الخمس موضع الخلاف، وبالطبع فإن كل شيء قابل للحل إذا سلمت النوايا.. ولكن المؤلم والمؤسف أن حسن النوايا غير متوفر على الإطلاق لدى دولة الجنوب، بل هناك إصرار على ضم مناطق سودانية مثل أبيي وكفياكنجي وحفرة النحاس وغيرها بقوة السلاح وهذا ما زاد من تعقيد المشكلة على تعقيداتها المعروفة..
> حجم الدعم الذي تتلقاه حركات دارفور من الجنوب ومدى أثر هذا الدعم في تعقيد أزمة دارفور؟
< شواهد وحقائق الدعم الذي تتلقاه حركات دارفور من حكومة الجنوب ومن قبل من الحركة الشعبية رغم شراكتها في حكم البلاد عديدة ومؤكدة، ومؤخراً فإنه لم يبق ضمن البيئة الإقليمية بعد سقوط نظام العقيد القذافي لحركات التمرد في دارفور سوى جنوب السودان مصدر للدعم والتموين والإيواء والإسناد والتدريب، ولقد كان موضوع دعم حكومة الجنوب للتمرد الدارفوري واستضافته لزعزعة استقرار السودان وإفشال برامجه وخططه السلمية ليس لتعقيد أزمة دارفور فحسب بل محاولة التشويش على السودان وعلاقاته الإقليمية والدولية، كان هذا الموضوع مادة لبيانات وإعلانات عسكرية وحكومية سودانية عديدة، ولقد أودع السودان منذ أغسطس 2011م العديد من الرسائل والشكاوى لمجلس الأمن الدولي توضح المدى الذي وصلت إليه حكومة الجنوب في دعمها لحركات التمرد الدارفورية وغيرها، من بين تلك الرسائل المعلومات المؤكدة حول استضافة حكومة الجنوب لاجتماعي واو وياي بجنوب السودان اللذين تمخضت عنهما الجبهة الثورية السودانية التي تضم فصائل دارفورية متمردة والحركة الشعبية لإسقاط الحكومة السودانية بواسطة القوة المسلحة ومن قبل إسقاط اتفاق الدوحة وتفجير الأوضاع في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ومحاولة إلحاق شرق السودان ببؤر التفجر تمهيداً للإجهاز على الحكومة السودانية.. وعليه فإن الجنوب أضحى يشكل مخلب القط ورأس الحية في المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يستهدف تجزئة السودان وتمزيقه وتقطيع أوصاله بدءًا بالجنوب مروراً بدارفور وانتهاءً بشرق السودان..
> من أي الزوايا تنظر للوجود الجنوبي بعد الانفصال؟
< أتعامل مع الوجود الجنوبي في الشمال بعد الانفصال من خلال منظور واسع يستوعب كل التعقيدات والإفرازات التي نشأت بفعل الانفصال والرغبة الجنوبية الكاسحة في تحقيقه، كما يستوعب أن قرار منح الجنسية السودانية للجنوبيين وغيرهم هو قرار سيادي، وأن هذا القرار متوقف عند نقطة أن ازدواج الجنسية للجنوبيين في الشمال مرفوض، لكنني ألاحظ مرونة من جانب الحكومة في فحص الحالات الفردية، وطالما أن السؤال عن الزوايا التي أنظر بها فلا شك أن هناك الزاوية الإنسانية التي لا شك أنها ستكون كفيلة بإزالة كل التعقيدات والعقبات لينساب التواصل الاجتماعي بين شعبي البلدين.. وعلى كلٍ فإن السودان له سجل واضح ومتميز في استضافة اللاجئين وقد أشادت بذلك الأمم المتحدة في التسعينيات.. وإذا كنا نستضيف الآلاف بل الملايين من دول الجوار فلا غبار في أن نستضيف الجنوبيين كلاجئين في بلادنا شريطة أن يكون ذاك مفهوماً ومعروفاً لديهم، ولعل في ذلك خيرًا كثيرًا حيث إنني أعلم أن أعداداً كبيرة قد اعتنقت الإسلام.. كما أن أعداداً كبيرة من الذين ذهبوا إلى الجنوب عادوا أدراجهم بعد ما لاقوه من عنت ورهق وظلم من أبناء جلدتهم وجاءوا للشمال مستجيرين مما وجدوه من عناء وشقاء وازدراء..
> أبيي.. بدا الأمر وكأنما يراد لها أن تكون مبرراً لتدخل دولي عسكري يمهد له التصعيد من جانب دولة الجنوب.. بم تعلق؟
< بقاء مشكلة أبيي دون حل حاسم ونهائي يفتح الباب لكل الاحتمالات وكافة السيناريوهات السيئة، كما يفتح أو يُبقي الباب مفتوحاً لحكومة الجنوب لاستخدامها في مناوراتها وتكتيكاتها التفاوضية وإبقاء حالة التوتر مع السودان وحشد المناصرين الإقليميين والدوليين للضغط على السودان، وما حدث في أديس أبابا مؤخراً لدى التفاوض حول ملف النفط وطرح حكومة الجنوب لموضوع أبيي ومحاولة فرض حزمة قضايا في قلبها ملف أبيي يوضح مدى أهمية هذا الملف في إستراتيجية حكومة الجنوب التفاوضية وموقع مجموعة أبيي في مراكز القوى الحاكمة والمحركة للأمور في جنوب السودان وهي قوى ذات صلات وثيقة بالغرب ومنظماته ومصدر أساسي في بث الكراهية ضد الشمال والشماليين والتشكيك في نوايا حكومة السودان والعمل على إسقاطها بشتى الوسائل والسبل..
> في تقديرك.. ما الذي تريده دولة الجنوب من الشمال من خلال إثارة هذه المشكلات ودعم المتمردين؟
< حكومة الجنوب تسعى بقدر الإمكان لإطاحة الحكومة الحالية وأن تأتي إلى السودان حكومة أخرى لأن السبب الأساسي هو تجزئة السودان إلى دول، وأيضاً تسعى حكومة الجنوب إلى أن تكون الحكومة القادمة علمانية وهذا على نفس النمط الذي تدّعيه زوراً وبهتاناً، لذلك على العلمانية أن لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين علماً بأن المسلمين بالجنوب أكثر من المسيحيين، ولكن واقع الحال يوضح أن المسلمين عرضة للاضطهاد، والمساجد أيضاً قابلة للتدمير هناك.
> الوجود الإسرائيلي بالجنوب.. من أي زوايا الخطر تقرأه؟
< أعتقد أن الوجود الإسرائيلي بالجنوب تحدثت عنه إسرائيل كثيراً وقالت إنهم أنجزوا عملاً رائعاً في السودان وهذا بتدريب عناصر الأمن، ووضع أجهزة تنصت في العديد من المناطق بدارفور، وأعتقد أن هذا قد تم بواسطة القوات الرواندية لأن «التوتسي» هم الذين يسيطرون على زمام الحكم برواندا وتربطهم صلات وثيقة بإسرائيل، وعلى ما أذكر في مقابلة مندوبنا الدائم في نيويورك الفريق/ الفاتح عروة بالمندوب الأمريكي للأمم المتحدة ذكر أنه يجب على السودان أن يقبل بالقوات الإفريقية وشدد على القوات الرواندية بالتحديد، وأنا أجزم بأن هنالك عدداً مقدراً من هذه القوات وصلت إلى دارفور وما زالت موجودة وما هم إلا جواسيس «للموساد»، وقد تمكنوا من وضع الكثير من الأجهزة في أماكن كثيرة بدارفور تعمل على التقاط المعلومات بصورة يومية وهذا دفع مدير شؤون المخابرات الإسرائيلي لقول «تمكنا من إنجاز عملٍ رائع بجنوب السودان ودارفور».
> التعاطف الأمريكي مع جوبا بعد الانفصال بدا أمراً مكشوفاً.. ماذا وراءه من الناحية الإستراتيجية؟
< إن المخطط الغربي قائم على أن دولة السودان بشكلها الحالي مع قيام دولة ذات توجه إسلامي في ليبيا وتونس ومصر وباعتبار أن السودان بحدوده المشتركة مع هذه الدول يشكل حزاماً إسلامياً يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، وأمريكا تهتم بمنطقة القرن الإفريقي لأن بها باب المندب ولموقعها الإستراتيجي لأنها مطلة على البحر الأحمر الذي يمر من خلاله أكثر من «70%» من البترول الخليجي، وأيضاً لقرب دول القرن الإفريقي من دول الخليج لذلك فهذه المنطقة مهمة للاقتصاد الأمريكي، والإستراتيجية الأمريكية قائمة على زعزعة أمن واستقرار دولة الجنوب باعتبار أنها مع مجموعة الدول التي ذكرتها سابقاً يمكن أن تصبح دولة ذات توجه إسلامي يهدد المصالح الأمريكية في إفريقيا وشمالها وبالتالي تتضرر المصالح القومية الأمريكية.
> كيف تحلل وقوف الصين وروسيا مع سوريا في مجلس الأمن؟
< أعتقد أن كلاً من سوريا والصين يعتقدان أنهما قد خُدعا بالنسبة لقرار مجلس الأمن لليبيا، وبالتالي أصبح حزب الأطلسي لديه تفويض من مجلس الأمن ليعمل في ليبيا، والآن في سوريا نجد أن روسيا والصين تصران على أن تؤكدا أنه لا يمكن تجاهلهما في أي قرارات دولية تُتخذ بشأن سوريا أو غيرها وليس هناك مجال لكي تصبح سوريا ليبيا أخرى، لكن أعتقد أن الصين وروسيا يخاطران مخاطرة عظيمة لأن النظام السوري لا شك أنه سيسقط وينهار، ثم إن هذا الموقف من قبل الصين والاتحاد السوفيتي سوف يعرض علاقات البلدين إلى خطورة ماثلة وهي توتر علاقاتهما مع دول الخليج العربي التي يرى أنها أكثر تماسكاً وتشدداً وإصراراً على إسقاط النظام العلوي في سوريا، وربما أدى هذا الأمر لكي تفقد الصين البترول وهي محتاجة لأي نقطة منه تصلها من دول الخليج.
> لماذا لم تقف الصين وروسيا مع السودان في مجلس الأمن؟
< إن الصين وروسيا يقلبان مصالحهما، والصين هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بعد اليابان، وحجم التجارة بين البلدين يقارب «500» مليار وأيضاً هي أكبر دولة لها مخزون من الدولار الأمريكي، وروسيا اليوم لم تعد روسيا الأمس وأعتقد أن وقوفهم ضد السودان كان انحيازاً لمصالحهم القومية، أما بالنسبة للصين فإن السياسة هي مصالح ولا مجال للعاطفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق