عرفُت بأنها أكبر جامعات السودان وأولها إنشاءً.. ولم تقتصر على ذلك فقط، وإنما من أقدم الجامعات الإفريقية، وكانت ضمن أفضل ثلاث جامعات عالمية لعقود عديدة من الزمان.. يحلم كل شاب في السودان بأن يدرس بها ولو كانت نوع الدراسة ليست أمنيته، حتى أصبحت إحدى موروثات وعلامات السودان المعروفة، وبسبب دورها الطليعي وخدماتها الجليلة التي تقدمها للمجتمع السوداني أصبحت إحدى مكتسباته المهمة، وكذلك تعتبر بيت الخبرة الوحيدة في السودان الذي يمكن الاعتماد عليه؛ بسبب الإمكانات البشرية الهائلة التي تحتويها ودرجة تأهلهم الكبيرة. إنها جامعة الخرطوم رائدة التعليم بشكل عام في السودان والتعليم العالي على وجه الخصوص. "التيّار" دلفت لهذا الصرح الشامخ لتعرف أسباب التراجع في كثير من النواحي؛ لكننا فضلنا التركيز على الإمكانات المادية خاصة بعد تحرك أبنائها لتطوير الاستثمار عبر مؤتمر دعم الجامعة بالاستثمار والأوقاف الذي محدد له يوليو القادم. تردٍ كبير يقول البروفيسور عبد الله محمد عبد الله مدير الجامعة الأسبق خلال تدشين التحضيرات للمؤتمر: إن البنية التحيتية للجامعة إنهارت بالكامل حتى أصبحت عاجزة عن الإيفاء باحتياجات الجامعة العلمية والعملية، كما أن الجامعة في حوجة كبيرة لتطوير تقانات البحث العلمي من قاعات دراسة ومعامل وتطوير العمل البحثي وكذلك التدريب، وشدد على حوجة الجامعة لتطوير ذاتها، والنهوض من التآكل الذي بدأ بأطراف الجامعة بسبب القدم وظهوره في بنياتها التحتية البحثية والإدارية والتدريبية. وقال إن البنية التحتية أصبحت لا تتناسب مع النمو الذي يحدث فيها على مستوى الدراسات العليا والبحث العلمي، وبعلاقة الجامعة بالمجتمع. وتابع قائلاً: إذا لم تخرج الجامعة خريجين مؤثرين ولم تشارك المجتمع، فيجب ألا يطلق عليها اسم جامعة. غياب الأجسام المساعدة من اللافت للنظر غياب أجسام مهمة للغاية عن مسرح الأحداث بالجامعة بجانب بطء التفاعل النوعي بالجامعة، حيث إن غياب اتحاد الطلاب مع ضعف نقابة العاملين وكذلك الأساتذة، جميعها تؤدي إلى تدهور قطاع مهم بالجامعة، كما أن غياب النشاط اللاصفي وتدهور العملية الأكاديمية كلها تلقي بظلال قاتمة على العملية العلمية بالجامعة، حيث تطورت أعمال العنف وسط الطلاب بجانب غياب العقلية الفنية التي يمكنها أن تدير المنظومة بالشكل المناسب. ويقول مدير الجامعة: لقد كونت الإدارة لجنة للنظر في طريقة تكوين اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والراوبط والجمعيات الأكاديمة برئاسة مدير الجامعة الأسبق البروفسيور عبد الملك محمد عبد الرحمن، وأمنت اللجنة في اجتماعها الأول، على أهمية استناف الدراسة في أسرع وقت ممكن حتى يتم خلق البيئة الجامعية، ووضعت اللجنة كذلك برنامج للمرحلة القادمة يبدأ بزيارات للمجمعات ولقاء الأساتذة والقيادات الطلابية بمختلف أحزابهم وتوجيهاتهم السياسية قبل أن تستأنف الدراسة بالجامعة. ولفت حياتي إلى أن اللجنة أثنت على إدارة الجامعة ترسيخها مبدأ الحوار مع الطلاب من أجل حل قضاياهم وتكوين مؤسساتهم الطلابية. من ناحيته قال عضو لجنة الاستثمار عمر محجوب إن جامعة الخرطوم تعد العدة لمؤتمر كبير دعيت له قطاعات كبيرة من كل أنحاء العالم وبالتركيز على الوطن العربي؛ لأن جامعة الخرطوم جامعة رائدة. لافتاً إلى أن الجامعة تمر بظرف مالي حرج أقعد بها من القيام بأنشطتها المختلفة. مضيفًا: موارد الجامعة ضخمة ولا يستهان بها، منوهًا إلى أن إعداد اللجنة للمؤتمر يسير بصورة جيدة وبهدوء ليخرج بثوب قشيب . حلول مهمة:وفي الأثناء شكّلت إدارة جامعة الخرطوم لجنة عريضة لدعم الاستثمار والوقف بالجامعة برئاسة البروفسيور عبد الله أحمد الله، وأعلنت اللجنة عن عقد مؤتمرها في يوليو القادم لتسويق مساحات الجامعة بولاية الخرطوم.. ورحب رئيس مجلس إدارة الجامعة البروفسيور الأمين دفع الله بالخطوة، وقال: يجب أن نهتم بزيادة موارد الجامعة لا سيما الارتقاء بالعملية التعليمية بالسودان رغم مساهمات ودعم الحكومة التي لم تبخل على التعليم وعلى جامعة الخرطوم بشيء؛ لكن الدولة لها همومها ومهام أخرى. ولفت الأمين إلى أن الجامعة لها سمعتها خارجيًا بعد أن تفوق طلابها الذين بعثوا إلى جامعات بالخارج، ما يؤكد مكانة الجامعة الرفيعة بالرغم من الظروف التي تمر بها، موضحًا بأن الجامعة لم تغلق أبوابها إنما علقت الدراسة لبرنامج البكالاريوس بدليل فتح أبواب الجامعة حاليًا ومواصلة عملها في كليات الدراسات العليا. وقال أتمنى أن لا تمد الجامعة يدها للآخرين، وأن تعتمد على مواردها؛ لذلك اتجهت الجامعة لاستثمار ممتلكاتها. فيما قال رئيس لجنة إعداد المؤتمر البروفسيور عبد الله أحمد عبد الله: إن فكرة المؤتمر تهدف إلى مواكبة جامعة الخرطوم للتغيرات التي حدثت في العالم أجمعه لأن الزمان زمن الأذكياء والتنافس، ومضى قائلًا: رأينا بأن تواكب الجامعة التغيير الذي حدث في العالم لأن الخرطوم جامعة الأذكياء. أهداف معلنة:وأوضح عبد الله بأن مشروع الاستثمار يهدف إلى عقد مؤتمر لتطوير الجامعة وسيتناول المؤتمر محورين هما: (الاستثمار والوقف). وواصل بالقول: الهدف الرئيس من المؤتمر دعم وتطوير الجامعة والأخذ بها عاليًا في مجالات الدراسة والبحث العلمي والنظر للمستقبل من أجل استمرارية التمييز. وقال الجامعة في حاجة لتطوير التقانة في البحث العلمي (النظري والتطبيقي) وفي حاجة لبنية تحتية للفصول الدراسية وفي مباني الجامعة المختلفة. وأضاف قائلاً: اللجنة تجتمع أسبوعيًا لمناقشة الموضوعات التي تتناول في المؤتمر بعد أن حددت أهدافه ومحاوره، واللجنة تتفاكر في كيفية صرف الموارد التي يمكن أن تأتي عبر التبرعات أو الأوقاف والاستثمار، منوهًا إلى مشاركة معظم الجامعات من الدول العربية والعالمية. في حين أبان مدير الجامعة د. صديق حياتي استحداث طريقة المؤتمر باتباعه طرقًا مختلفة وسيعرض العروض الاستثمارية والوقفية على المؤتمرين، لافتًا إلى عزم جامعته على إحياء شعيرة الوقف، مبينًا صرف الأموال التي تجمع على مشاريع الجامعة المختلفة بما فيها دعم الطلاب الفقراء بالإضافة إلى منشآت الجامعة المختلفة. الحكومة.. اللغز:يبدو واضحاً من خلال التحضيرات للمؤتمر الاستثماري الأضخم من نوعه في السودان غياب الحكومة بكافة أجهزتها التنفيذية بشكل كامل، هذا وكأن العلاقة أصبحت بين الجامعة والحكومة هي فقط تغول الأجهزة الحكومية على أملاك الجامعة. ويقول حياتي إن جامعته تعتبر مؤسسة من مؤسسات الحكومة، فالجامعة لديها علاقة جيدة مع وزارة التخطيط العمراني من خلال لجنة مشتركة بيننا، ومن أعمال اللجنة المشتركة تحويل ملكية منشآت الجامعة من ملكليتها لحكومة السودان إلى جامعة الخرطوم، لافتًا إلى أن قضية داخلية (البركس) ـ التي دار خلاف فيها في الآونة الأخيرة ـ الحوار فيها لا زال مفتوحًا من أجل إعادتها إلى الجامعة، كما تم إعادة كل الأراضي الأخرى وتم تسجيلها باسم الجامعة، كما تم تعويض الجامعة عن الأرض التي منحت للسفارة الأثيوبية بأخرى أفضل، هذا مع إضافة أراضي جديدة في أم درمان وبحري والخرطوم. استثمارات ضخمة كشف عضو اللجنة وأستاذ الهندسة بالجامعة الدكتور كمال الطيب، عن خطط طموحة للاستثمار بالجامعة تتمثل في تطوير الأراضي والإنشاءات وتحويلها لمراكز اقتصادية مهمة، فسيتم تحويل السرايا الصفراء ومجمع الجامعة الاستثماري الذي يستغل حالياً كسكن للأساتذة إلى فنادق كبيرة، بجانب تشييد مستشفى متكامل جوار مستشفى سعد أبو العلا التي تتبع للجامعة، هذا بالإضافة إلى منتجع سياحي علمي بسوبا والأزهري مع حديقة طبيعية للحيوان في مساحة أربعة آلاف فدان مع مدينة ألعاب مائية وقبة سماوية ومتحف طبيعي لكلية العلوم، بالإضافة إلى منتجع سياحي في منطقة البجراوية، ومزارع للإنتاج الحيواني وغيرها من الاستثمارات الضخمة التي تقدر بأكثر من عشرة مليارات دولار. ويقول مدير الجامعة إن أكبر الهموم التي تواجه جميع مديري الجامعة السابقين واللاحقين هو أن تستغل الجامعة بمواردها عن الحكومة حتى ينصف الأستاذ الجامعي والطلاب. وبهذا يصبح البناء من تحت الرماد بعد أن إنهارت البنية التحتية بالجامعة وتراجع ترتيبها عالميًا وإقليميًا، وبذلك ستعود الجامعة إلى موقعها الطليعي والريادي خاصة وأنها تعتبر من مكتسبات الشعب التي يباهي بها أي مكان في العالم. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق