الثلاثاء، 31 يناير 2012

مع الأحداث.. أخطبوط الفساد

مع الأحداث.. أخطبوط الفساد

بقلم: بابكر عيسى

في قديم الزمان وسابق العصر والأوان كانت هناك ممالك وإمبراطوريات مزدهرة يشع من ضيائها النور وينتشر العدل ويعم الأمن والاستقرار، وبقيت تلك الممالك والإمبراطوريات إلى أزمان طويلة إلى أن ابتليت بالأمراض التي أحرقت كل شيء وانتشر الطاعون يحصد في البشر وينخر في أساس تلك الممالك إلى أن انهارت بصورة كاملة إلى جانب أسباب أخرى ساعدت على الهلاك وأسهمت في تقويض ما كان مزدهراً ومشعاً بالضياء.

الآن.. في الألفية الثالثة نحن في مواجهة طاعون من نوع جديد، سيقود إلى ذات النتيجة ويورثنا الخراب والعدم، والطاعون الجديد ليس بعيداً عن مداركنا، وإنما هو قريب نتلمسه كل صباح، ونكاد نستنشقه مع كل زفرة، إنه الفساد الذي أخذ ينتشر في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة، ويدمر كل الأسس التي تقوم عليها، كما يدمر النفوس ويجعل الثقة منعدمة في كل شيء، لتبدأ سلسلة متصلة من الفضائح والكوارث المالية والانهيارات الأخلاقية لمؤسسات يفترض أن تسهر على صون العدالة وحفظ المال العام ومحاسبة القراصنة الجدد.

اليوم عندما ننظر حولنا نكتشف أن اذرع أخطبوط الفساد قد انتشرت بصورة كارثية في جميع الأرجاء حتى بات الفساد ثقافة مقننة ومعروفة في محيط الظلام الذي تتعامل فيه وحوله، ورغم الكثير الذي ينشر في وسائل الإعلام المختلفة عن الفساد والأصابع الملوثة والذمم الصدئة والنفوس المنتفعة بالمال الحرام، فإن ذلك لم يكبح بعد زمام المتورطين في هذه الحلقة الفاسدة التي تتسع على الدوام في مناخات العمولات وغسيل الأموال والرشاوى والاتجار بالبشر وترويج المخدرات.

الانهيارات الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم لم تأت من فراغ، وإنما هي نتيجة منطقية لواقع فاسد تغيب عنه رقابة الضمير ورقابة القانون، ويفسح المجال واسعاً في غياب الشفافية والمراجعات القانونية الأمينة إلى تلوث أيدٍ كثيرة على مستويات مختلفة وان كانت آثار الفساد في الديمقراطيات الغربية محصورة وملاحقة فإن كارثة حقيقية تجري وقائعها في مؤسسات العالم الثالث المالية حيث الديكتاتوريات السياسية والانهيارات الاقتصادية وغياب أي نوع من المساءلة والرقابة، حتى أصبح أخطبوط الفساد ثقافة متداولة ومحمية من الدولة نفسها، وفي تلك المناخات اليائسة ينهار كل شيء ويضيع الإنسان البسيط.

سعدت بإنشاء هيئة للرقابة والشفافية بدولة قطر تكون عيناً ساهرة على المال العام وعلى حسن الأداء وتملك حق المساءلة والتحقيق، وأعتقد أنها خطوة ناجحة وذكية في إطار توجه عام نحو مكافحة الفساد تتبناه الدولة كنهج سياسي سليم.. ونسأل الله أن يحفظنا جميعاً من لعنة الفساد وأن يحفظ أوطاننا، فالفساد لا يأكل فقط قوت اليوم وإنما يلتهم رصيد المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق