في محاولة منهم لتشويه صورة المعارضة، و التقليل من شأنها، و لصرف الرأي العام عن الأسباب التي أدت لوجودها و الأسباب التي أدت لهجرتها؛ يعيب البعض على زعيمها الأستاذ علي محمود حسنين قيادتها من الخارج، و نسي هؤلاء أن معظم الثورات على مر التاريخ، بما في ذلك الثورات العربية الأخيرة، و حتى الرسالات السماوية، كانت فيها هجرة، و كان النضال و الكفاح و كانت الدعوة من الداخل و الخارج. إن الداخل والخارج وجهان لعملة واحدة و مشهدان لا تكتمل المسرحية إلا بوجودهما معًا. فالخارج يؤمن الدعم المعنوي و المادي للداخل، و يشكل أداة فعّالة للضغط السياسي و الإعلامي لا سيما و أن الإعلام الداخلي إما مملوك للنظام، أو متحيز له خشية منه، أو مقيد بقوانينه، فالمعارضة الخارجية عبر أجهزة الإعلام الحرة، تقوم بشرح قضيتها و توضيح نقاط خلافها مع النظام الحاكم فتكسب مؤيدين و حلفاء، و تفضح نوايا النظام و تعري خططه، و تدحض افتراءاته و أكاذيبه، و تؤمن قدراً مطلوباً من الحماية للمناضلين في الداخل من القمع و السجن و التعذيب و تكون صمام أمان لاستمرار الثورة. و هي مرتبطة بالداخل ارتباطاً وثيقاً، تصنع الأحداث و تعلم بحدوثها في حينها. اعترف النظام أم لم يعترف فهو يخشاها و يضع لها اعتباراً خاصاً. هذا، فهجرة الأستاذ علي كانت أمراً فرضته الضرورة، و يعلم ذلك العارفون ببواطن الأمور و القريبون منه أيضًا يعلمون، فقد اعتقل عدة مرات و هُدد في المرة الأخيرة بالتصفية الجسدية. و في ظل نظام مستعد للدفاع عن نفسه بكل الوسائل اللا دينية واللا أخلاقية واللا إنسانية، نُصح بأخذ الأمر بجدية، فحمل الرجل مبادئه و قضيته و هاجر تاركاً خلفه واحداً من أكبر و أنجح مكاتب المحاماة و ترك أهله و أصدقاءه و ممتلكاته و أصبح حليفاً للغربة وللسهر و الجوع، يسوقه قدر الحركة الوطنية شمالاً و جنوباً، شرقاً و غرباً، فما زاده ذلك إلاّ إصراراً و إيماناً بقضيته و قضية شعبه فلم يساوم و لم يهادن و لم يسترزق منها، شعاره كما كان شعار الشريف حسين "الحركة الوطنية السودانية لا تباع و لا تشترى". و استطاع في فترة وجيزة بمساعدة بعض المهاجرين الغيورين على وطنهم، الحادبين على مصلحة الشعب السوداني تكوين "الجبهة الوطنية العريضة". وهي جبهة تضم تحت لوائها الوطنيين الشرفاء من المهاجرين، من عمال و طلاب و مهندسيين وأطباء و قانونيين و اقتصاديين و سياسيين و كتاب و صحفيين و رجال أعمال بمختلف انتماءاتهم السياسية، كما تضم معظم التنظيمات المعارضة لنظام الإنقاذ و تسعى الجبهة لإقامة دولة مدنية ديمقراطية يفصل فيها الدين عن السياسة، تستمد تشريعاتها من الشريعة الإسلامية، تنشأ على أساس حق المواطنة، وتقوم على أنقاض نظام الإنقاذ. و في مؤتمرها التأسيسي تم اختيار الأستاذ علي محمود بالإجماع رئيسًا لها. و تعتمد الجبهة اعتمادًا كليًا على اشتراكات الأعضاء و تبرعات الوطنيين في تسيير أعمالها. إن قيادة الأستاذ علي للجبهة الوطنية العريضة لا تتعارض مع منصبه في الحزب الاتحادي الديمقراطي، إذ إن أهدافها تتطابق تمامًا مع أهداف ومبادئ و دستورالحزب المجاز الذي يمثل آمال و تطلعات جماهيره، لا تطلعات رئيس الحزب و من تبعه من الحواريين الذين خرجوا عن مبادئ الحزب جميعها و قطعوا صلتهم بقواعد الحزب و بالحركة الوطنية واختاروا مصالحهم الذاتية و الأسرية و الطائـفية وفضلوها على مصالح وطنهم ولم يعوا ولم يرعوا فقفزوا داخل السفينة الغارقة، حتى رئيس الحزب لم يثأر لكرامته بعد أن أهين و احتقر عندما وصفه السيد وزير الخارجية بأنه سجمان؛ و تناقلت الخبر الصحف و مواقع الشبكة العنكبوتية، لم يحرك ساكنًا ولم يزده الاحتقار و الإذلال إلا خنوعًا و سقوطاً، و كما سقط من قبل مع الساقطين في عهد الحكم العسكري الأول، سقط في عهد الحكم العسكري الثاني و شارك في اللجنة المركزية و المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وسقط الآن في عهد الإنقاذ مقابل توزير بعض حواريه و تعيين ابنه، و الذي هو أجهل الناس بمشكلات الوطن، مساعداً لرئيس الجمهورية، إذن فسقوطه كان متوقعاً ولم يكن أمراً مستغرباً إلاّ أن الخطأ ليس خطأه وحده، فهناك الانتهازيين والوصوليين المتملقين الراكعين الذين حوله، الذين استطاعـوا إعطاب و تعطيل آليات الحزب الديمقراطية، و فشلوا في استيعاب الواقع السياسي، و أعاقوا مسيرة الحزب الوطنية، و وقفوا حجر عثرة أمام تحديثه و على عاتقهم تقع مسؤولية ما حدث. إن سقوط هؤلاء وخروجهم من دائرة النضال زاد المعارضة في الداخل و الخارج قوة على قوة، و أكسبها كثيرًا من المؤيدين، وجمع كل الاتحاديين الشرفاء، الرافضين لهذا الموقف المشين، حول راية الأستاذ علي محمود، الذي أصبح رمزاً من رموز النضال الوطني كما كان الزعيم الأزهري والشريف حسين من قبله، وذلك بفضل تاريخه الناصع، ومواقفه البطولية الصلبة تجاه القضايا الوطنية، و لثباته الراسخ على مبادئ الحزب، و لشجاعته المشهود لها في مواجهة فساد الإنقاذ و لِما يتمتع به من صفات قيادية نادرة. و لِما وصل إليه وطننا من وضع ردئ لا يمكن أن يقاس بما سبق ثورتي أكتوبر وأبريل من فساد، و من سوء للوضع الاقتصادي و المعيشي، و من تدهور أمني وتمزق و حروب طاحنة فتكت وشردت مئات الآلاف من الأبرياء، ومن انحلال اجتماعي و صراعات قبلية وعنصرية و إقليمية و جهوية، كان لا بدّ من وجود فئة وطنية متجردة تنهض بأعباء النضال الوطني، وقد كان، فهناك الشرفاء من الاتحاديين و أمثالهم في الأحزاب الأخرى في الداخل، و هناك الجبهة الوطنية العريضة في الداخل والخارج، وعليها عقدت الآمال في بناء وطن موحد، آمن يأمن فيه الناس على أنفسهم و ثرواتهم و أعراضهم، وينعم فيه المواطن بالعزة و الكرامة. (بقلم: الأمين محمود جميل-amin.gamil3@gmail.com ). |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق