السبت، 17 مارس 2012

الموروثات الشعبية عند السياسيين.. زاوج مسيار



 
الموروثات الشعبية عند السياسيين.. زاوج مسيار
رشان أوشي
 
 
يروى قديماً.. أن جاء ركب من أعيان الأنصار للإمام عبدالرحمن المهدي وأخبروه بأن بعض أقطاب الختمية قدموا لهم إغراءات مالية من أجل التصويت لهم في الانتخابات (أول انتخابات بعد الاستقلال)، فجاء رد الإمام عبدالرحمن بقوله (أكلوا توركم وأدوا زولكم). ويبدو أن.. الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وزعيم طائفة الأنصار قد ورث اقتباس الأمثال الشعبية في الخطاب السياسي من أجداده، فهو الأكثر استخداماً للأمثال والمأثورات الشعبية بين السياسيين.. واشتهر أيضاً بالاقتباس واستخدام العامية في ثنايا اللغة الفُصحى.. وبالرغم من إجادته التامة لعدة لغات بجانب العربية، ولكنه يعمد دائماً إلى استخدام اللغة الشعبية الممزوجة بالسخرية، والمستمع لبعض خطاباته في الندوات العامة أو حتى المؤتمرات الصحفية لا يتمالك نفسه من الضحك. (حشاش بدقنو).. عبارة عامية أطلقها الإمام الصادق المهدي في خطابه الأخير واصفاً بها حديث المعارضة حول إسقاط النظام بأنه مجرد أقاويل لا تطبق على أرض الواقع فعلاً، ومن ثم فقد وجد حديثه الذي استخدم فيه المثل الشعبي رواجاً إعلامياً ضخماً حتى إن معظم الصحف الصادرة في اليوم التالي قد كتبته على صدر عناوينها. لم تكن.. تلك الحادثة الأولى التي يستخدم فيها الإمام الصادق العبارات الشعبية، فقد قال في تسعينات القرن الماضي عندما عم الحديث حول استخراج البترول، وأمست الحكومة تنسج الأحلام الوردية حول التنمية عبر عائدات موارد النفط، قال الإمام واصفاً حديثها بـ(أحلام زلوط) وزلوط هذا شاب ظلّ يحلم دون أن يتحقق حلمه، ومن المؤكد أنّ الإمام قصد منها تبخيس مسألة استخراج النفط، وكذلك عبارته التي انتقد بها دخول القيادي وسليل الأسرة المهدية مبارك الفاضل ومشاركته في الحكومة وحينها كان حزب الأمة معارضاً، قال عنه (أكل الفطيس قبل الذبيح)، ثم عبارته التي أذهلت الحاضرين في العام 2006م بعد أن فرغت الحكومة من توقيع كل تلك الاتفاقيات (نيفاشا، أبوجا، أسمرا) قال منتقدًا ذلك بـ(الحكومة حشرت البلاد في جحر الضب)، ثم حديثه عن القوات الهجين في دارفور قال: من الضروري أن يكون هنالك طرف ثالث في ذلك الاتفاق بشرط أن يكون (عاجبني لونو) وهو اقتباس من أغنية الفنان الكاشف أسمر جميل، وكذلك إبان المعارضة المسلحة في الخارج (التجمع الوطني الديمقراطي) وعودة حزب الأمة إلى الداخل بعد لقاء جيبوتي، كانت المعارضة حينها تتحدث عن القصاص السياسي، فردَّ الإمام مقتبساً المثل الشعبي..(الفش غبينتو خرب مدينتو)، وأخيرًا عباراته العامية التي قالها عند مخاطبته احتفال حزبه بعيد الاستقلال يناير 2012م، وكان وقتها الصراع محتدماً بينه وتحالف قوى الإجماع الوطني، فقال مقللاً من شأن حديث المعارضة المتكرر حول قضية إسقاط النظام: "ما أي زول يتفنقل على قفاه ويقول بعد 24 ساعة حَ نسقط النظام!!.. دا كلام يقولوه لناس عندهم قنابير". لحس الكوع: ليس السيد الإمام وحده من يلجأ للمأثورات الشعبية والعامية.. حيثُ يضاهيه في ذلك مساعد رئيس الجمهورية والقيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع، الرجل الذي أكثر من استخدام العبارة الشهيرة (لحس الكوع) في مخاطبته للأحزاب المعارضة.. كلما تقدمت بطلب أو تحالفت على برنامج سياسي.. وبتكرار استخدام مساعد الرئيس لهذه العبارة.. صارت شائعة التداول في أوساط المدينة، كما أنها صارت مرتبطة به ولها معجبون ومنتقدون. بعض المراقبين أبدوا استغرابهم من تلك العبارة التي ألقى بها الزعيم الشيوعي محمد إبراهيم نقد وأذهلت الحاضرين.. فالرجل ينتمي لمدرسة فكرية صفوية لا تميل كثيرًا إلى استخدام العبارات الشعبية، بينما تتسنم ذرى خطاب الأنتلجنسيا والمثقفين، قال نقد وهو يتحدث منتقدًا الدعوات المتكررة من قبل سياسيين إسلاميين متنفذين حول ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بصورتها السلفية، وصف تلك الدعوات مقتبساً المثل الشعبي:(غلفاء وشايلة موسها تطهر) وهو مثل شعبي يُصنَّف من (الدرجة الثالثة) حتى إن العامة لا يميلون لاستخدامه كثيرًا. ومؤخرًا.. لجأ السيد رئيس الجمهورية يقتبس العبارات العامية في خطبه السياسية خاصة الجماهيرية منها، ومن أشهرها مقولته في عيد الفطر الماضي عندما صلى بالجيش والدفاع الشعبي في الكرمك بعد استيلاء الجيش على تلك المنطقة أثناء الحرب ضد الجيش الشعبي، قال الرئيس موجهاً خطابه للفريق مالك عقار الوالي السباق ورئيس الحركة الشعبية شمالاً، قائلاً (ياباها مملحة.. ياكلها يابسة).. وهو مثل شعبي يشير الى استنفاد الخيارات الأفضل.. وتبقى الخيارات السيئة. مقاربة: الشائع..أنّ السياسة بشكل عام مسألة بالغة التعقيد.. تحتاج دوماً لتفسيرات.. خاصة بالنسبة لشعب تصل نسبة الأمية فيه الى 62%.. ويغلب الطابع السري على معظم الممارسات السياسية.. سواء كانت تحالفات أو أعمال تنظيمية عادية.. وهو ما يبرز دور المحللين السياسيين في هذا الشأن لتقريب وتفسير التعقيد السياسي، ولكن هنالك سؤال يعترض مسار هذا السفر الصحفي وهو: لماذا يميل السياسيون لاستخدام الأمثال الشعبية؟ زواج مسيار: البلاغة هي أحد ضروب اللغة العربية.. و(تشبيه التمثيل) هو أحد أهم المحسنات البلاغية.. وهو التشبيه الذي يتم فيه رسم صورة كاملة وتشبيهها بصورة أخرى مرادفة.. وتكمن الفكرة البلاغية في تقوية وتوضيح الصورة (المُشبَّهَة) من خلال الصورة الأخرى (المُشبَّه بِها).. ولو أنّ الدكتور نافع - مثلاً - كان يستخدم كلمة (مستحيل) بدلاً عن (لحس الكوع) لما انتبه إليه أحد. وفكرة زواج المسيار (بالنسبة للرجل) التي استهللنا بها العنوان.. أو زواج الإيثار (بالنسبة للمرأة) هي فكرة معروفة تتنازل فيها المرأة عن بعض حقوقها (مثل المبيت أو الإنجاب أو النفقة).. فتنشأ علاقة تعايشية من أجل إكمال الزواج.. والسياسيون في علاقتهم بالموروثات الشعبية يصنعون ذات العلاقة التعايشية.. فلا يمكن وصفهم بأنّهم (مهتمين) أو حتى (معجبين) بالتراث الشعبي.. بل يأخذون منه على قدر حاجتهم السياسية. تواصل: الدكتور بشير آدم رحمة من القيادات السياسية المعروفة باستخدام الأمثال الشعبية والعامية في الخطاب السياسي.. خاصة الطريف منها.. هو مسؤول العلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي، قال في حديثه لـ(التيار): يميل السياسيون لاستخدام تلك المفردات للتواصل مع جمهورهم، وهي تعتبر إحدى أدوات إيصال الرسالة السياسية.. كالمعلم الذي يستعين بالوسائل التعليمية لكي يفهم تلاميذه، ويضيف: خاصة إذا كانت الخطبة السياسية طويلة الزمن فإنك بحاجة لاستعادة انتباه المستمعين وتنشيط عقولهم، وذلك عادة ما يكون عبر اقتباس تلك المفردات خارج النص ولكنها ذات علاقة بالموضوع محور الحديث، فالسياسي كالطبيب يعطي الجرعة الخطابية بمقدار محدد من أجل الصحة النفسية عند الاستماع. ويردف رحمة بأنها أحياناً تكون من أجل السخرية من الخصوم، أو التحدي السياسي كالتباهي بعدد المؤيدين والجمهور، فمثلاً عند اقتراب الانتخابات نجد أن هنالك عبارة يشيع استخدامها بين السياسيين وهي(الحشاش يملا شبكتو)، وإظهار القوة كعبارة (البجيك متحزِّم.. لاقيهو عريان).
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق