يبدو أن من لا يعلمون مهمة الصحافة ليسوا - فقط - من لا علاقة لهم بها كدراسة أو لا يقرؤونها حين تخرج مطبوعة على ورق يكلفنا الكثير، إن كان مصقولاً أو غير ذلك.. لقد أثبتت صحف الأمس أن هناك أيضاً رئيس البرلمان، الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر، لا يعلم مهمة الصحافة ودورها المهني تجاه الشعب والوطن.. رئيس البرلمان اتهم الصحفيين الذين يعكسون الرأي الآخر في صحفهم بالاتصال بقيادات المتمردين بـ(الخيانة..!). وأخشى إن أصدرت غداً شركة فري ويرد للصحافة والنشر الناشرة لصحيفة التيار إصدارة جديدة حتى ولو كانت مجلة أطفال تتهم بالخيانة، وربما تضاف لها عبارة (العظمى).. ماذا تريد منا الحكومة أن نكتب في صحفنا.. لم يتبقّ لهم غير أن يصدروا لنا قراراً باستخدام برنامج (الرسام) فقط في الصحافة لرسم أشكال هندسية وحدائق وفاكهة.. ونشر الـ(games) وغيرها من الأمور الانصرافية.. لماذا يخرج علينا كل يوم أحد الساسة الموقرين ببدعة جديدة ترسم لنا مسار عمل الصحافة وتتدخل في أداء رسالتها.. الصحافة سلطة مثل أي سلطة أخرى في الدولة تؤدي دورها بكل مهنية وشرف للمهنة وللوطن، وأحد متطلبات هذه المهنة بل أساسياتها عكس الرأي والرأي الآخر بكل وضوح ودون تزييف.. وبمنتهى الاحترام لعقل القارئ.. يترك له استخلاص الحقائق وإدانة هذا والتعاطف مع ذاك، وهذا ما نسميه تمليك المعلومة ونشر الوعي والمعرفة. حملة السلاح حتى وإن اختلفنا معهم فهم في آخر المطاف مواطنون ينتمون لهذا الوطن.. يرون أن لهم حقوقاً مجهضة، وأن الحوار لم يستطِع أن يخدم قضيتهم لذلك حملوا السلاح.. السؤال: هل من مصلحة الحكومة أن تفتح لهم منافذ للحوار وإبداء الرأي الآخر بإخراج النيران التي في جوفهم.. أم إغلاق هذه المنافذ وجعلهم مجرد كائنات معزولة تجوب الأحراش والصحارى فيحولون أنفسهم إلى كتلة نيران أشدّ فتكاً وخطراً من السلاح الذي يحملونه..؟؟ سبق قبل ذلك لبعض الأصوات غير (الحصيفة) داخل أروقة الحزب الحاكم أن أشارت بحظر النشر في قضية دارفور على الصحف المحلية حينما كانت القضية في بداياتها.. وفتح الباب واسعاً أمام الصحافة العالمية والقنوات المختلفة، وحتى إن لم يفتح، فالصحافة العالمية لديها مفاتيح مراكز المعلومات.. المهم الكبت الذي مورس على الصحافة المحلية أتاح مجالاً واسعاً للصحافة العالمية بأجندتها المختلفة أن تقلب القضية يمنة ويسرة.. وفشلت بعد ذلك الحكومة في إعمال إعلامها المضاد عن طريق ذات الصحافة المحلية (المقهورة) في التغلب على الأزمة.. هؤلاء الساسة لا يريدون أن يعلموا أن ثورة المعلومات والتطور التقني جعل من العالم مجرد غرفة.. ربما يمكنهم تكميم أفواه الصحافة مرة أخرى ووضع جدار عازل بينها وبين المتمردين.. ولكن ماذا سيفعلون مع الصحافة العالمية (المتطورة) والمواقع الإسفيرية العديدة التي أصبحت تعد الأنفاس.. يبدو أن الأستاذ الطاهر جلوسه طيلة السنوات الماضية تحت قبة البرلمان قد أبعده كثيراً عمّا يدور في الخارج.. لم يعد هناك مجال لدفن الرؤوس في الرمال.. مواجهة الأمر الواقع والتعامل معه بحكمة وعدالة أصبح فقط هي اللغة التي تفهم الآن، ويمكنها أن تحدث نتيجة إيجابية.. اتركوا الصحافة تمارس عملها فأنتم تستفزونها، وعن نفسي أجد أن هذا الأمر على سوئه سيحدث تحولاً إيجابياً يجعل من الصحافة قوة جبارة وسلطة لا يستهان بها إن أحسنت إدارة أزمتها. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق