الأحد، 22 يناير 2012

وما أدراك ما المذكرة!! (4 ــ 4)

وما أدراك ما المذكرة!! (4 ــ 4)

أرسل إلى صديقطباعةPDF
تقييم المستخدم: / 1
ضعيفجيد

أنتقل في هذا المقال من قصة إحالة الحركة الإسلامية إلى التقاعد المبكِّر بمجرد إزالتها للمنكر وهدمها للباطل بدلاً من استمرار دورها للتصدي لمهمتها الأساسية المتمثلة في إحقاق الحق الذي ما نشأت إلا من أجل إقامته وهل بُعث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلا من أجل تقديم الأنموذج الوضيء الذي صار فيما بعد حلم الإسلاميين في كل زمان ومكان في سبيله ذرفوا الدموع وسكبوا العرق بل الدماء الغالية وواجهوا الطواغيت فما لانت لهم قناة وما قعدوا عن الجهاد.
وهكذا حلّت الكارثة الكبرى حين أعمل الترابي سيفه وجزّ رأس الحركة الإسلامية وأُسلم المشروع إلى المؤتمر الوطني الذي يُشبه مسجد الضرار الذي أُقيم في ليل بهيم حالك السواد هُدم فيه ذلك المسجد العتيق المؤسَّس على التقوى من أول يوم وهُدمت معه المئذنة الدالة على القبلة والمرجعية.. حل ذلك الجسم المترهِّل المتخبِّط الذي شارك في قيادته بعضُ النفعيين والانتهازيين من عُبَّاد الدنيا وزينتها ولذلك لا غرو أن يكون الشعار المرفوع في آخر انتخابات: (من أجل استكمال التنمية) أما (المشروع الحضاري) فقد بات شيئاً يُستحى منه وهل من استحياء أكبر من اختيار ذلك التعبير الهلامي المنهزم (المشروع الحضاري).. الذي حل محل (المشروع الإسلامي)؟!
لذلك لا غرو أن يُشار إلى (الجهاد) في آخر نظام أساسي للمؤتمر الوطني يُجاز في نوفمبر الماضي بعد ذهاب الجنوب الذي يُفترض أنه شيع معه عهد الدغمسة.. أن يُشار إليه (بالجهاد في سبيل الحق) أما (الجهاد في سبيل الله) فقد ولّى مع ذهاب الحركة الإسلامية إلى مزبلة التاريخ!!
في مذكرة الإسلاميين تحدَّث الشباب عن بعض السلبيات والإخفاقات مثل الفساد والعقلية الأمنية التي تُدار بها الدولة ومشكلات ثورة التعليم العالي وبروز النعرات العرقية والجهوية والضعف الذي يعتري استقلال القضاء وبقاء الأفراد لفترات طويلة في أجهزة الدولة والمحسوبية وغير ذلك من مظاهر ضعف الأداء لكن المذكرة تناولت كل ذلك بشيء من الخجل أو السطحية وتجاهلت قضايا كثيرة وخطيرة إما بالكامل وإما من خلال لمسها لمساً خفيفاً ولعلَّ أهم تلك القضايا يتمثل في ضعف أو انعدام المؤسسية والحريات والشورى والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات وانعدام الشفافية.
كل هذه القضايا سواء ما ذُكر في المذكرة أو لم يُذكر يُشير إلى أزمة ذلك أنه لا يمكن للدولة أن تنهض بدون أن تعالَج هذه القضايا الخطيرة.
خُذ مثلاً المؤسسية التي ضحكتُ حين قرأتُ أن الشيخ عباس الخضر عابها على مقدمي المذكرة وقال إنهم في الغالب سيُحاسَبون جرّاء ذلك السلوك الذي مارسوه بتقديمهم للمذكرة ولم يشفع لهم تأدُّبهم وخوفهم من إبداء أسمائهم..
هل فهمتم قرائي لماذا أخفى هؤلاء أسماءهم؟! إنه الخوف من المساءلة التي توعَّدهم بها الرجل الذي يريد من (الممغوسين) أن (يقطِّعوا ذلك في مصارينهم) إلى أن يحدث الانفجار الكبير!!
إنه جزء من الأزمة التي اضطرت أولئك الشباب إلى التذمُّر واضطرتنا قبلهم إلى البحث عن طريق آخر للإصلاح!!
دعونا نسأل الشيخ الذي توعَّد أولئك الشباب عن المؤسسية التي افتقدها في تصرُّفهم.. أين هي المؤسسية في الدولة؟! أين هي المؤسسية في أن تُوقَّع أخطر اتفاقية في تاريخ السودان بدون أن تُعرض عليكم في البرلمان الذي يُفترض أنه يمثل الشعب السوداني؟! أعني اتفاقية نيفاشا بكل تداعياتها التي لا نزال نتجرَّع ونطعم من زقومها!! أين المؤسسية وقد قيل لكم عندما عُرضت عليكم بعد توقيعها إنكم لا تملكون أن تعدلوا منها شولة فما كان منكم إلا أن بصمتم عليها صاغرين!!
أين المؤسسية في أن تُوقَّع نيفاشا أمام الخواجات خارج السودان قبل أن تُعرض على مجلس الوزراء السوداني وعلى أجهزة المؤتمر الوطني المغيَّب ولا أقول الحركة الإسلامية.
أين المؤسسية في أن يُوقَّع اتفاق أديس أبابا الإطاري (نيفاشا تو) قبل أن يُجاز من المكتب القيادي للمؤتمر الوطني وقبل مجلس الوزراء والبرلمان؟! أين وأين وأين أيها الرجل الذي يهتم بدم البعوض بأكثر مما يهتم بمقتل الحسين في كربلاء؟!
أين المؤسسية في أن تُجاز حكومة المائة وزير التي هي أكبر حكومة في تاريخ العالم بصورة مأساوية بعد أن انعقد المؤتمر العام للمؤتمر الوطني الذي لم يكن يدري شيئاً عما ستُقدِم عليه حكومتُه السنية؟!
لا المؤتمر الوطني يملك سلطة ولا البرلمان ولا مجلس الوزراء ولا حتى المكتب القيادي!! أما الحركة الإسلامية فعليها الرحمة والمغفرة.

إضافة تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق