السبت، 3 مارس 2012



عبده مصطفى داؤود-عبده مصطفى داؤود(راى47)
عبده مصطفى داؤود

مقالات سابقة

الأرشيف


free counters
عبده مصطفى داؤود(الأرشيف)
اليساريون والإسلام (1-3)
قرأت الحوار الذي أجرته جريدة الأحداث مع الأستاذة/ هالة عبد الحليم رئيسة حركة حق في عددها الصادر يوم الجمعة 20/1/2012م ونسبة لأن هذه الحركة قد خرجت من رحم الحزب الشيوعي السوداني كنت أعتقد أن هذه الحركة سوف تقدم طرحاً فكرياً جديداً يتجاوز كل سلبيات الحزب الشيوعي في الماضي وسيما بعد انهيار المعسكر الشيوعي في العقد الأخير من القرن الماضي ذلك الانهيار الذي شبه بانهيار أهرامات الرمال، لذلك حرصت على قراءة هذا الحوار لعلي أجد ما يعزز اعتقاداتي تلك إلا أنني وعلى العكس من ذلك خرجت بحقائق كثيرة أهمها هي أن اليساريين ملة واحدة في نظرتهم للإسلام حتى ولو تغيرت أسماؤمهم و قياداتهم.
فقد أكدت رئيسة حركة حق عداءها الدفين للإسلام ووجهلها التام بتعليمه وذلك من خلال إجاباتها على بعض الأسئلة التي وجهت إليها حيث أكدت أنهم لا يؤمنون بأن هناك دستور إسلامي بل حتى مجرد الحديث عنه يعتبر فرية كبيرة كما أكدت أن لا أحد يستطيع أن يتحدث باسم الله أو أي حديث مقدس وحتى عندما سئلت بأن المجتمع السوداني يرفض فكرة العلمانية بحكم أن معظم السكان مسلمين وملتزمون بدينهم، عزت ذلك إلى التخلف وعدم الوعي وعدم التعليم بل تمضي أكثر من ذلك حيث دعت إلى وجوب الفصل بين دين الشخص وبين وجوده في الدولة لأن الحقوق في الدولة تقوم على المواطنة وليس الدين وحتى العلمانية في نظرها ليست ضد الدين وتنادي بإبعاد مؤسسة الدولة عن الدين .
هذه هي بعض الحقائق التي خلصت إليها من خلال قراءتي لهذا الحوار وهذه الحقائق هي التي أكدت لي أن اليسار لا يزال يحمل حقده الدفين ضد الإسلام وهذا الزعم مني ليس افتراءً على اليساريين الذين يتزعمهم الحزب الشيوعي الذي خرجت من رحمه حركة حق, بل هو حقيقة مؤكدة جاءت على لسان قادة ومؤسسو الحركة الشيوعية العالمية فهم يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم لكن فات عليهم أن الله متم نوره ولو كره الكافرون، وأنه سيريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.
ففي مقال سابق نشر بصحيفة آخر لحظة بعنوان (الشيوعية والأديان) أشرت إلى طرف من بعض آراء قادة ومفكري الحركة الشيوعية العالمية ونظرتهم نحو الأديان فقد ذكرت أن الشيوعية ما هي إلا دعوة إلحادية قامت لتعادي كل الأديان عداءً لا هوادة فيه ولا رحمة بل تسعى لانتزاع مشاعر التدين من القلوب بكل السبل وهذا الموقف العدائي للأديان من قبل هؤلاء القادة والمفكرون قد صوره لينين في كتيب يجمع أفكاره المتناثرة عن الدين تحت عنوان «آراء لينين في الدين»؛ حيث قال: (إن الماركسية مادية لذلك فإن عداءها للدين عداءً لا رحمة فيه). ويقول: (يجب علينا محاربة الدين وهذا من أبجديات كل النظريات المادية التي من بينها الماركسية لكن الماركسية ليست من الماديات التي تقف عند هذا الحد بل تذهب أبعد من ذلك فعلينا معرفة كيف تحارب الأديان ولنفعل ذلك علينا أن نقوم بشرح مصدر الدين للطبقة العاملة بصورة مادية لأن محاربة الأديان لن تتم بمجرد الخطب الفكرية المجردة بل يجب أن يرتبط ذلك بحركة الطبقة العاملة التي تهدف إلى قطع الجذور الاجتماعية للدين). ويقول أيضا: (الماركسي يجب أن يكون ماديا - أي عدوا للدين - لكن يجب أن يكون مادياً ديلكتيكيا أي يستخدم المنطق في محاربته للدين). ويعرف لينين الدين بأنه (جانب من جوانب الاضطهاد الروحي الذي يقع في كل مكان على الجماهير التي حكم عليها بالكدح الأبدي من أجل الآخرين وذلك بسبب حاجتها وعزلتها). أما ماركس فقد كان يعتقد أنهم لكي يحرروا الطبقة العاملة وبالتالي الجنس البشري ككل لابد من أن ينزعوا الشعور الديني من القلب الإنساني). ويقول: (ليست حرية الضمير الدينية هي ما نريد ولكن تحرير الضمير الإنساني من الخرافة الدينية) وينسب إليه القول بأن الدين أفيون للشعوب .
والشيوعية التي هي إبداع روسي تقيم برنامجها كله على نظرة عالمية محدودة وقد ورد في القسم رقم (13) من دستور الحزب الشيوعي الروسي الذي يعتبر الدستور الأنموذج لكل الأحزاب الشيوعية «إنه ينبغي على كل عضو من أعضاء الحزب الشيوعي أن يكون ملحداً وأن يقوم بالدعاية المناهضة للدين ومطلوب من أعضاء الحزب أن يقطعوا كل صلة لهم أياً كانت بالكنيسة». والشيوعي الحقيقي لا يمكن أن يكون متديناً أو مؤمناً بأي دين وثمة نظرة محددة إلى العالم يجب أن يلتزم بها عضو الحزب الشيوعي هي أنه ينبغي أن يكون ملحداً محارباً».
إن الشيوعيين بمختلف أسمائهم ومسمياتهم وفي جميع كتاباتهم وأقوالهم التي تعرض وجهة نظرهم للأديان يطالبون بالنضال المحارب ضد كافة الأديان. والشيوعي يجعل نفسه موضعاً للشبهات إذا أظهر أي فتور في الدعاية المناهضة للأديان. فالشيوعيون يسعون لمحاربة التدين وذلك من خلال إعلانهم والتزامهم بإلحادهم النضالي ذلك لأن موقف الشيوعية المعادي للدين موقف العداء الذي لا هوادة فيه وليس ظاهرة عرضية وإنما هو موقف نابع من جوهر النظرة الشيوعية العامة للحياة. وأن نضالهم المحارب للأديان يتم في علم الفكر والأفكار وهذا هو الرأي الذي اتخذه ماركس عند القتال ضد الأديان لاعتقاده أن العقل بعد أن يسيطر على نفسه ويحرر نفسه من التقاليد التي رُبط في أغلالها ينطلق لمعارضته للاعتقاد في الله. أما العقل الأكثر نضجاً والمتحرر فعلاً فيدرك حدوده ويغير موقفه من الاعتقاد الديني. لذلك لابد من أن يتم انتزاع الشعور الديني من القلب الإنساني. لذلك ليس غريباً أن يوجد بيننا من الشيوعيين من يحفظ شيئاً من القرآن أو يصلي أو يصوم ذلك لأن الشيوعيين يريدون محاربة الدين بصورة ديلكتيكية ويبدو أن هذا الأسلوب هو الذي جعل الأستاذة/ فاطمة أحمد إبراهيم رئيس الاتحاد النسائي السوداني الجناح النسوي للحزب الشيوعي السوداني أن تصف نفسها بأنها متدينة جداً وتقاسي لكي تبدو محترمة وتقليدية في ملبسها حيث تحرص على تغطية وجهها ورأسها عند ظهورها في التلفزيون وإن كان هذا المسلك منها قد شكت منه بعض عضوات الاتحاد النسائي والحزب الشابات اللاتي يرين أن ذلك يضر ويؤذي قضيتهن (أي تحرير المرأة). وهذه الصورة التي تحرص الأستاذة/ فاطمة الظهور عليها هي التي على ما يبدو دفعتها لأن توجه نقدها للاشتراكية الدولية حيث قالت: «أنا على قناعة مع نفسي بأن الاشتراكية فشلت في أجزاء كثيرة من العالم لم تفسر وتطبق بصورة صحيحة. أما الخطأ الثاني فهو إنكار الله وإنكار الدين الذي هو الملاذ الأخلاقي والروحي لكثير من الناس». كذلك كانت هناك وجهتي نظر في موضوع الأخلاق والدين وإستراتيجيات الحزب والاتحاد النسائي «وإحدى وجهتي النظر ترى أن التقدميين يجب أن يستخدموا الإسلام لهزيمة المتطرفين ووجهة النظر الأخرى هي أن عليهم مواجهتهم بأفكار علمانية».
هذه هي نظرة الشيوعيين للأديان، لذلك ليس غريباً أن تأتي آراء رئيسة حركة حق التي خرجت من رحم الحزب الشيوعي, مطابقة لآراء وأفكار قادة الشيوعية العالمية بل لو لم تصرح بما قالت لشك المرء في انتمائها للحزب الشيوعي قبل أن تخرج عليه لتنشئ مع رفاق لها حركة حق لأن الشيوعي الذي يظهر أي فتور في الدعاية المناهضة للدين أو لم يمارس الشيوعية المحاربة يجعل من نفسه موضعا للشبهات كما أسلفت .
لكن هل حقاً أنه لا يوجد هناك ما يسمى بالدستور الإسلامي كما تزعم الأساذة/ هالة وأن الحديث عنه يعتبر فرية كبيرة؟ وهل يمكن أن تحل المواثيق التي توصلت إليها التجربة الإنسانية لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والقانونية والقضائية وحق المواطنة, هل يمكن أن تحل هذه المواثيق مكان الدستور الإسلامي في البلاد الإسلامية؟ وبصيغة أخرى.. هل الإسلام كنظام لا تتوفر فيه الحقوق الأساسية للإنسان لذلك يجب الاستعاضة عنه بهذه المواثيق الدولية ولذلك يجب الفصل بين الدولة والدين؟ وهل الدين شأن شخصي يجب أن يتم الفصل بين دين الشخص ووجوده في الدولة؟ وهل حقا أن العلمانية لا تعادي الأديان وأنها تسمح بحرية التدين؟
هذه الأسئلة وغيرها سأتناول الإجابة عليها في الجزء التالي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق