الثلاثاء، 31 يناير 2012

إلى كل معجبيها.. نحن لا نكره أمريكا


إلى كل معجبيها.. نحن لا نكره أمريكا

أرسل إلى صديقطباعةPDF
تقييم المستخدم: / 1
ضعيفجيد

{ في الستينيات وخلال ذروة الصحوة ضد الاستعمار القديم والحديث في كل الدول التي عانت منه.. ومع وضوح أهداف الإستراتيجية الأمريكية في إفريقيا وآسيا حول وراثة الاستعمار الأوروبي.. خلال تلك الحقبة النضالية التحررية بأحلامها التي وحدت مثقفي آسيا وإفريقيا وجعلت فناناً مثل الكابلي يدشن لقاءه مع المستمعين بنشيد يقول :«على باندونق تمتد سمائي.. والقنال الحر يجري في دمائي.. وأنا في قلب إفريقيا فدائي» فيحصل على أكبر شعبية خلال أيام لأن تربة النفوس مهيأة لمطر النضال الموحد ضد كل أشكال الاستعمار.. في تلك الحقبة النضالية كان كل سياسي راغب في الحصول على أكبر شعبية يطلق تصريحاً من كلمات قليلة يفيد أنه في المعسكر المناهض لزعيمة الاستعمار الجديد أمريكا.. وكان أي ثائر ضد الاستعمار في بلاده أمام خيار وحيد لتحرير بلاده، هو إعلانه أنه في الجانب الآخر الذي تبغضه أمريكا وحلفاؤها في أوروبا.. ونقول إنه كان الخيار الوحيد أمام المناضلين ضد الاستعمار لأنه المعسكر الذي يساند المكافحين لنيل استقلال بلادهم كان هو المعسكر الاشتراكي الذي يرى في أمريكا زعيمة للامبريالية العالمية.
{ هل هذا هو الوضع الآن؟.. أقصد.. هل ينال السياسي أو المثقف احترام مجتمعه إذا أعلن أنه في المعسكر المناوئ لأمريكا؟ وهل هناك أصلاً معسكر مناوئ لأمريكا حالياً؟ وإذا كان هناك تغيير ما هي خلفياته وما هو مستقبله؟.. بالتأكيد أن هذا الوضع الحالي ليس هو نفسه الذي كان خلال عقود الخمسينيات والستينيات حتى أواخر الثمانينيات.. تحررت الدول وعندما جاء دورالتنمية وجدت أنها بحاجة إلى عون نفس مستعمريها السابقين.. وخلال عقد أو عقدين غاب جيل النضال ضد الاستعمار، ووجدت الدول النامية نفسها أمام قيادات جديدة كانت هي عصارة المدارس والجامعات والنظام التعليمي الذي أسسه الاستعمار ووضع له منهجاً يجعل من الدولة المستعمَرة كعبة لا يعرف النظام منقذاً غيرها وفي الغالب يتحدث بلغتها.. ولا يجد معيناً غير صندوق النقد بشروطه التي تُدخل الاستعمار من الشبّاك بعد أن خرج من الباب من خلال فرض اقتصاد السوق ونسيان النماذج الروسية والصينية في النمو.
{ الذي يتصدّى للمخططات الأمريكية بالقلم أو عبر النضال السياسي يجد نفسه، هذه الأيام، في نفس الوضع الذي كان فيه من يعلن تأييده لأمريكا في الستينيات.. يجد نفسه معزولاً مفلساً تطارده الاتهامات ابتداء من الجنون إلى غياب العقلانية التي تجعله يرفض رعاية لنظامه وحزبه أو مؤسسته أو حتى لنفسه تمنع عنه المؤامرات وتفتح له أبواب المصارف العالمية وتؤمِّن مستقبله.. وكلَّما كان كريماً في التنازل عن «أوهام» تحرير قراره وبناء دولة معتمدة على نفسها، في قوتها على الأقل، حصل على رعاية أكبر قد تصل حد تزويده حتى بالخبز اليومي من خلال قروض وتسهيلات لا يحصل عليها إلاّ من كان من المقربين من قلب من كان لقبها في الماضي «زعيمة الإمبريالية العالمية».
{ والحال كذلك يجد أمثالنا ممن لا يقرأ القارئ لهم إلا ما يعتبر «جنوناً» هذه الأيام أي كشف المخطَّطات الخبيثة للسياسة الخارجية الأمريكية، يجد نفسه محاصراً باتهام لا ينطق به أحد تصريحاً، أننا لا ندرك أين تكون مصالح شعبنا وبلادنا.. وأننا توقّفنا في مرحلة رومانسيات الستينيات التي انتهت بانتهاء الحرب الباردة.. وأن العالم يعيش الآن وفق نظام جديد.. وأن المسيطر حالياً والمتحكم في الأمور دون منازع هي أمريكا ومن حالفها من صهيونية وشركات مهيمنة على كل نشاط اقتصادي لها القدرة على إشعال الحروب، إذا شاءت، لتحقيق أهدافها، في أي منطقة في العالم. بل وتغيير الرؤساء والأنظمة.
{ منطقٌ قوي يؤكد صوابه حال من اختار الصف الأمريكي ومن اختار الصف الآخر.. تأملوا حال كل الذين أعلنوا عشقهم وهيامهم بالديمقراطية الأمريكية، وبعضهم كان في المعسكر الآخر حتى لحظة إعلان الرئيس الروسي يلتسين نهاية الحقبة السوفيتية الاشتراكية الأممية وبداية عصر اقتصاد السوق في مهد أول دولة بروليتاريا.. فلل وسيارات فارهة ورحلات وجولات في أمريكا وإقامة في أفخر الفنادق وخدود مكتنزة متوردة وكروش لا يرضيها حتى الكافيار..
بينما جماعة أوهام النضال ضد مؤامرة يتخيلونها تمزقت أحذيتهم والتصقت جلودهم بعظامهم.. ولا يريدون أن يفهموا أن الدنيا تغيرت وأننا وصلنا نهاية التاريخ كما قال الياباني فوكوياما.
{ في أي مجلس يواجهنا السؤال الاستنكاري: «لماذا نعادي أمريكا؟».. وأنا أتفهم طرحه من قِبل مواطن أمريكي لا يرى في بلاده إلا ما يبثه إعلامه حول حبها للخير لكل بلاد وشعوب الدنيا وسعيها لمساعدة الجميع للحصول على حقوق التعبير والتنظيم والعبادة وأننا نمنع هذه الخيرات عن بلادنا من خلال الإيمان بنظرية المؤامرة ونرمي أمريكا بما ليس فيها من اتهامات ولّدتها حقبة التحرُّر من الاستعمار وغذّتها صراعات الحرب الباردة.. أول من طرح عليّ هذا السؤال كان السكرتير الأول بالسفارة الأمريكية بالخرطوم، عندما كُلِّفت من قبل صحيفة «الإنقاذ» بإجراء حوار مع السفير الأمريكي بالخرطوم بعد أيام قليلة من احتلال جيش صدام حسين للكويت.. وكانت المفاجأة الموافقة الفورية وتحديد موعد في اليوم التالي.. وكانت المفاجأة الأخرى لي عندما وصلت إلى مكتب السكرتير الأول بمبناها بشارع علي عبداللطيف ما قاله أن السفير يعتذر وأنه فوضه لإجراء الحوار والإدلاء بأي تصريحات نيابة عنه.. وعندما سألني عن اسمي ونحن نستعد للحوار ظننته إجراء روتينياً ولكنه فاجأني بقوله: لماذا يا... «وقال اسمي كاملاً» لماذا تعادينا ولا ترى فينا أي صفة حميدة وأننا الشر المطلق؟!.. ولأنه كان سؤالاً «خارج التسجيل» وعندما طرحه الدبلوماسي الأمريكي كان يبتسم ابتسامة تقول: لا تأخذ كلامي على محمل الجد.. ولكني أخذته لأنه بادر بتعليقه على كتاباتي فور سماعه لاسمي مما يشير إلى أنه يتابع أي كلمة أكتبها.. وبنفس الطريقة قلت له: لأنكم لا ترون فينا ولا في أي مسلم أي صفة حميدة.. واكتفى بالضحك وهو يطلب من امرأة شابة كانت تقف خلفي «وتابعتني منذ لحظة دخولي» بالجلوس وتسجيل أي كلمة أقولها.. وطمأنني أن ذلك إجراء روتيني حتى يعرف السفير والوزارة أي كلمة قالها خلال الحوار قبل نشره. وصْف الدبلوماسي الأمريكي لكل ما أكتبه أنه عداء مطلق وغير مبرر للسياسة الأمريكية فيالمنطقة شيء متوقَّع وأمرٌ منتظر من أمثاله لأنه جاء إلى بلادنا ليخدم سياسة بلاده ويستقطب لها المناصرين.. لكن ما لم أفهمه أن يكون ذلك رأي الضحايا في السودان وغيره من الدول النامية.. وهو على أي حال رأي يستحق النظر فيه والرد عليه، خاصة هذه الأيام والجميع يلقي بمتاعه الأيدلوجي الذي حمله لأربعين عاماً ويسارع للحاق بالقطار الأمريكي!!
{ نحن لا نعادي الديمقراطية الأمريكية بل نعمل صباح مساء لنرى شبيهاً لها في بلادنا وهذا ما تقوله كتاباتنا خلال العشرين عاماً الماضية والذي يرفض ذلك هو أمريكا نفسها!! بدليل أنها ترفض نتيجة أي انتخابات حرة تأتي بالإسلاميين للسلطة.. وتساند الطغاة من حكام المسلمين الذين يطاردون كل من يصلي بانتظام في المساجد.. وأمريكا التي هي تجمُّع خمسين دولة حسدتنا على هذه المليون ميل مربع وضغطت على الجنوبيين والشماليين للموافقة على انفصال الجنوب وجعلت الحياة مستحيلة لجزئي البلاد معاً.. وأمريكا تملك التكنولوجيا التي تمكننا من زراعة مائتي مليون فدان صالحة للزراعة لكنها لم تفعل وتكتفي بتزويدنا بالقمح بعد دفع ثمنه، أو بالإغاثات عند وقوع كوارث لكنها إطلاقاً لا تعيننا على الاعتماد على أنفسنا.. وأمريكا كانت أول من اكتشف مواقع البترول في السودان لكنها بدلاً من استخراجه حرّضت الجنوبيين على الثورة لحرماننا من عائداته وسحبت شركاتها.. وسعي أمريكا لتمزيق الدول الإسلامية الكبيرة لدينا عليه عشرات الأدلة ليس أولها ولا آخرها فصل تيمور عن إندونيسيا وتمزيق الصومال إلى دويلات قبلية بلا حكومة مركزية والعمل على تمزيق السودان إلى خمس دول.. ورغم أن نيجيريا من حلفائها إلا أنها تعمل على تقسيمها كالسودان إلى شمال مسلم وجنوب مسيحي بعد أن اتضح أن البترول يتركز في الجنوب.. الموضوع كبير ويتطلب مساحات كبيرة ولكني أختمه بأننا لا نعادي الديمقراطية الأمريكية ولا حضارتها.. وليس لدينا أدنى رغبة في تحويلها إلى دولة إسلامية.. ما نتصدى له ونقف في وجهه بقوة هو السياسة الأمريكية في المنطقة.. لا نتخيل ولا نتوهم ولدينا عشرات الأدلة على المؤامرة.
{ تصحيح: في عمود الثلاثاء الماضي جاء «إن المملكة الإلهية» والصحيح «المحكمة الإلهية» وفي عمود الجمعة قرأتم: «الكل يرتجف حيث ملاقاته» والصحيح «حين ملاقاته». وفي عمود السبت ورد «في بلدها ضدالحكومة» والصحيح «في بلد ما ضد الحكومة» وفي نفس العمود جاء أن أثيوبيا فيها «عشرات الأعراف» بالفاء والصحيح «الأعراق» بالقاف.. وفي نفس العمود جاء «وقد يتبعه البعض» والصحيح «ينتبه البعض».

إضافة تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق