ثم لا يكونوا أمثالهم!!: د. هاشم حسين بابكر
٭ الحديث عن الفساد يطول ويطول، ورغم أن الجميع يحسون به ويعانون من ويلاته، إلا أنهم عاجزون تماماً عن محاربته، وقد زاد من معاناتهم مطالبتهم بإحضار وثائق تثبت الفساد الذي هو سبب معاناتهم. فالفاسد لا يظن أبداً أنه كذلك، فهو على عكس ما ترى الحقائق الكونية يرى أنه إنما يُحسن صنعاً.
والأمثلة الموثقة لما أقول وردت في القرآن الكريم، وقد شهد عليها المولى عزّ وجلَّ، ومن تلك الأمثلة أورد واحداً.. فرعون.. ذلك الذي وصفه المولى عزَّ وجلَّ مع غيره بطغيانهم في الأرض وإكثارهم الفساد فيها. فرعون هذا مقتنع تماماً بأن الذي يقوم به ليس طغياناً ولا فساداً، وحديثه يثبت هذا حين قال: «لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبل الرشاد».
فالرجل على قناعة تامة بأنه مصلح رغم أن الشهادة الربانية تقول عكس ذلك تماماً.
ونرى فراعنة العصر وقد اقتدوا بفرعون وهم يرددون مقولته التي نفاها القرآن الكريم وأبطلها.
وأسوأ أنواع الأمراض هو الحرض.. والحرض في اللغة هو فساد العقل، وهذا مرض لازم كل الطغاة المفسدين منذ أن بدأ التاريخ، وفساد عقل فرعون صور له أنه صاحب الرأي السديد الذي أصبح به يطالب قومه باتباع ما يقول هو ولا مجال للرأي الآخر.
وفراعنة العصر اتخذوا من فرعون مثالاً يحتذى، فلا كلمة إلا ما يقولون، ولا رأي إلا ما يرون، وليس في نظرهم أن العطالة فساد، وأن توقف الإنتاج فساد، ولا الانحلال والتردي الأخلاقي فساد، أما الفقر والمرض وغيرها من الظواهر الاجتماعية فتلك لا تمت للفساد بصلة.
حقيقة قرآنية راسخة أن الفساد هو الوليد الشرعي والوحيد للطغيان، وكلاهما نتاج الحرض (أي فساد العقل)، وفساد عقل الفاسد يتجلى في مطالبته بما يثبت الفساد، والغريب أن من يتحدث عن الفساد يُطالب بالوثائق التي تثبت ما يدعي، ولكن عندما يصف الفاسد بالطهر لا يطالب بإثبات ذلك، فعقل الفاسد المريض مقتنع تماماً بأنه يهدي سبل الرشاد وليس في حاجة لوثائق تثبت ذلك.
وهذه صفة فرعونية فاسدة، ولكنها للأسف هي السائدة في عصرنا هذا.
وأسوأ أنواع الفساد هو ذلك الذي يرتكز على المعتقدات الدينية، لأن رد الفعل لا ينعكس على الفاسد إنما ينعكس وبصورة متعمدة على عقيدته التي ارتكز عليها، ويُحال الفساد في هذه الحالة لا إلى الفاسد الذي أفسد إنما على ما ارتكز عليه من عقيدة.
ومن هنا كانت الحرب على الكنيسة لا على من استغل الكنيسة، فهم رغم الأفكار الملحدة والعلمانية الرافضة للكنيسة «أي الرافضة للدين» يبقون في درجات عالية من التقديس، ويستطيع أي كان انتقاد الكنيسة ولكن الراهب المقدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه.. فكم من فضيحة حدثت بالكنيسة لم يعاقب مرتكبها.
٭ ومن المحزن أن الظاهرة هذه انتقلت إلى المسلمين، فكثير من (الإسلاميين) انتهجوا الخط الذي انتهجته الكنيسة، أو بالأحرى الخط الذي انتهجه من يدير الكنيسة، فالكنيسة لا تملك إرادة إنما الإرادة يمكلها من يديرها، فكان ما يعرف بالعلماء، علماء الدين، وفي هذا خصوصية غريبة، فالمسلم مطالب بمعرفة تعاليم دينه حتى يستطيع أن يصلي ويصوم ويحج ويؤتي الزكاة، وهذه هي أركان الإسلام بعد الشهادة، ومصطلح علماء الدين عند المسلمين مصطلح غير دقيق وحصري، فالطبيب عالم دين في مجال الطب، وعالم الفيزياء والذرة عالم دين في هذا المجال، هذا إن سخر علم هؤلاء في خدمة الإسلام والمسلمين .. وهؤلاء فضلهم على الإسلام والمسلمين أكبر، فهم يعيشون حاضرهم ويبنون المستقبل لصالح الإسلام والمسلمين، بعكس الآخرين الذين يعيشون ماضي غيرهم دون تقيد بظرف الزمان والمكان الذي فيه يعيشون.
وهذا ما أورد بلاد الإسلام ذلك الدرك الذي نعيشه، وقد فشل كل من الليبراليين والإسلاميين في إرساء نظام حكم راسخ يستند إلى مرجعية، وقد توقفت الطائفية حتى بعد أن هرع إليها الليبراليون وغيرهم، وقد نفد الوقود لديها، وجاء الإسلام السياسي الذي دحض دعاته الطائفية وأعلنوها «هي لله»، ولكنهم أهملوا وقللوا من شأن الحرية والشورى، الأمر الذي أضاع قيمة من أكبر القيم، وما تلا ذلك من قيم تلاشت وحل مكانها الفساد، والأمر كما هو معروف فإن غياب الحرية يعني بداية ميلاد الفساد، وهذا ما نعيشه اليوم، ورغم ذلك نحن مطالبون بإثباته بالوثائق.
فالإسلاميون لم يستصحبوا منهجاً، بل حملوا معهم أشواقاً سرعان ما تلاشت وذابت في محلول الكبت والطغيان، فقد كانوا يحلمون بدولة عمر بذات هيئتها في زمان عمر، لكنهم نسوا عدل عمر والحرية التي أتاحها للمواطنين، وأولها انتقاد ذات الخليفة العادل حتى في ملبسه الذي ظهر بأطول مما لديهم.
والأمثلة الموثقة لما أقول وردت في القرآن الكريم، وقد شهد عليها المولى عزّ وجلَّ، ومن تلك الأمثلة أورد واحداً.. فرعون.. ذلك الذي وصفه المولى عزَّ وجلَّ مع غيره بطغيانهم في الأرض وإكثارهم الفساد فيها. فرعون هذا مقتنع تماماً بأن الذي يقوم به ليس طغياناً ولا فساداً، وحديثه يثبت هذا حين قال: «لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبل الرشاد».
فالرجل على قناعة تامة بأنه مصلح رغم أن الشهادة الربانية تقول عكس ذلك تماماً.
ونرى فراعنة العصر وقد اقتدوا بفرعون وهم يرددون مقولته التي نفاها القرآن الكريم وأبطلها.
وأسوأ أنواع الأمراض هو الحرض.. والحرض في اللغة هو فساد العقل، وهذا مرض لازم كل الطغاة المفسدين منذ أن بدأ التاريخ، وفساد عقل فرعون صور له أنه صاحب الرأي السديد الذي أصبح به يطالب قومه باتباع ما يقول هو ولا مجال للرأي الآخر.
وفراعنة العصر اتخذوا من فرعون مثالاً يحتذى، فلا كلمة إلا ما يقولون، ولا رأي إلا ما يرون، وليس في نظرهم أن العطالة فساد، وأن توقف الإنتاج فساد، ولا الانحلال والتردي الأخلاقي فساد، أما الفقر والمرض وغيرها من الظواهر الاجتماعية فتلك لا تمت للفساد بصلة.
حقيقة قرآنية راسخة أن الفساد هو الوليد الشرعي والوحيد للطغيان، وكلاهما نتاج الحرض (أي فساد العقل)، وفساد عقل الفاسد يتجلى في مطالبته بما يثبت الفساد، والغريب أن من يتحدث عن الفساد يُطالب بالوثائق التي تثبت ما يدعي، ولكن عندما يصف الفاسد بالطهر لا يطالب بإثبات ذلك، فعقل الفاسد المريض مقتنع تماماً بأنه يهدي سبل الرشاد وليس في حاجة لوثائق تثبت ذلك.
وهذه صفة فرعونية فاسدة، ولكنها للأسف هي السائدة في عصرنا هذا.
وأسوأ أنواع الفساد هو ذلك الذي يرتكز على المعتقدات الدينية، لأن رد الفعل لا ينعكس على الفاسد إنما ينعكس وبصورة متعمدة على عقيدته التي ارتكز عليها، ويُحال الفساد في هذه الحالة لا إلى الفاسد الذي أفسد إنما على ما ارتكز عليه من عقيدة.
ومن هنا كانت الحرب على الكنيسة لا على من استغل الكنيسة، فهم رغم الأفكار الملحدة والعلمانية الرافضة للكنيسة «أي الرافضة للدين» يبقون في درجات عالية من التقديس، ويستطيع أي كان انتقاد الكنيسة ولكن الراهب المقدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه.. فكم من فضيحة حدثت بالكنيسة لم يعاقب مرتكبها.
٭ ومن المحزن أن الظاهرة هذه انتقلت إلى المسلمين، فكثير من (الإسلاميين) انتهجوا الخط الذي انتهجته الكنيسة، أو بالأحرى الخط الذي انتهجه من يدير الكنيسة، فالكنيسة لا تملك إرادة إنما الإرادة يمكلها من يديرها، فكان ما يعرف بالعلماء، علماء الدين، وفي هذا خصوصية غريبة، فالمسلم مطالب بمعرفة تعاليم دينه حتى يستطيع أن يصلي ويصوم ويحج ويؤتي الزكاة، وهذه هي أركان الإسلام بعد الشهادة، ومصطلح علماء الدين عند المسلمين مصطلح غير دقيق وحصري، فالطبيب عالم دين في مجال الطب، وعالم الفيزياء والذرة عالم دين في هذا المجال، هذا إن سخر علم هؤلاء في خدمة الإسلام والمسلمين .. وهؤلاء فضلهم على الإسلام والمسلمين أكبر، فهم يعيشون حاضرهم ويبنون المستقبل لصالح الإسلام والمسلمين، بعكس الآخرين الذين يعيشون ماضي غيرهم دون تقيد بظرف الزمان والمكان الذي فيه يعيشون.
وهذا ما أورد بلاد الإسلام ذلك الدرك الذي نعيشه، وقد فشل كل من الليبراليين والإسلاميين في إرساء نظام حكم راسخ يستند إلى مرجعية، وقد توقفت الطائفية حتى بعد أن هرع إليها الليبراليون وغيرهم، وقد نفد الوقود لديها، وجاء الإسلام السياسي الذي دحض دعاته الطائفية وأعلنوها «هي لله»، ولكنهم أهملوا وقللوا من شأن الحرية والشورى، الأمر الذي أضاع قيمة من أكبر القيم، وما تلا ذلك من قيم تلاشت وحل مكانها الفساد، والأمر كما هو معروف فإن غياب الحرية يعني بداية ميلاد الفساد، وهذا ما نعيشه اليوم، ورغم ذلك نحن مطالبون بإثباته بالوثائق.
فالإسلاميون لم يستصحبوا منهجاً، بل حملوا معهم أشواقاً سرعان ما تلاشت وذابت في محلول الكبت والطغيان، فقد كانوا يحلمون بدولة عمر بذات هيئتها في زمان عمر، لكنهم نسوا عدل عمر والحرية التي أتاحها للمواطنين، وأولها انتقاد ذات الخليفة العادل حتى في ملبسه الذي ظهر بأطول مما لديهم.