الثلاثاء، 31 يناير 2012

الحركة الإسلاميِّة...... جدل المذكرات والمذاكرات

الرأي26
تعالوا بنا نؤمن ساعة نداء أطلقه و اشتهر به الصحابى الجليل عبد الله بن رواحة حيث كان كلما وجد ثلة من اصحاب رسول الله طلب منهم الجلوس للتذاكر حول امور الدين والدنيا قائلا (تعالوا بنا نؤمن ساعة ) ولما بلغ ذلك رسول الله (ص) قال : رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي يباهي الله بها ملائكته ،فى المجهودات المعاصرة لبناء الحركة الاسلامية استعار الداعية الاسلامى الاستاذ محمد احمد الراشد عندما اصدر سلسلة كتبه فى إحياء فقه الدعوة (المنطلق ،العوائق، الرقائق، البوارق) إستعار الراشد هذه العبارة وجعلها احد شعاراته التربوية حيث يرى ضرورة ان تتفرس الحركة الاسلامية فى نفسها فراسة خبرة فى خلوة تأمل فتحدد نقصها وتحصى رصيدها وتتحسس طريقها الى النهضة والبناء فمن تفرس فى نفسه وعرفها صحت له الفراسة فى غيره واحكمها كما قال الراشد نقلا عن الزاهد الحكيم سمنون (محمد احمد الراشد فى كتابه الرقائق) ولضرورة وجود معايير للقياس وثوابت فى التربية جعل الشيخ الشهيد حسن البناء لحركته عشرة اركان للبيعة تكون عقدا يلتزم به العضو فى الجماعة وهو يضع ارجله فى اول عتبات الدخول وجعل للجماعة وللفرد ورد محاسبة يتلى كل صباح ومساء ، لحركة الاسلام ثلاث اواصر هى آصرة الفكرة وآصرة الروح وآصرة الاخوة وهى اواصر متداخلة يشد بعضها بعضا، لإستيعاب الاخ المسلم كاخ قيادى فاعل لا بد من تقوية هذه الاواصر الثلا ث بإتزان وتكامل وهو ما يعرف فى ادب الحركة بمرحلة الاستيعاب ، إنداح هذا الادب وكان للسودان حظ ونصيب منه حيث انتخبت الحركة الاسلامية فى السودان عناصر من الشباب متميزة بالذكاء والشجاعة وربتهم تربية عميقة شاملة صلبة وصنعت منهم رجال قدوة فى كل شئ يحترمهم المجتمع اينما حلوا ،فعندما جاءت انتخابات 1986 نال مرشحو الحركة الاسلامية ثقة النخبة المثقفة فى السودان وفازوا بمعظم مقاعد الخريجين والتى تمثل بالطبع دوائر الوعى والاستنارة ، لكن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر ولست فى حاجة لاجترار المرارات الكثيرة التى ملأت صدور الابرار من ابناء الحركة الاسلامية ممن كفر بالمنهج ويأس من الإصلاح وذهب مغاضبا حاملا للسلاح او ضاربا فى الارض يبكى ضياع حلم حياته او واقفا فى الرصيد يبكى ليلاه او ممزقا نفسيا يصلى خلف على ويأكل من مائدة معاوية ، لقد كنا حتى ايام الثمانينيات من القرن الماضى إذا إعتزل الجماعة فردا من افرادها تداعى كل جسم الجماعة له بالسهر والحمى وعقدت الحلقات لمراجعته ودراسة اسباب خروجه وربما تمت مراجعة كل منهج العمل وتقيمه اليوم نحن نرى ابناء الحركة الاسلامية الخلص يخرجون منها بالعشرات والمئات وينقلبون ضد دولتها ويناصرون اعداءها او يتفرجون على سفينتها وهى تشق عباب البحر وسط امواج متلاطمة من الفتن و القيادة لا تكاد تبالى بل تسعى الى ملء الفراغ حتى لو باصحاب الاجندة الخاصة حارقى البخور فاقدى الابداع ، انتهز هذه الفرصة لاوجه نداءا مخلصا لقيادة الحركة الاسلامية لتكلف مجموعة من شبابها الباحثين ليقوموا بإحصاء العضوية المتفلتة ممن تربى فى كنفها ثم خرج عليها وحمل السلاح ضدها او انتمى الى حزب آخر او كون لنفسه حزبا خاصا اوإنزوى ووقف على الرصيف لا يبالى بمايحدث او بقى فى الصف مع تغير فى سلوكه وخلقة فأكتسب خلقاً وسلوكاً لا يشبه الخلق والسلوك الذى ربت عليه الحركة ابناءها ، تقوم بالاحصاء ثم تعالج المعلومات التى يتم جمعها بواسطة فريق العمل البحثى معالجة احصائية وتحللها تحليلاً علمياً لاستنباض نتائج تبنى عليها سياسات اصلاح وبناء تعيد للحركة الاسلامية هيبتها ومكانتها الريادية وليكن الشعار الذى نرفعه : (تعالوا بنا نتفاكر ساعة ) لا اقول ذلك كإقتراح إنصرافى يصرف الانظار عن المذكرة التى نشرتها التيار فتلك مذكرة قرأها السواد الاعظم من الجماعة التى ننتمى اليها فكرا ووجدانا وبدأ افرادها يشعرون بالغربة عن نظام هم صنعوه وضحوا من اجله ، الساحة السياسية والفكرية اليوم تضج بالمذكرات والمذاكرات وقودها ابناء الحركة الاسلامية وموضوعها اصلاح حال الحركة وفى ذلك علامة حيوية وصحوة نتمنى ان يكون لها ثمرة وحصاد ونحن على ثقة ان ذلك كائن لا محالة ففى الحديث :( فإنما مَثَل أمتي مَثَل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكبها ( أي فسيلة في أعلى النخل ) ، وبنى مساكنها ، وحلق سعفها ، فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً ، فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً ، و أطولها شمراخاً ، والذي بعثني بالحقّ نبياً ليجدنّ عيسى بن مريم في أمتي خلفاً من حواريه) اوكما قال (ص) وفى الالآية : (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم ) الثلة الصالحة اخوتى موجودة الى قيام الساعة و الفرحون بما اصاب الحركة الاسلامية من مرض والشامتون عليها لن يطول فرحهم ولن تستمرشماتتهم النهضة بعد العثرة ممكنة ، المذاكرات و المذكرات التى يمثل واقع الحركة الاسلامية مادتها الاساسية على كثرتها وتنوعها هى دليل عافية وعلامة حيوية وانا اثق ان قيادة الدولة و الحركة واعية ومدركة لخطورة غض الطرف عنها وتجاهلها غير انى اميل الى المذاكرات لا المذكرات واعتقد ان ذلك متاح وحتى ما نشر فى التيار هى فى الحقيقة ورقة اطارية مهما كتبت بلغة جريئة فان المقصود يجب ان يكون الاصلاح لا البحث عن الاثارة وبهذه المناسبة اشكر صحيفة التيار على ما نشرته بخصوص شركة الاقطان لكن اقول طالما الدولة استجابت وبدأت التحقيق فلا ارى اى داعى لمواصلة نشر وثائق فساد خاصة بالاقطان على الصحيفة تسليم كافة الوثائق للجهات المسئولة و البحث عن وثائق فساد فى مكان آخرحتى نحاصر كل بؤر الفساد .
نحن فى حاجة لاستلهام سنن التاريخ والاهتداء بها ولتكن الورقة الاطارية المكتوبة باسم معالم فى طريق الاصلاح والنهضة هى مرجعية من المرجعيات التى ارجوان تأخذ بها القيادة لاجراء جراحات موجعة لبتر كل ما كان سببا للتردى الذى وصلت اليه الحركة الاسلامية لكن لا بد من التأكيد ان مظاهر التبدل الهدام التى رصدتها الورقة الاطارية هى فى الحقيقة مظهر خارجى لازمة داخلية بنيوية عميقة بدأت حتى قبل انشقاق الاسلاميين واستمرت بعد الانشقاق وما عددته الورقة هو فقط مظهر لوضع مأساوى نعيشه وإحباط سببه بؤس الحصاد لعمل استمر لنصف قرن وانتهى الى ما انتهى اليه الآن ، ذكرنى هذا الوضع بتعليق غرباتشوف وهو يستمع الى تصريح من ستالين قال فيه :(ان الاشتراكية قد انجزت بخطوطها العريضة فى بلادنا ) قال غرباتشوف : (حتى انا ورغم انى لست حساسا انفجرت بالدموع ) سأل الصحافى منظر البرستريكا عن سبب دموعه فقال : (الحقيقة لم اكن اعر الواقع البائس الذى يحيط بنا اى إهتمام إذ كانت امامى منارة وهى هذا المستقبل المشرق الذى سنبنيه بايدينا ولا باس إذا كان علينا ان نعمل بكل قوانا لخمس او عشر سنوات ، فسوف نصل فى النهاية الى اهدافنا وفجأة قيل لى ان ما يحيط بى هو الاشتراكية طبعا التى لا تزال فى مستوى الخطوط العريضة ،لم اشعرابدا فى حياتى سواء قبل ذلك او فيما بعد بمثل هذه الخيبة وهذا الاسى الذى اصابنى) (ميشيل هيلير السكرتير السابع والاخير ص 74). نخشى ان ينبرى لنا من ينكر لائحة السيئات الكثيرة التى ذكرتها المذكرة ويدعى ان ما نراه امامنا هو النظام الذى كنا نسعى اليه ، كما نخشى ان يظن اصحاب المذكرة ان فك الارتباط بين النظام الحاكم والحركة الاسلامية كما جاء فى هدفنا ثانيا هو الحل فذاك لعمرى حل هروبى لا يبنى حركة ولا يحافظ على دولة ولقد راينا كيف ان الجناح المعارض من الحركة بعد ان خرج من الحكومة واعلن المفاصلة لم ينصرف الى تصحيح الوضع ويعيد بناء الحركة على اسس جديدة تستفيد من السلبيات التى لازمتها فى السلطة بل اصبح الهم كله مركز الى إزاحة المجموعة الحاكمة وإحتلال مقاعدها ما زالت الاشواق متطلعة الى وضع لم يتحقق فسقط من سقط فى اوحال القبلية والجهوية وخرج من خرج يبحث عن حظ فى السلطة والثروة باى ثمن حتى اصبحت تهمة القبلية والعنصرية توزع بلا ضابط راجعوا ان شئتم ما قاله مندور فى حق منبر السلام العادل او ما قاله والى القضارف فى حق وزير المالية او ما ظللنا نسمعه بإستمرار من مصادر متعددة من اتهام بالعنصرية والجهوية ، الامر اخوتى ليس بالسهل كحجر نلقيه فى بركة ثم نقف لنراقب اثره او نحصى الدوائر المتتابعة الناتجة من رميه ، الامر كما قالت السيدة خديجة رضى الله عنها حيث قالت : (عندما نزل على رسول الله (ص) انا سنلقى عليك قولا ثقيلا رأيت تحت اذنيه قطرات من العرق ونحن فى عز الشتاء ) اوعندما جاء (ص) الى المنزل مرهقا متوترا وقد نزل عليه : يايها المدثر قم فانذر ، اردت ان اهئ له شيئا من سبل الراحة فقال لى (ص) بلغة حازمة لقد مضى وقت النوم يا خديجة ! نحن امام ثورة حقيقيه مطلوبة للمحافظة على ما انجز ولتصحيح الاخطاء وإعادة الحياة الى المشروع الذى نحن مستعدون للتضحية من اجله بل مستعدون لنهب له كل حياتنا لكن وسيلة ذلك ليست المذكرات المنشورة فى وسائل الاعلام إنما المواجهة المباشرة مع القيادة ، لماذا لم ينظم اصحاب المذكرة جلسات صالونية يناقشون فيها الموضوع ويبلورون فيها الراأى ثم يرفعونه لمؤسسات الحركة الشورية او يطلبون له جلسة خاصة ، امامنا الاستجابة او السقوط
القرآن الكريم يحشد عدداً كبيراً من قصص نهوض وسقوط حضارات الامم التى سبقتنا وهو بالطبع لا يورد هذه القصص الا ليوفر لنا رصيداً كافٍ من التجارب الانسانية والعبر الحياتية ولعل من المناسب ان نشير الى ما اورده فيلسوف التاريخ المعاصر جون ارنولد توينبى الذى يرى ان نشوء ونمو الحضارات ناتج عن التحدى الخلاق والاستجابة الضافرة وان سقوط الحضارات محكوم بثلاثة عوامل هى 1/- ضعف القوة الخلاقة فى الاقلية الموجهة وتحولها سلطة تعسفية 2 /- تخلى الاكثرية عن موالاة الاقلية المسيطرة 3/- الانشقاق وضياع الوحدة ،ويرى تونبى ان الفرق بين زمن النشوء والنموء وزمن السقوط هو ان الاقلية الخلاقة فى زمن النشوء تكون قادرة على القيام بالردود الناجحة المستمرة لسلسلة التحديات المتجددة لكنها فى مرحلة السقوط تكون عاجزة عن القيام بهذه المهمة وتنقلب الى اقلية مسيطرة تحاول الحفاظ بالقوة على مراكز قيادة لم تعد تستحقها، ونتيجة لذلك يحدث الانفصال الوجدانى والشعورى او حتى العضوى بين الاقلية والاكثرية ويحدث ما يسميه تونبى زمن الاضطرابات إذ تنشأ الفتن المحلية و الحروب وهو ما يحفز الاقلية المسيطرة حسب رأى تونبى الى خلق الدولة الجامعة التى تمثل استجابة مستبدة عاجزة لا تلبث ان تنهار مهما طال عليها الامد(راجع د0 عماد الدين خليل التفسير الاسلامى للتاريخ ص 83،84) ورغم الانتقاد الذى واجهته نظرية تونبى فى نشوء وسقوط الحضارات لكنها جديرة بالدراسة والنظر ومن حسن حظ الحركة الاسلامية ان البناء العقدى للمسلم لا يعترف بحتميات العلمانيين من لدن هيجل وماركس وتوينبى التى ترى ان السقوط حتمى بل يؤمن ان الانسان صاحب ارادة وقدرة على تغيير واقعه وان النظر الواعى الى مصائر الامم الهالكة يمكن ان يجنبنا مصيرهم
( قال تعالى:
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) هذه السنن ماضية بغض النظر عن قوة الجماعة المادية ودورها الحضارى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ - كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (21) (غافر) نحن مع المراجعة والمذاكرة والاعتبار بمصير الامم التى ظلمت لقد ابلغ اصحاب المذكرة رسالتهم وعليهم نقلها الى مؤسسات الحركة لا الصحافة إن كانوا جادين فى الاصلاح وسيجدون من يستمع اليهم ويدعمهم .
dugash1@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق