لماذا العطش في مشروع الجزيرة ؟!!
|
التيار |
استغاثة مزارعي الجزيرة والمناقل جراء العطش الذي تعرضت له محصولاتهم التي تعاهدوها بذرةً حتى وصلت إلى مرحلة ما قبل النضج والحصاد، حيث التقط جهاز الاستشعار الوطني بصحيفة (التيّار) نداء الاستغاثة وطلب العون وتعاملت الصحيفة مع الحدث الخطير بما يستحق من أولوية قصوى في سبيل المعالجة، فقررت الصحيفة إرسال فرق للتقصي ميدانياً وعلى الطبيعة والالتقاء بالمزارعين وعكس الوضع الماثل بالقلم والصورة لذوي الاختصاص في الدولة لمجابهة الوضع ولإنقاذ الموقف. وفي الحقيقة فقد ظل العطش يشكل هاجساً للمزارعين خلال عدة مواسم موسماً بعد آخر، وعلى سبيل المثال فقد تعرضت المحصولات بالمشروع للعطش خلال موسم 2005م وأذكر أنني كتبت مقالاً بصحيفة الأضواء في أكتوبر/ 2006م تحت عنوان: (لماذا العطش في الجزيرة وما الحكمة من بيع مؤسسة الحفريات)، أشرت فيه إلى شكوى المزارعين ببعض الأقسام جراء العطش ولجوء البعض منهم إلى استخدام (الطلمبات) لسحب المياه من الترع لإنقاذ مزروعاتهم من العطش على الرغم من الأعباء الإضافية والتكلفة العالية؛ وحسب إفادة وزير الري آنذاك فأن التصريف من الخزان بلغ 24 مليون متر مكعب فيما بلغ تطهير القنوات بما مقداره 9 ملايين متر مكعب، وهذا بلا شك وضع ممتاز من حيث وفرة المياه من الخزان وكذلك من حيث الكم الهائل من الإطماء في سبيل تطهير القنوات؛ لكن المشكلة الحقيقية إن عمليات تطهير القنوات قد أوكلت لشركات القطاع الخاص التي تفتقد الخبرة وتم تنفيذ العمل من غير رؤية فنية، لأن تطهير قنوات الري بالمشروع أشبه بإجراء عمليات القسطرة للقلب والتي لا يجريها إلا جراح ماهر وحاذق، فجراح القنوات الماهر مؤسسة الحفريات التي تم تغييبها وهي التي نشأت مع ميلاد المشروع وتخصصت في عمل الحفريات وتطهير القنوات واكتسبت خبرات تراكمية في هذا العمل المهم والخطير الذي يشكل شريان الحياة بالنسبة لمشروع الجزيرة والمناقل. وفي ندوة بنادي الخريجين أعقبت ذلك الموسم حول قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م تحدث أحد خبراء الري من المعاشيين حول التخريب الذي أصاب قنوات الري بالمشروع جراء الاستعانة بشركات القطاع الخاص لتنفيذ الأعمال التي كانت تقوم بها مؤسسة الحفريات المؤهلة فنياً وإدارياً لهذا العمل، حيث ذكر البروفيسور/ حسين آدم بالنص: (هناك كراكات غير مسؤولة خربت القنوات وأصبحت أبو عشرينات معلقة في الهواء)!!! نظراً لتعميق القنوات التي أصبحت تحمل كميات أكبر من المياه دون استفادة المزارع منها. وإزاء هذا الموقف لجأ بعض المزارعين المقتدرين لاستجلاب طلمبات لرفع المياه إلى الحقول، ويتضح من ذلك أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم انسياب المياه في القنوات وبالتالي تعرض المحصول للعطش نظراً لعدم كفاءة عمليات تطهير القنوات التي تنفذ عبر شركات القطاع الخاص التي تفتقد التجربة والخبرة في هذا المجال. ولا بد من أعادة الروح لمؤسسة الحفريات على أن يعاد تعيين كل الفنيين والإداريين السابقين المؤهلين للخدمة والاستفادة منهم في تأهيل الآليات والمعدات المعطلة، على أن تكون مؤسسة الحفريات مسؤولة مسؤولية كاملة عن تشغيل وتأجير الآليات من شركات القطاع الخاص، وذلك لإعادة تأهيل قنوات الري بالمشروع وفق شروط يراعي فيها أصحاب الشركات الخاصة موقف المشروع الحالي من حيث الأسعار وكيفية السداد، وكذلك إعادة تكليف مفتشي الغيط بالقيام بمسؤولياتهم وأعمالهم مع منحهم الصلاحيات اللازمة والكافية لتنفيذ هذا العمل، على أن تجلس الجهات ذات الصلة: وزارة الزراعة الاتحادية، النهضة الزراعية، مجلس إدارة مشروع الجزيرة واتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل للنظر في إعادة مفتشي الغيط لفترة معينة حتى تتمكن روابط مستخدمي المياه من الاضطلاع بمسؤولياتها التي كفلها لها قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م، الذي بلا شك له إيجابيات كثيرة وبالطبع فإنه لا يخلو من السلبيات والتي ظهرت من خلال التطبيق العملي، وفي مقدمة هذه السلبيات إلغاء وظيفة مفتش الغيط المحورية وغياب الإدارة وحدوث فوضى خلاقة تمثلت في عدم التزام المزارعين بالدورة الزراعية وتعدد المحصولات في النمرة الواحدة؛ وبالطبع لا توجد إحصائيات دقيقة توضح حجم المزروعات بالمشروع كما كان يحدث سابقاً أي ما قبل قانون 2005م، لأن كميات المياه المطلوبة من الخزان مرتبطة بري المساحات المحددة من محصولات العروتين الصيفية والشتوية. ويشاركنا الكثير من المختصين والمزارعين الذين دار بيني وبينهم نقاش حول هذا الأمر المهم، ومع إيماننا بضرورة التغيير والتطوير إلا أن نمطاً ونظاماً إداريًا ساد لأكثر من ثمانين عاماً لا يمكن إلغاؤه واستبداله خلال بضعة أعوام. ومما يدعم رأينا هذا أن روابط مستخدمي المياه التي حلت مكان وظيفة مفتش الغيط، فقد شهد شاهد من أهلها حيث أعلن السيد/ رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة السابق عبر المؤتمر الصحفي الذي عقده ببركات قبيل بداية هذا الموسم الحالي أن خمسمائة رابطة من روابط مستخدمي المياه قد مكنت من استلام مهامها كاملة، وبقية الروابط سوف تمكن من مهامها تباعاً حتى العروة الشتوية القادمة، ويحدث هذا بعد مضي أكثر من خمسة أعوام على صدور قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م ومهما قيل عن مفتشي الغيط ونعتهم بالإدارة الدكتاتورية أو الإرث الاستعماري، وبالطبع إن هذا الرأي السالب والعبارة الممجوجة التي تلوكها بعض الألسن فإن الواقع الوظيفي والمهني والاجتماعي يكذب هذا الادعاء. وفي هذا أرجو أن أشير إلى شهادة أحد المنصفين الذي وصف مفتش الغيط بالإنسان النبيل كما وصف مشروع الجزيرة بساحة الوغى والمقاتل فيها فهو مفتش الغيط والذي يعتبر أهم وسيلة وأغلى عناصر الإنتاج بالمشروع وعليه يقع العبء الأكبر في تسيير دفة العمل على مستوى الغيط، حيث يقوم بتنفيذ البرامج الزراعية وخطط العمل السنوية على هدي وضوابط وتوصيات علمية متفق عليها، ومن خلال اتصاله المباشر بالمزارعين وغير المباشر عن طريق (الصمودة) ويقوم المفتش بالإرشادات والتوجيهات الإدارية والفنية، كما يعمل على رصد حسابات المزارعين وما لهم وما عليهم وهو على رأس مجموعة من المزارعين أب روحي ومرشد وموجه ومشرف ولا يقتصر عمل المفتش على النواحي العلمية في الغيط، فهو أيضاً مشارك مشاركة اجتماعية فاعلة ويتحمل مفتش الغيط في سبيل تماسك مجتمعه الصغير الكثير من صنوف العنت وينذر وقته بل وعمره في سبيل ترقية الأداء ورفعة مجتمعه الصغير، ويعمل على إرضاء أفراده على حساب صحته ووقته الخاص، وهذا هو النهج الذي صار التزامًا في أوساط المفتشين. لأشك أن إلغاء وظيفة مفتش الغيط وبهذا الوصف الوظيفي الدقيق وبالتالي خروج الإدارة الزراعية عن الحقل واستبدالها بروابط مستخدمي المياه فغابت المهنية بعدم وجود إدارة فعلية في الغيط من أهم واجباتها الالتزام بالدورة الزراعية التي أوصت بها هيئة البحوث الزراعية، إذ إن عدم الالتزام بالدورة الزراعية يؤدي إلى تدهور خصوبة التربة وإن إرجاع الإدارة الزراعية للغيط مهماً ولازماً أيضاً لتطبيق الحزم التقنية والمحددات الفنية، ولا بد من رجوع الإنسان الزراعي المهني في الميدان. وهذا بالطبع ليس انتقاص من مكانة أو مهمة المزارع باعتباره محور الإنتاج ورأس الرمح في العملية الزراعية برمتها والذي بجده ومثابرته يتحقق النجاح المطلوب، لا شك أن قانون (2005م) يحتوي على إيجابيات كبيرة منها إشراك المزارعين في السياسة الزراعية وإطلاق الحرية للمزارع ليزرع المحاصيل المربحة له، وتأكيداً لأهمية وضرورة وأساسية دور المزارع في الحقل فأمامنا تجربة مشروع الرهد الزراعي الذي أعتمد اعتماداً كلياً على الميكنة الزراعية والتقانات الحديثة والآلة واستغني عن المزارع ففشل فشلاً ذريعاً وتكبد خسائر فادحة وأعاد النظر في التجربة بعودة المزارع إلى الحقل جنباً إلى جنب مع الميكنة والتقانة والآلة. وفي الجانب الإداري فقد فشلت روابط مستخدمي المياه فشلاً ذريعاً في تحصيل رسوم المياه، وكشف عن ذلك مدير عام مشروع الجزيرة في تصريحات صحفية نشرتها صحيفة الأهرام اليوم في العاشر من أغسطس المنصرم، حيث إن مهمة تحصيل الرسوم من المزارعين كانت واحدة من أهم تكاليف مكاتب مفتشي الغيط كما أن مدير مشروع الجزيرة قد نبه إلى خطورة غياب الإدارة وعبّر عن ذلك من أنه لا يمكن إدارة مشروع في حجم مشروع الجزيرة الذي تبلغ مساحته 2.2مليون فدان بإداريين يقل عددهم عن اوركسترا أحد المطربين؛ وأخلص من ذلك إلى أن أهم مسببات العطش في مشروع الجزيرة تكمن في عمليات التطهير الخاطئة للقنوات عبر جهات غير مؤهلة فنياً وإبعاد مؤسسة الحفريات التي تشكل المرجعية في هذا الحقل مضافاً إلى ذلك غياب الإدارة الحقلية التي كانت تحكم السيطرة على توزيع المياه والالتزام بالدورة الزراعية، وبعدم ذلك لا يمكن تفادي ظاهرة العطش حتى ولو توفرت المياه من الخزان وبالقدر المطلوب. والله من وراء القصد بقلم: مصطفى الجيلي خواجه
|
الأربعاء، 21 مارس 2012
لماذا العطش في مشروع الجزيرة ؟!!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق