إيقاف الصحف أو مصادرتها خط أحمر
يصيبني حزن عميق عندما أسمع بإيقاف صحيفة عن الصدور أو مصادرتها مهما كان السبب فوقوع كاتب أو محرر أو محاور أو محقق في الخطأ أو المحظور فليس من العدل أن يحاسب جميع منتسبي تلك الصحيفة بموجب ذلك الخطأ أو المحظور.من حق جهة الاختصاص أن تحاسب مرتكب الخطأ بموجب القوانين التي شرعت لضبط الأمور ومحاسبة الناشر في حدود مسؤوليته، ولكن أن يتعدى الحكم مرتكبه ويطال كل منتسبي الصحيفة أو دار النشر فهذا يترتب عليه أضرارًا تلحق بأسر ممتدة يكون عائلها من ضمن أسرة تلك الصحيفة أو العاملين بها.
إن الصحف بالكاد تستطيع الإيفاء بالتزاماتها تجاه المنتسبين لها حتى ولو كانت منتظمة في صدورها وواسعة في انتشارها وتوزيعها ويعاني أصحابها كل شهر معاناة كبيرة ويعصروا لتوفير مرتبات محرريها وكُتابها والعاملين بها؛ فقرار إيقاف صحيفة عن الصدور أو مصادرتها يعني مصادرة معيشة وحياة من ينتظرون الفتات من عائداتها كل شهر، والأمر لا يتوقف عند المنتسبين للصحيفة فقط بل يتعداهم إلى كل وكيل يقوم بتوزيع الصحيفة وتسويقها وكل صاحب مكتبة يبيع تلك الصحيفة لقرائها وكل صبي يجول بها بين المحلات والأسواق وفي الطرقات ليكسب من وراء بيعها ملايين يجمعها ليعود بها آخر اليوم لأسرته علّها تفي احتياجات تلك الأسرة.
لقد عشنا في هذه الصحيفة مرارة إيقاف الصحف لمدة ثلاثة أشهر ورأينا ووقفنا على حجم المعاناة والضرر الذي لحق بالصحيفة والعاملين بها وهل كان من سبب؟
عامة الناس وكثير من المسؤولين يعتقدون أن أصحاب الصحف يكسبون الكثير من مبيوعات صحفهم وبعض أصحاب الأموال جاء ليستثمر أمواله في إصدارات صحفية يحسب أنه يكسب من المال الكثير وهؤلاء وأولئك لا يعلمون أن الصحيفة النسخة الواحدة منها تكلف في صناعتها ضعف عائدات مبيوعاتها الورقية؛ فالنسخة من الصحيفة تكلف اليوم بعد ارتفاع سعر الدولار وارتفاع تكلفة الطباعة على ضوء ذلك تكلِّف «مائة وسبعة قروش» ـ «جنيه وسبعة قروش» ـ وعائدات الصحيفة من المبيوعات بعد لا يزيد عن الـ «06%» من جملة المبيوعات بعد حساب الراجع ونصيب الوكلاء والمكتبات وهذا لا يغطي إلا جزءًا يسيرًا من تكلفة الصحيفة الحقيقية وبالتالي يصبح اعتماد الصحيفة على قيمة الإعلان للإيفاء ببقية التزاماتها والإعلان وما يصاحبه من شح وصعوبة في تحصيل عائداته وعدم التزام المعلنين خاصة مؤسسات الحكومة بسرعة تسديد ما عليها يجعل الصحيفة وإدارتها في موقف صعب تجاه الوفاء بحقوق العاملين وتواجه الصحيفة في جانب آخر ملاحقة الضرائب والتأمين الاجتماعي وحقوق منتسبيها فيما يتعلق بفوائد ما بعد الخدمة.
إن إيقاف صحيفة عن الصدور أو مصادرة أصولها عقوبة قاسية يجب أن لا تلجأ إليها السلطة؛ فالأمن القومي لا يهدده حديث عابر والسلطة لا ينال منها فكر آحادي ومثل تلك العقوبات لا تقف عند من أخطأ، ولا تنال فقط من ناشر الخطأ بل يتعدى ضررها إلى أسر ممتدة وآخرين كثر.
{ يا من في يدهم السلطة والقرار والحكم إن إيقاف صحيفة ومصادرتها خط أحمر يجب أن لا تتعدوه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق