الثلاثاء، 31 يناير 2012

القبلية والتعامل مع الأقليات غير المسلمة بعد الانفصال في ظلِّ الحديث المكرر عن نسبة الـ(97%


القبلية والتعامل مع الأقليات غير المسلمة بعد الانفصال في ظلِّ الحديث المكرر عن نسبة الـ(97%)
ابوعاقلة محمد اماسا
هنالك قضايا وطنية ملحة تتطلب موقفاً من الحكومات السودانية إن كانت بالفعل حريصة على سلامة الوطن وتهتم بقضيتي السلم والأمن الوطنيين، أو على الأقل إعلان سياسات واضحة حيالها؛ لأنها تمثل الأهمية القصوى وفي ذات الوقت هي القنابل الموقوتة التي تنذر بانفجار أزمات متتالية قد تنسف استقرار البلاد في أي وقت، كما أنها ستكون مصدر القلق لأنها تسير بين الأجندة الوطنية مثل النار في الهشيم، أو كالمياه تحت التبن، وإذا لم يتم التعامل معها بصدق ومن ثم معالجتها بنوع من الوعي والاستعداد لقبول الآخر فإنها ستظلّ المهدد الأساسي لاستقرار البلاد أمنياً وسياسياً، ولا يفيد الحلّ الوسط فيها، وفي مقدمة تلك القضايا ما يثار حول الأقليات غير المسلمة في البلاد، وما هي الضمانات الحكومية لكي تعيش على الأراضي السودانية آمنة في ظلّ الحديث المتكرر عن الأغلبية المسلمة بعد الانفصال، والذي عبّر عنه حديث غير مقتضب أدلت به الأستاذة سناء حمد وزيرة الدولة بالإعلام من قبل، وما يمكن أن ينسب إلى ذلك الحديث من تصرفات أعقبته، ابتداءً بتركيز الحكومة على منطقة جبال النوبة، والتعامل معها بكل عنف باعتبار أنها المنطقة التي تحتوي على رقم كبير من غير المسلمين في البلاد بعد انفصال الجنوب وبطريقة تجاهلت حتى المسلمين الذين يمثلون الأغلبية أيضاً في جبال النوبة، وهي أوضاع تجبر الحكومة على أن تفرض سياساتها وتعلنها صراحة بدون أن تترك جزءًا منها للأجندة الخفية لأنها قضية حساسة للغاية وتحتاج إلى قدر عالٍ من الشفافية منعاً للخلط واستغلال الضبابية لتوجيه مقدرات البلاد إلى ما يخدم ويدعم الحرب والفتنة بين أبناء الشعب الواحد. ارتفاع الحسّ القبلي وسيطرته على لغة الخطاب السياسي والاجتماعي هي القضية الأخرى التي تضع السودان كدولة في مواجهة التيَّارات العالمية الحديثة التي استسلمت تماماً لنظريات تشكيل الأمم، بكل ما يحتويه من تنوع في الأعراق والثقافات، كان ومايزال السودان مؤهلاً بدرجة عالية لأن يكون أمة واحدة وتقديم النموذج الأمثل للتعايش إذا ابعدت أيادي الساسة، خاصة وأن بعضهم أصبح يعترف بأنه يزجّ بالقبيلة كلها في سبيل تحقيق مكاسب رخيصة، مع أن النظرية الأممية تثبت أن الاندماج بين القبائل والألوان يحدث بصورة تلقائية دون أن يحركها أو يتحكم فيها أحد وإلى أن تلتقي كل الألوان في (خلاسية) هي قوام السودان الذي وضعه كحلقة ربط بين الأفريقانية والعربية في صورة فريدة تمثل سلاحاً ذا حدين، ففي حال نشأ نزاع في الهوية على نحو ما يجري في الخفاء الآن لإثبات الهوية العربية على حساب الهوية الأفريقية فإن (الميزة) ستتحول إلى كارثة حقيقية تقودنا إلى الهاوية، والعكس هو الصحيح في حال تقمصت القبائل الأفريقية دور حركات التحرر فإن الناتج سيكون على نحو ما يجري في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، علماً بأن الحكومة السودانية بمواقفها المتناقضة لها دور في اندلاع الصراعات الإثنية في تلك المناطق لارتفاع الأصوات التي تنطق بالقبلية والجهوية حتى أنها تغطي على الأصوات التي تنادي بالقومية، وقد أصبحنا في مهبِّ رياح العنف القبلي والاحتكاكات المرتبطة به حتى في العاصمة بعد أن حدثت الردة وارتفعت الثقافة القبلية والجهوية وسيطرت على لغة الخطاب مؤثرة على معايير العدل ومحركة للثورات المسلحة التي تعتبر وليداً شرعياً للمرارات الناتجة عن ذلك، ورغم النفي المتكرر لتأثير النظرة القبلية على الساحة إلا أن قرائن الأحوال والمعطيات على الواقع تؤكد كل يوم أنها الآفة القادمة التي ستأتي على استقرار الشعب السوداني أمنياً وتقعد البلاد اقتصادياً، خاصة وأن البلاد تحتضن مئات القبائل وجميعها تملك تراثاً يمجدها ويرفض إذلالها ويضعها في الطليعة، في الوقت الذي نجد فيه أن الإسلام قد حسم كل ذلك قبل أربعة عشر قرناً وقال الله تعالى في محكم التنزيل: (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).. ولم يسمِ أحداً بقبيلته أو بلونه أو الجهة التي قدم منها يوم القيامة، وهو ما جعلنا نسميها ردة بعد إيمان، وإذا أرادت حكومة المؤتمر الوطني أن تعلن الحرب على القبلية فعليها أن تعمل في ذلك بوضوح؛ لأن سياساتها المتضاربة قد حملتنا إلى طريق يؤدي إلى حالة أشبه بما يجري في الصومال، حيث إن التصريحات الغريبة التي صدرت من سياسيين كبار كانت قد أججت نيران الفتنة القبلية في جنوب كردفان على سبيل المثال، وبدل أن تحشد حكومة الإنقاذ قبيلة النوبة خلفها حرضتهم ضدها ليتحركوا (جبل جبل.. وكركور كركور) من أجل الدفاع عن النفس بعد إعلان الحرب عليهم.. وهكذا فهموا الأمر بعد خطاب الفولة الشهير، واستغل البعض الوضع لخدمة أجندتهم التي لم تكن لتعني المواطن البسيط بشيء، في الوسط والشمال أو في جبال النوبة لأنه يطمح في الأساس للأمن والسلام، ويدرك تماماً أن الحديث عن الأمن والسلام لا يمكن في ظلِّ شيوع الحساسيات القبلية والطائفية في بلاد يقول حكامها إن 97% من سكانها مسلمين، وفي نفس الوقت يفشلون في بسط السيطرة والأمن ووضع الجميع تحت جناح حكومة واحدة حريصة على مصلحة الجميع وتحكم بين الناس بالقسطاس..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق