حوار: عمر الفاروق: ٭ «الصحافة» ذهبت اليه في عيادته بالخرطوم بحري، ووجهت له كثيراً من الاسئلة تتعلق بمشكلة الدولة السودانية الحديثة، وقضايا الراهن السياسي، والحلول المرجوة والمأمولة، وغيرها من القضايا الكثيرة، فكان حديث البروفيسور الجزولي دفع الله اختصاصي الجهاز الهضمي مهضوماً في انتظار أن يهضم الكثيرون واقع السودان الخطير، لتجاوز الخطر الذي يواجهه، فكان الحوار التالي مع رئيس مجلس وزراء الحكومة الانتقالية 85 ــ 86م بحكم خبرته وتجربته العملية في المشهد السياسي السوداني، وكان دافعنا الثاني لطرح الأسئلة عليه حلول الذكرى السادسة والخمسين لاستقلال السودان.
٭ بعد مرور 56 عاماً على الاستقلال مازال البلد غير مستقر مما يشير الى خلل ما.. برأيك أين الخلل في الدولة السودانية الحديثة؟
ــ الدولة السودانية اجزاء منها عريقة وقديمة، واذا كنا نتكلم عن شمال السودان مروي وتاريخها فهذا تاريخ عريق، ولكن دولة السودان الحديثة دولة حديثة التكوين بداياتها من العهد التركي منذ عهد محمد علي، ثم بشكلها الحالي من أيام الاستعمار الانجليزي، وبالتالي هي تعاني كل مشكلات الدول الحديثة، وهي دولة في قارة من القارات النامية، وهو مصطلح مخفف للتخلف، فبالتالي هي تعاني كل مشكلات الدول الحديثة الموجودة في افريقيا، ومعظم الدول الافريقية من حولنا تعاني ما نعانيه، والسودان كبير في حجمه قبل انفصال الجنوب ويضم اثنيات قوميات، ثقافات وادياناً. وكل هذه لم تتمكن في تاريخ السودان القصير نسبياً، نحن نتحدث بحساب الزمن في تاريخ الامم، تاريخ الافراد مائة عام ومئتا عام مدة طويلة جداً، ولكن بحساب الزمن في تاريخ الامم هذه فترة قصيرة، فلم تستطع هذه العناصر كلها أن تنصهر في كيان واحد متجانس، فبالتالي ليست هنالك غرابة أن يكون مثل هذا التباين وهذه المشكلات التي نعانيها، لكن حقيقة نحن بوصفنا سودانيين عندما ننظر للكوب الذي يلينا تاريخياً، ننظر الى الجزء الفارغ من الكوب، ولا ننظر للجزء الممتلئ منه. ونحن لدينا انجازات كثيرة في تاريخنا، سواء في تاريخ التحضر، او في الصحة او التعليم، لكن حقيقة دائماً طموحاتنا اكبر مما نحقق، وبالتالي انا لست مستغرباً للمشكلات التي يعانيها السودان، لكن ايضا أشعر بان هنالك فرصاً ضائعة، لأن الأمة السودانية آخذين في الاعتبار هذا التاريخ وآخذين في الاعتبار امكانيات السودانيين، كان ممكن ان يكون حصادها من التقدم اكبر وحصادها من المشكلات اقل، اذا استثمرنا ووظفنا الامكانيات البشرية السودانية توظيفا أفضل مما فعلنا.
٭ إلى أين يمكن أن يقود الراهن السياسي المعقد السودان إن لم يتم تداركه في المستقبل القريب والمستقبل البعيد؟
ــ الواقع يدل على ان هنالك حراكاً سياسياً كبيراً جدا من الوسط ومن الهامش، وهذا دليل على اننا لم نصل الى قناعات سياسية تسمح للوضع السياسي بالاستقرار. والآن في ظل التغيرات التاريخية الحادثة في محيط السودان العربي من ثورات الربيع العربي، فإن كل هذا يلقي بظلاله على السودان، وكذلك الحدث المزلزل الذي حدث في تاريخ السودان في 9 يوليو الماضي وهو انفصال الجنوب وظلاله الاقتصادية والسياسية. وكل هذا القى بظلاله على التململ الموجود داخل السودان. «طيب» هذا هو الواقع، هل ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول «كلو لبن على عسل»، ام نحن بوصفنا سودانيين جميعا حاكمين ومحكومين، حاكمين ومعارضة، نعلم أن هذا هو وضع السودان بكل الذي ذكرت، فإذا شعرنا بهذا وظننا ان الامور ستسير كما كانت، ونقول إن هذه جمهورية ثانية وتظل اسم من غير مسمى، اعتقد أننا سنخطئ خطأً تاريخياً، ولكن أين مظان البحث عن مخرج، انا اعتقد إن هنالك مظاناً ثلاثة، أولاً: ان يتغير نظام الانقاذ من الداخل استشعارا منه بأن هذا الواقع بصورته الحالية لا يمكن ان يستمر «يتغير من الداخل» ثانياً: أن تحدث انتفاضة شعبية كما تحدث في دول الربيع العربي، والسودان له تجاربه في الماضي، ونحن سبقنا دول الربيع العربي وقمنا بانتفاضات تاريخية في زمانها كانت سلمية لم ترق فيها قطرة دم. ثالثاً: أن تلتقي ارادة الامة السودانية كما اعلنت الاستقلال من داخل البرلمان باتفاق نلتقي فيه ونجلس ونصل الى قواسم مشتركة تخرج البلد من وهدته، وانا مع هذا الاقتراح، لأنه أن تتغير الانقاذ بصورة راديكالية ترضي المعارضة وتخرج البلد لعل فيه صعوبة. والانتفاضة الشعبية في ظروف السودان التي ذكرناها وهوامشه التي تحمل السلاح قد تؤدي الى تفتيت السودان. اذن لم يبق امام السودانيين من مخرج من هذا الذي نعيشه الا ان يلتقوا حول منبر سمه ما شئت منبر توافق، منبر تواثق، مائدة مستديرة، يحضر له بصورة مستقلة ويجرى فيه النقاش بين القوى السياسية المختلفة المنضوية تحت لواء الاحزاب والتي ليست منضوية تحت لواء الاحزاب، ونناقش بموضوعية وبصراحة مشكلات السودان، وان نصل الى قناعات مشتركة، وبعد ذلك ممكن يحكم من يحكم داخل هذه القناعات ويعارض من يعارض داخل هذه القناعات.. هذا هو مخرج السودان، ولا أرى أن المخرج يكون بحكومة عريضة، او غيرها من الحكومات، لأن الكراسي لن تسع كل السودانيين مهما كان عددها، لأن كثيرين لا يسعون لهذه الكراسي، لأنهم سيظلون خارج اللعبة السياسية.
٭ حذر وزير الدفاع من داخل البرلمان في الاسبوع الاخير من العام الماضي من ان السودان مواجه بتحديات ومؤامرات في عام 2012م، وفي الوقت نفسه اعتبر البرلمان دولة الجنوب دولة معادية للسودان ومهدداً للامن القومي.. هل تعتقد أن هذه توقعات لحرب محتملة بين السودان وجنوب السودان؟
ــ أنا شخصيا لا ارى الجنوب دولة عدوة.. دولة الجنوب بينها وبين السودان مشكلات، مثلا رغم ان لدى السودانيين مشكلات مع اميركا، ولكن لم يقل احد ان اميركا دولة عدوة. فدولة مثل دولة الجنوب تربط بينها وبين السودان صلات كثيرة جداً.. صلات تاريخية.. صلات عرقية.. صلة الجوار. ولذلك ينبغي ألا ندع الآني والتكتيكي يسيطران على الاستراتيجي. وفي جنوب السودان لحسن الحظ اخواننا احتفظوا باسم السودان، ولم يسموه غير ذلك، لم يسموه «أنانيا» او غير ذلك، سموه جنوب السودان في اطار السودان. وسيظل جنوب السودان جاراً للسودان، وستظل مصالح «السودانيين» مرتبطة ببعض، وهذه المشكلات التي نعانيها هي من إخفاقات نيفاشا. وهي المشكلات المثارة الآن، الحدود، البترول، الجنسية الديون. ونيفاشا نجحت في شيء واحد هو انفصال الجنوب، ويمكن ايضا ايقاف الحرب، الا ان الحرب حاليا مشتعلة في جانبي البلدين، إذاً لو كانت نيفاشا ناجحة، لحلت كل هذه المشكلات التي نعانيها الآن، ولعل ايضا السيد رئيس الجمهورية نفسه استدرك أن نيفاشا لم تكن ناجحة، لأنه قال إننا لن نسمح بنيفاشا اخرى. ولو كانت نيفاشا ناجحة كان يمكن الحديث عن نيفاشا أخرى. فإذاً أنا أعتقد ان الجنوب ليس عدوا.. فبيننا وبين الجنوب مشكلات دليلاً على الاخفاق السياسي في جانبي البلاد، وهذه مشكلات ليست مستعصية على الحل، وكان يمكن حلها في اطار السودان الموحد، وكان يمكن حلها في إطار نيفاشا. وأنا اعتقد أن حلها ممكن دون حرب ودون الوصول الى قطيعة. وأنا لا أود أن أقلل من أن قد يكون السودان محاط بمؤمرات، وقد يكون السودان يواجه مشكلات كبيرة جداً بعد انفصال الجنوب، ولكن هذه المؤامرات قلت أو كثرت، لو كانت هنالك في الداخل ارادة سياسية موحدة وقناعات تجمع السودانيين، فإنه لا يستطيع ما يحدث للسودان ان يؤثر على مستقبله في ظل الوحدة الوطنية والقناعات الوطنية المتجذرة بين السودانيين.
٭ المؤتمر الوطني أخيراً اشرك معه الاتحادي الاصل في الحكومة العريضة وصاحب تلك المشاركة جدل، هل تعتقد أن المؤتمر الوطني قدم تنازلاً وطنياً، أم أن خطوته تكتيكية للخروج من إفرازات انفصال الجنوب؟
ــ أنا لست من الذين يشككون في نوايا الناس، ودائما افترض حسن الظن في الذين يحكمون والذين يعارضون. وعندما يقرر الاتحادي الاصل الدخول في الحكومة، او تقرر الانقاذ محاولة استقطاب احزاب للدخول معها في تحمل المسؤولية، أحمل ذلك محمل الجد، ومحمل حسن الظن أنهم يريدون ان يجمعوا الامة السودانية على خيارات المستقبل. ولكن من جانب التحليل المنطقي المحض، دخول الاتحادي الأصل، هل بيده من مفاتيح القوة في الحكومة العريضة ما تكون له آثار إيجابية في مسار الحكومة، هل المناصب الوزارية الأساسية بيد الاتحادي؟ هل سمعنا عن ميثاق بموجبه دخل الاتحادي الاصل في الحكومة، هل هذا الميثاق نشر؟ وكنا نود ان نطلع على هذا الميثاق حتى نكون مطمئنين الى أن دخول الاتحادي الاصل الى الحكومة العريضة مبني على اسس وميثاق قد يقبله حتى الذين في المعارضة، والذين كان الاصل جزءاً منهم، وقد دخل بميثاق يؤسس لمستقبل السودان. وحتى الآن انا لم اطلع على هذا الميثاق، وكان الأهم من الدخول عرض هذا الميثاق، وهل كل اعضاء الاتحادي الاصل موافقون على الدخول في الحكومة العريضة؟ أما لماذا يطلب المؤتمر الوطني من الاحزاب الاخرى، من الحزب الاتحادي الاصل او حزب الامة، هل هو استشعار لرغبة وطنية لأن السودان يواجه مشكلات ويريد أن يجمع الأمة السودانية في إناء واحد حتى يواجه هذه المشكلات، أم أنه استبقاء للحكم بضم الآخرين إليه دون أن يؤثر ذلك في سياساته؟. وطبعاً أنا اقول ان الحكومة الآن تعمل ببرنامج رئيس الجمهورية المنتخب فهو برنامج الانقاذ، فاذا كل من يأتي الى الحكومة سيكون وفق هذا البرنامج، فهو ينفذ برنامج الحكومة التي تنفذ برنامج المؤتمر الوطني، فبالتالي دعوتي، ان كنا نريد حقا ان نجمع الامة السودانية على مستقبل متفق عليه، هي أنه لا بد من انعقاد نوع من المؤتمر نناقش فيه القضايا الاساسية كما قلت، ومن ثم لا بأس أن يحكم المؤتمر او غيره.
٭ مقتل زعيم حركة العدل والمساواة في نهاية العام المنصرم، أثار جدلاً داخلياً وخارجياً وردود افعال متباينة.. كيف تقرا مقتله، وما تأثير ذلك على حركته وبقية الحركات المسلحة ومستقبل السلام في دارفور؟
ــ طبعا دكتور خليل ابراهيم مهما قيل فيه فهو سوداني. والدم السوداني دم غالٍ، وكل سوداني ينبغي وانا منهم، أن يأسف لأن تصل الأمور بالسودان الى ان يسيل الدم السوداني بأسباب ودوافع سياسية، وأن نيأس في حلولنا في السودان من الحلول السياسية وينتهي بنا الأمر إلى رفع السلاح. إذن أن يصل السودانيون الى هذا المحك فهو مأساة بكل المقاييس، ولكن طبعا في اطار الصراع من يرفع السلاح في داخل الدولة يقتل وهو أمر مؤسف، لكن لا يستغرب أن يحدث مثل هذا اذا وصل الحكام وبعض المحكومين إلى رفع السلاح. وكنا نود ألا يسيل دم السودانيين، وان يكون لدينا من الحكمة ان نحل مشكلاتنا كلها في اطار الديمقراطية والتشاور والسلام. وأنا أعتقد في هذه المرحلة من الصعب جداً التكهن بمستقبل حركة خليل بعد مقتله. وخليل كان شخصية مؤثرة جداً وواضح ذلك من تاريخه، فهل يا ترى حركة خليل لها من المؤسسية ومن القناعات المبدئية ما يجعلها تظل قوية في غيبته؟ هل بكل هذه المواصفات التي ذكرناها عن المرحوم الدكتور خليل، سيلهم غيابه الحركة الى الحد الذي تسعى فيه اليه للسلام، أم أن جرح مقتله سيدفعها لأن تصبح أكثر تطرفاً في معارضتها؟ وهذه كلها احتمالات حتى الآن، والطريق مفتوح للجانبين، وقد يكون مقتل خليل دافعاً للحركة الى اعادة النظر في هذا الطريق، وقد يؤدي الجرح الى تماسك والى عناد اكبر. وأنا لا أعتقد ان هذا يدفع الى السلام، فليست هنالك بوادر تدل على ذلك، لكن ايضا حركة خليل وهي أقوى الحركات على الارض عسكرياً ومنيت بمقتل خليل بصورة دراماتيكية وضحت أن الدولة لديها امكانيات، قد يدفع هذا ايضاً باقي الحركات في المستقبل وليس واضحا بعد، إلى ألا جدوى من القتال. وإذا كانت هنالك أية وسائل وطرق مفتوحة للتفاوض ولإحداث سلام يحقق مطالب هذه الحركات قد تلجأ للسلام، لكن أنا حتى الآن لا أرى أية مؤشرات على الأرض تشير إلى ذلك.
٭ تحالف «كاودا» الذي اختار العمل العسكري لإسقاط نظام الانقاذ في الخرطوم تدور حوله شبهات كونه تحالفاً عنصرياً.. هل ترى ذلك، أم أنه يخوض صراعاً من أجل بناء سودان على أسس جديدة؟
ــ تحالف كاودا هو تحالف الهامش. واكيد يعني ان الوسط كله يحس بقلق، وعندما كانت حركات الهامش تدافع عن قضاياها كانت اجزاء كبيرة من الوسط معها، وكانت تدرك ان عندها قضية، ولكن تجمع هذه الحركات الهامشية لوحدها دون إشراك الوسط، وهي تدعي أنها تريد أن تحرر السودان وتخلق سوداناً جديداً، فكيف يمكن ان تخلق هذه الحركات المهمشة سوداناً جديداً دون مشاركة وسطه وقلبه، مما يجعل الوسط يتخوف من هذه الحركات رغم ان لديها مظالم، لكن تجمعها قد تشوبه النزعة العنصرية، وانه اذا انتصرت هذه الحركات يخشى الوسط ومثقفو الوسط ان تحدث مآسٍ وتحدث انفلاتات. وحتى عندما تحدث انقلابات عسكرية ويبقى الوسط هو المسيطر، لم يكن ابناء الوسط في يوم من الايام يستهدفون ابناء الهوامش بوصفهم وسطاً، انما كانت الدولة التي قد تمثل ابناء الوسط وقد لا تمثلهم، تدافع عن الدولة، لكن الآن يوجد تخوف خاصة بعد الذي حدث والرائحة العنصرية، رغم الحديث عن سودان جديد، وهذ معناه ان هذا السودان قد يوحي بأن الوسط ليس جزءاً منه، فبالتالي أنا اعتقد ان هذا التخوف موجود. والدولة القائمة منذ 1956م بالتعريف الحديث، ظلت ما قبل الانقاذ دولة علمانية، وحقيقة الانقاذ تريد أن تقول إنها دولة علمانية لأن الاسلام ليست فيه دولة دينية، فإذن صراع الهامش مع النظام، نظام الحكم في السودان، ظل قبل الانقاذ، فإذن دعوى العلمانية أنا أعتقد انها دعوى لا تقوم، وحتى نظرتهم للسودان الجديد ما هي، فداخل الوسط السوداني هنالك قوى سياسية تتحدث عن دولة علمانية، وديمقراطية يتساوى فيها المواطنون، والاسلاميون يقولون انهم يطرحون طرحاً علمانياً، لأنه في الاسلام ليست هنالك دولة كهنوتية ولا دولة دينية بهذا المعنى، وان المواطنين في الدولة الاسلامية هم مواطنون متساوون، وهذا لا يأتي من فوهة البندقية، وإذا لم نقبل نحن في الشمال أن نحكم بانقلابات عسكرية من فوهة البندقية، وظل الوسط يعارض هذا النوع من الحكم، فمن باب اولى ألا تفرض عليه رؤية سودان جديد من هوامشه.
٭ كيف تقرأ زيارة رئيس دولة جنوب السودان إلى إسرائيل، وما مدى تأثيرها على الأمن القومي السوداني؟
ــ أولاً دولة جنوب السودان باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، من حقها أن تتعامل مع أية دولة. والعرب الذي يعيبون على جنوب السودان ذلك هم على علاقات مع إسرائيل، وحقيقة علاقات إسرائيل مع جنوب السودان هي علاقات قديمة ومعروفة، وتحدث عنها جوزيف لاقو، ولكن الآن جاءت في العلن، فإذن ليس غريباً أن تكون هنالك علاقات بين جنوب السودان وإسرائيل، لكن هل من الحكمة في هذا المحك التاريخي أن تجعل دولة جنوب السودان اول دولة يذهب اليها رئيسها إسرائيل. أنا لا أعتقد أن في هذا حكمة سياسية، لأن جنوب السودان ذو صلة كبيرة جدا بالسودان، والسودان ومن ورائه الدول العربية مهووس جدا بإسرائيل. وحقيقة كثير جداً من الدول الافريقية لها ايضا مواقف من اسرائيل، ومن العنصرية الاسرائيلية. وواضح جدا ان عنصرية اسرائيل تزداد كل يوم، واضيف كذلك ان اسرائيل ليس لديها الكثير لتقدمه، فإسرائيل نفسها تعيش على الاعانات، فلأول مرة تخرج تظاهرات يتحدثون فيها عن الغلاء ومشكلات السكن. إذن إسرائيل ليست لديها من المقدرات لتقدم الاعانات لاي بلد. ومن جانب آخر على الآخرين أن يعوا أن الجنوبيين ليسوا ألعوبة في أيدي الآخرين، فهم ايضا مواطنون لهم ارادة ولهم مصالح بلدهم. وواضح جدا مما تمخض أن هم الاسرائيليين كله إعادة الجنوبيين الموجودين في اسرائيل، لأن اسرائيل لا تحتمل اي عنصر غير العنصر اليهودي، وهجرة الجنوبيين وغيرهم هي من مشكلات اسرائيل الاساسية، لأن إسرائيل دولة عنصرية كما كانت جنوب افريقيا قبل الاستقلال، فأنا اعتقد أن سلفاكير لن يخرج بالكثير من دولة إسرائيل إلا بوعود، وقد يكون الهم الأكبر استعادة الجنوبيين الذين هاجروا إلى إسرائيل.
٭ هل ترى أن الحكومة تدير علاقات السودان مع دولة الجنوب على أسس واضحة واستراتيجية في ظل قضايا كثيرة معلقة مثل ابيي وقضية النفط؟
ــ أعتقد أنني اجبت على جزئية من سؤالك هذا في ما قلت سابقا، وقلت إن من فشل نيفاشا أن مشكلات أساسية كان يمكن أن تحل في سنوات نيفاشا ظلت معلقة من بينها النفط. ولو كان هنالك نجاح في تحقيق نيفاشا على علاتها لما ظلت هذه المشكلات معلقة، واقول إنه ليس هنالك وضوح كامل في هذه العلاقة، لأن هنالك لقاءً تم في أديس أبابا بين ممثلين عن حكومة الجنوب ودكتور نافع، ووصلوا الى اتفاق، لكن لأسباب أنا شخصياً لم اعرف تفاصيلها، لم تتم الموافقة على هذا الاتفاق من قبل الحكومة، وهذا دليل على أننا نرسل ممثلينا ويتم الاتفاق ثم لا نوافق عليه، إما أن يكون الذي يفاوض لا يمثل سياسة الدولة، أو أن الدولة ليست لها سياسة واضحة في هذا الموضوع، وفي كلا الأمرين هو أمر مخل، وأنا أعتقد في نهاية المطاف أن ليس هنالك حل للمسائل المعلقة بين الشمال والجنوب إلا بالتفاوض، وطال الزمن أو قصر لا بد من الحل السياسي.
٭ ما هو المطلوب من المؤتمر الوطني والمعارضات السياسية والمسلحة وكافة أطراف الصراع لتجنيب السودان المزيد من الاقتتال ونزف الموارد البشرية والاقتصادية والوصول إلى تسوية سياسية شاملة؟
ــ كما سبق أن قلت فإن السودان كله لم ينصهر في بوتقة وطنية متماسكة، والآن تفجرت كل هذه المشكلات في هوامشه، ولم يتم حتى اتفاق استراتيجي بين قوى الوسط او قوى الداخل، والسلاح موجود ومتوفر وما حولنا عبارة عن تغيرات وثورات، فكل هذا يجعلنا نحس احساساً مركزاً بأن السودان فعلاً إذا لم يتوحد قد يواجه مخاطر تؤدي إلى تفتيته، وظللنا من جديد نتحدث عن جنوب جديد، وهذا المصطلح خطير جداً، فاللغة دائما لها دلالات، وهذه الكلمة لم تأت من فراغ، ونحن متجهون في اتجاه حبات الديمنو التي تتساقط، إذا لم نتدارك هذا ونلتقي عند كلمة سواء، ونجلس للتفاوض. وتعلم الحركات المسلحة انها لن تنال ما تريد من خلال القتال، وقد حاولت ولها سنين تقاتل، والجنوبيون قاتلوا لسنين طويلة ولم يحصلوا على ما حصلوا عليه الا بالتفاوض. إذن الحركات المسلحة لن تحصل على الذي تريد الا بالتفاوض، وكل محاولة لحل عسكري انما تطيل امد المعاناة وتفتح الأبواب لتفتت السودان. إذن ينبغي على العقلاء من السياسيين الذين يحملون السلاح والذين لا يحملونه أن يدعوا جميعا إلى أن نلتقي جميعاً حول منبر للتحاور السياسي. وانا متأكد أن القضايا السياسية الاساسية ليس عليها خلاف كبير، وأننا سنتفق عليها، والأهم من ذلك أن نتفق، وأن يكون في نيتنا أن ننفذ ما اتفقنا عليه.
٭ يدور الحديث الآن عن كتابة وصياغة دستور جديد، هل تعتقد أن كتابة دستور في الظروف الحالية مجدية، وهل يمكن أن يحقق الدستور استقراراً سياسيا؟
ــ أنا أعتقد أن قضية الدستور بالنسبة لي ليست قضية محورية، لأن الدستور ورقة، وهذه الورقة قيمتها في نوايا الذين يكتبونها، إذا كانت نواياهم أن ينفذوا ما كتبوا، وهنالك دول كثيرة ليست بها دساتير، المملكة المتحدة ليس لديها دستور مكتوب، وهذا لم يمنعها من أن تكون لها ديمقراطية، فبالتالي أنا أعتقد أن الحديث عن الدستور الآن كقضية ملحة، ليست هذه هي القضية. وحقيقة الدستور يحتاج الى مناخ ليكون هنالك دستور معبر عن الأمة، فلا بد أن يكون هنالك المناخ الذي يسمح للامة بأن تعبر عما تعتقد في هذا الدستور، لأن الدستور ليس حكومة تتغير كل يوم، وانما شيء مكتوب بنية الاستمرار، فإذاً ينبغي أن يصاغ الدستور في جو من الحرية، فهل الآن جو الحرية هذا في وجود الهوامش وهي تقاتل، يسمح بصياغة دستور تلتقي عنده الأمة السودانية؟ وهل عندما تكون هنالك جماعة، أياً كان حجم هذه الجماعة تتحدث عن دستور، هل سيكون هذا الدستور مقبولاً للأمة السودانية، وهل مشكلتنا مع الدستور، أم مع القوانين التي تقيد الدستور؟. اذن الدستور مطلوب وكذلك المناخ الذي يعبر عن إرادة الامة، ولكن لا أعتقد أن قضية الدولة الآن هي قضية الدستور.
٭ أثناء ترؤسك لمجلس وزراء حكومة الانتفاضة ــ «بروفيسور الجزولي ــ استطاعت حكومتكم الخروج بالسودان من شبح المجاعة الذي كان يحاصره، وتوفير خدمات المياه والكهرباء وتخفيف غلاء المعيشة وتوفير المحروقات وتهيئة البلاد للانتقال السياسي وغيرها من الانجازات.. كيف تحقق ذلك؟
ــ في البدء أود أن أقول إن جزءاً كبيراً من الذي تحقق كان بإرادة سودانية وبالموارد السودانية المتاحة، وأنا اضرب لك مثلاً واحداً، أن وزير الكهرباء المهندس عبد العزيز طيلة الفترة الانتقالية لم تنقطع الكهرباء والمياه وهو مسؤول عنهما الاثنين، وهو مهندس مقتدر مختص، ولم يحدث أي شيء جديد، وكل الذي حدث أن المهندس عبد العزيز وفي مناخ الثورة، كل الذين يعملون في الكهرباء والمياه تعاونوا معه بالامكانيات المتاحة، حيث لم تنقطع الكهرباء يوما واحدا، دون اية اضافات على الواقع الموجود في السودان، غير تجدد علاقات العاملين في هذا القطاع، فاذاً جزء كبير من الذي تحقق في السودان في الفترة الانتقالية كان بقناعات الشعب السوداني.. وقناعات المواطن السوداني بأنه يعيش فترة جديدة وتعاون مع الحكومة في إنجازها، انا ضربت فقط مثلاً واحداً «الموية الكانت مشكلة والكهرباء الكانت مشكلة»، كذلك الوقود لأننا عمرنا علاقتنا الخارجية. وحقيقة قطاع كبير من الدول ساعدتنا، على سبيل المثال الدول الأوروبية واميركا، فالدول الاوروبية ساهمت مساهمة كبيرة جداً، وأنا أذكر في الفترة الانتقالية بقيادة اميركا تمت إقامة صندوق تبرعت فيه وساهمت فيه الدول الاوروبية ومعها اميركا، وساعدوا في توفير الوقود للسودان طيلة الفترة الانتقالية. هذا غير إعمار علاقتنا مع دول الجوار كافة، وحقيقة يوجد أمر آخر ليس منا ولا من الآخرين، ففي الفترة الانتقالية ربنا حبا السودان بأمطار غزيرة جداً، حتى أن المزارع السوداني أنتج ما يكفي ويفيض، وهذه كلها كانت عوامل، لكن أود أن أقول إن العنصر الأهم والأكبر هو قناعة الشعب بأنه يعيش في وضع جديد، وأريد أن أقول كذلك إنه في الفترة الانتقالية لم يكن هنالك فساد. والآن مرت على الفترة الانتقالية ما يقارب الثلاثة عقود ولم يشر أحد بأصبعه بأن وزيراً أثناء الفترة الانتقالية قد استفاد أو أفسد، فإذن غياب الفساد السياسي وقناعة الأمة السودانية بأنها تعيش في فترة مصالحها فيها مصانة، وإعمار علاقات السودان الخارجية بجواره وبالعالم، ومن نعم الله عليه أن منَّ عليه بخريف، وهذ يدل على أن السودان لديه امكانيات كبيرة، ويمكن في عام واحد إذا هطلت الأمطار أن يخرج السودان من المجاعة إلى الكفاية وإلى الرفاهية. وهذا أعتقد أنه روشتة الوفاء والإحساس بأننا في سودان جديد وكلنا مسؤولون عنه، لو تكررت بين القوى السياسية جميعاً يمكن أن تخرج السودان مما هو فيه.
٭ بعد مرور 56 عاماً على الاستقلال مازال البلد غير مستقر مما يشير الى خلل ما.. برأيك أين الخلل في الدولة السودانية الحديثة؟
ــ الدولة السودانية اجزاء منها عريقة وقديمة، واذا كنا نتكلم عن شمال السودان مروي وتاريخها فهذا تاريخ عريق، ولكن دولة السودان الحديثة دولة حديثة التكوين بداياتها من العهد التركي منذ عهد محمد علي، ثم بشكلها الحالي من أيام الاستعمار الانجليزي، وبالتالي هي تعاني كل مشكلات الدول الحديثة، وهي دولة في قارة من القارات النامية، وهو مصطلح مخفف للتخلف، فبالتالي هي تعاني كل مشكلات الدول الحديثة الموجودة في افريقيا، ومعظم الدول الافريقية من حولنا تعاني ما نعانيه، والسودان كبير في حجمه قبل انفصال الجنوب ويضم اثنيات قوميات، ثقافات وادياناً. وكل هذه لم تتمكن في تاريخ السودان القصير نسبياً، نحن نتحدث بحساب الزمن في تاريخ الامم، تاريخ الافراد مائة عام ومئتا عام مدة طويلة جداً، ولكن بحساب الزمن في تاريخ الامم هذه فترة قصيرة، فلم تستطع هذه العناصر كلها أن تنصهر في كيان واحد متجانس، فبالتالي ليست هنالك غرابة أن يكون مثل هذا التباين وهذه المشكلات التي نعانيها، لكن حقيقة نحن بوصفنا سودانيين عندما ننظر للكوب الذي يلينا تاريخياً، ننظر الى الجزء الفارغ من الكوب، ولا ننظر للجزء الممتلئ منه. ونحن لدينا انجازات كثيرة في تاريخنا، سواء في تاريخ التحضر، او في الصحة او التعليم، لكن حقيقة دائماً طموحاتنا اكبر مما نحقق، وبالتالي انا لست مستغرباً للمشكلات التي يعانيها السودان، لكن ايضا أشعر بان هنالك فرصاً ضائعة، لأن الأمة السودانية آخذين في الاعتبار هذا التاريخ وآخذين في الاعتبار امكانيات السودانيين، كان ممكن ان يكون حصادها من التقدم اكبر وحصادها من المشكلات اقل، اذا استثمرنا ووظفنا الامكانيات البشرية السودانية توظيفا أفضل مما فعلنا.
٭ إلى أين يمكن أن يقود الراهن السياسي المعقد السودان إن لم يتم تداركه في المستقبل القريب والمستقبل البعيد؟
ــ الواقع يدل على ان هنالك حراكاً سياسياً كبيراً جدا من الوسط ومن الهامش، وهذا دليل على اننا لم نصل الى قناعات سياسية تسمح للوضع السياسي بالاستقرار. والآن في ظل التغيرات التاريخية الحادثة في محيط السودان العربي من ثورات الربيع العربي، فإن كل هذا يلقي بظلاله على السودان، وكذلك الحدث المزلزل الذي حدث في تاريخ السودان في 9 يوليو الماضي وهو انفصال الجنوب وظلاله الاقتصادية والسياسية. وكل هذا القى بظلاله على التململ الموجود داخل السودان. «طيب» هذا هو الواقع، هل ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول «كلو لبن على عسل»، ام نحن بوصفنا سودانيين جميعا حاكمين ومحكومين، حاكمين ومعارضة، نعلم أن هذا هو وضع السودان بكل الذي ذكرت، فإذا شعرنا بهذا وظننا ان الامور ستسير كما كانت، ونقول إن هذه جمهورية ثانية وتظل اسم من غير مسمى، اعتقد أننا سنخطئ خطأً تاريخياً، ولكن أين مظان البحث عن مخرج، انا اعتقد إن هنالك مظاناً ثلاثة، أولاً: ان يتغير نظام الانقاذ من الداخل استشعارا منه بأن هذا الواقع بصورته الحالية لا يمكن ان يستمر «يتغير من الداخل» ثانياً: أن تحدث انتفاضة شعبية كما تحدث في دول الربيع العربي، والسودان له تجاربه في الماضي، ونحن سبقنا دول الربيع العربي وقمنا بانتفاضات تاريخية في زمانها كانت سلمية لم ترق فيها قطرة دم. ثالثاً: أن تلتقي ارادة الامة السودانية كما اعلنت الاستقلال من داخل البرلمان باتفاق نلتقي فيه ونجلس ونصل الى قواسم مشتركة تخرج البلد من وهدته، وانا مع هذا الاقتراح، لأنه أن تتغير الانقاذ بصورة راديكالية ترضي المعارضة وتخرج البلد لعل فيه صعوبة. والانتفاضة الشعبية في ظروف السودان التي ذكرناها وهوامشه التي تحمل السلاح قد تؤدي الى تفتيت السودان. اذن لم يبق امام السودانيين من مخرج من هذا الذي نعيشه الا ان يلتقوا حول منبر سمه ما شئت منبر توافق، منبر تواثق، مائدة مستديرة، يحضر له بصورة مستقلة ويجرى فيه النقاش بين القوى السياسية المختلفة المنضوية تحت لواء الاحزاب والتي ليست منضوية تحت لواء الاحزاب، ونناقش بموضوعية وبصراحة مشكلات السودان، وان نصل الى قناعات مشتركة، وبعد ذلك ممكن يحكم من يحكم داخل هذه القناعات ويعارض من يعارض داخل هذه القناعات.. هذا هو مخرج السودان، ولا أرى أن المخرج يكون بحكومة عريضة، او غيرها من الحكومات، لأن الكراسي لن تسع كل السودانيين مهما كان عددها، لأن كثيرين لا يسعون لهذه الكراسي، لأنهم سيظلون خارج اللعبة السياسية.
٭ حذر وزير الدفاع من داخل البرلمان في الاسبوع الاخير من العام الماضي من ان السودان مواجه بتحديات ومؤامرات في عام 2012م، وفي الوقت نفسه اعتبر البرلمان دولة الجنوب دولة معادية للسودان ومهدداً للامن القومي.. هل تعتقد أن هذه توقعات لحرب محتملة بين السودان وجنوب السودان؟
ــ أنا شخصيا لا ارى الجنوب دولة عدوة.. دولة الجنوب بينها وبين السودان مشكلات، مثلا رغم ان لدى السودانيين مشكلات مع اميركا، ولكن لم يقل احد ان اميركا دولة عدوة. فدولة مثل دولة الجنوب تربط بينها وبين السودان صلات كثيرة جداً.. صلات تاريخية.. صلات عرقية.. صلة الجوار. ولذلك ينبغي ألا ندع الآني والتكتيكي يسيطران على الاستراتيجي. وفي جنوب السودان لحسن الحظ اخواننا احتفظوا باسم السودان، ولم يسموه غير ذلك، لم يسموه «أنانيا» او غير ذلك، سموه جنوب السودان في اطار السودان. وسيظل جنوب السودان جاراً للسودان، وستظل مصالح «السودانيين» مرتبطة ببعض، وهذه المشكلات التي نعانيها هي من إخفاقات نيفاشا. وهي المشكلات المثارة الآن، الحدود، البترول، الجنسية الديون. ونيفاشا نجحت في شيء واحد هو انفصال الجنوب، ويمكن ايضا ايقاف الحرب، الا ان الحرب حاليا مشتعلة في جانبي البلدين، إذاً لو كانت نيفاشا ناجحة، لحلت كل هذه المشكلات التي نعانيها الآن، ولعل ايضا السيد رئيس الجمهورية نفسه استدرك أن نيفاشا لم تكن ناجحة، لأنه قال إننا لن نسمح بنيفاشا اخرى. ولو كانت نيفاشا ناجحة كان يمكن الحديث عن نيفاشا أخرى. فإذاً أنا أعتقد ان الجنوب ليس عدوا.. فبيننا وبين الجنوب مشكلات دليلاً على الاخفاق السياسي في جانبي البلاد، وهذه مشكلات ليست مستعصية على الحل، وكان يمكن حلها في اطار السودان الموحد، وكان يمكن حلها في إطار نيفاشا. وأنا اعتقد أن حلها ممكن دون حرب ودون الوصول الى قطيعة. وأنا لا أود أن أقلل من أن قد يكون السودان محاط بمؤمرات، وقد يكون السودان يواجه مشكلات كبيرة جداً بعد انفصال الجنوب، ولكن هذه المؤامرات قلت أو كثرت، لو كانت هنالك في الداخل ارادة سياسية موحدة وقناعات تجمع السودانيين، فإنه لا يستطيع ما يحدث للسودان ان يؤثر على مستقبله في ظل الوحدة الوطنية والقناعات الوطنية المتجذرة بين السودانيين.
٭ المؤتمر الوطني أخيراً اشرك معه الاتحادي الاصل في الحكومة العريضة وصاحب تلك المشاركة جدل، هل تعتقد أن المؤتمر الوطني قدم تنازلاً وطنياً، أم أن خطوته تكتيكية للخروج من إفرازات انفصال الجنوب؟
ــ أنا لست من الذين يشككون في نوايا الناس، ودائما افترض حسن الظن في الذين يحكمون والذين يعارضون. وعندما يقرر الاتحادي الاصل الدخول في الحكومة، او تقرر الانقاذ محاولة استقطاب احزاب للدخول معها في تحمل المسؤولية، أحمل ذلك محمل الجد، ومحمل حسن الظن أنهم يريدون ان يجمعوا الامة السودانية على خيارات المستقبل. ولكن من جانب التحليل المنطقي المحض، دخول الاتحادي الأصل، هل بيده من مفاتيح القوة في الحكومة العريضة ما تكون له آثار إيجابية في مسار الحكومة، هل المناصب الوزارية الأساسية بيد الاتحادي؟ هل سمعنا عن ميثاق بموجبه دخل الاتحادي الاصل في الحكومة، هل هذا الميثاق نشر؟ وكنا نود ان نطلع على هذا الميثاق حتى نكون مطمئنين الى أن دخول الاتحادي الاصل الى الحكومة العريضة مبني على اسس وميثاق قد يقبله حتى الذين في المعارضة، والذين كان الاصل جزءاً منهم، وقد دخل بميثاق يؤسس لمستقبل السودان. وحتى الآن انا لم اطلع على هذا الميثاق، وكان الأهم من الدخول عرض هذا الميثاق، وهل كل اعضاء الاتحادي الاصل موافقون على الدخول في الحكومة العريضة؟ أما لماذا يطلب المؤتمر الوطني من الاحزاب الاخرى، من الحزب الاتحادي الاصل او حزب الامة، هل هو استشعار لرغبة وطنية لأن السودان يواجه مشكلات ويريد أن يجمع الأمة السودانية في إناء واحد حتى يواجه هذه المشكلات، أم أنه استبقاء للحكم بضم الآخرين إليه دون أن يؤثر ذلك في سياساته؟. وطبعاً أنا اقول ان الحكومة الآن تعمل ببرنامج رئيس الجمهورية المنتخب فهو برنامج الانقاذ، فاذا كل من يأتي الى الحكومة سيكون وفق هذا البرنامج، فهو ينفذ برنامج الحكومة التي تنفذ برنامج المؤتمر الوطني، فبالتالي دعوتي، ان كنا نريد حقا ان نجمع الامة السودانية على مستقبل متفق عليه، هي أنه لا بد من انعقاد نوع من المؤتمر نناقش فيه القضايا الاساسية كما قلت، ومن ثم لا بأس أن يحكم المؤتمر او غيره.
٭ مقتل زعيم حركة العدل والمساواة في نهاية العام المنصرم، أثار جدلاً داخلياً وخارجياً وردود افعال متباينة.. كيف تقرا مقتله، وما تأثير ذلك على حركته وبقية الحركات المسلحة ومستقبل السلام في دارفور؟
ــ طبعا دكتور خليل ابراهيم مهما قيل فيه فهو سوداني. والدم السوداني دم غالٍ، وكل سوداني ينبغي وانا منهم، أن يأسف لأن تصل الأمور بالسودان الى ان يسيل الدم السوداني بأسباب ودوافع سياسية، وأن نيأس في حلولنا في السودان من الحلول السياسية وينتهي بنا الأمر إلى رفع السلاح. إذن أن يصل السودانيون الى هذا المحك فهو مأساة بكل المقاييس، ولكن طبعا في اطار الصراع من يرفع السلاح في داخل الدولة يقتل وهو أمر مؤسف، لكن لا يستغرب أن يحدث مثل هذا اذا وصل الحكام وبعض المحكومين إلى رفع السلاح. وكنا نود ألا يسيل دم السودانيين، وان يكون لدينا من الحكمة ان نحل مشكلاتنا كلها في اطار الديمقراطية والتشاور والسلام. وأنا أعتقد في هذه المرحلة من الصعب جداً التكهن بمستقبل حركة خليل بعد مقتله. وخليل كان شخصية مؤثرة جداً وواضح ذلك من تاريخه، فهل يا ترى حركة خليل لها من المؤسسية ومن القناعات المبدئية ما يجعلها تظل قوية في غيبته؟ هل بكل هذه المواصفات التي ذكرناها عن المرحوم الدكتور خليل، سيلهم غيابه الحركة الى الحد الذي تسعى فيه اليه للسلام، أم أن جرح مقتله سيدفعها لأن تصبح أكثر تطرفاً في معارضتها؟ وهذه كلها احتمالات حتى الآن، والطريق مفتوح للجانبين، وقد يكون مقتل خليل دافعاً للحركة الى اعادة النظر في هذا الطريق، وقد يؤدي الجرح الى تماسك والى عناد اكبر. وأنا لا أعتقد ان هذا يدفع الى السلام، فليست هنالك بوادر تدل على ذلك، لكن ايضا حركة خليل وهي أقوى الحركات على الارض عسكرياً ومنيت بمقتل خليل بصورة دراماتيكية وضحت أن الدولة لديها امكانيات، قد يدفع هذا ايضاً باقي الحركات في المستقبل وليس واضحا بعد، إلى ألا جدوى من القتال. وإذا كانت هنالك أية وسائل وطرق مفتوحة للتفاوض ولإحداث سلام يحقق مطالب هذه الحركات قد تلجأ للسلام، لكن أنا حتى الآن لا أرى أية مؤشرات على الأرض تشير إلى ذلك.
٭ تحالف «كاودا» الذي اختار العمل العسكري لإسقاط نظام الانقاذ في الخرطوم تدور حوله شبهات كونه تحالفاً عنصرياً.. هل ترى ذلك، أم أنه يخوض صراعاً من أجل بناء سودان على أسس جديدة؟
ــ تحالف كاودا هو تحالف الهامش. واكيد يعني ان الوسط كله يحس بقلق، وعندما كانت حركات الهامش تدافع عن قضاياها كانت اجزاء كبيرة من الوسط معها، وكانت تدرك ان عندها قضية، ولكن تجمع هذه الحركات الهامشية لوحدها دون إشراك الوسط، وهي تدعي أنها تريد أن تحرر السودان وتخلق سوداناً جديداً، فكيف يمكن ان تخلق هذه الحركات المهمشة سوداناً جديداً دون مشاركة وسطه وقلبه، مما يجعل الوسط يتخوف من هذه الحركات رغم ان لديها مظالم، لكن تجمعها قد تشوبه النزعة العنصرية، وانه اذا انتصرت هذه الحركات يخشى الوسط ومثقفو الوسط ان تحدث مآسٍ وتحدث انفلاتات. وحتى عندما تحدث انقلابات عسكرية ويبقى الوسط هو المسيطر، لم يكن ابناء الوسط في يوم من الايام يستهدفون ابناء الهوامش بوصفهم وسطاً، انما كانت الدولة التي قد تمثل ابناء الوسط وقد لا تمثلهم، تدافع عن الدولة، لكن الآن يوجد تخوف خاصة بعد الذي حدث والرائحة العنصرية، رغم الحديث عن سودان جديد، وهذ معناه ان هذا السودان قد يوحي بأن الوسط ليس جزءاً منه، فبالتالي أنا اعتقد ان هذا التخوف موجود. والدولة القائمة منذ 1956م بالتعريف الحديث، ظلت ما قبل الانقاذ دولة علمانية، وحقيقة الانقاذ تريد أن تقول إنها دولة علمانية لأن الاسلام ليست فيه دولة دينية، فإذن صراع الهامش مع النظام، نظام الحكم في السودان، ظل قبل الانقاذ، فإذن دعوى العلمانية أنا أعتقد انها دعوى لا تقوم، وحتى نظرتهم للسودان الجديد ما هي، فداخل الوسط السوداني هنالك قوى سياسية تتحدث عن دولة علمانية، وديمقراطية يتساوى فيها المواطنون، والاسلاميون يقولون انهم يطرحون طرحاً علمانياً، لأنه في الاسلام ليست هنالك دولة كهنوتية ولا دولة دينية بهذا المعنى، وان المواطنين في الدولة الاسلامية هم مواطنون متساوون، وهذا لا يأتي من فوهة البندقية، وإذا لم نقبل نحن في الشمال أن نحكم بانقلابات عسكرية من فوهة البندقية، وظل الوسط يعارض هذا النوع من الحكم، فمن باب اولى ألا تفرض عليه رؤية سودان جديد من هوامشه.
٭ كيف تقرأ زيارة رئيس دولة جنوب السودان إلى إسرائيل، وما مدى تأثيرها على الأمن القومي السوداني؟
ــ أولاً دولة جنوب السودان باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، من حقها أن تتعامل مع أية دولة. والعرب الذي يعيبون على جنوب السودان ذلك هم على علاقات مع إسرائيل، وحقيقة علاقات إسرائيل مع جنوب السودان هي علاقات قديمة ومعروفة، وتحدث عنها جوزيف لاقو، ولكن الآن جاءت في العلن، فإذن ليس غريباً أن تكون هنالك علاقات بين جنوب السودان وإسرائيل، لكن هل من الحكمة في هذا المحك التاريخي أن تجعل دولة جنوب السودان اول دولة يذهب اليها رئيسها إسرائيل. أنا لا أعتقد أن في هذا حكمة سياسية، لأن جنوب السودان ذو صلة كبيرة جدا بالسودان، والسودان ومن ورائه الدول العربية مهووس جدا بإسرائيل. وحقيقة كثير جداً من الدول الافريقية لها ايضا مواقف من اسرائيل، ومن العنصرية الاسرائيلية. وواضح جدا ان عنصرية اسرائيل تزداد كل يوم، واضيف كذلك ان اسرائيل ليس لديها الكثير لتقدمه، فإسرائيل نفسها تعيش على الاعانات، فلأول مرة تخرج تظاهرات يتحدثون فيها عن الغلاء ومشكلات السكن. إذن إسرائيل ليست لديها من المقدرات لتقدم الاعانات لاي بلد. ومن جانب آخر على الآخرين أن يعوا أن الجنوبيين ليسوا ألعوبة في أيدي الآخرين، فهم ايضا مواطنون لهم ارادة ولهم مصالح بلدهم. وواضح جدا مما تمخض أن هم الاسرائيليين كله إعادة الجنوبيين الموجودين في اسرائيل، لأن اسرائيل لا تحتمل اي عنصر غير العنصر اليهودي، وهجرة الجنوبيين وغيرهم هي من مشكلات اسرائيل الاساسية، لأن إسرائيل دولة عنصرية كما كانت جنوب افريقيا قبل الاستقلال، فأنا اعتقد أن سلفاكير لن يخرج بالكثير من دولة إسرائيل إلا بوعود، وقد يكون الهم الأكبر استعادة الجنوبيين الذين هاجروا إلى إسرائيل.
٭ هل ترى أن الحكومة تدير علاقات السودان مع دولة الجنوب على أسس واضحة واستراتيجية في ظل قضايا كثيرة معلقة مثل ابيي وقضية النفط؟
ــ أعتقد أنني اجبت على جزئية من سؤالك هذا في ما قلت سابقا، وقلت إن من فشل نيفاشا أن مشكلات أساسية كان يمكن أن تحل في سنوات نيفاشا ظلت معلقة من بينها النفط. ولو كان هنالك نجاح في تحقيق نيفاشا على علاتها لما ظلت هذه المشكلات معلقة، واقول إنه ليس هنالك وضوح كامل في هذه العلاقة، لأن هنالك لقاءً تم في أديس أبابا بين ممثلين عن حكومة الجنوب ودكتور نافع، ووصلوا الى اتفاق، لكن لأسباب أنا شخصياً لم اعرف تفاصيلها، لم تتم الموافقة على هذا الاتفاق من قبل الحكومة، وهذا دليل على أننا نرسل ممثلينا ويتم الاتفاق ثم لا نوافق عليه، إما أن يكون الذي يفاوض لا يمثل سياسة الدولة، أو أن الدولة ليست لها سياسة واضحة في هذا الموضوع، وفي كلا الأمرين هو أمر مخل، وأنا أعتقد في نهاية المطاف أن ليس هنالك حل للمسائل المعلقة بين الشمال والجنوب إلا بالتفاوض، وطال الزمن أو قصر لا بد من الحل السياسي.
٭ ما هو المطلوب من المؤتمر الوطني والمعارضات السياسية والمسلحة وكافة أطراف الصراع لتجنيب السودان المزيد من الاقتتال ونزف الموارد البشرية والاقتصادية والوصول إلى تسوية سياسية شاملة؟
ــ كما سبق أن قلت فإن السودان كله لم ينصهر في بوتقة وطنية متماسكة، والآن تفجرت كل هذه المشكلات في هوامشه، ولم يتم حتى اتفاق استراتيجي بين قوى الوسط او قوى الداخل، والسلاح موجود ومتوفر وما حولنا عبارة عن تغيرات وثورات، فكل هذا يجعلنا نحس احساساً مركزاً بأن السودان فعلاً إذا لم يتوحد قد يواجه مخاطر تؤدي إلى تفتيته، وظللنا من جديد نتحدث عن جنوب جديد، وهذا المصطلح خطير جداً، فاللغة دائما لها دلالات، وهذه الكلمة لم تأت من فراغ، ونحن متجهون في اتجاه حبات الديمنو التي تتساقط، إذا لم نتدارك هذا ونلتقي عند كلمة سواء، ونجلس للتفاوض. وتعلم الحركات المسلحة انها لن تنال ما تريد من خلال القتال، وقد حاولت ولها سنين تقاتل، والجنوبيون قاتلوا لسنين طويلة ولم يحصلوا على ما حصلوا عليه الا بالتفاوض. إذن الحركات المسلحة لن تحصل على الذي تريد الا بالتفاوض، وكل محاولة لحل عسكري انما تطيل امد المعاناة وتفتح الأبواب لتفتت السودان. إذن ينبغي على العقلاء من السياسيين الذين يحملون السلاح والذين لا يحملونه أن يدعوا جميعا إلى أن نلتقي جميعاً حول منبر للتحاور السياسي. وانا متأكد أن القضايا السياسية الاساسية ليس عليها خلاف كبير، وأننا سنتفق عليها، والأهم من ذلك أن نتفق، وأن يكون في نيتنا أن ننفذ ما اتفقنا عليه.
٭ يدور الحديث الآن عن كتابة وصياغة دستور جديد، هل تعتقد أن كتابة دستور في الظروف الحالية مجدية، وهل يمكن أن يحقق الدستور استقراراً سياسيا؟
ــ أنا أعتقد أن قضية الدستور بالنسبة لي ليست قضية محورية، لأن الدستور ورقة، وهذه الورقة قيمتها في نوايا الذين يكتبونها، إذا كانت نواياهم أن ينفذوا ما كتبوا، وهنالك دول كثيرة ليست بها دساتير، المملكة المتحدة ليس لديها دستور مكتوب، وهذا لم يمنعها من أن تكون لها ديمقراطية، فبالتالي أنا أعتقد أن الحديث عن الدستور الآن كقضية ملحة، ليست هذه هي القضية. وحقيقة الدستور يحتاج الى مناخ ليكون هنالك دستور معبر عن الأمة، فلا بد أن يكون هنالك المناخ الذي يسمح للامة بأن تعبر عما تعتقد في هذا الدستور، لأن الدستور ليس حكومة تتغير كل يوم، وانما شيء مكتوب بنية الاستمرار، فإذاً ينبغي أن يصاغ الدستور في جو من الحرية، فهل الآن جو الحرية هذا في وجود الهوامش وهي تقاتل، يسمح بصياغة دستور تلتقي عنده الأمة السودانية؟ وهل عندما تكون هنالك جماعة، أياً كان حجم هذه الجماعة تتحدث عن دستور، هل سيكون هذا الدستور مقبولاً للأمة السودانية، وهل مشكلتنا مع الدستور، أم مع القوانين التي تقيد الدستور؟. اذن الدستور مطلوب وكذلك المناخ الذي يعبر عن إرادة الامة، ولكن لا أعتقد أن قضية الدولة الآن هي قضية الدستور.
٭ أثناء ترؤسك لمجلس وزراء حكومة الانتفاضة ــ «بروفيسور الجزولي ــ استطاعت حكومتكم الخروج بالسودان من شبح المجاعة الذي كان يحاصره، وتوفير خدمات المياه والكهرباء وتخفيف غلاء المعيشة وتوفير المحروقات وتهيئة البلاد للانتقال السياسي وغيرها من الانجازات.. كيف تحقق ذلك؟
ــ في البدء أود أن أقول إن جزءاً كبيراً من الذي تحقق كان بإرادة سودانية وبالموارد السودانية المتاحة، وأنا اضرب لك مثلاً واحداً، أن وزير الكهرباء المهندس عبد العزيز طيلة الفترة الانتقالية لم تنقطع الكهرباء والمياه وهو مسؤول عنهما الاثنين، وهو مهندس مقتدر مختص، ولم يحدث أي شيء جديد، وكل الذي حدث أن المهندس عبد العزيز وفي مناخ الثورة، كل الذين يعملون في الكهرباء والمياه تعاونوا معه بالامكانيات المتاحة، حيث لم تنقطع الكهرباء يوما واحدا، دون اية اضافات على الواقع الموجود في السودان، غير تجدد علاقات العاملين في هذا القطاع، فاذاً جزء كبير من الذي تحقق في السودان في الفترة الانتقالية كان بقناعات الشعب السوداني.. وقناعات المواطن السوداني بأنه يعيش فترة جديدة وتعاون مع الحكومة في إنجازها، انا ضربت فقط مثلاً واحداً «الموية الكانت مشكلة والكهرباء الكانت مشكلة»، كذلك الوقود لأننا عمرنا علاقتنا الخارجية. وحقيقة قطاع كبير من الدول ساعدتنا، على سبيل المثال الدول الأوروبية واميركا، فالدول الاوروبية ساهمت مساهمة كبيرة جداً، وأنا أذكر في الفترة الانتقالية بقيادة اميركا تمت إقامة صندوق تبرعت فيه وساهمت فيه الدول الاوروبية ومعها اميركا، وساعدوا في توفير الوقود للسودان طيلة الفترة الانتقالية. هذا غير إعمار علاقتنا مع دول الجوار كافة، وحقيقة يوجد أمر آخر ليس منا ولا من الآخرين، ففي الفترة الانتقالية ربنا حبا السودان بأمطار غزيرة جداً، حتى أن المزارع السوداني أنتج ما يكفي ويفيض، وهذه كلها كانت عوامل، لكن أود أن أقول إن العنصر الأهم والأكبر هو قناعة الشعب بأنه يعيش في وضع جديد، وأريد أن أقول كذلك إنه في الفترة الانتقالية لم يكن هنالك فساد. والآن مرت على الفترة الانتقالية ما يقارب الثلاثة عقود ولم يشر أحد بأصبعه بأن وزيراً أثناء الفترة الانتقالية قد استفاد أو أفسد، فإذن غياب الفساد السياسي وقناعة الأمة السودانية بأنها تعيش في فترة مصالحها فيها مصانة، وإعمار علاقات السودان الخارجية بجواره وبالعالم، ومن نعم الله عليه أن منَّ عليه بخريف، وهذ يدل على أن السودان لديه امكانيات كبيرة، ويمكن في عام واحد إذا هطلت الأمطار أن يخرج السودان من المجاعة إلى الكفاية وإلى الرفاهية. وهذا أعتقد أنه روشتة الوفاء والإحساس بأننا في سودان جديد وكلنا مسؤولون عنه، لو تكررت بين القوى السياسية جميعاً يمكن أن تخرج السودان مما هو فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق