الثلاثاء، 31 يناير 2012

بالأرقام نورد الإبل لا بالأوهام!!


د. هاشم حسين بابكر

بالأرقام نورد الإبل لا بالأوهام!!

أرسل إلى صديقطباعةPDF

بلا رمية أو محسنات لغوية مصطنعة أدخل مباشرة فالناطق الرسمي باسم وزارة الزراعة والري والذي ارتضى لنفسه لعب دور مربع راوي قصائد جرير فهو يتلوها على الناس كما هي دون تغيير حرف منها، وهذا الدور يلعبه في زماننا هذا ما يُعرف بالـ «سي دي»!!.. يقول تقرير بنك السودان لعام 2011م ما يلي: صادر القطن «32» مليون دولار، صادر الإبل «81» مليون دولار، الكركدي «41» مليون دولار، السمسم «861» مليون دولار، فول سوداني لا توجد إحصائية، صمغ عربي لا توجد إحصائية، مجموع الصادر نباتي وحيواني «404» ملايين دولار..
إجمالي الناتج القومي المحلي «21» مليار دولار، وإذا أُضيفت إليه التحويلات والإعانات فإنه يبلغ ما بين «51 ـ 61» مليار دولار وفي هذا المبلغ يدخل البترول والضرائب. كم يبلغ إسهام الزراعة في الناتج القومي إيها القارئ الكريم؟! بالدفر وإعطاء درجات إضافية حتى يصل الطالب درجة النجاح فإن إسهام الزراعة في الناتج القومي لن يزيد بأي حال من الأحوال عن «3%» ولن يزيد هذا الإسهام؛ لأن تصدير المنتجات الزراعية يتم بتصدير الخام الزراعي، وهذا يحرم الصادر الزراعي من القيمة النسبية والتي لا تتأتى إلا بتصنيع المواد الزراعية الخام، وأقصى ما وصلت إليه الزراعة في الصادر كان «007» مليون دولار!!..
التحدي يكمُن في زيادة إنتاج الفدان وليس في زيادة المساحة المزروعة، ولكن وزارة الزراعة وعلى لسان «سي دي» الوزارة تصرّ على الإنتاج المتواضع وتزيد المساحة المزروعة، فـ «سي دي» الوزارة يقول إن الوزارة ستزيد مساحة القطن والقمح لإنتاج «800» ألف طن قمح وتغطية العجز في القمح ببيع القطن فطن القطن يعادل قيمة أربعة أطنان قمح..
المساحات المزروعة قطناً وقمحاً تعادل «1.5» مليون فدان، بعملية حسابية بسيطة نجد أن المساحة المفترض زراعتها قمحاً تحتاج إلى «3» مليارات ونصف متر مكعب من المياه مع كفاءة متدنية للري تصل في أقصاها إلى «55%» ، نحن إذن في حاجة إلى «7» مليارات متر مكعب من المياه، وهي سعة خزان الرصيرص بعد التعلية، كما أن القطن يستهلك تقريباً ذات الكمية يعني أن محصولَي القطن والقمح سيلتهمان نصيب السودان من مياه النيل فماذا عن المحاصيل الأخرى!!.. وماذا عن الصناعة وبقية الخدمات التي أساسها وأساس كل شيء حي الماء.. إنتاج القطن في أعلى سنيه كان في السبعينيات، حيث بلغ إنتاج الفدان ما بين «11ـ 61» قنطارًا للفدان، والآن تدنت الإنتاجية ما بين «6» قناطير، يعني أن إنتاج القطن بالمساحة المتوهمة لدى وزارة الزراعة «750 ألف فدان» فإن الإنتاج المتوقع ما بين «200 ـ 300» ألف طن هذا إن وجدت كميات المياه للري.. المساحة المزروعة قطناً هذا العام بلغت «143» ألف فدان.. هل يا ترى ستتم زراعة «750» ألف فدان بطريقة حشاش بي دقنو؟. ماذا عن قنوات الري في مشروع الجزيرة والمشروعات المروية الأخرى هل هي على استعداد لتحمل كل كميات المياه المطلوبة هذا إن وجدت هذه الكميات من المياه. ويستطرد سي دي الوزارة ليعرج على الأرز وذكر نجاح زراعة الأرز، وكيف أن منظمة التعاون الدولي اليابانية JICA قد أجرت تجارب ناجحة، وأنا أعلم أن ما قامت به جايكا هو مزارع تجريبية Pilot farm وليست للإنتاج وقد بلغ إنتاج الفدان «600» كيلو جرام قامت الرعاية السياسية بمضاعفته فأصبح «1.2» طن. ونسي سي دي الوزارة أن يذكر مشروع زراعة الأرز في النيل الأبيض الذي تشارك فيه وزارة الزراعة الاتحادية مع شركة كراون الباكستانية والتي أنتجت أجود أنواع الأرز في العالم «بسمتي» وكان الإنتاج عالياً وبدرجة غير متوقعة إذ أنتج الفدان «1.7» طن من الأرز عالي الجودة، هذا وقد تحدثت مع خبير زراعة الأرز الباكستاني الذي ذهل ولم يصدق ما يراه، وقال إن هذا الإنتاج يفوق إنتاج الباكستان والذي هو الأعلى في العالم!!.
في صمت تعمل شركة كراون وبدون ضجة سياسية وفي فبراير القادم وفي الأسبوع الأول منه سيتم افتتاح المصنع في أم تكال جنوب الدويم، وهذا يمثل طفرة زراعية وصناعية كبرى في المنطقة كل هذا النجاح لم يخطر ببال سي دي الوزارة ليذكره رغم أنه النجاح الوحيد في دنيا الزراعة الفاشلة وزارتها..
في وزارة الزراعة يبثون الأوهام ويصدقونها هم أنفسهم، ويطالبون الآخرين بتصديقها، ولكن الأرقام تكذب ما يأفكون، والأمر الذي لا تقيم له الوزارة وزنًا هو أمر المياه، الذي يحدد المساحة المزروعة والآن بعد أن استولت وزارة الزراعة على الري كيف يا ترى سيكون الحال؟.
أحد الوزراء ذهب إلى إيران ووعد بمد إيران بكميات من الحبوب الضخمة، فسأله أحد المختصين بشأن المياه والري قائلاً: إن الكمية التي ذكرت من الحبوب ستلتهم نصيب السودان من مياه النيل فماذا أبقيتم لأنفسكم؟ الجواب صمت، وحتى الآن لم يتم تصدير كيلو جرام واحد مما وعد به، نحن نبني اقتصادنا الذي يجب أن يقوم على الزراعة بالأوهام، والوهم لا يبني بلداً ولا يشيد مستقبلاً.
وأختم قولي باقتراح للمجلس الوطني بطرح صوت ثقة لوزارة الزراعة، فالأرقام تدحض الأوهام والأرقام والحقائق هي الوسيلة التي نرد بها إبلنا، ولست على استعداد لجدل عقيم مع وزير الزراعة أو «سي دي» وزارته، فالهدف هو الإصلاح لا افتعال المعارك الجانبية وإن عدتم فلن أعود!!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق