الأحد، 22 يناير 2012

الإسلاميون والمسألة الإجتماعية / د. أمين حسن عمر

الإسلاميون والمسألة الإجتماعية / د. أمين حسن عمر

أرسل إلى صديقطباعةPDF
تقييم المستخدم: / 1
ضعيفجيد

صعد الإسلاميون في المغرب لقيادة الحكومة وكذلك في تونس والأمر متوقع أيضاً في مصر وليبيا مما يطرح أسئلة كثيرة حول سياسات الحركات الإسلامية على تنوع مشاربها ومذاهبها لإدارة الحكم في المرحلة المقبلة،وقد كان من قدر السودان أن اُبتُليت الحركة الإسلامية فيه بقيادة الحكومة في أحرج أوقات البلاد وأصعبها، وهي تعاني الإفلاس والحصار والفوضى الأمنية، ومن يماري في النجاح الكبير الذي أحرزته الحركة الإسلاميةفي إخراج البلاد من حال الإفلاس وتحقيق قدر مقدر من الاستقرار الاقتصادي لا يعدو أن يكون مكابراً، ومن يماري في نجاح الإنقاذ في حسم الفوضى الأمنية واستعادة قدرة البلاد على المواجهة ثم بناء السلام لُبنةلُبنة لا يعدو أن يكون مكابراً.. ومن يماري في نجاح الإنقاذ في كسر الحصار الخارجي بالتوجه شرقاً.. وتأمين قدرة البلاد على البقاء والنمو فهو لا يعدو أن يكون مكابراً.. ولكن من يماري أنه في خضم هذه المعتركاتضعف التركيز على قضايا مركزية في فكر الحركة الإسلامية فإنه لا شك يعاني حالة من حالات عدم القدرة على الإبصار بالقسم غير الممتلئ من الكوب، وعلى رأس هذه القضايا المركزية تأتي المسألة الاجتماعيةوالمسألة الفكرية.
ماذا نعني بالمسألة الاجتماعية؟
نعني بالمسألة الاجتماعية قدرة الحركة الإسلامية على تعزيز حركة التحول الاجتماعي لتحقيق الانسجام والتفاعل والتناصر بين فئات المجتمع وشرائحه الاجتماعية.. بما يُفضي إلى تعزيز حركته وقدرته على تطوير الذات وتحسين الأداء بما يتمظهر في القدرة الإنتاجية والتصالح والتكافل الاجتماعي، وهذا المقصد العظيم لن يتحقق بترديد القصص عن عهد الصحابة الأبرار.. ولا بوعظ الناس أن يعملوا ويجتهدوا وأن يتناصروا ويتكافلوا. وإنما برؤية اجتماعية قادرة على الإبصار بحقائق الواقع الاجتماعي، ومتمكنةً من وصف المعالجات اللازمة للمعضلات والمشكلات الاجتماعية. ومبصرة بالميزات والفرص المتاحة وقادرة على استثمارها للنفع العام.
وأهم تلك القضايا الاجتماعية هي قضايا التماسك الاجتماعي ومشكلات الفقر ومواجهة الهيمنة والاختراق الخارجي. ونقصد بالتماسك الاجتماعي قوة الروابط بين سكان أطراف البلاد وأنحائها المختلفة.. ومتانة الأواصر والوشائج التي تصل أهاليها وقبائلها وأعراقها بعضهم ببعض.. وشعورهم بالتوحد في التوجه والموقف والمقصد. وتفاعلهم وتعاطفهم وتشاركهم الوجداني والشعوري. ولاشك أن الفجوة بين ما يُراد وما يُطلب من هذا الأمر جد واسعة. والأدهى أنه يخيَّل للبعض منا أنها تزداد اتساعاً لا اقتراباً. فما هي الدواعي وما هي الأسباب؟ إن الأسباب التي تدفع بمزيد من التماسك الوطني والاجتماعي بارزة للعيان. فالحراك الإجتماعي الواسع الذي تسبب بالهجرة الداخلية والخارجية وبالتعليم والأعلام ووسائل التواصل والاتصال كلها تدعو لمزيد من الثقة بين الأهالي ومزيد من التماسك. فلماذا هذه المؤشرات التي تتمثل في تمرد بعض النخب في الأطراف، وفي اشتعال الحروب القبلية بأكبر وأكثر مما كان يحدث سابقاً، ولماذا برزت ظواهر الروابط القبلية والجهوية في المراكز الحضرية، وصار للقبائل مجالس شوراها وكأنها التنظيم الجديد الموازي للجماعات الفكرية والسياسية والطوعية، ولماذا تفشت ظاهرة الاحتجاج القبلي والمحاصصة القبلية؟
أخطاء الحكومة وخطاياها!
قد يحلو للمعارضين نسبة الأمر لخطايا وأخطاء الإنقاذ التي لم يعصمها الله من الخطأ ومن الخطيئة ولكن نسبة الظواهر الاجتماعية لما تفعله الحكومة وما لا تفعله مبالغة في المُكنة المتاحة للحكومات في الهندسة الاجتماعية. لاشك أن عدم قدرة الحكومة على التكيف المناسب مع الظواهر باحتوائها ثم معالجتها بالتحوير والتطوير والتوجيه لا يعفي الحكومة من مسؤولية تفاقم هذه الظواهر.. ولكن الكسل الفكري أو الغرض الحزبي وحده هو الذي يجعلنا ننسب كل ما لا نحب وما نكره لما تفعله الحكومات وما تمتنع عن فعله عند الحاجة له.
وإذا عدنا للحركة الإسلامية فالسؤال المنتصب أمامها لماذا لم تستطع أن تكفكف من هذه الغلواء الجهوية والقبلية؟ أمرجع ذلك إلى غياب الرؤية الشاملة والنظرية الاجتماعية الهادية ؟ أم أنه الانشغال باليومي عن المتغيرات البطيئة النسق الخطيرة العواقب؟ فالحركة الإسلامية ارتكبت خطأ لا يمكن أن يُحتسب صغيراً عندما تركزت أنظارُها على التغيير السياسي والقانوني، فأصبح تغيير الأطر السياسية والشرائع القانونية هو همها الأكبر، وتراجع في سُلم الاهتمامات الهمّ الثقافي والاجتماعي، ومما لاشك فيه أن الذي يريد تغييراً سياسياً وقانونياً قد يُبصر بنتائج مسعاه أسرع بكثير ممن يعالج ثقافة تقليدية وأفكاراً لا تواكب التجديد، ومن يسعى لمناهضة تحيزات متعصبة ومكافحة تقاليد بالية، بيد أن وعورة الطريق ما كان لها أن تُثني طالب التغيير من المضي إلى مبتغاه. ونحن لا نتحدث هنا عن أن خيار تولي السلطة كان خياراً غير صائب أو متعجلاً. ولكننا نتحدث عن توظيف الحركة والسلطة معاً لإحداث التحول الثقافي والاجتماعي المنشود. والحركات الإسلامية التي تتوجه هذه الأيام لتولي مقاليد السلطة في ظرف أفضل من ظروف الحركة الإسلامية في السودان عليها أن تُعتبر بعبرتنا وأن تستفيد من خبرتنا. فإن من الحكمة أن تحذو المثل الصالح وأن تجتنب الأمثولة الطالحة، وأما الحركة الإسلامية في السودان فقد ساعفها الحظ بثقة غالب الجمهور في قدرتها على تعزيز نجاحاتها واستدراك إخفاقاتها.. وعليها أن تفعل ذلك إن أرادت استدامة حسن الظن بها. وأول هذه الأمور هو الالتفات إلى الشأن الاجتماعي بقوة.. والتعامل معه بُمكنة المجتمع بأسره لا بطاقة الحركة الإسلامية وحدها. مما يقتضي الاستعداد للشورى الواسعة والمشاركة الفاعلة من المجتمع العريض.. ونعني بذلك الانفتاح السياسي الذي لا يترك لشانئ عذراً على النكوص من المشاركة.. والانفتاح على منظمات المجتمع المدني بتشجيع تأسيسها وتفعيل أعمالها واشغالها لتكون بديلاً عن الجهويات والقبليات.. والانفتاح الفكري والثقافي الذي يتباعد عن الأيدولوجيا. ويقترب من الثقافة المتعارف عليها ما توافقت مع القيم الدينية وسايرت القيم الإنسانية التي اصطلحت عليها الأمم والأديان على حدٍ سواء. وإحياء المؤسسات الاجتماعية العريقة التي تصل الأجناس والأعراق وتعزيزها وتجديدها.. وأعني بذلك الجماعات والطرق الدينية والمحافل الاجتماعية والرياضية. وإحياء العادات الاجتماعية الإسلامية والعرفية التي تعزز روابط المجتمع مثل العاقلة لدافع الديات وتحمل الحمولات. ومثل التكافل في إحياء المناسبات والقسامة في تعويض الجنايات.. وإحياء مجالس الأجاويد والمصالحات.. وتقديم وتعظيم الصلحاء وذوي الهيئات. والمقصد من التفصيل الآنف الذكر هو أن تستخدم الحكومة سلطتها ونفوذها لتمكين المبادرات الأهلية والمؤسسات الاجتماعية. فبذلك تضع عن كاهلها حملاً مبهظاً وتكتسب به حمداً جزلاً.. بيد أن أقوى أسباب تحقيق التماسك الاجتماعي هو الإحساس بالآخر وتقريب المسافة الجغرافية والمادية والشعورية بين الإنسان المواطن والإنسان المواطن الآخر.. ولن يتحقق ذلك إلا بحملة صادقة لمناهضة الفقر المدقع المفجع.. ومدافعة الترف والسرف ومراكمة المال لدى القلة بينما تعيش الكثرة الكاثرة في المسكنة والذلة.
نواصل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق