هل هرمت الإنقاذ.. أما الطائفية روّضت الإنقاذ!!؟
يوم هبّت ثورة30 يونيو عام 1989م والتي عرفت بثورة الإنقاذ الوطني بدأت بشكيمة قابضة وحادة على الطائفية بل إن رجال الثورة وقتذاك أكدوا وفي أولى بياناتهم أنهم إنما جاءوا من أجل إنقاذ البلاد والقضاء علىالطائفية التي مزّقت البلاد، الأمر الذي جعلهم يتخذون منها مواقف وصفها كثير من خصومهم بأنها قاسية وإقصائية، اتخذت صور الضرب تحت الحزام، ففر من فرّ واختفى من اختفى واعتقل آخرون. صحيح حينجاءت الإنقاذ كانت البلاد بأمنها القومي واقتصادها في كف العفريت الأجنبي مع توقف مشروعات التنمية وكانت قواتنا المسلحة في أسوأ أيامها وهي تقود الحرب في جبهة الجنوب لا تدريب ولا تأهيل ولا تعيينات ولاتسليح.. لا بل كان يشحن إليها الذخائر الفاسدة وتحوّلت صلاة الفجر من داخل المساجد إلى أبواب المخابز وصار لقاء المواطنين وحشدهم ليس في الحدائق والأمكنة العامة أو الأندية الاجتماعية والثقافية وإنما فيصفوف البنزين والمواصلات، هذا هو الموقف الذي هيأ أسباب الثورة ولم يبذل الثوار إلاّ جهدًا قليلاً ونالت الثورة التأييد ولعنت الجماهير الطائفية وعهدها البائد.. وهناك قام الثوار بتسعير السلع وداهمت زبانية النظام الجديد المخازن والمصانع واعتقل بعض التجار وصودرت ممتلكات وأملاك.. وأُعلِن المشروع الحضاري الإسلامي وكُتِب قصيد التعبئة المعنوية حتى صارت الأمة كلها تتنفس في (حماك ربنا) و (في سبيل الله قمنا.. لالدنيا قد عملنا نحن للدين فداء) وجُيِّشت الأمة شباباً وطلاباً ومرأة ودفاعاً شعبياً، وكدنا نغزو أمريكا وروسيا في عقر دارهما.. وقُرِر لنا أن نأكل من زراعتنا ونلبس من مصانعنا.. وأُوقفت البعثات الخارجية ورفع نداء العودة الطوعية من الخارج بالاختيار والتعليمات التنظيمية.. نشط إعلامنا الخارجي فاتجهت الأنظار نحو السودان وعمّت بلادنا الوفود المهنئة من أبناء الحركات الإسلامية التي تجرّعت كؤوس الحرمان والأسى والملاحقةفي بلدانها الجزائر ومصر وسوريا والأردن وليبيا وتونس واليمن والعراق وحل بديارنا العلماء وقادة الفكر والمنظمات الإنسانية والجهادية ورؤوس الأموال الحلال عسى ولعل تنطلق من السودان ثورة الفتح الإسلامي والبعث والتجديد.. وكنا وقتها طلاباً بالثانويات ثم الجامعات امتلأنا حتى الثُّمالة بروح الجهاد وفعل فينا الإنشاد والقصيد ما الله أعلم بأثره إلى يومنا هذا.. ومرّت بنا أيام نفرنا من القلم إلى الزناد، فمنا من مضى ومنا منبقي ابتلاءً من الله ليشهد عهود الوهن والتراجع والانكسار ونيفاشا ثم قام أكثرنا إلى الدنيا والكرسي والسمت فعبّأ منها حتى فاض قيحاً وصديداً ونفاقاً.. بعد تحوُّل الإنقاذ إلى ما عرف بالشرعية الدستورية بدلاً عنالثورة وقبلها أيضاً وتلاشت أخوة الأمس، أخوة المسجد والخندق وصحبة الزناد والأيام الهاجرات والقارصات في المعسكرات والمتحركات وأخوة القيام والصيام، وخلد كثير من الذين سبقوا إلى الكرسي إلى الدنيا وأكلتالإنقاذ بنيها ونقضت عهد شهدائها وخيّبت آمال جماهيرها.. ثم نحى كثير من أبناء نحو القرون الحجرية والجاهلية التي نهى عنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال: (دعوها فإنها منتنة) فانتسب الناس إلى الجهة والقبيلة والجغرافيا لا إلى الإسلام الذي كان بالأمس آُمَّنا وأبانا.. «أخ الإسلام أنت مني وأنا منك».. وعلى ضوء المنتنة قُسِّمت الوظائف والضيعات وبنيت الشفاعات والمجاملات.. فانفض المعسكر المرحوم ورعتالإنقاذ علل المجتمع وأمراضه الجهوية والقبيلة وبعثت الطائفية التي حاربتها بالأمس من سُباتها وكهفها.. فالإنقاذ هي التي كسرت عظمها ومزقت لحمها ورب الكعبة لو كان الشيوعيون والعلمانيون واللبراليون والطابور الخامس وأمريكا هم الذين كسروا عظم حركة الإسلام في السودان لما بقيت في الحلق غصة.. ولا تجذّرت في النفس حسرة.. ولا أدمعت عين ولا حار قلب.. لكن الإنقاذ هي التي كتبت الكتاب الأسود والأبيض.. والإنقاذ هي التي غزت أمدرمان.. والإنقاذ هي التي نهبت واختلست المال العام.. والإنقاذ هي التي وقعت نيفاشا.. والإنقاذ هي التي أجازت دساتير 98،2005 والإنقاذ هي التي أحلّت القروض الربوية.. والإنقاذ هي التي شردت الكفاءات من الخدمة المدنية وقربت الشيوعيين والعلمانيين والانتهازيين بدوافع القربى والقبيلة والجهة.. والإنقاذ هي التي أوقفت المصانع وخصخصت المؤسسات دون دراسة وشردت العاملين بها.. والإنقاذ هي التيكانت تقول بالأمس إنها جاءت من أجل الجوعى والعطشى وأبناء الريف والفقراء وهي الإنقاذ ذاتها التي غدت ملكة زمانها قد أحالت فجاج الأرض إلى غابات من الكتل الأسمنتية والشقق الفارهة المخملية والودائع بينما الجوع والحرمان والفقر المدقع والعطالة والبطالة والجهل والمرض يذبح الجماهير التي قاتلت مع الإنقاذ وهتفت ضد أمريكا والجنائية الدولية وصبرت عقدين من الزمان.. هذه الجماهير الآن تذبح من الوريد إلى الوريد.
بعد انفصال الجنوب وبعد أن حسمت قضية الهوية بشّرت الإنقاذ الجماهير بعهد الجمهورية الثانية والخلوص من كل شائبة ورائبة وفي أولويات ذلك الشريعة.. لكن الإنقاذ نفسها أجازت في مؤتمرها العام الذي مضى قبل أيام مادة خطيرة في نظامها الأساسي باب المبادئ والأهداف والوسائل المبدأ الثاني (ب).. والإنقاذ التي وعدت بحكومة عريضة خيّبت الآمال كما هو حال نبض الشارع العام حين حشدت المستشارين والمساعدين في القصر رغم إعلانها خفض الإنفاق وتقليص الوزارات وجاءت بمساعدين للرئيس من أشبال الطائفية.. أما أحدهما فإنه لا يعرف خريطة السودان وما فيها من ولايات، وانتدب من الخارج حيث منفاه الاختياري وعيِّن مساعدًا للرئيس لأمرين: الأول حواء السودان عقرت أن تلد قائدا والثاني لأنه ابن الأكرمين وابن الأكرمين لا يحتاج إلى كفاءة ومؤهلات.. والثاني خرج من «تهتدون» وما اهتدى وعاد في «تفلحون» وما أفلح وسعى لتفجير العاصمة في عملية تخريبية، وتعيينه خالف الأعراف الدستورية لأنه فئة يطلب أن تكون محايدة وخاصة بعد أن أكد أنه لا ينتمي إلى تنظيم سياسي، إذن فبأي المعايير اختير؟ ولكن الإنقاذ صارت لا تولِّي إلا من تمرّد وعصى وحمل السلاح وضرب وتلك سوءة سودت صفحات الإنقاذ.. بعد الذي شوهد وضح أن الإنقاذ التي قادتها الحركة الإسلامية ولدت المؤتمر الوطني الابن العاق الذي تمرّد على الإنقاذ وانزوت الحركة الإسلامية في ركن قصي يقتلها الأسى والحرمان وتفرّق المعسكر فلا جمهورية ثانية ولا مشروع حضاري ولكن ظلماً وفساداً وفساد طوية ونيّات فهل ياترى!! هل هرمت الإنقاذ أم الطائفية الصاعدة روّضت الإنقاذ!!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق