الأحد، 22 يناير 2012

لفنان التاج مكي الغائب الحاضر أشجانه في الخاطر

لفنان التاج مكي الغائب الحاضر أشجانه في الخاطر


بقلم: عبدالجليل محمد عبدالجليل
كسلا مدينة الخضرة والحنية والجمال هي عروس المدن مدينة وادعة تستقبل الجميع بالتحنان والمودة والطيبة وتمنح الإقامة والتطور والإزدهار والنسب وكسلا اليوم لم تكن كسلا المألوفة وإذا عدنا بذاكرة الزمن وأعدنا الذكريات.
فقد كان الحب يسير في كل طرقاتها وشوارعها وكان وكان.. وحتى القاش الصديق الما هو صديق ينتظروه بشوق ويغيب ويعود كل عام وأحياناً يرسم جمالاً ويصير كشامة في خد حسناء وكان الثمر دائماً ناضجاً حلو المذاق وجميل المنظر.. إذن كانت كسلا جنة الأشواق كل شيء جمالي متوفر فيها حتى تحسب المقولة المأثورة انها قيلت عن كسلا وفي ثلاثة يذهبن الحزن.. الخضرة والماء والوجه الحسن.. وفي ذلك الزمان الماضي السمح أمسك التاج مكي العود ليغني جاء للمدينة متنقلاً مع والده، كوستي، مدني ثم كسلا، الوالد مكي عبدالرحيم يعمل بوزارة الثروة الحيوانية مفتشاً بينما الابن التاج يحمل في دواخله فناً أصيلاً، بدأ التاج مكي مشواره العملي موظفا في البريد والبرق كسلا يحمل رسائل الاحباب للاحباب كما بدأ مغنيا يردد الأغنيات لود الأمين.. «ديل قلبين ضماهم غرام محال يحصل خصام بيني وبين حبيبي» ويغني قلبي مالو اليوم من جسمي فر وراح دمت يا محبوبي ودامت الأفراح ويا زاهي تعالي زورني بالله وكانت كسلا والريفير ليالي القاش والرمال والمانجو والبرتقال وشتل العنب واليوسفي تنبت داخل المنازل قبل البستان والسواقي والعيون الساحرة وكل المكونات الجمالية في أحياء الكارة والميرغنية والجسر والختمية والحلنقة وحلة جديد.
سماء كسلا معطر بالدعاش والغيم وليالي كسلا تعايش الإبداع والكروان وابراهيم حسين يصدح مع ساعة الغروب مشيت اسأل عليكم يا أحبه وحليل آمالنا فيكم وقالوا الزمن دوار يا غيمة أمشي زيارة وما تقيفي لي محتارة وكان جيبتي لينا إشارة هاك ديل عيونا بشارة.. والراحل المقيم حركة يعطر سماء المدينة والقاش مناظر وجبالك عجيبة طالما فيها روحي كيفن أقدر أسيبها كسلا وفي ليالي كسلا المرحوم ابراهيم منصور والهاشمي وكمال كيلة والبلبل كمال ترباس والراحل الفاتح جوهر «السد» وابراهيم عوض الكسلاوي وود مطر والشباب معه وعشان فرحك بغنيك..
وجد الفاتح مكي نفسه بين زخم من الفنانين والمبدعين أصبح مطرب المدينة الأول كانت كسلا كلها حلاوة وجمالاً ونضارة وكانت الحفلات والليالي فيها دون التاج مكي الإبتسامة رائع الهندام ظريف الحديث غاية الرقة عذب الغناء ويغني.
جمال كله بدع طفولتي الحلاواتي
أعني به يا ربي وقدني في متاهاتي
وتزداد الروعة عندما يردد:
كسلا يا جميلة فيك شباب طفولة يلاك معاي نزورا
الختمية بي جبالها والكارة ونضارة
ميرغنية وزهور أحسن لي من جنة تغرد بي طيورها
وكان اللقاء والروعة الشاعر الحلنقي أحاسيس صديقة التاج مكي ويتدفق هذا العشق :
حبيت عشانك كسلا
خليت دياري عشانك
وعشقت أرض التاكا
الشاربه من ريحانك
وذات الخمار الأسود ماذا فعلت بقلب الراهب المتعبد قد كان شمر للصلاة فوقعت له بباب المسجد وبنات العامرية عليها البنان مخضب ردي عليه صلاته وصيامه ولا تقتليه بحق دين محمد..
وكانت في كسلا خامات وطاقات بشرية من العازفين والذين سطعوا في سماء الغناء السوداني حرقل الزبير ثاني وآدم الطويل وبشير صالح ومن قبلهم علي الباهي «الاكورديون» عبدالحميد فرج مالك وشقيقه حسين وعبدالرحمن سيد بيه والسر عبدالغني وابراهيم عوض بيومي وقاسم وغيرهم مما جعل غناء التاج مكي يتميز باللون الأصيل والنغم الشجي والإحساس الصادق والحلنقي والتاج معاً.
فايت مروح وين
ولسه الزمن بدري
خليك شوية عشان جنبك
يطول عمري
وكان شباب كسلا أكثر رونقاً بلا تزييف ولا تحريف ولا مكياج ولا كل رسائل التجميل جمال طبيعي «خلقة الخالق» وتلكم الرمية للفنان التاج مكي.
إلهي خلقت لنا الجمال فتنة وغضضت الطرف عنا
كأنك ما خلقت لنا عيونا
وأنت جميل تحب الجمال
وكيف عبادك لا يعشقوه
وتزداد كسلا جمالاً خاصة مع كل خريف إخضراراً ممتعاً بلون الورد والبنفسج والصفاء والضياء والبهاء وإبداعات الجلسات الشعرية والتنافس ولإستمتاع للحلنقي وهلاوي وأحمد طه الجنرال ومرتضى صباحي وعزمي أحمد خليل وأحمد حاج علي والتواصل والإبداع والحلنقي.
رحت خليتنا وتاني ما جيتنا كان مغالطنا اسأل العنبة الرامية فوق بيتنا..
الغمام رشا والورد بشا كانت آمالنا نحي في عشة
وسط هذا الجو الرائع الفريد صار هذا الصبي الأسمر نغمة وأغنية صادقة وجعل لكسلا طعماً وعشقاً خاصاً وفي نفس الظروف الأسرية التي عاشها الفنان التاج مكي عاش الشاعر المعروف مرتضى عبدالرحيم صباحي (والد الفنان معتز صباحي) جزءاً من حياته بكسلا حيث كان والده يعمل بوزارة العدل بينما كان الابن بوزارة الأشغال وعاش في كسلا حياة سعيدة وهنيئة وممتعة وستظل في الخاطر وعند الوجدان التقي التاج ومرتضى صباحي إخاءً وصفاءً.. وقد ربطتهما أواصر الجيرة والفن ولذا كانت بينهما علاقة خصوصية ولذا جاء صدق المشاعر ونقل الخصوصية الأصلية إلى رحاب العموم كي تكسو الفرح كل الكون وتجلو الدنيا في عيون الناس أكثر من هذا الثنائي تحول إلى مثلث الإنضمام الملحن البارع ناجي القدسي وأسفرت العلاقة عن تقديم عصارة أو لوحة فنية هائلة بكل التعابير كلمات ولحن وأداء.
خلاص مفارق كسلا مفارق أرض التاكا
سايبك وحيد يا قلبي وشايل عذاب ذكراكا
كما غنى لمرتضى صباحي
صبرنا كثير على الأشواق
وطوينا الإنتظار المر
ولما نشوفوا غالبانه
تحاول تلقي ليه عذر
عند بداية السبعينيات غادر مكي كسلا وإتجه صوب العاصمة القومية الخرطوم وقد سبقته شهرته بروائع أغنياته التي كانت تقدم من خلال الإذاعة وبرنامج رسائل المديريات.. حيث تميزت رسالة كسلا وكان وقتها يشرف على تقديم رسالة كسلا أستاذنا سعيد القدال متعه الله عافية ورفاهية كانت هجرة الفنان التاج مكي للعاصمة.. حيث المزيد من الأضواء بجانب همه الأول الإلتحاق بمعهد الموسيقى ليزيد من حصيلته العلمية كموسيقى وبالفعل تحققت كل أهدافه.. وكان توهج التاج مكي أغنيات ممزوجة بشعر بسيط أنسابت فيه جداول البهجة والرائع عزالدين هلالي والنظارة تدس عينيك بالنظارة يا أجمل ضيف جانا زيارة ومن بهجة عينيك نضارة وما عارفين نقول شنو نقول سمح جميل ما هو الجمال مكملو لونه العسل ووجه الأمل والقطار وحسيت أنا بالودار ما كفاية وغني لحنين الأم والغربة وحاجه «سكينة» الأم الرؤومة الحميمية والتي كانت تحمل كل مواصفات الأم الحنونة لها الرحمة والمغفرة وظل الفنان التاج مكي بنقاء قلبه الأبيض يشارك الطفل ويغني في عيد ميلاده عقبال تطفئ الشمعة المائة ويلا حلاوة بابا على لسانه تجلت فيها كل انسانية وشعور الكسلاوي الأصيل اسحق الحلنقي وتغني لعدد من الشعراء ممن كتبوا الشعر.. كامل عبدالماجد الكريسماس ويوم زينوا الشوارع وكم كريسماس وأغنية الصياد أو «الشبك» جبنا الشبك نصطاد لكن صادونا بيهو.. وفي الخرطوم دخل الفنان التاج مكي استديوهات الإذاعة وبدأ تألقه حيث ذكر المرحوم محمد خوجلي صالحين مدير الإذاعة يومها عندما دخل التاج مكي استديوهات الإذاعة ذكر صالحين أن مدينة كسلا في كل موسم ومع تفتح زهرة الموز ترسل فناناً بالمعنى هذا الموسم أرسلت كسلا الجميلة التاج مكي الذي دخل البيوت والقلوب وكانت التعليقات والآراء مجتمعة عن الفنان التاج مكي اما الشاعر الخالد الصوت وصوت كل شمالي الشاعر اسماعيل حسن أكد بان التاج مكي وإبداعاته مثل نكهة الصباح الجميل في جبال التاكا وتوتيل.. اما شاعر البطانة حسان ابوعاقلة وصفه بانه بلبل ينوح والأديب والطبيب الرائع د . جرتلي كان يعشق غناء التاج مكي وصوته الجميل وكتب له قصيدته الشهيرة من خلف التاكا.. حيث تشرق الشمس من خلف جبال التاكا وهكذا كان فناننا الكبير والكسلاوي تاج السر مكي عبدالحليم وهو الاسم الحقيقي له وبروعته وتألقه وأخلاقه الرفيعة مما جعل للتاج مكي مكانة ومساحة وتواضع وامتلك الروائع وحب الناس له وفناننا وصديقانا التاج مكي لا اأدري كيف يستحمل غياب سنين وسنين عن عشقه وحبه الأكبر كسلا وانقطع لما يقارب الـ 25 عاماً عنها في غربة بمدينة العين الاماراتية وبرفقته صديقه الحميم وحبيبنا الشاعر الكسلاوي الملامح الحلنقي والذي عاد والتاج مكي على البعد وقد اختار أغنية قطعوا أخبارهم ونسونا في الجوابات ما طرونا.. أغنية بها كل الحنين المشوب بالروعة والحب الجارف الذي اجتاح هذا الثنائي الخالد اسحق الحلنقي والتاج مكي وهما في غربة طالت عن الوطن وكسلا الأم هو الذي تقديم رائعتهم «الصدف» أغنية تبدو دافقة صادقة بلا حارقة تتخللها كل مشاعر الغربة والشوق الجارف..
غلبت الصدف على الدار
بدلت العسل بالمر
ضحيت بعيون أم در
مع تقديري وتحياتي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق