) |
ستة عقود أو يزيد، منذ عهد الكمون إلى مرحلة التمكين، انتظروها ليبدأ عتاة التشدد الإسلامي في المراجعة. أكثر من نصف قرن زرعوا فيها من الفكر المتطرف، وشتلوا فيها من أشجار الزقوم ليذيقوها الشعب قبل يوم الحشر الأكبر، ليجلسوا ويتفاركوا حول إعادة انتاج العجلة. ولا شك عندي أنها ليست بالخطوة البريئة، بل تجيء على طريقة «مرغم أخاك لا بطل»، بعد أن بدأت عروش في الخلخلة وملامح التجريف جلعت الأرض تميد.
مراجعات الإسلاميين لن يكون لها معنى إذا لم يصاحبها تراجع واضح يبدأ بالاعتذار وليس الالتفاف حول كثير من المشكلات التي تسببوا فيها، والمحن التي أدخلوا البلاد والعباد فيها. وهذا يتطلب، ولا نمل في ترديد ذلك، شجاعة كافة للاعتراف بالخطأ. ولا نقصد هنا اعتراف الأفراد، بل اعتراف مؤسسة هي التي قادت إلى ما قادت إليه، فالسلوك الفردي يمكنه التحرك بسهولة فكرياً من موقع إلى آخر، لكن السلوك الجمعي القائم على تراكم مستمر يصعب انتقاله دون «هزات» فكرية ومنهجية.
حادثة الديم التي أدت إلى وفاة المواطنة السودانية عوضية (ستكشف التحقيقات الجارية ملابساتها) يمكن قراءتها في سياق ما قاله د. سيد الخطيب « إذا قرأنا كتب التاريخ الإسلامي والكتب التي تحدثت عن المجتمع الإسلامي.. الأغاني والعقد الفريد والبيان والتبيين هي تتحدث عن أحوال الناس.. وفي دواوين الشعراء تجد مجتمعاً طريقة الحكم فيه ليبرالية لحد كبير جداً، وليس فقط بسبب عدم مقدرة الدولة في أن تطال الناس الذين يلجأون الى الأصقاع البعيدة، ولكن داخل بغداد والحواضر وداخل المدينة المنورة حتى في أيام الرسول (ص) أنا ما أتخيل أبداً أن الحياة الاجتماعية كانت بالصورة التي يريدها بعض الإسلاميين الآن، وكان هناك تسامح وحرية تعبير على وجه الخصوص، ولم يفكر أحد في حظر (ألف ليلة وليلة) وكان الناس يتغنون بأشعار الحسن بن هاني وأبو تمام، ولم يكن في ذلك المجتمع شكل من أشكال (الاستبداد) يمكن أن يشار إليه كنموذج.» مفاكرة جرئية عن الدولة الرسالية والدولة الوظيفية – سودانايل.
الاستبداد هو ما زرعته الحركة الإسلامية في السودان، وله فروعه وتداعياته على كافة مناحي الحياة. والاستبداد ظل منهجاً وسلوكاً جمعياً متبعاً لديها ضد مخالفيها الرأي، منذ نشأتها. قننته بأجهزة الدولة بعد نجاح إنقلابها على السلطة في 89، في عهد التمكين ليصبح الاستبداد منهجاً للدولة. فتصرفات فرد من الشرطة أو أي من أجهزة الدولة يمكن أن يكون تصرفاً فردياً، لكن ينظر إليه بأنه تصرف الدولة طالما سلوكها الجمعي قائم على الاستبداد والتسلط.
إذا كانت الأيدلوجيا لا تتكون من منظومة الأفكار والتصورات فحسب، بل تنصب على سلسلة من الممارسات المادية والأعراف والعادات وأسلوب الحياة، وتختلط كالأسمنت، مع بنية مجموع الممارسات الاجتماعية، بما فيها الممارسات السياسية والاقتصادية، استطاعت الحركة الإسلامية أن تؤدلج الدولة وتحيط بها بسياج محكم من الاستبداد بما يضمن لها السطوة والاستمرار - طوال الفترة الماضية- ولفترة أطول.
بعد تجربة أكثر من عشرين عاماً في الحكم بدأ الإسلاميون في مراجعات فكرية حول تصورهم للدولة، لدرجة أن أحدهم (د. غازي صلاح الدين) وصل لقناعة أن يقول «الدولة الإسلامية بهذا المفهوم هي التجربة التي ينتجها مسلمون في دولة معينة وفي مجتمع معين وفي بيئة معينة وفي عصر معين واعتقد بهذه الحواشي ممكن جداً أن يتقدم (منفيستو) جديد يوافق هذه اللحظة التاريخية المهمة جداً لأن الدهشة والحيرة التي نعيشها الآن في السودان، في مصر وتونس وفي المغرب يعيشونها بصورة أكبر وهناك إحساس عام لدى المسلمين والتيارات الإسلامية بحاجة لفهم جديد.» فهل يتراجعون؟
مراجعات الإسلاميين لن يكون لها معنى إذا لم يصاحبها تراجع واضح يبدأ بالاعتذار وليس الالتفاف حول كثير من المشكلات التي تسببوا فيها، والمحن التي أدخلوا البلاد والعباد فيها. وهذا يتطلب، ولا نمل في ترديد ذلك، شجاعة كافة للاعتراف بالخطأ. ولا نقصد هنا اعتراف الأفراد، بل اعتراف مؤسسة هي التي قادت إلى ما قادت إليه، فالسلوك الفردي يمكنه التحرك بسهولة فكرياً من موقع إلى آخر، لكن السلوك الجمعي القائم على تراكم مستمر يصعب انتقاله دون «هزات» فكرية ومنهجية.
حادثة الديم التي أدت إلى وفاة المواطنة السودانية عوضية (ستكشف التحقيقات الجارية ملابساتها) يمكن قراءتها في سياق ما قاله د. سيد الخطيب « إذا قرأنا كتب التاريخ الإسلامي والكتب التي تحدثت عن المجتمع الإسلامي.. الأغاني والعقد الفريد والبيان والتبيين هي تتحدث عن أحوال الناس.. وفي دواوين الشعراء تجد مجتمعاً طريقة الحكم فيه ليبرالية لحد كبير جداً، وليس فقط بسبب عدم مقدرة الدولة في أن تطال الناس الذين يلجأون الى الأصقاع البعيدة، ولكن داخل بغداد والحواضر وداخل المدينة المنورة حتى في أيام الرسول (ص) أنا ما أتخيل أبداً أن الحياة الاجتماعية كانت بالصورة التي يريدها بعض الإسلاميين الآن، وكان هناك تسامح وحرية تعبير على وجه الخصوص، ولم يفكر أحد في حظر (ألف ليلة وليلة) وكان الناس يتغنون بأشعار الحسن بن هاني وأبو تمام، ولم يكن في ذلك المجتمع شكل من أشكال (الاستبداد) يمكن أن يشار إليه كنموذج.» مفاكرة جرئية عن الدولة الرسالية والدولة الوظيفية – سودانايل.
الاستبداد هو ما زرعته الحركة الإسلامية في السودان، وله فروعه وتداعياته على كافة مناحي الحياة. والاستبداد ظل منهجاً وسلوكاً جمعياً متبعاً لديها ضد مخالفيها الرأي، منذ نشأتها. قننته بأجهزة الدولة بعد نجاح إنقلابها على السلطة في 89، في عهد التمكين ليصبح الاستبداد منهجاً للدولة. فتصرفات فرد من الشرطة أو أي من أجهزة الدولة يمكن أن يكون تصرفاً فردياً، لكن ينظر إليه بأنه تصرف الدولة طالما سلوكها الجمعي قائم على الاستبداد والتسلط.
إذا كانت الأيدلوجيا لا تتكون من منظومة الأفكار والتصورات فحسب، بل تنصب على سلسلة من الممارسات المادية والأعراف والعادات وأسلوب الحياة، وتختلط كالأسمنت، مع بنية مجموع الممارسات الاجتماعية، بما فيها الممارسات السياسية والاقتصادية، استطاعت الحركة الإسلامية أن تؤدلج الدولة وتحيط بها بسياج محكم من الاستبداد بما يضمن لها السطوة والاستمرار - طوال الفترة الماضية- ولفترة أطول.
بعد تجربة أكثر من عشرين عاماً في الحكم بدأ الإسلاميون في مراجعات فكرية حول تصورهم للدولة، لدرجة أن أحدهم (د. غازي صلاح الدين) وصل لقناعة أن يقول «الدولة الإسلامية بهذا المفهوم هي التجربة التي ينتجها مسلمون في دولة معينة وفي مجتمع معين وفي بيئة معينة وفي عصر معين واعتقد بهذه الحواشي ممكن جداً أن يتقدم (منفيستو) جديد يوافق هذه اللحظة التاريخية المهمة جداً لأن الدهشة والحيرة التي نعيشها الآن في السودان، في مصر وتونس وفي المغرب يعيشونها بصورة أكبر وهناك إحساس عام لدى المسلمين والتيارات الإسلامية بحاجة لفهم جديد.» فهل يتراجعون؟
( تعليق: 0)