الاثنين، 27 فبراير 2012

طلاب دعم ورعاية الصندوق!!



أصدرت إدارة جامعة الخرطوم بيانا تبرئ فيه ساحتها مما حدث في داخلية الوسط من عسف تجاه الطلاب، وتؤكد فيه أن اقتحام الشرطة للداخلية يسأل عنه صندوق دعم الطلاب أو رعاية الطلاب لا فرق. ومعروف أن مهمة أي صندوق دعم او رعاية في الدنيا هو مساعدة الجهة المناط به خدمتها ورعايتها، وبالتالي هو محل حفاوة واحتفاء وتقدير من هذه الجهة المستفيدة. لكن يبدو أن صندوق دعم الطلاب لا يحظى بمثل هذا الاستقبال من مجموع الطلاب، بل هم يتهمونه علنا، وبحسب الأحداث المرصودة والموثقة، يتهمونه بالوقوف ضد مصالح الطلاب، وأنه يتجاهل مسؤوليته الأساسية عن شؤون الطلاب، بينما يضع في أول سلم اهتماماته جمع وتكديس الأموال تمهيداً لدخول سوق الاستثمار. وفي الحقيقة، فإن واقع الحال يقول إن العلاقة بين هذا «الصندوق العجيب» والطلاب، ظلت أشبه بالعلاقة بين «الشحمة والنار»، لدرجة تندر الطلاب والإشارة إلى الصندوق باسم «طلاب دعم الصندوق»! وأعتقد أن الأحداث الأخيرة، ودور الصندوق فيها، تجعلنا أميل إلى قبول هذه الإشارة، وما تحمله من دلالات ذكية. ففي فجر الجمعة 19 فبراير 2012م، اقتحمت قوات من الشرطة، مدججة بالسلاح الناري، داخلية «الوسط» لطلاب جامعة الخرطوم، لتنتزع الطلاب من أسرة نومهم إلى مخافر الشرطة. ويدعي الطلاب أن أحد مسؤولي «الصندوق العجيب» كان يرشد القوة المهاجمة من عربته اللاندكروزر المظللة!. وهكذا، وبين اليقظة والأحلام، حشر الطلاب في الدفارات ثم في زنازين مخافر الشرطة في مدينة الخرطوم. وما هي إلا ساعات قليلة، حتى تقاطر بعدها عشرات الضامنين والمحامين والناشطين على أقسام الشرطة، وبعد «لت وعجن» ظهر أن البلاغ المدون ضد الطلاب هو الإزعاج العام.. بلاغ إزعاج عام يدون ضد نائم!!
وبسؤالنا لعدد من الطلاب، كانوا يرددون إجابة واحدة، هي أن أصل الحكاية «بيعة» واستثمار، وفتح شارع البرلمان ليستكمل امتداده وسط الداخلية، وبناء مولات وعمارات سوامق وبزنس....الخ، وأن هذه هي أولويات «الصندوق العجيب» الذي يريد إخلاء الطلاب من الداخلية، في إطار خطة عامة يهدف منها إلى تجفيف الداخليات من الطلاب. وأعتقد، من البداهة القول بأن أية مؤسسة خدمية، تحترم ما هو مدون من أهدافها ومرجعيات تأسيسها، يفترض أن تضع الإنسان قبل الأرباح. وتزداد حساسية الوضع وخصوصية الموقف تجاه الإنسان، إذا كانت هذه المؤسسة تعمل في مجال التعليم وخدمة الطلاب. أما أن يستعين الصندوق العجيب بالشرطة لدحر كل من يقف أمام مشاريعه الاستثمارية، فهذا يؤكد أولاً أنه، أي الصندوق، أقرب إلى خدمة رأس المال الطفيلي من خدمة الطلاب، وثانياً، إنه يبرع، بل ويتفنن، في استخدام أحد أهم تاكتيكات الرأسمالية الطفيلية، أي استخدام جهاز الدولة لصالح مراكمة رأس مالها. ومن هنا مشروعية التساؤل حول: كيف يؤتمن هذا الصندوق على خدمة الطلاب؟ وقضية الطلاب مع الصندوق، هذه المرة، من الواضح أنها من نوع مختلف. فهم لم يحتدوا معه حول أدائه السيئ في الخدمات، ولم يحتجوا بشأن قلة الدعم أو عدم السكن. ولتبرير الهجمة على طلاب الداخلية، يدفع الصندوق بعدد من المحاججات الواهية المكرورة، من نوع:
- تسكن في الداخلية مجموعات غير طلابية، تضم: تجاراً من السوق العربي، موظفين، أهل الطلاب وأصدقاءهم..الخ. والملاحظ أن هذه الحجة كانت من ضمن الحجج التي سلبت بها الإنقاذ حق الطلاب في السكن والإعاشة. لكن بوابات الداخلية هي مسؤولية الحرس الخاص الذي عينه صندوق دعم الطلاب، فكيف سمح بدخول غير الطلاب؟ ثم أن عدد الطلاب الذين وزعوا على الداخليات الأخرى بعد إطلاق سراحهم تطابق مع العدد الذي أعلن عن وجوده في الداخلية ساعة الاقتحام...إنها حجة واهية تماماً! وفي ظل الأوضاع غير المشجعة للسكن في الداخلية، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا طعام، تبقى الحقيقة الساطعة هي أن الساكنين هم من أبناء الولايات الأخرى البعيدة، والذين لا أهل أو أقرباء لهم في العاصمة.
- الصندوق أعلن عن اكتشاف سلاح في الداخلية!! لكن لم نسمع بتدوين أي بلاغ بحيازة سلاح ضد أي من الطلاب، فالبلاغ الوحيد المدون ضد الطلاب هو الإزعاج العام! وثانياً، هل يا ترى وزع الطلاب في الداخلية الجديدة بعد إطلاق سراحهم ومعهم أسلحتهم؟؟
- والغريب، أن الطلاب المحتجزين أكدوا أنه لم يتم معهم أي تحقيق، ولا أية إشارة لأي بلاغ! وأفاد بعض ذوي الطلاب، أنهم، وعند سؤالهم الضباط في مراكز الشرطة، أكد الضباط، في البداية، أنه لا يوجد أي بلاغ ضد الطلاب من أية جهة، وأنهم، أي الضباط، لا يدرون إذا كان الطلاب يحتاجون لمحامٍ أم لا!. ثم فجأة، وبعد انتشار المحامين وضامني الطلاب في مراكز الشرطة، ظهر موضوع بلاغ الإزعاج العام!!
ومن جهتها، قدمت الشرطة عدداً من المبررات، للأسف، نعتقد أنها أيضاً غير منطقية:
- الشرطة تدخل الحرم المكي وفي الكعبة، فلماذا لا تدخل الحرم الجامعي؟! لكن هل شرطة الكعبة والحرم المكي خصصت لجر الحجاج النيام لرمي الجمرات، أم للمساعدة وتقديم الخدمات للحجاج والمعتمرين؟!
- الشرطة وجدت....أشياء لا تريد الإفصاح عنها لأسباب تربوية! وهذه حجة واهية أيضاً. فإن تعتدي على شخص، هذا فعل قائم بذاته، وأن تعلن بعد ذلك أنك اكتشفت أنه يحمل ممنوعات «لتأكيد إنه يستحق الاعتداء» فهذا محض تبرير ليس أكثر. ولأن الشرطة ليست جهازاً خاصاً، بل جهازاً قومياً، فإن أي أمر يؤشر لخلل تربوي يجب نشره على كل المجتمع حتى يتم التدارك والعلاج.
وبالطبع لم تشأ الحكومة أن يفوتها المولد، أو تتخلف عن صرف الدمغة المعروفة: المعارضة وراء أحداث جامعة الخرطوم!! أعتقد سيكون من السخف أن نناقش ونفند هذه المقولة الثابتة المتكررة. ولكنا نقول: إذا لم تتعاطف المعارضة مع الطلاب، ولم يتعاطف الطلاب مع المناصير، ولم يتعاطف المناصير مع أهل دارفور، ولم يتعاطف أهل دارفور مع مزارعي الجزيرة، ولم يتعاطف كل الشعب مع الأوضاع المأساوية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فكيف يكون التعاضد والتآزر الإنساني، وكيف تكون الحياة وكيف يكون الوطن، بل وكيف يكون الشعب السوداني؟ ليس من المنطق أن يواصل نظام الإنقاذ مداراة خيباته بالمعارضة، فهناك معايير محددة يقاس بها الفعل المحدد. ومن المؤكد أن المعارضة تتهم الإنقاذ، علناً، بأنها تحكم البلاد على طريقة حكم حوش أو ضيعة خاصة، وأنها، أي المعارضة، لا تخفي سعيها الحثيث للتغير ومن ثم حكم البلاد بطريقة تختلف تماماً عن طريقة الإنقاذ. أما إذا كان منهج الحكومة وهدفها هو عزل القضايا عن بعضها البعض، فإن المعارضة تهدف إلى التأكيد على أن أية أزمة أو قضية مثارة في البلد، هي أحد أشكال تجلى الأزمة العامة في البلاد، والتي تشير أصابع الاتهام فيها إلى ممارسات النظام الحاكم باعتباره المسبب لهذه الأزمة. وهنالك قصة تم تداولها من قبل حول قيام رئاسة الجمهورية بعزل مدير إحدى الجامعات من منصبه لصالح الصندوق العجيب.
خلاصة القول، وما دام الأمر بين الطلاب والصندوق العجيب وصل إلى حد أن خدمة الصندوق هي رفع الطالب بملابسه الداخلية في الدفار وحشره في الزنازين مع المجرمين، فإننا، وبمنتهى الصراحة، لا نرى أية فائدة مرجوة من هذا الصندوق لخدمة الطالب، والأفضل التخلص منه، على أن تدفع المستحقات المالية مباشرة إلى إدارات الجامعات. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق