1 |
ظلت العلاقات بين السودان والصين متميزة منذ زمن بعيد ،وتجذرت تلك العلاقات بقدوم الإنقاذ ،وأذكر فى ثمانينيات القرن الماضي أن وفدا من الحزب الشيوعي الصيني الحاكم زار السودان ، بدعوة من الجبهة الاسلامية القومية ، وعقد الوفد سلسلة من المفاوضات السياسية والإقتصادية مع نظرائه من الجبهة الاسلامية التى فازت فى الانتخابات التى جرت عام 1986 بعدد 52 مقعدا وشكلت المعارضة الرئيسية فى الجمعية التأسيسية وكان زعيم المعارضة حينها الاستاذ على عثمان محمد طه ، واذكر جيدا انني كنت أعمل حينها محررا برلمانيا فى صحيفة السوداني رئيس تحريرها وصاحبها الأستاذ محجوب عروة،اقام قطب الجبهة الاسلامية ورجل الاعمال الكبيروقتها، الطيب أحمد عثمان الشهير (بالطيب النص )مأدبة غداء للوفد بمنزله بالعيلفون و بعد أن أستولت الانقاذ على مقاليد الحكم فى الثلاثين من يونيو 1989 توطدت العلاقات بين الحكومة السودانية بقيادة المشير البشير والحكومة الصينية وتوالت زيارات العمل بين الجانبين على أرفع المستويات من صغار المسئولين مرورا بالوزراء الاتحاديين وصولا لقمة هرمي السلطة فى البلدين ودخلت الصين بقوة فى مجال الاستثمارات النفطية فى السودان واليها يعود الفضل بعد الله فى استخراج البترول من باطن الأرض فى السودان والصين هى التى شيدت أكبر أنبوب للنفط فى السودان وهى التى أنشأت مصفاة الخرطوم والعديد من البنيات الاساسية لصناعة النفط فى السودان، وظلت الصين مساندا قويا للسودان فى المحافل الدولية لكنها لم تستخدم أبدا حق النقض الذي تملكه لصالح السودان فى مجلس الأمن حتى فى أحلك الظروف التى مر بها نظام الانقاذ( حينما احال مجلس الأمن قضية دارفور برمتها الى المحكمة الجنائية الدولية)التى أصدرت عددا من قرارات الجلب بحق عدد من القيادات البارزة فى النظام على رأسهم رئيس الجمهورية نفسه. لم تتأثر قضية النفط خلال الفترة التى سبقت استفتاء جنوب السودان وظلت الشركات العاملة فى حقل النفط تقوم بدورها بشكل لا غبار عليه وتجاوز النفط المصدر عتبة نصف مليون برميل قبل ان يتراجع الى نحو380 ألف برميل ،وبعد ولادة دولة جنوب السودان كنتيجة طبيعية وحتمية للتشاكس الذي ساد بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية خلال الفترة الانتقالية زادت حصة الجنوبيين من النفط بعد الانفصال من 50% الى 75% وقدر د/ عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق فى ورقة قدمها بمركز الجزيرة للدراسات عقدت مؤخرا بالدوحة حول دولتي الانفصال قدر الزيادة التى حصل عليها الجنوبيون(دولة جنوب السودان) بمليار ونصف دولار سنويا وربط زيادة انتاج النفط فى الجنوب باستثمارات جديدة وكبيرة من الشركات العاملة وأى شركات أخرى فى مربع B وأضاف أن الشركات حساسة جدا للدخول فى مجال الاستثمار النفطي لاعتبارات تتعلق بالأمن وغيره.
لكن الصين كدولة مستثمرة فى النفط السوداني فى دولتي الإنفصال لم تقم حتى الآن بتقريب وجهات نظر الطرفين حيث تتمسك الخرطوم بنحو32 دولار للبرميل ولاتزيد جوبا عن دولار واحد وهذا التشدد هو ما أدى الى انهيار مفاوضات أديس أبابا حيث انسحب رئيس دولة جنوب السودان مقطب الجبين وأبلغ رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زناوي أنه لن يوقع البتة على أى اتفاق بين بلاده والسودان وتبعه الرئيس السوداني البشير،ولا أدري كيف يمكن للوسطاء من الاتحاد الافريقي تقريب الشقة وردمها،سيما لو علمنا أن النفط ليس المورد الوحيد المختلف عليه بين الدولتين الأم والوليدة،ولا ندري ما هو حجم خسائر الاطراف كافة(حكومة الخرطوم وحكومة جوبا والشركات الصينية وغيرها) من جراء اغلاق جوبا لآبارها النفطية، ولا ندري كم من الوقت سوف تصبر بكين قبل أن تقول للطرفين كفي لعبا مصالحي تضررت من جراء هذا التسويف فى طي هذا الملف الحساس لكن الذي لا يشك فيه الخبراء هو أن الصين قادرة على حمل الطرفين للوصول الى حل يرضي كليهما،بحسبان أنها لا تقبل أبدا أن تتعرض مصالحها لأية هزات حتى لو كانت خفيفة. ولعل توجيه الرئيس البشير بالسماح الفوري لتصدير شحنة النفط الجنوبية المحتجزة فى ميناء بورتسودان يؤكد قدرة الصين على حمل طرفي الصراع لحسم هذه القضية، كما أن حاجة الطرفين وعدم استغنائهما لعائدات النفط يجعلهما يحرصان على تقديم تنازلات مؤلمة لادارة الدولتين ، حيث يرى المراقبون أنها مسألة وقت فقط ، فلا تستطيع جوبا الاستغناء عن نفطهما ولا تستطيع أن تجد وسائل لتصديره فى الوقت الراهن وبناء انبوب جديد لن يتم فى غضون أشهر بل يحتاج لسنوات أقلها ثلاث ،كما أن فكرة تسويق نفط الجنوب برا أمر غير ممكن البتة لاعتبارات عديدة لعل أهمها عدم الاستقرار الأمني فى الجنوب نفسه وعدم وجود طرق معبدة وعدم وجود وسائل نقل آمنة وصعوبة تأمين النفط سواء كان خاما أو مكررا ومعلوم أن الجنوب لا يمتلك مواعين ومصافي تكرير بل كلها موجودة فى الشمال كما أنبوب النفط الخط الناقل للنفط من مواقع الانتاج لمصافي التكرير فى الخرطوم أو الأبيض أو بورتسودان، كما أن عدم انصياع الخرطوم أو جوبا لأوامر بكين الرامية الى ضرورة حل هذا الاشكال سيجعل الصين تتخذ موقفا صارما ليس بالتهديد من مواصلة الاستثمار النفطي فى الشمال والجنوب بل بايقاف استثماراتها الاخرى سواء فى الزراعة أو الصناعة أو البني التحتية الأخرى وسوف يتضرر من قرار كهذا الشمال كثيرا بحسبان أن الجنوب أصلا يبحث عن مستثمر جديد (شركات امريكية) كشيفرون مثلا ،ولعلها تكون فرصة فى التخلص من المارد الصيني لكن ليس الآن لحاجة الجنوب للصين ريثما ترتب أوراقها وتحزم أمرها فى ايجاد بديل غير الشمال لتصدير نفطه حيث أن هناك أفواه فاغرة وبطون جائعة تنتظر من يسد رمقها، خاصة فى ظل اصرار الخرطوم على ترحيل كل الجنوبيين بدولة الشمال الى مناطقهم فى الجنوب خلال الاشهر القليلة القادمة بمعنى أنها لن تمنح أحدا منهم جنسية دولة الشمال حتى لو ولد فيه وأقام به سنين عددا بل لن يُعطي أحد منهم حقنة واحدة كما هدد من قبل القيادي فى المؤتمر الوطني ووزير الاعلام السابق د/ كمال عبيد. ولذلك فإن من مصلحة كافة الاطراف حكومتي الخرطوم وجوبا وبكين سرعة الوصول لحل توافقي يرضي الحكومتين.وسوف تكشف الايام القادمة قدرة كل من جوبا والخرطوم على مزيد من الصمود وعض أصابع الخصم فيا ترى كم من الوقت سوف تتحمل الخرطوم عضة حكومة الجنوب لاصابعها(الاستمرار فى اغلاق أنابيب النفط) وكم من الوقت سوف تتحمل جوبا عضة الخرطوم لأناملها (برفضها التنازل عن مبلغ الـ32 دولارا للبرميل) وفى كل الأحوال نرى أن عضة كل طرف للالآخر لو تطاول أمدها سوف يحدث سم لعلاقات الدولتين ،لذلك فإننا نرى أن الصين ستكون طرفا مقبولا طرف للحكومتين إن تقدمت بمبادرة مدروسة للجانبين، خاصة للخرطوم التى لا تستطيع الاستغناء عن الصين لتقوم بالتنقيب عن النفط فى مواقع جديدة ولتساعدها فى تنمية القطاع الزراعي كاستثمار تعول عليه الخرطوم لسد عجز ميزانيتها جراء ذهاب معظم عائدات النفط للدولة الجنوبية الوليدة.(ترى هل انتهى شهر العسل بين الخرطوم وبكين؟) وفى الجانب الآخر تعول جوبا على واشنطن للضغط على حكومة الخرطوم للرضوخ الى ما تحاول هى اقناع الخرطوم به ،وفى أحسن الأحوال لاستمرار تصدير النفط عن طريق الشمال لن تقدم جوبا الا دولارات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وربما أصابع اليدين ،هذا إن وافقت جوبا على تقديم أقصى التنازلات، ولا أحسب أن الخرطوم ترى فى واشنطن طرفا نزيها ومحايدا يمكنه أن يقدم مبادرات حل منصفة لها ، ولذلك فالخرطوم لا تريد ان ترفع امريكا عصاها فى وجهها بل تأمل فى أن يتمكن الوسطاء من اقناع الجنوب بتقديم شئ من التنازلات حتى تقبل هى به ،لكن ماهى سلبيات هذه المماطلة بين الحكومتين على علاقاتهما المستقبلية؟ الأثر الأول يثمثل برأينا فى فقدان الثقة المهتزة أصلا بينهما ،ومن شأن ذلك تطاول أمد حل المسائل الأخرى العالقة بينهما خاصة أببي ،وترسيم الحدود ،ومياه النيل ،الأمر الذي سيحمل كل طرف ليتخندق ويتشدد فى آرائه لتكون النهاية حربا مدمرة بين البلدين،لكن كل طرف يرى ضرورة الحصول على أكبر مكسب ممكن من النفط حتى يتقوى به لاحتمالات تلك الحرب،لكن العجيب فى الأمر هو أن حكومتنا بعد أن فرطت فى الجنوب بأكمله تطمع فى نفطه بدلا من البحث عن بدائل جديدة له،ولعلها الالآن تولول لتفريطها فى الجنوب وعدم قدرتها على تنمية القطاعات الاخرى من زراعة وصناعة وغيرهما لأن هذه القطاعات لم تكن من أولوياتها.
اذا كان قادة الدولة الجنوبية يرفضون تقديم أكثر من دولار للبرميل للسودان مقابل تصدير نفطهم عبر الشمال فإنهم يفعلون ذلك لبناء دولتهم من الصفر،لذا فمن المؤكد أن قادة المؤتمر الوطني يتمسكون بمبلغ الـ32 دولارا للبرميل أيضا لبناء السودان ليس من الصفر انما من حدود 30% نعم قد يكون حال الشمال أحسن قليلا من الجنوب لكن حينما نعلم أن مشاكل جمة يرزح فيها السودان من شاكلة الحروب المستعرة فى بعض ارجائه فإننا نخشى أن نعود الى نقطة الصفر فى مسيرة بناء الدولة ،نقول ذلك وفى بالنا أن سعادة المشير البشير يأمر بايقاف تصدير النفط الجنوبي سرعان ما يأمر ثانية تحت الضغط بتصديره فورا ، وهو ذاته الذى الغى اتفاقا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فى اديس ابابا كان من شأنه أن يجنب السودان ما حدث بالنيل الأزرق ،من تمرد جديد لواليها مالك عقار ولجوئه الى دولة الجنوب ، والبرنامج الثلاثي الذى اقرته حكومة السودان للاعوام2012- 12014 لتجاوز آثار خروج عائدات نفط الجنوب من الموازنة العامة واضح ان هذا البرنامج يواجه منذ البداية بعجز واضح حيث هناك فجوة فى الحبوب تقدر باكثر من نصف مليون طن من الحبوب وحيث بدأت بعض الولايات تأخذ منذ الآن مما يسمى من المخزون الاستراتيجي،ومع عدم توجه الدولة بشكل استراتيجي فى التوسع فى زراعة القمح والذرة كمحصولين استراتيجيين نتوقع أن تظهر سوءات موازنة 2012 قريبا خاصة إذا فشلت الخرطوم فى الوصول الى تسوية مقبولة لها بشأن النفط مع دولة الجنوب.أما الحديث عن الذهب والقطن والصمغ والثروة الحيوانية فلا يعدو أن يكون حديثا للاستهلاك ليس الا ، فاذا كانت الحكومة تستورد الزيوت والسكر والقمح فإنها عما قريب ستلجأ لاستيراد كل شئ من الخارج وليس صحيحا أن انتاج الشمال من النفط يكفي حاجة البلاد ، لذلك علينا أن نتوقع صفوف السيارات امام محطات البنزين، وتصوروا لو بنت حكومتنا علاقات جيدة مع دولة الجنوب كانت بلادنا سوف تضمن امدادات النفط بسهولة ويسر أما حينما تسوء العلاقات فما علينا الا النظر خلف البحار.
من لنا؟
امر رئيس دولة الامارات الاربعاء بتسوية ديون جميع المواطنين المتعثرين الذين تقل مديونيتهم عن مليون درهم (367 ألف دولار)، وهي ديون تصل قيمتها الى 545 مليون دولار، على ان يتم الافراج عن المسجونين منهم.
وذكرت وكالة انباء الامارات الاسبوع الماضي ان الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان امر «بمعالجة وتسوية كافة قضايا القروض الشخصية المتعثرة للمواطنين ممن تقل مديونياتهم عن مليون درهم سواء كانوا موقوفين على ذمة قضايا او صدرت بحقهم أحكام ويقومون بتسوية مديونياتهم عبر جداول تسديد حددتها المحاكم».
وبحسب الوكالة، يبلغ عدد هؤلاء ستة آلاف و830 شخصا وتصل اجمالي مديونياتهم الى حوالى ملياري درهم (545 مليون دولار). وينص الامر الرئاسي على «الافراج عن الموقوفين منهم وتسوية ديون من بحقهم أحكام سداد». الا انه سيتعين على هؤلاء اعادة تسديد هذه المبالغ وفق آلية تسديد ميسرة عبر خصم ما يوازي ربع الراتب الشهري للمدين «مع تعهد المستفيد بعدم الاقتراض مرة أخرى الى ان يتم معالجة الدين».
وستتم تسوية هذه الديون بالتنسيق مع البنوك الدائنة، حيث ستتولى الحكومة تسوية جزء من المديونيات المشار اليها ويتم جدولة الجزء الباقي على اساس نسبة التسديد المحددة بربع الراتب، مع الاعفاء من الفوائد المترتبة على الدين. وكانت الامارات اسست صندوقا خاصا لتسوية المديونيات المتعثرة للمواطنين ذوي الدخل المحدود برأسمال قدره عشرة مليارات درهم (2,72 مليار دولار)، بهدف التسهيل على المواطنين غير الميسورين، ولكن مع «تعميق ثقافة الادخار» و»ترشيد الاستهلاك وربط النفقات بمستويات الدخل» بحسب الاهداف الرسمية للصندوق.ترى كم من المتعثرين عندنا أدخلتهم البنوك فى السجون لعجزهم عن تسديد ما عليهم من ديون لانجاح المواسم الزراعية؟ متى تنشئ دولتنا صناديق تخرج هؤلاء المساكين من سجونهم ، سيقولون لك أن السودان ليس الامارات العربية ولا امريكا ،والبشير ليس الشيخ خليفة بن زايد ولا باراك اوباما إنه البشير وأجركم على الله.
*كاتب وصحافي سوداني مقيم فى قطر
لكن الصين كدولة مستثمرة فى النفط السوداني فى دولتي الإنفصال لم تقم حتى الآن بتقريب وجهات نظر الطرفين حيث تتمسك الخرطوم بنحو32 دولار للبرميل ولاتزيد جوبا عن دولار واحد وهذا التشدد هو ما أدى الى انهيار مفاوضات أديس أبابا حيث انسحب رئيس دولة جنوب السودان مقطب الجبين وأبلغ رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زناوي أنه لن يوقع البتة على أى اتفاق بين بلاده والسودان وتبعه الرئيس السوداني البشير،ولا أدري كيف يمكن للوسطاء من الاتحاد الافريقي تقريب الشقة وردمها،سيما لو علمنا أن النفط ليس المورد الوحيد المختلف عليه بين الدولتين الأم والوليدة،ولا ندري ما هو حجم خسائر الاطراف كافة(حكومة الخرطوم وحكومة جوبا والشركات الصينية وغيرها) من جراء اغلاق جوبا لآبارها النفطية، ولا ندري كم من الوقت سوف تصبر بكين قبل أن تقول للطرفين كفي لعبا مصالحي تضررت من جراء هذا التسويف فى طي هذا الملف الحساس لكن الذي لا يشك فيه الخبراء هو أن الصين قادرة على حمل الطرفين للوصول الى حل يرضي كليهما،بحسبان أنها لا تقبل أبدا أن تتعرض مصالحها لأية هزات حتى لو كانت خفيفة. ولعل توجيه الرئيس البشير بالسماح الفوري لتصدير شحنة النفط الجنوبية المحتجزة فى ميناء بورتسودان يؤكد قدرة الصين على حمل طرفي الصراع لحسم هذه القضية، كما أن حاجة الطرفين وعدم استغنائهما لعائدات النفط يجعلهما يحرصان على تقديم تنازلات مؤلمة لادارة الدولتين ، حيث يرى المراقبون أنها مسألة وقت فقط ، فلا تستطيع جوبا الاستغناء عن نفطهما ولا تستطيع أن تجد وسائل لتصديره فى الوقت الراهن وبناء انبوب جديد لن يتم فى غضون أشهر بل يحتاج لسنوات أقلها ثلاث ،كما أن فكرة تسويق نفط الجنوب برا أمر غير ممكن البتة لاعتبارات عديدة لعل أهمها عدم الاستقرار الأمني فى الجنوب نفسه وعدم وجود طرق معبدة وعدم وجود وسائل نقل آمنة وصعوبة تأمين النفط سواء كان خاما أو مكررا ومعلوم أن الجنوب لا يمتلك مواعين ومصافي تكرير بل كلها موجودة فى الشمال كما أنبوب النفط الخط الناقل للنفط من مواقع الانتاج لمصافي التكرير فى الخرطوم أو الأبيض أو بورتسودان، كما أن عدم انصياع الخرطوم أو جوبا لأوامر بكين الرامية الى ضرورة حل هذا الاشكال سيجعل الصين تتخذ موقفا صارما ليس بالتهديد من مواصلة الاستثمار النفطي فى الشمال والجنوب بل بايقاف استثماراتها الاخرى سواء فى الزراعة أو الصناعة أو البني التحتية الأخرى وسوف يتضرر من قرار كهذا الشمال كثيرا بحسبان أن الجنوب أصلا يبحث عن مستثمر جديد (شركات امريكية) كشيفرون مثلا ،ولعلها تكون فرصة فى التخلص من المارد الصيني لكن ليس الآن لحاجة الجنوب للصين ريثما ترتب أوراقها وتحزم أمرها فى ايجاد بديل غير الشمال لتصدير نفطه حيث أن هناك أفواه فاغرة وبطون جائعة تنتظر من يسد رمقها، خاصة فى ظل اصرار الخرطوم على ترحيل كل الجنوبيين بدولة الشمال الى مناطقهم فى الجنوب خلال الاشهر القليلة القادمة بمعنى أنها لن تمنح أحدا منهم جنسية دولة الشمال حتى لو ولد فيه وأقام به سنين عددا بل لن يُعطي أحد منهم حقنة واحدة كما هدد من قبل القيادي فى المؤتمر الوطني ووزير الاعلام السابق د/ كمال عبيد. ولذلك فإن من مصلحة كافة الاطراف حكومتي الخرطوم وجوبا وبكين سرعة الوصول لحل توافقي يرضي الحكومتين.وسوف تكشف الايام القادمة قدرة كل من جوبا والخرطوم على مزيد من الصمود وعض أصابع الخصم فيا ترى كم من الوقت سوف تتحمل الخرطوم عضة حكومة الجنوب لاصابعها(الاستمرار فى اغلاق أنابيب النفط) وكم من الوقت سوف تتحمل جوبا عضة الخرطوم لأناملها (برفضها التنازل عن مبلغ الـ32 دولارا للبرميل) وفى كل الأحوال نرى أن عضة كل طرف للالآخر لو تطاول أمدها سوف يحدث سم لعلاقات الدولتين ،لذلك فإننا نرى أن الصين ستكون طرفا مقبولا طرف للحكومتين إن تقدمت بمبادرة مدروسة للجانبين، خاصة للخرطوم التى لا تستطيع الاستغناء عن الصين لتقوم بالتنقيب عن النفط فى مواقع جديدة ولتساعدها فى تنمية القطاع الزراعي كاستثمار تعول عليه الخرطوم لسد عجز ميزانيتها جراء ذهاب معظم عائدات النفط للدولة الجنوبية الوليدة.(ترى هل انتهى شهر العسل بين الخرطوم وبكين؟) وفى الجانب الآخر تعول جوبا على واشنطن للضغط على حكومة الخرطوم للرضوخ الى ما تحاول هى اقناع الخرطوم به ،وفى أحسن الأحوال لاستمرار تصدير النفط عن طريق الشمال لن تقدم جوبا الا دولارات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وربما أصابع اليدين ،هذا إن وافقت جوبا على تقديم أقصى التنازلات، ولا أحسب أن الخرطوم ترى فى واشنطن طرفا نزيها ومحايدا يمكنه أن يقدم مبادرات حل منصفة لها ، ولذلك فالخرطوم لا تريد ان ترفع امريكا عصاها فى وجهها بل تأمل فى أن يتمكن الوسطاء من اقناع الجنوب بتقديم شئ من التنازلات حتى تقبل هى به ،لكن ماهى سلبيات هذه المماطلة بين الحكومتين على علاقاتهما المستقبلية؟ الأثر الأول يثمثل برأينا فى فقدان الثقة المهتزة أصلا بينهما ،ومن شأن ذلك تطاول أمد حل المسائل الأخرى العالقة بينهما خاصة أببي ،وترسيم الحدود ،ومياه النيل ،الأمر الذي سيحمل كل طرف ليتخندق ويتشدد فى آرائه لتكون النهاية حربا مدمرة بين البلدين،لكن كل طرف يرى ضرورة الحصول على أكبر مكسب ممكن من النفط حتى يتقوى به لاحتمالات تلك الحرب،لكن العجيب فى الأمر هو أن حكومتنا بعد أن فرطت فى الجنوب بأكمله تطمع فى نفطه بدلا من البحث عن بدائل جديدة له،ولعلها الالآن تولول لتفريطها فى الجنوب وعدم قدرتها على تنمية القطاعات الاخرى من زراعة وصناعة وغيرهما لأن هذه القطاعات لم تكن من أولوياتها.
اذا كان قادة الدولة الجنوبية يرفضون تقديم أكثر من دولار للبرميل للسودان مقابل تصدير نفطهم عبر الشمال فإنهم يفعلون ذلك لبناء دولتهم من الصفر،لذا فمن المؤكد أن قادة المؤتمر الوطني يتمسكون بمبلغ الـ32 دولارا للبرميل أيضا لبناء السودان ليس من الصفر انما من حدود 30% نعم قد يكون حال الشمال أحسن قليلا من الجنوب لكن حينما نعلم أن مشاكل جمة يرزح فيها السودان من شاكلة الحروب المستعرة فى بعض ارجائه فإننا نخشى أن نعود الى نقطة الصفر فى مسيرة بناء الدولة ،نقول ذلك وفى بالنا أن سعادة المشير البشير يأمر بايقاف تصدير النفط الجنوبي سرعان ما يأمر ثانية تحت الضغط بتصديره فورا ، وهو ذاته الذى الغى اتفاقا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فى اديس ابابا كان من شأنه أن يجنب السودان ما حدث بالنيل الأزرق ،من تمرد جديد لواليها مالك عقار ولجوئه الى دولة الجنوب ، والبرنامج الثلاثي الذى اقرته حكومة السودان للاعوام2012- 12014 لتجاوز آثار خروج عائدات نفط الجنوب من الموازنة العامة واضح ان هذا البرنامج يواجه منذ البداية بعجز واضح حيث هناك فجوة فى الحبوب تقدر باكثر من نصف مليون طن من الحبوب وحيث بدأت بعض الولايات تأخذ منذ الآن مما يسمى من المخزون الاستراتيجي،ومع عدم توجه الدولة بشكل استراتيجي فى التوسع فى زراعة القمح والذرة كمحصولين استراتيجيين نتوقع أن تظهر سوءات موازنة 2012 قريبا خاصة إذا فشلت الخرطوم فى الوصول الى تسوية مقبولة لها بشأن النفط مع دولة الجنوب.أما الحديث عن الذهب والقطن والصمغ والثروة الحيوانية فلا يعدو أن يكون حديثا للاستهلاك ليس الا ، فاذا كانت الحكومة تستورد الزيوت والسكر والقمح فإنها عما قريب ستلجأ لاستيراد كل شئ من الخارج وليس صحيحا أن انتاج الشمال من النفط يكفي حاجة البلاد ، لذلك علينا أن نتوقع صفوف السيارات امام محطات البنزين، وتصوروا لو بنت حكومتنا علاقات جيدة مع دولة الجنوب كانت بلادنا سوف تضمن امدادات النفط بسهولة ويسر أما حينما تسوء العلاقات فما علينا الا النظر خلف البحار.
من لنا؟
امر رئيس دولة الامارات الاربعاء بتسوية ديون جميع المواطنين المتعثرين الذين تقل مديونيتهم عن مليون درهم (367 ألف دولار)، وهي ديون تصل قيمتها الى 545 مليون دولار، على ان يتم الافراج عن المسجونين منهم.
وذكرت وكالة انباء الامارات الاسبوع الماضي ان الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان امر «بمعالجة وتسوية كافة قضايا القروض الشخصية المتعثرة للمواطنين ممن تقل مديونياتهم عن مليون درهم سواء كانوا موقوفين على ذمة قضايا او صدرت بحقهم أحكام ويقومون بتسوية مديونياتهم عبر جداول تسديد حددتها المحاكم».
وبحسب الوكالة، يبلغ عدد هؤلاء ستة آلاف و830 شخصا وتصل اجمالي مديونياتهم الى حوالى ملياري درهم (545 مليون دولار). وينص الامر الرئاسي على «الافراج عن الموقوفين منهم وتسوية ديون من بحقهم أحكام سداد». الا انه سيتعين على هؤلاء اعادة تسديد هذه المبالغ وفق آلية تسديد ميسرة عبر خصم ما يوازي ربع الراتب الشهري للمدين «مع تعهد المستفيد بعدم الاقتراض مرة أخرى الى ان يتم معالجة الدين».
وستتم تسوية هذه الديون بالتنسيق مع البنوك الدائنة، حيث ستتولى الحكومة تسوية جزء من المديونيات المشار اليها ويتم جدولة الجزء الباقي على اساس نسبة التسديد المحددة بربع الراتب، مع الاعفاء من الفوائد المترتبة على الدين. وكانت الامارات اسست صندوقا خاصا لتسوية المديونيات المتعثرة للمواطنين ذوي الدخل المحدود برأسمال قدره عشرة مليارات درهم (2,72 مليار دولار)، بهدف التسهيل على المواطنين غير الميسورين، ولكن مع «تعميق ثقافة الادخار» و»ترشيد الاستهلاك وربط النفقات بمستويات الدخل» بحسب الاهداف الرسمية للصندوق.ترى كم من المتعثرين عندنا أدخلتهم البنوك فى السجون لعجزهم عن تسديد ما عليهم من ديون لانجاح المواسم الزراعية؟ متى تنشئ دولتنا صناديق تخرج هؤلاء المساكين من سجونهم ، سيقولون لك أن السودان ليس الامارات العربية ولا امريكا ،والبشير ليس الشيخ خليفة بن زايد ولا باراك اوباما إنه البشير وأجركم على الله.
*كاتب وصحافي سوداني مقيم فى قطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق