السبت، 3 مارس 2012

صراع الأفكار والرؤى وسط الإسلاميين (1-2)


صراع الأفكار والرؤى وسط الإسلاميين (1-2)
تعد المذكرة أو المذكرات التي رفعها عدد من الإسلاميين سواء كانوا في السلطة أو منضوين تحت لواء حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو خارج أسوار السلطة. فهم قد تأثروا بالتحولات في المنطقة والمشاكل التي تحيط بالبلاد. وتعد مذكراتهم حجراً حرَّك الساكن وخلقت مذكراتهم جدلاً سياسياً في الوسط السياسي. وقد أصبحت تغطي ما عداها من أطروحات سياسية، ويعود ذلك لسببين: الأول باعتبار أنهم هم الذين يتحملون كل أوزار السلطة من فقر وحروب وانفصال الجنوب ومصادرة للحريات... وغيرها. والثاني: أن دعوة الإصلاح والتغيير جاءت من داخل النظام مما يؤكد أن هناك صراعاً داخل الحزب الحاكم واختلافاً للرؤى، الأمر الذي لا يجعل هناك مساحة للهروب حيث أن قيادات السلطة دائماً تحاول أن تقلل من إخفاقاتها كما تُعزى تحركات المعارضة إلى أنها مدفوعة بأجندة خارجية. وهذه الحركة تؤكد فعلاً أن هنالك مشاكل حقيقية يجب الوقوف عندها والعمل على معالجتها، لذلك نستطيع أن نقول إن المذكرة جاءت كردة فعل لأوضاع داخلية وأخرى خارجية تتمثل في ثورات الربيع العربي الذي أدى إلى صعود الحركات الإسلامية إلى قمة السلطة من خلال صناديق الاقتراع أي برضى الشعوب. هذا التحول في المنطقة والمحيط كانت له انعكاساته داخل السودان خاصة بعد ما رفضت مجموعة من الحركات الإسلامية أن تربط تجربتها بالتجربة السودانية. وفي الداخل - وحسب ما نصت عليه المذكرات – فإن قضية الفساد والعجز عن إدارة دولاب الدولة من أجل تحسين مستوى معيشة المواطنين والحروب المنتشرة في أقاليم السودان - كلها أزمات لا يلوح في الأفق ضوء يشير لقرب حلها. كما دعت المذكرة فك الارتباط بين الحزب والدولة لأن الارتباط يعد سبباً مباشراً للمفسدة كما أشارت المذكرة.
في عدد من اللقاءات التي أجرتها الصحف مع عدد من قيادات الحركة الإسلامية خارج السلطة ومن هم مشاركين فيها، يعزي هؤلاء إلى أن المشكلة تكمن في أن التحديات التي تتعرض لها السلطة كانت وراء تحرك الإسلاميين ورفع مذكراتهم، وإن كان هناك من يعتقد أن مشكلة الفساد والمحسوبية والعجز في تجديد الأفكار تعتبر من التحديات القوية التي تهدد أركان السلطة، وإن كان الشيخ أحمد عبد الرحمن يعتقد أن الحركة الإسلامية قد انصهرت في المؤتمر الوطني الذي أصبح يتمثل دور الحركة الإسلامية في دور رقابي لتقديم النصح والمشورة وبالتالي هو لا يعتقد أن هناك حركة إسلامية خارج الحزب الحاكم ولكن الشيخ أحمد عبد الرحمن نفسه له رؤية في التحديات التي تواجه النظام في اللقاء الذي أجرته معه جريدة «الرأي العام»؛ حيث قال: (إن الفقر بات يمثل أكبر تحد للمشروع الإسلامي وحذَّر الدولة من مغبة التخلي عن الشرائح الضعيفة والتهديد للمشروع الحضاري يأتي من الفقر. ويضيف قائلاً إن الحركة الإسلامية تعاني عجزاً في تجديد الأفكار والأطروحات، وأنها لا تستطيع التصدي بمفردها للتحديات. ثم انتقد سياسة التمكين التي تتبعها السلطة والحزب الحاكم. وقال إن الفساد ليس مالياً فقط إنما المحسوبية أيضاً فساد).
إذن الشيخ أحمد عبد الرحمن لم ينفِ قضية الفساد بل أضاف إليها المحسوبية التي تمارسها السلطة كإحدى أهم سياسات مشروعها السياسي أما قضية المشروع الحضاري أعتقد أنها مشروع آيديولوجي أفرغته السلطة من محتواه ولم تعد تتحدث عنه إلا في شعارات توجهها للعامة وليس النخبة.
وفي الحوار الذي أجرته جريدة «الأحداث» مع الدكتور قطبي المهدي رئيس الدائرة السياسية في حزب المؤتمر الوطني انتهج المنهج التبريري وحاول أن يلوي عنق الحقائق عندما يقول: (إن الغنوشي تعلم من الحركة الإسلامية وهو تلميذها حتى قبل وصولها إلى الحكم وبالنسبة للتنوع هو في تونس تحالف مع حزبين ونحن حكومتنا مكونة من خمسة عشر حزبا). هذا حديث يجافي الواقع فحركة النهضة تحالفت مع قوى موجودة في المجتمع ولها شعبيتها وليست قوى سياسية من صناعة النظام. لذلك التحالف أو المشاركة قائمة على واقع سياسي في الشارع وأن الإنقاذ رفضت القوى الحية في المجتمع وفضلت القوى المصنوعة. وقال الدكتور قطبي: (نحن سعينا إلى إدخال تعديلات واسعة في الجمهورية الثانية والرئيس وجه بعدم تعيين وكيل وزارة سياسيا). هذا التوجيه من الرئيس يؤكد سياسة التمكين السائدة وسياسة الولاء بدلاً عن الكفاءة. كما إن التوجيه نفسه يعد تأكيداً بأن ليس هناك لوائح وقوانين تضبط العمل لأنه إذا كانت هناك لوائح تم الالتزام بها لم يكن هناك توجيه. وهذا يدل على أن الدكتور قطبي المهدي لم يتعامل باللقب الذي يسبق اسمه «دكتور» وفضل التعامل من خلال وظيفته السابقة والميول نحو المنهج التبريري الذي يعتقد يمثل الحصن المنيع لحمية السلطة.
أشار الشيخ أحمد عبد الرحمن لقضية مهمة جداً وهي العجز في تجديد الأفكار والأطروحات وهي ليست مشكلة السلطة والحزب الحكم إنما هي مشكلة كل القوى السياسية السودانية، وهنالك مؤسسات داخل الأحزاب مهتمة بقضايا البحث والدراسات إنما الأحزاب تعتمد على كاريزماتها في عملية قيادة العمل السياسي وتقديم الأطروحات الفكرية. فنجد مثلاً الدكتور الترابي هو المفكر والقائد السياسي لتنظيم الحركة الإسلامية، ثم أصبح المشير عمر البشير هو المفكر والقائد السياسي للحزب الحاكم والسيد الصادق المهدي هو المفكر والقائد السياسي والإمام لحزب الأمة والأنصار، والسيد محمد إبراهيم نقد هو المفكر والقائد السياسي للحزب الشيوعي، والسيد محمد عثمان الميرغني هو القائد السياسي وزعيم الطائفة الختمية. هذه الحالة الفريدة والخاصة بالسودان هي التي أبعدت المنهج النقدي عن الساحة السياسية واستبدلته بالمنهج التبريري الذي لا يسمح بنقد أفكار تلك القيادات والتعارض معها حتى داخل الأسرة الفكرية الواحدة. وفي ذات الوقت منعت ظهور أي قيادات فكرية أو سياسية على الساحة دون رضى هذه المجموعة القابضة على المؤسسات السياسية، لذلك جاء العجز والفشل باعتبار أنه ليس ثمة إمكانية لظهور أطروحات جديدة يمكن أن تثير حواراً سياسياً بين النخب ذات الأفكار المختلفة والمتباينة. وفي ذات الوقت أدت إلى تقليص مساحات الحرية والديمقراطية إن كانت داخل المؤسسات السياسية أو في الدولة وإمكانية ظهور أفكار جديدة داخل التنظيم سوف تلقي بصاحبها خارج أسوار المؤسسة السياسية مما جعل الفشل الفكري فشلاً عاما.
أما العجز الذي أصاب الحركة الإسلامية وأدى إلى فشلها في تقديم أفكار وأطروحات أن الحركة الإسلامية كانت قبل السلطة حركة سياسية اجتماعية ديناميكية الحركة وتعمل من خلال شبكة كبيرة من المؤسسات كل في مجال اختصاصها ولكنها تتفاعل فيما بينها وأبرز هذه المؤسسات كانت هي مؤسسة الشباب والطلاب وهي مؤسسة كانت من خلال احتكاك عضويتها مع رصفائهم من القوى السياسية الأخرى - كانوا يرفدون التنظيم الأم بالأفكار والأطروحات الجديدة وهذا الاحتكاك كان يفرض عليهم تأهيل أنفسهم بالجانب المعرفي والفكري والمثابرة على القراءة في المجالات المختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق