الطيب مصطفى
بـين حظــيرة النعـاج والمخـذِّلين!!
قيل للقرد «إننا سنسخطك» فردَّ على مهدِّده قائلاً: «يعني حا تقلبوني غزال؟!».
أقول هذا بين يدي الموقف القوي الذي قيل إن الحكومة اتّخذته بالاعتذار عن استقبال نائب وزير الخارجية الأمريكية جون وليم ومعه آخرون ويقول المراقبون إن هذا الموقف ناشئ عن المواقف الأمريكية الأخيرة المعادية للسودان والمساندة للحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان.
بالله عليكم ماذا قدّمت لنا أمريكا طوال العقدين الماضيين في مقابل انكساراتنا وانبطاحاتنا أمامها من لدن نيفاشا وقبل نيفاشا غير الكيد والتآمر والاضطهاد؟!
كان مبعوثها غرايشون ومن قبله مبعوثها المتعجرف وليامسون يجلسون مع وزرائنا وكبرائنا بمن فيهم نواب الرئيس ومساعدوه ومستشاروه بوجوه مصعّرة ونظرات مستخفّة ليُلقوا إلينا بالأوامر والتوجيهات وكانوا ــ وهذا ما يقطع نياط القلب ــ يرفضون مقابلة رئيس الجمهورية بحجة أنه مطلوب للعدالة الدولية ولا نُبدي أيَّ نوع من الاحتجاج وإنما نستقبلهم بالأحضان وبالابتسامات التي تكاد تشق طرفي الفم وكأنّ مجرد استقبالهم لنا والجلوس إلى حضراتهم يعدل دخول الجنة!! تخاذُل وانكسار وانهزام وانحطاط يفْري الكبد ويفقع المرارة ولا يليق حتى بالنعاج وهل تهشّ النعاج في وجوه جزّاريها؟!
كان وليامسون يأتينا بأوداجه المنتفخة بعد أن يطلق تصريحاته التي يسبّ فيها من يأتي لمقابلتهم ويقول عنهم إنهم مجرد صعاليك (Thugs) ثم يأتي من صالة كبار الزوار ويستقبله أولئك «الصعاليك» بالبِشر والترحاب والضحكات العريضة التي يطفر الذل والصَّغار من بين نواجذها وأفواهها!!
كان غرايشون يعلن من داخل السفارة الأمريكية في الخرطوم من خلال بيانات ممهورة أن سياسة الإدارة الأمريكية تقوم على إستراتيجية «الضغط على الشمال وتنمية الجنوب». Pressuring the North and developing the South. وبالرغم من ذلك يخرج من مكاتب كبرائنا والابتسامات العريضة والكتوف المنحنية والأيدي الممدودة تودِّعه حتى سيارته الفارهة بينما الكاميرات المنصوبة تنتظر الساعات الطوال لتظفر بطلَّته البهيَّة أما صحافتنا فقد كانت تزهو وتفخر حين «تجمِّل» صفحاتها بهمسات ذلك المبعوث «الملائكي» خاصة صحيفة عرمان «أجراس الحرية» التي ما عادت وما عاد عرمانها وورّاقها يدنِّسون ساحاتنا فلله الحمد والمِنّة.
ألم تصدق تصريحات غرايشون حين أعلن بتلك الجرأة وتلك الوقاحة أمامنا أنهم سيضغطون على الشمال ويدعمون الجنوب؟! لماذا يا ترى يبالغ ذلك الرجل في إذلالنا ويعلن أمامنا أنه سيمارس الضغط علينا؟!
أسألكم بالله أن تتوقفوا هنيهة وتحاولوا الإجابة عن هذا السؤال قبل أن تواصلوا قراءة المقال.
أما أنا فأجيب وأرجو أن تقارنوا إجابتكم بإجابتي... إنه يعتبرنا مجرد نعاج ما عدنا نملك من أمرنا شيئًا.. نعاج مملوكة له وتقيم في حظيرته وليس في حظيرة شخص آخر لأنه لا يجوز لراعٍ أن يتصرَّف في نعاج شخص آخر في حظيرة أخرى!!
هكذا بلغ بنا الهوان أيام الوحدة «الجاذبة»!!
أين نحن الآن؟!
لقد تنزّلت علينا الرحمات رغم ضيق العيش وما عادت الساحة ملأى بباقان وعرمان وما عاد البرلمان يضج بمعارضة «الشريك الأكبر» وما عاد دينق ألور ومجلس الوزراء ووزراة الخارجية تشنّ الحرب وتؤلِّب علينا من داخل مبناها الفاخر وما عاد عقار يتوعّد بدخول الخرطوم بل والقصر الجمهوري وخرجوا جميعاً وكبيرهم سلفا كير وتطهّرت أرضُنا وتحرَّرت واستقلّت كما لم تستقلّ من قبل وهلك القذافي وقُتل خليل ووُقِّعت اتفاقية الدوحة وتعالى هديرُ الإسلام وزئير صلاح الدين من قاهرة المعز وخنس شيطان أمريكا وبدأ عرشُها يتهاوى واقتصادُها ينهار ونفوذُها يتقلَّص وقوتُها العسكرية تتراجع.
المتغيِّرات البركانية سواء المحلية والإقليمية والدولية تحتِّم علينا أن نعيد النظر في إستراتيجية السودان الخارجية لنرسم من جديد سياستنا الخارجية فإذا كان السودان الشمالي منطقة ضغط منخفض قبل الانفصال بسبب السرطان الذي كان ينهش في جسده المتعَب والمثخَن بالجراح بفعل الشوكة السامّة المزروعة في خاصرته فقد ذهب الجنوب وتحوَّل الشمال لأول مرة إلى منطقة ضغط عالٍ بينما تحوَّل الجنوب ودولته الناشئة إلى منطقة ضغط منخفض جرّاء الحروب القبلية الطاحنة التي تجتاحه وفساد قياداته وعجزها عن إدارة دفة الدولة رغم ما تبذله أمريكا وإسرائيل في سبيل استقامة الأمور بغية تحقيق أجندتهم في تلك الدويلة المتهالكة.
سعدتُ كثيراً وأنا أقرأ مجدداً خبراً يقول «الحكومة تحذِّر إدارة أوباما من التدخل الأُحادي في السودان تحت غطاء نقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع في النيل الأزرق وجنوب كردفان».
سيكتب غداً بعضُ المنهزمين ممَّن يحملون الجنسية الأمريكية في تيار عثمان ميرغني يلطمون الخدود ويشقّون الجيوب خوفاً وفَرَقَاً وتثبيطاً وتخذيلاً.. أمثال هؤلاء هم الذين حذَّر منهم القرآن الكريم حين قال «هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق