كثيراً ما يحس المواطن بأن بعض المسؤولين يعتبرونه بلا عقل يفهم ويدرك، وفى أوقات أخرى ينتابه شعور بأن أولئك المسؤولين لا يعطون لوجوده وزناً يستوجب أخذه في الحسبان. وقبل أن ندلف إلى إشكال وألوان بعض الممارسات التي تعكس ذلك الاستجهال واستصغار العقول، هنالك مشكلة دائرة اليوم تشابه البقر على كل الأقلام التي تناولتها، فلم تفرق بين شرطة أمن المجتمع وشرطة النظام العام.
فالنظام العام سيئ الذكر، والذي خلط البعض بينه وبين أمن المجتمع، لا أدرى إن تم ربط بينهما أخيرا، ولكن الذى أعلمه أن شرطة أمن المجتمع هي قوات نظامية إضافية، ابتدعتها ولاية الخرطوم العام السابق، وهى تعمل على زيادة طرق ووسائل تأمين وتمكين السلطة، وقانون النظام العام بكل مساوئه التي نعرف، رغم انه لا يستخدم الرصاص في مواجهة من يتصيدهم من المواطنين، ولكنه يستخدم من أسلحته الخاصة ما قد تكون أمضى وأقسى من الرصاص بالنسبة لمن يتعرضوا لها، عندما تعمد للكشف عن عوراتهم والتشهير بهم بين الناس. لذلك كانت المطالبة ومن الكثيرين بضرورة إلغاء ذلك القانون لعدم جدواه أولاً، ولتسببه في كشف حال السودان والمرأة السودانية على وجه الخصوص ثانياً. غير أن القيادة ترى في تلك المطالبات، دعوة لتفشى الرذيلة بين المواطنين.
ولنصبح أكثر علمية في نقد هذا القانون والمطالبة بإلغائه أو الإبقاء عليه، يهمنا أن لو أوضح لنا الذين يحرصون على استمرار ذلك القانون، وبكل هدوء، عن ماهية المكاسب التي حققها أو النجاحات التي أحرزها على امتداد ستة عشر عاماً، هي سنوات عمره حتى الآن، بل وفى أي جانب من الجوانب التي صدر من اجل تقويمها، فأهملها وانشغل بغيرها؟ يعنى، ما هي نسبة انخفاض ممارسة الرذائل بأى شكل كانت؟ فالواقع المعاش يقول إن تفشى الرذيلة وبمختلف أشكالها وألوانها، بل وكل الانفلات في السلوك العام الذى تفشى بالمجتمع، يرجع الفضل فيه إلى قانون النظام العام، والكيفية الخاطئة التي ظل يحارب بها تلك الأخطاء أو الرذائل، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك القانون صدر في ظل هوجة المشروع الحضاري، الأمر الذى يستوجب أخذ تعاليمه وتوجيهاته في الحسبان. ولا أظن ان شرطة النظام العام وهى تلهث في البحث عن عورات المواطنين من أجل كشفها وتعريتها، حتى عندما يحاول من ابتلوا بها سترها، تذكر بأن الإسلام يدعو إلى ستر عورة المسلم، التي يجتهدون هم في فضحها.
وشرطة النظام العام تخصصت في ملاحقة النساء بالذات، والتمعن في أزيائهن، ومن بعد تعرضهن لأكثر أنواع العقوبات امتهانا، الجلد، وبواسطة رجل وعلى مسمع ومرأى من رجال آخرين، والمدهش حقا أننا لم نشاهد رجلاً واحداً تم جلده بالصورة وبالطريقة التي تتم بها معاقبة النساء. بل إن تمت معاقبة بعضهم، فإنها تتم سراً مع التستر على أسمائهم، يعنى يستخدمون معهم فقه السترة، وكأنما خصص للرجال دون النساء. ولعل الكل يذكر مشهد فتاة الفيديو، كما سموها، ومستوى التشفي في ضربها من جانب جلادها، مما أدى لصراخها وعويلها وتشفعاتها، في ظل الاستهتار والضحك الذى يصدر من جانب الحضور من الرجال، ومن ثم عكس كل ذلك أسوأ صورة عن السودان. وعن المرأة السودانية، وعلى مستوى العالم.
نعود لأنواع الاستهانة بعقول المواطنين واستصغارها. فقد تلاحظ أن بعض المسؤولين من قيادات المؤتمر الوطني، وهم يحاولون التقليل من شأن الأحزاب المعارضة والحركات المتمردة، تركيزهم على السعي لبرهان أن تلك المجموعات، بلا وطنية ولا ولاء للوطن ومواطنيه. الأمر الذى يجعلها تضع يدها في أيدي الأعداء، خاصة دول الاستكبار، كما يحلو لتلك القيادات تسميتهم حتى يمكنوا لها من تحقيق أهدافها في إسقاط النظام، ومن ثم العودة إلى السلطة، مرض الجميع. والمدهش ان الغالبية الغالبة من اللقاءات التي تعقدها تلك المجموعات هي اجتماعات غاية في السرية وفى غرف مغلقة، فيصبح الذى يحيرنا كيف تتسرب أجندتها وسير مناقشاتها ومن بعد قراراتها، لقيادات المؤتمر الوطني التي ظلت تتحفنا بين الحين والآخر بما يزيد من دهشتنا. ففي تصريح للسيد قطبي المهدي كشف فيه عن لقاء سماه موسعا، تم بين سلفا كير وجبريل إبراهيم وياسر عرمان، تمت فيه مناقشة ترتيبات التنسيق للعمل المشترك خلال الفترة المقبلة، يسافر بعدها جبريل إلى لندن بعد أن أكمل مخططاته مع حكومة الجنوب لأجل جلب الدعم لتحالف الجبهة الثورية. والذي وصفه السيد قطبي بأنه دعم غير محدود.
وتصريح آخر أصدره د. نافع لتأكيد ارتماء الأحزاب المعارضة والحركات المتمردة، في أحضان القوى الأجنبية، حيث أشار سيادته إلى اجتماع تم بين أمريكا والحركات المتمردة، وقطعاً لم يكن سيادته بين الحضور، يقول فيه إن أمريكا اشترطت لدعم حركة العدل والمساواة، التوحد مع الحركات الأخرى، حيث قالت أمريكا «نحن لسنا مستعدين لدعمكم إلا أن تتوحدوا مع الحركات الأخرى، رغم إنكم لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً حتى ان اجتمعتم مع الأحزاب المعارضة»، ثم أضاف أن أمريكا أكدت لأحزاب المعارضة عدم مقدرتها على إسقاط النظام، وطالبتهم بأن يكونوا سنداً لتحالف «كاودا» لخلق إزعاج في الخرطوم، باستغلالهم الأزمات الحالية، كما أوضحت أمريكا للأحزاب بأنهم ان فعلوا ذلك، يمكن أن يصنعوا بنغازي في الشمال، وحينها يمكن ان تسعفهم أمريكا بسرعة، وان بنغازي اختيرت لها كادوقلى جنوب كردفان.
ونسال د. نافع ما دامت أمريكا على ثقة باستحالة إسقاط هذا النظام، فما الهدف من دعم الحركات المتمردة لتوحدها وحتى إن تمت الوحدة مع أحزاب المعارضة؟ ويبدو أن سيادته يريد أن يبعث برسالة لشعب السودان مفادها استحالة سقوط نظامهم أو إسقاطه، حتى لو اجتمعت كل الحركات المتمردة مع الأحزاب المعارضة، أو حتى ان اجتمع الإنس والجن. أما قصة دعوة أحزاب المعارضة لمساندة تجمع كاودا لخلق زعزعة في الشمال، والتي بموجبها ستسعفهم أمريكا، فهذه لم ندرك معناها ولا مغزاها، فما دامت أمريكا على قناعة تامة باستحالة زوال هذا النظام، وعلى دراية كاملة بأن هدف المعارضة ومن معها، هو إسقاط النظام، فما هي الإسعافات التي ستقدمها لهم في مثل هذه الحالة؟ فأي تناقض هذا الذى تقع فيه قيادات المؤتمر الوطني، التي تحرص من جانب، على ان تقنع المواطنين بعدم وجود أية أحزاب معارضة ذات فاعلية، خاصة بعد ان قضوا عليها وقبروها بنهاية اجل الانتخابات السابقة، ومن جانب آخر يبدون قلقهم منها بإصدار مثل تلك التصريحات التي تسعى لتصويرها وإظهارها بمظهر العميل المتآمر على الوطن والوطني طبعا، ومع ألد أعداء الحكومة أمريكا.
ونطمئن الجميع إلى الثورات العربية التي يخشاها هؤلاء، لم تحركها أحزاب معارضة ولا تجمع حركات متمردة أو غيرها، بل خرجت الجماهير بإرادتها الحرة بعد أن أذاقتها أنظمة حكمها الويل وسهر الليل، ومن ثم دفعتها للخروج بحثاً عن استرداد كل حقوقها المغتصبة وحريتها المصادرة. ونسأل مرة أخرى عن كل التحركات الأخيرة التي حدثت بالسودان، من إضرابات واعتصامات ومظاهرات وإغلاق للطرقات، وأخيرا وقفات ببعض المؤسسات، وبالخرطوم وبالولايات الأخرى، كل ذلك إضافة إلى ظاهرة تمرد بعض الولاة على المركز والمواطنين على الولاة، ولأول مرة في عهد الإنقاذ، ودون أن نمعن النظر في محتوى مذكرات أهل البيت، التي كشفت الغطاء عن عيوب وفساد حكومتها، ما كانت لتظهرها للعلن لولا التململ والملل الذى أصابها منها ذاتها. ويمكن إرجاع كل تلك الممارسات إما لتقصير من جانب السلطة، أو أخطاء ارتكبتها السلطة تجاه المواطنين، قرروا أخيرا أن يسعوا لمعالجتها بأنفسهم ودون وسيط. فهل كانت الأحزاب بكل ضعفها وعدم قدرتها على تحريك الشارع وراء كل ذلك؟
أما تجاهل الشعب وعدم الاكتراث لرايه ورؤيته، تدور هذه الأيام معركة حول الدستور الاسلامى الذى قامت بإعداده مجموعة من رجال الدين سمت نفسها هيئة الدستور الاسلامى، هذه المجموعة أعلنت أنها ستقدم ذلك الدستور إلى الرئيس عمر البشير لأجل اعتماده وتطبيقه، وأضافت أنه في حالة رفضه من جانب السيد الرئيس، يصبح عليه البحث عن شعب آخر ليحكمه. بمعنى آخر يوضح ذلك الحديث أن هذا ان الدستور الذى قامت بوضعه تلك الهيئة، قد أصبح ممثلا لرأى الشعب السوداني الذى يحكمه السيد عمر البشير، فإن لم يستحب سيادته لرغبته فلا مجال لاستمرار حكمه عليه. وقبل أن نعرض لرد بعض المسؤولين حول ذلك الأمر، نسأل الهيئة الموقرة عن موقع الشعب الذى لن يحكمه عمر البشير ان رفض ذلك الدستور، فى مناقشات وإجازة ذلك الدستور؟ فحتى هذه اللحظة فإن الشعب السوداني لم تتم استشارته في ذلك الأمر، لا من أجل تطبيق شرع الله أو عدمه، فذلك أمر مفروق منه، ولكن فقط من أجل الاهتداء بذات الشرع الذى يفرض استشارته، وحتى لا يحس المواطنون بأنهم مجرد مجموعة أفراد، لأجل أن تمارس السلطة عليهم
د. نافع طبعاً لا يفوت مثل هذه الفرص لإظهار عضلات حكومته، لمن يتطاولون عليها. فقد دعا التيارات الإسلامية للتصدي لما سماه التطاول والانتفاشة الباطلة وتنفيسها. وأوضح أن مشروع الإنقاذ هو الشريعة، وقال لن نبيعها لرضاء سياسي من أحد وأعينهم تطرف. وأضاف أنهم وحكومته طبقوا الشرع حتى في حضور الجنوبيين قبل الانفصال. ويبقى السؤال الذى يسعدنا جدا ان لو أوضح لنا سيادته الإجابة عليه، وهو أين وكيف تم تطبيق شرع الله في كل ممارستهم للسلطة قديمها بوجود الجنوبيين، وحديثها بعد انفصالهم، وفى اى جانب من جوانب الحكم؟ لكن ما يدهشنا قول سيادته إن الحديث عن غلاء المعيشة الذى يتهمون أحزاب المعارضة باستغلاله لمحاربة النظام، لن يغير في توجه السودانيين نحو لله وليس للقوت، ولو صرفنا النظر عن الـ «140» ألف من تلاميذ ولاية الخرطوم وحدها، والذين لا يجدون ما يمكنهم من تناول وجبة إفطار مهما كانت مقدارها وقيمتها، وهم ليس من المطلوب توجههم لله طبعا، فما الذى فعلته دولة الشريعة لإطعام هؤلاء الصغار من جوع، والكل يعلم رأى الدين في مثل هذه الأوضاع التي يشبع فيها البعض حد التخمة، ويجوع فيها الآخر حد الموت؟ ثم ما الذى يعنى أن يتوجه المواطنون إلى الله ويتركون البحث عن قوت يومهم الذى عز الوصول إليه، وان الله لا يأمر بالهلاك؟
ومن أكثر التصريحات ضحكاً على الذقون، ما أشار فيه إلى أن هنالك دعماً من حكومة قطر مقدماً للسودان، وبصرف النظر عن أوجه صرفه، إلا أنه قدر بمليارين من الدولارات. وقد صدر تصريح في وقت سابق بذات القدر من الدولارات مقدم من ذات دولة قطر، ذلك التصريح الذى هبط بسعر شراء الدولار إلى أدنى مستوى قبل صعوده الصاروخي الذى فاق الخمسة جنيهات. ولكن وقبل ان يتنفس الجنيه السوداني الصعداء من ذلك الهبوط المفاجئ، خرج علينا وزير المالية بأغرب تصريح يقول فيه إن الإعلان عن دعم بملياري دولار للسودان، لم يصرح به أي مسؤول، يعنى مجرد شائعة. طيب لماذا لم يتكرم الوزير بوقف تلك الشائعة في يومها، بل تركها حتى تمكن من تمكن من شراء الدولار بسعر الشائعة، ومن بعد يسعى لإغلاق ذلك الباب. ونتيجة لذلك فقد تزايدت حدة عدم ثقة المواطن في ما يصدر المسؤولون من تصريحات، خاصة قصة الدعم الخارجي، وعلى الأخص عندما يكون من ذات الجهة وبذات الأرقام.
ثم تذكرون أيضا كم هلل البعض وكبر لانفصال الجنوب، بل وتذكرون كل التصريحات التي صدرت من بعض المسؤولين التي أوضحت أن وجود الجنوب مع الشمال كان عبئاً ثقيلاً حمله الشمال على أكتافه سنين عدداً، أراحهم انفصاله من حمله. اليوم يتنبأ نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم بأن الجنوب سيعود إلى حضن الشمال بعد زوال حكومته الحالية، رغم أن ثقل حمله الذى تكررت الشكوى منه، لم يكن بسبب هذه الحكومة. ولغرابة الصدف فإن الشيخ حسن الترابي رأى ذات الرأي بعودة الجنوب إلى الشمال مرة أخرى، ولكن رهن ذلك بزوال النظام الحالي بالشمال، فقد اتفق الرجلان في إمكانية عودة الجنوب إلى قواعده القديمة، ولكنهما اختلفا اختلافاً جذرياً في مسببات العودة، كانت الأولى بزوال حكومة الحركة الشعبية وكانت الثانية بزوال حكومة المؤتمر الوطني. فمن أين خرج كلاهما بهذه الفكرة التي قد يكون ضررها أكثر من نفعها حالياً، خاصة بالنسبة لرؤية د. الحاج، ففي الوقت الذى تبحث فيه حكومته عن أي مدخل للتوافق مع حكومة الحركة الشعبية في المفاوضات الجارية هذه الأيام، وخاصة تلك التي تدور حول عودة النفط إلى مجاريه السابقة، يخرج عليها نائب الرئيس بمثل ذلك التصريح.
فالنظام العام سيئ الذكر، والذي خلط البعض بينه وبين أمن المجتمع، لا أدرى إن تم ربط بينهما أخيرا، ولكن الذى أعلمه أن شرطة أمن المجتمع هي قوات نظامية إضافية، ابتدعتها ولاية الخرطوم العام السابق، وهى تعمل على زيادة طرق ووسائل تأمين وتمكين السلطة، وقانون النظام العام بكل مساوئه التي نعرف، رغم انه لا يستخدم الرصاص في مواجهة من يتصيدهم من المواطنين، ولكنه يستخدم من أسلحته الخاصة ما قد تكون أمضى وأقسى من الرصاص بالنسبة لمن يتعرضوا لها، عندما تعمد للكشف عن عوراتهم والتشهير بهم بين الناس. لذلك كانت المطالبة ومن الكثيرين بضرورة إلغاء ذلك القانون لعدم جدواه أولاً، ولتسببه في كشف حال السودان والمرأة السودانية على وجه الخصوص ثانياً. غير أن القيادة ترى في تلك المطالبات، دعوة لتفشى الرذيلة بين المواطنين.
ولنصبح أكثر علمية في نقد هذا القانون والمطالبة بإلغائه أو الإبقاء عليه، يهمنا أن لو أوضح لنا الذين يحرصون على استمرار ذلك القانون، وبكل هدوء، عن ماهية المكاسب التي حققها أو النجاحات التي أحرزها على امتداد ستة عشر عاماً، هي سنوات عمره حتى الآن، بل وفى أي جانب من الجوانب التي صدر من اجل تقويمها، فأهملها وانشغل بغيرها؟ يعنى، ما هي نسبة انخفاض ممارسة الرذائل بأى شكل كانت؟ فالواقع المعاش يقول إن تفشى الرذيلة وبمختلف أشكالها وألوانها، بل وكل الانفلات في السلوك العام الذى تفشى بالمجتمع، يرجع الفضل فيه إلى قانون النظام العام، والكيفية الخاطئة التي ظل يحارب بها تلك الأخطاء أو الرذائل، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك القانون صدر في ظل هوجة المشروع الحضاري، الأمر الذى يستوجب أخذ تعاليمه وتوجيهاته في الحسبان. ولا أظن ان شرطة النظام العام وهى تلهث في البحث عن عورات المواطنين من أجل كشفها وتعريتها، حتى عندما يحاول من ابتلوا بها سترها، تذكر بأن الإسلام يدعو إلى ستر عورة المسلم، التي يجتهدون هم في فضحها.
وشرطة النظام العام تخصصت في ملاحقة النساء بالذات، والتمعن في أزيائهن، ومن بعد تعرضهن لأكثر أنواع العقوبات امتهانا، الجلد، وبواسطة رجل وعلى مسمع ومرأى من رجال آخرين، والمدهش حقا أننا لم نشاهد رجلاً واحداً تم جلده بالصورة وبالطريقة التي تتم بها معاقبة النساء. بل إن تمت معاقبة بعضهم، فإنها تتم سراً مع التستر على أسمائهم، يعنى يستخدمون معهم فقه السترة، وكأنما خصص للرجال دون النساء. ولعل الكل يذكر مشهد فتاة الفيديو، كما سموها، ومستوى التشفي في ضربها من جانب جلادها، مما أدى لصراخها وعويلها وتشفعاتها، في ظل الاستهتار والضحك الذى يصدر من جانب الحضور من الرجال، ومن ثم عكس كل ذلك أسوأ صورة عن السودان. وعن المرأة السودانية، وعلى مستوى العالم.
نعود لأنواع الاستهانة بعقول المواطنين واستصغارها. فقد تلاحظ أن بعض المسؤولين من قيادات المؤتمر الوطني، وهم يحاولون التقليل من شأن الأحزاب المعارضة والحركات المتمردة، تركيزهم على السعي لبرهان أن تلك المجموعات، بلا وطنية ولا ولاء للوطن ومواطنيه. الأمر الذى يجعلها تضع يدها في أيدي الأعداء، خاصة دول الاستكبار، كما يحلو لتلك القيادات تسميتهم حتى يمكنوا لها من تحقيق أهدافها في إسقاط النظام، ومن ثم العودة إلى السلطة، مرض الجميع. والمدهش ان الغالبية الغالبة من اللقاءات التي تعقدها تلك المجموعات هي اجتماعات غاية في السرية وفى غرف مغلقة، فيصبح الذى يحيرنا كيف تتسرب أجندتها وسير مناقشاتها ومن بعد قراراتها، لقيادات المؤتمر الوطني التي ظلت تتحفنا بين الحين والآخر بما يزيد من دهشتنا. ففي تصريح للسيد قطبي المهدي كشف فيه عن لقاء سماه موسعا، تم بين سلفا كير وجبريل إبراهيم وياسر عرمان، تمت فيه مناقشة ترتيبات التنسيق للعمل المشترك خلال الفترة المقبلة، يسافر بعدها جبريل إلى لندن بعد أن أكمل مخططاته مع حكومة الجنوب لأجل جلب الدعم لتحالف الجبهة الثورية. والذي وصفه السيد قطبي بأنه دعم غير محدود.
وتصريح آخر أصدره د. نافع لتأكيد ارتماء الأحزاب المعارضة والحركات المتمردة، في أحضان القوى الأجنبية، حيث أشار سيادته إلى اجتماع تم بين أمريكا والحركات المتمردة، وقطعاً لم يكن سيادته بين الحضور، يقول فيه إن أمريكا اشترطت لدعم حركة العدل والمساواة، التوحد مع الحركات الأخرى، حيث قالت أمريكا «نحن لسنا مستعدين لدعمكم إلا أن تتوحدوا مع الحركات الأخرى، رغم إنكم لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً حتى ان اجتمعتم مع الأحزاب المعارضة»، ثم أضاف أن أمريكا أكدت لأحزاب المعارضة عدم مقدرتها على إسقاط النظام، وطالبتهم بأن يكونوا سنداً لتحالف «كاودا» لخلق إزعاج في الخرطوم، باستغلالهم الأزمات الحالية، كما أوضحت أمريكا للأحزاب بأنهم ان فعلوا ذلك، يمكن أن يصنعوا بنغازي في الشمال، وحينها يمكن ان تسعفهم أمريكا بسرعة، وان بنغازي اختيرت لها كادوقلى جنوب كردفان.
ونسال د. نافع ما دامت أمريكا على ثقة باستحالة إسقاط هذا النظام، فما الهدف من دعم الحركات المتمردة لتوحدها وحتى إن تمت الوحدة مع أحزاب المعارضة؟ ويبدو أن سيادته يريد أن يبعث برسالة لشعب السودان مفادها استحالة سقوط نظامهم أو إسقاطه، حتى لو اجتمعت كل الحركات المتمردة مع الأحزاب المعارضة، أو حتى ان اجتمع الإنس والجن. أما قصة دعوة أحزاب المعارضة لمساندة تجمع كاودا لخلق زعزعة في الشمال، والتي بموجبها ستسعفهم أمريكا، فهذه لم ندرك معناها ولا مغزاها، فما دامت أمريكا على قناعة تامة باستحالة زوال هذا النظام، وعلى دراية كاملة بأن هدف المعارضة ومن معها، هو إسقاط النظام، فما هي الإسعافات التي ستقدمها لهم في مثل هذه الحالة؟ فأي تناقض هذا الذى تقع فيه قيادات المؤتمر الوطني، التي تحرص من جانب، على ان تقنع المواطنين بعدم وجود أية أحزاب معارضة ذات فاعلية، خاصة بعد ان قضوا عليها وقبروها بنهاية اجل الانتخابات السابقة، ومن جانب آخر يبدون قلقهم منها بإصدار مثل تلك التصريحات التي تسعى لتصويرها وإظهارها بمظهر العميل المتآمر على الوطن والوطني طبعا، ومع ألد أعداء الحكومة أمريكا.
ونطمئن الجميع إلى الثورات العربية التي يخشاها هؤلاء، لم تحركها أحزاب معارضة ولا تجمع حركات متمردة أو غيرها، بل خرجت الجماهير بإرادتها الحرة بعد أن أذاقتها أنظمة حكمها الويل وسهر الليل، ومن ثم دفعتها للخروج بحثاً عن استرداد كل حقوقها المغتصبة وحريتها المصادرة. ونسأل مرة أخرى عن كل التحركات الأخيرة التي حدثت بالسودان، من إضرابات واعتصامات ومظاهرات وإغلاق للطرقات، وأخيرا وقفات ببعض المؤسسات، وبالخرطوم وبالولايات الأخرى، كل ذلك إضافة إلى ظاهرة تمرد بعض الولاة على المركز والمواطنين على الولاة، ولأول مرة في عهد الإنقاذ، ودون أن نمعن النظر في محتوى مذكرات أهل البيت، التي كشفت الغطاء عن عيوب وفساد حكومتها، ما كانت لتظهرها للعلن لولا التململ والملل الذى أصابها منها ذاتها. ويمكن إرجاع كل تلك الممارسات إما لتقصير من جانب السلطة، أو أخطاء ارتكبتها السلطة تجاه المواطنين، قرروا أخيرا أن يسعوا لمعالجتها بأنفسهم ودون وسيط. فهل كانت الأحزاب بكل ضعفها وعدم قدرتها على تحريك الشارع وراء كل ذلك؟
أما تجاهل الشعب وعدم الاكتراث لرايه ورؤيته، تدور هذه الأيام معركة حول الدستور الاسلامى الذى قامت بإعداده مجموعة من رجال الدين سمت نفسها هيئة الدستور الاسلامى، هذه المجموعة أعلنت أنها ستقدم ذلك الدستور إلى الرئيس عمر البشير لأجل اعتماده وتطبيقه، وأضافت أنه في حالة رفضه من جانب السيد الرئيس، يصبح عليه البحث عن شعب آخر ليحكمه. بمعنى آخر يوضح ذلك الحديث أن هذا ان الدستور الذى قامت بوضعه تلك الهيئة، قد أصبح ممثلا لرأى الشعب السوداني الذى يحكمه السيد عمر البشير، فإن لم يستحب سيادته لرغبته فلا مجال لاستمرار حكمه عليه. وقبل أن نعرض لرد بعض المسؤولين حول ذلك الأمر، نسأل الهيئة الموقرة عن موقع الشعب الذى لن يحكمه عمر البشير ان رفض ذلك الدستور، فى مناقشات وإجازة ذلك الدستور؟ فحتى هذه اللحظة فإن الشعب السوداني لم تتم استشارته في ذلك الأمر، لا من أجل تطبيق شرع الله أو عدمه، فذلك أمر مفروق منه، ولكن فقط من أجل الاهتداء بذات الشرع الذى يفرض استشارته، وحتى لا يحس المواطنون بأنهم مجرد مجموعة أفراد، لأجل أن تمارس السلطة عليهم
د. نافع طبعاً لا يفوت مثل هذه الفرص لإظهار عضلات حكومته، لمن يتطاولون عليها. فقد دعا التيارات الإسلامية للتصدي لما سماه التطاول والانتفاشة الباطلة وتنفيسها. وأوضح أن مشروع الإنقاذ هو الشريعة، وقال لن نبيعها لرضاء سياسي من أحد وأعينهم تطرف. وأضاف أنهم وحكومته طبقوا الشرع حتى في حضور الجنوبيين قبل الانفصال. ويبقى السؤال الذى يسعدنا جدا ان لو أوضح لنا سيادته الإجابة عليه، وهو أين وكيف تم تطبيق شرع الله في كل ممارستهم للسلطة قديمها بوجود الجنوبيين، وحديثها بعد انفصالهم، وفى اى جانب من جوانب الحكم؟ لكن ما يدهشنا قول سيادته إن الحديث عن غلاء المعيشة الذى يتهمون أحزاب المعارضة باستغلاله لمحاربة النظام، لن يغير في توجه السودانيين نحو لله وليس للقوت، ولو صرفنا النظر عن الـ «140» ألف من تلاميذ ولاية الخرطوم وحدها، والذين لا يجدون ما يمكنهم من تناول وجبة إفطار مهما كانت مقدارها وقيمتها، وهم ليس من المطلوب توجههم لله طبعا، فما الذى فعلته دولة الشريعة لإطعام هؤلاء الصغار من جوع، والكل يعلم رأى الدين في مثل هذه الأوضاع التي يشبع فيها البعض حد التخمة، ويجوع فيها الآخر حد الموت؟ ثم ما الذى يعنى أن يتوجه المواطنون إلى الله ويتركون البحث عن قوت يومهم الذى عز الوصول إليه، وان الله لا يأمر بالهلاك؟
ومن أكثر التصريحات ضحكاً على الذقون، ما أشار فيه إلى أن هنالك دعماً من حكومة قطر مقدماً للسودان، وبصرف النظر عن أوجه صرفه، إلا أنه قدر بمليارين من الدولارات. وقد صدر تصريح في وقت سابق بذات القدر من الدولارات مقدم من ذات دولة قطر، ذلك التصريح الذى هبط بسعر شراء الدولار إلى أدنى مستوى قبل صعوده الصاروخي الذى فاق الخمسة جنيهات. ولكن وقبل ان يتنفس الجنيه السوداني الصعداء من ذلك الهبوط المفاجئ، خرج علينا وزير المالية بأغرب تصريح يقول فيه إن الإعلان عن دعم بملياري دولار للسودان، لم يصرح به أي مسؤول، يعنى مجرد شائعة. طيب لماذا لم يتكرم الوزير بوقف تلك الشائعة في يومها، بل تركها حتى تمكن من تمكن من شراء الدولار بسعر الشائعة، ومن بعد يسعى لإغلاق ذلك الباب. ونتيجة لذلك فقد تزايدت حدة عدم ثقة المواطن في ما يصدر المسؤولون من تصريحات، خاصة قصة الدعم الخارجي، وعلى الأخص عندما يكون من ذات الجهة وبذات الأرقام.
ثم تذكرون أيضا كم هلل البعض وكبر لانفصال الجنوب، بل وتذكرون كل التصريحات التي صدرت من بعض المسؤولين التي أوضحت أن وجود الجنوب مع الشمال كان عبئاً ثقيلاً حمله الشمال على أكتافه سنين عدداً، أراحهم انفصاله من حمله. اليوم يتنبأ نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم بأن الجنوب سيعود إلى حضن الشمال بعد زوال حكومته الحالية، رغم أن ثقل حمله الذى تكررت الشكوى منه، لم يكن بسبب هذه الحكومة. ولغرابة الصدف فإن الشيخ حسن الترابي رأى ذات الرأي بعودة الجنوب إلى الشمال مرة أخرى، ولكن رهن ذلك بزوال النظام الحالي بالشمال، فقد اتفق الرجلان في إمكانية عودة الجنوب إلى قواعده القديمة، ولكنهما اختلفا اختلافاً جذرياً في مسببات العودة، كانت الأولى بزوال حكومة الحركة الشعبية وكانت الثانية بزوال حكومة المؤتمر الوطني. فمن أين خرج كلاهما بهذه الفكرة التي قد يكون ضررها أكثر من نفعها حالياً، خاصة بالنسبة لرؤية د. الحاج، ففي الوقت الذى تبحث فيه حكومته عن أي مدخل للتوافق مع حكومة الحركة الشعبية في المفاوضات الجارية هذه الأيام، وخاصة تلك التي تدور حول عودة النفط إلى مجاريه السابقة، يخرج عليها نائب الرئيس بمثل ذلك التصريح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق