أصابع العم سام تلعب على (بيانو) زعزعة السودان: عبد المحمود نور الدائم الكرنكي
ظلَّت سياسة واشنطن ضد السودان، منذ وصول الرئيس بيل كلنتون إلى لحكم في 1992م وحتى وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض وأداء القسم في 5 يناير 2009م، هى إعادة إنتاج للسياسة الأمريكية ضد نيكاراغوا. حيث كان لواشنطن تجربة ناجحة في حرب (شاغوا) وثورة نيكاراغوا التى أفلحت واشنطن أخيراً فى إسقاطها. وضعت سياسة إسقاط (ثوار سانديست) في نيكاراغوا في عهد الرئيس رونالد ريغان وتمّت متابعة تنفيذها بواسطته وواسطة من أعقبوه من الرؤساء حتى أنجزت هدفها بسقوط الثوار السانديين عن الحكم. وعقب وصول الثوار السانديين إلى الحكم في انتخابات ديمقراطية جرت في نوفمبر 1984م، أعلن الرئيس ريغان حالة الطوارئ فجأة عام 1985م، بسبب ما زعمه من خطر مفاجئ، حدث في نيكاراغوا، ضد الأمن الأمريكي، واستغل الرئيس ريغان الآلة الإعلامية لتضلل الرأي العام، بإطلاق صفارات الإنذار الزائفة بأن نيكاراغوا قد أصبحت على مسيرة يومين من تكساس، وأن الشعب الأمريكي في خطر.
واتخذت الإدارة الأمريكية وأجهزة مخابراتها من أكاذيبها التي صنعتها، ذرائع لتقديم المساعدات العسكرية إلى متمردي (الكونترا) المعادين للثوار السَّانديين. ولم يتوفق التسليح الأمريكي لمتمردي الكونترا، إلا عقب انفجار فضيحة إيران ــ جيت عام 1987م. وفي سياق سياسة واشنطن لإسقاط حكم الثوار السانديين المنتخب، أقامت قواعد عسكرية في دول الجوار النيكاراغوي لمتمردي الكونترا لينطلقوا منها في حرب أهلية ضد حكومة (مناغوا).
وعلى نسق تلك التجربة أقامت الإدارات الأمريكية لاحقاً قواعد عسكرية هائلة في دول الجوار السوداني في أوغندا وإرتيريا وإثيوبيا لمتمردي الحركة الشعبية، لينطلقوا في حرب أهلية متزامنة ضد المدن والجيش السوداني. وبعد انفصال الجنوب وإعلان جمهورية جنوب السودان تمّ الترتيب الأمريكي لتصبح جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وقواعد عسكرية جديدة تنطلق منها قوات الحركة الشعبية في حرب أهلية جديدة ضد المدن السودانية والجيش السّوداني، بهدف إسقاط نظام الحكم في الخرطوم. كما تمّ تسليح حكومة الجنوب أمريكياً، وتمّ دعمها بخبراء عسكريين أمريكيين.
وتجدر الإشارة إلى وجود (قوات خاصة) أمريكية اليوم في إرتيريا. كما أقامت واشنطن قاعدة عسكرية أمريكية في إثيوبيا لطائرات بلا طيار. كما قرر البنتاغون أخيراً تحريك قاعدة عسكرية بحرية عائمة في منطقة جنوب البحر الأحمر بالقرب من الحدود السودانية ــ المصرية. وتحمل تلك القاعدة العسكرية البحرية العائمة مئات من الزوارق العسكرية السريعة والمروحيات ومزودة بفرق الصاعقة (كوماندوز).
يذكر أن الأسطول الخامس الأمريكي أقام قاعدة عسكرية بحرية ضخمة في البحرين. ويتمتع بقاعدة عسكرية جوية ضخمة في قطر، وله قاعدة عسكرية في الكويت. كما تبحر في مياه الخليج العربي أعداد من حاملات الطائرات بمرافقة كل حاملة سبع سفن حربية.
في حالة خطة إسقاط نظام حكم الثوار السانديين، ضربت واشنطن حصاراً بحرياً صارماً على نيكاراغوا، كما ضربت حصاراً سياسياً واقتصادياً، وشنَّت حرباً دعائية كثيفة ضد حكومة السانديين بقيادة دانيال أورتيقا التي أسقطت حكم عميل واشنطن (سوموزا). وفي حالة السودان ما تزال واشنطن تبقى على سياستها المتبعة منذ عام 1992م حتى زوال نظام الحكم الوطني، بأمانيّها، عن الوجود. وسياسة واشنطن هي الإبقاء على صورة السودان رمزاً للشرّ، وإبقاؤه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب ودول الحصار الاقتصادي والملاحقات القضائية (الجنائية). وتسليح دولة الجنوب وحث الجنوب على وقف تصدير النفط عبر الشمال، سياسة واشنطن هي إغراء الجنوب بتعويضه ماليّاً في حالة الامتناع عن تصدير النفط عبر موانئ الشمال لخنق الشمال اقتصادياً، فتتصاعد الأسعار وتتصاعد الضرائب ويستحيل توظيف الخريجين وترتفع ميزانية الأمن والدفاع وذلك حتى يتم إسقاط نظام الحكم، وكذلك يخدم وقف الجنوب تصدير النفط وطرد الصين من صناعة النفط السّودانية لصالح الشركات الأمريكية. وفي ذلك السياق تلعب أصابع المخابرات الأمريكية على (بيانو) زعزعة الاستقرار الداخلي في السودان في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وبرعاية تحالف (كاودا) تحالف (ياي) المسلّح، تحالف بين متمردي الحركة الشعبية في الجنوب ومع متمردي الغرب، واستخدام النزاع النفطي مع الجنوب لاستدراج السودان إلى حروب أهلية جديدة.
وفي محاضرة ألقاها بجامعة (جورجتاون) بواشنطن قال المبعوث الأمريكي السابق إلى السودان أندرو ناستيوس: (لقد فشلت أمريكا في إسقاط نظام الحكم في السودان).
لقد ظلت سياسة أمريكا منذ يناير 1992م عند وصول الرئيس كلنتون إلى الحكم وحتى اليوم هي إسقاط نظام الحكم الوطني في السودان. لكن لئن فشلت أمريكا في إسقاطه عبر الحرب الأهلية في الجنوب والشرق والغرب، أو بواسطة الانتخابات، فما تزال واشنطن ناشطة في منظومة مساراتها المتكاملة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية لإنجاز هدفها وإن طال السّفر.
لقهر مكايد التآمر الخارجي ضد الوطن، على نظام الحكم في السودان أن يتمتع بصورة مستدامة بسند جماهيري واسع، ولكن الفساد يبدّد ذلك السند الجماهيري الواسع، ويؤدِّي إلى تآكله وتلاشيه. لذلك على السودان انطلاقاً من تقرير ديوان المراجعة القومي، أن يبدأ القضاء على الفساد بعدالة ناجزة.
وعندما دخلت الصّين نفقاً مماثلاً في منتصف الستينيات بعد (17) عاماً من نجاح الثورة، أعلن الرئيس ماو تسي تونغ الإصلاح الجذري في الحزب والجيش والخدمة المدنية، في ما عُرف بالثورة الثقافية عام 1966م. حيث تمّ إرساء الانتقال السلس للقيادة من جيل إلى جيل. والصين يحكمها اليوم الجيل الرابع منذ قيام الثورة عام 1949م. وكوادر الثورة الثقافية هم الذين يقودون الصين اليوم. أليس على السودان بعد قرابة (23) عاماً منذ عام 1989م إعلان إصلاح جذري مماثل؟ صعود الصين إلى مرتبة الدولة الكبرى الأولى عالميَّاً في الاقتصاد، تمَّ على يد التيار الإصلاحي المتجدِّد، وليس على سدنة النظام من الحرس القديم الذين انتهت صلاحيتهم وأصبحت أدوارهم فصلاً تاريخياً في خدمة الشعب والوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق