السبت، 3 مارس 2012

ملامح من المجتمع السوداني

ملامح من المجتمع السوداني (1)
كتاب كامل الدسم، لا يستحق القراءة فحسب، بل الصحبة الدائمة. أشبه بلوحة أو هو لوحة رسمها كاتب قدير امتلك ناصية الكتابة لينحت تلك الملامح على جدران حقبة من التاريخ السياسي والاجتماعي للسودان. إنه كتاب المرحوم الأستاذ حسن نجيلة، كل مرة أقرأه فيها أكتشف مدى حاجتي لقراءة أخرى بعين وعقل آخرين. إنه بقع من الضوء تضيء أو بالأحرى شعلة من ضوء (تجهر) النفس وتغسلها، هذا غير المتعة الكبيرة التي لا تضاهيها متعة، فرغم تعدد موضوعاته يقرأ بنفس واحد، فإن بدأته وأنت في حالة شهيق فلا مناص من أن تكمله لتعود إلى وضع الزفير، أو هكذا هي الدهشة فيما يبدو لي.
غض النظر عن الرؤى السياسية باختلافاتها واتفاقاتها، وتباين التقديرات والتحليل لتلك الفترة، لفت نظري ما رواه الراوي عن سفر أول وفد سوداني يزور انجلترا عقب انتصار الحلفاء ونهاية الحرب العالمية الأولى بهزيمة دول المحور. لم أهتم لتلك الدلالات السياسية وصراع الإنجليز والمصريين من أجل كسب ود السودانيين، وهو صراع ما زالت تداعياته تحكمنا حتى اليوم، ولا ذاك الاحتفاء الذي وجده الوفد في انجلترا الفرحة بانتصارها على ألمانيا.
احتفت الجماهير السودانية بسفر الوفد، وامتلأت محطة السكة الحديد عن بكرة أبيها وفاض خارجها بالمودعين للوفد المكون من السادة: السيد علي الميرغني والشريف يوسف الهندي والسيد عبد الرحمن المهدي يمثلون قمة الزعامات الدينية في البلد، ومثل مجلس العلماء في الوفد الشيخ الطيب أحمد هاشم مفتي السودان والشيخ أبو القاسم أحمد هاشم رئيس مجلس العلماء، وكان تمثيل أقاليم السودان المختلفة واضحاً في الوفد، وكأنما هو اعتراف مبكر بما سيؤول إليه حال السودان الآن.
مثل السيد إسماعيل الأزهري (الجد) مديرية دارفور وكان قاضيها الشرعي وقتذاك، أما كردفان فمثلها في الوفد ناظر الكبابيش الشيخ علي التوم، أما شرق السودان فقد جاء منه ناظر الهدندوة الشيخ إبراهيم موسى ومن الشمال مثل السودانيين في الوفد ناظر الجعليين الشيخ إبراهيم محمد فرح ومن البطانة عوض الكريم عبد الله وكيل ناظر الشكرية. أما تمثيل الخريجين فقد جاء على هامش الوفد وبمحض (الحاجة) إذ سافر مع الوفد الأستاذ إسماعيل الأزهري (الحفيد ورئيس السودان فيما بعد) كمترجم لجده، والأستاذ محمد حاج الأمين أيضاً لذات المهمة.
يبدو أن ملامح سودان المستقبل بدأت ترتسم منذ ذلك الوقت بشكل أكثر وضوحاً، وبدأت تتجلّى في إطار الصراع بعد حين من ذلك التاريخ (1919م) بين الزعماء التقليديين والدينيين من جهة وداعة الحداثة والتجديد من الجهة الأخرى. أهم الملاحظات في ذلك الوفد هو الإزاحة القسرية للجنوب من تشكيلته وكذلك غياب جبال النوبة من بين أعضائه بحسب التقسيم الإداري للسودان آنذاك وفيما بعد، وهو أمر لعب فيه المستعمر دوراً أساسياً باتخاذه سياسة المناطق المقفولة للجنوب وجبال النوبة
وكما ذكر الأستاذ حسن نجيلة في مقدمة كتابه «ملامح من المجتمع السوداني» إنه يضع بعض اللوحات من هنا وهناك ربما تكون عوناً لمن يقومون بالدراسات الأكاديمية لتاريخنا المعاصر في فتراته المختلفة، وختمها بأنه تاريخ حافل حاشد بكل ما يستحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق