قد يبدو هذا العنوان غريباً للوهلة الأولى ذلك لأن عنواناً كهذا عندما يستخدم إنما يتسخدم عادة بغرض إجراء مقارنة أو توجيه نقد, لذلك لم يكن عنوان المقال السابق الذي نشر تحت عنوان (اليساريون والإسلام) بمستغرب لأني قد أجريت فيه مقارنة بين دعاوى اليساريين وبين ما يتضمنه الإسلام من قيم ومبادئ تجهض كل دعاوى اليساريين وإدعاءاتهم ضد الإسلام، أما أن تكون المقارنة بين الإسلامين والإسلام أو توجيه النقد لهم فهذا أمر يدعو إلى العجب ويثير التساؤل لأن كل من يقرأ هذا العنوان سوف يتساءل: وهل للإسلاميين بضاعة غير الإسلام حتى تجرى المقارنة بين دعواهم وبين مبادئ الإسلام؟؟!! .
نعم ليس لدى الإسلاميين بضاعة غير الإسلام ينافسون بها القوى الأخرى لكن هل بضاعتهم التي يطرحونها إسلامية خالصة أم أنها بضاعة مغشوشة تحمل بعض معالم الإسلام في مظهرها الخارجي وتخالفه في جوهرها وممارساتها العملية؟؟ !!
إن المتتبع لمسيرة الإسلاميين قبل يونيو 89 وبعده، ويقارن واقعهم الذي هم فيه اليوم بما كانوا يدعون إليه الناس يجد الفرق كبيراً فالإسلاميون عندما كانوا بعيدين عن السلطة بل حتى عندما كانوا في المعارضة في فترة الديمقراطية الثالثة وقبل أن يشاركون في حكومة الصادق المهدي, كانوا يمنون الناس بأنهم سوف يملؤون الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وأنهم إذا ُقدر لهم أن يصلوا إلى السلطة فسوف يقدمون أياد نظيفة ونفوس طاهرة لتدير شؤون الدولة وسوف تتحقق العدالة وينعم الناس بالأمن والاستقرار ويعيشون في رفاهية, لذلك كانت شعاراتهم التي يرددونها في تلك الفترة تشير إلى ذلك كشعار «هي لله هي لله لا للسطة ولا للجاه» وشعار «في سبيل الله قمنا, نبتغي رفع اللواء, لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء» وغيرهما من شعارات لكن كيف هو حال البلاد والعباد اليوم بعد أن تسنم الإسلاميون السلطة بالبلاد منذ يونيو 89م؟ هل تحقق شيء من هذه الشعارات أم أن الواقع العملي قد كذبها؟؟!!
كرد على هذه الأسئلة وغيرها أعيد ما قلته من قبل بأن المتتبع لمسيرة الإسلاميين قبل يونيو 89 ويقارن ذلك بواقعهم اليوم فسوف يجد الفرق كبيراً وسوف يجد كذلك أن كل تلك الشعارات البراقة والجذابة قد انهزمت أمام بريق السلطة لدرجة أن من يستمع إلى بعض قواعدهم يرددون تلك الشعارات لا يملك إلا أن يضحك عليهم وإذا كان من الغيورين على الإسلام لا يملك إلا أن يذرف الدمع مدراراً حزناً على انهزام هذه الشعارات وسقوطها ويتساءل: هل كان الإسلاميون صادقين في دعواهم أم أنهم جعلوا من الإسلام ستاراً مستغلين في ذلك عواطف الناس وحبهم لكل ما هو إسلامي, حتى يصلوا إلى السلطة ومن ثم يظهرون على حقيقتهم؟؟!! فما هي هذه الممارسات التي ارتكبها الإسلاميون خلال العقدين الماضيين التي ساعدت في كشف زيف هذه الشعارات وكذبتها عمليا؟؟
إن أولى هذه الممارسات التي قام بها الإسلاميون بعد انفرادهم بالسلطة في يونيو 89 وساعدت في كشف زيف تلك الشعارات وكذبتها هي ممارسة الظلم الذي أصبح ظلمات فدعاواهم بإقامة العدل وبسطه بين الناس ورفع الظلم عن المظلومين قد هزمت منذ الأشهر الأولى لحكمهم حيث شردوا الآلاف من وظائفهم لأسباب سياسية أو بحجة الخصصة وإعادة الهيكلة التي كانت نتاجاً لسياسة التحرير التي تبنتها الدولة لإدارة اقتصاد البلاد فقد تم تشريد الآلاف من وظائفهم دون مراعاة للظروف الحرجة التي قد تواجههم ولما أحست الحكومة بمرارة الظلم الذي وقع على هؤلاء سعت لتخفيف حدة ذلك عليهم بابتداعها لصناديق وهمية بهدف تقديم الدعم الاجتماعي لهؤلاء بغرض مساعدتهم لتأمين مصدر جديد للرزق لتأمين معاشهم ومعاش من يعملون وإن كان لا أحد يعرف شيئاً عن هذه الصناديق ولا أين وفيم أنفقت أموالها بل نجد بعض الموظفين لم يفقدوا وظائفهم فحسب بل فقدوا معها بعض الحقوق المكتسبة التي أقرتها لهم شروط الخدمة الخاصة بهم كموظفي البنوك الذين حرموا من الاستحقاقات التي كانوا يتمتعون بها لأكثر من ثلاثين عاماً حيث أصدر مجلس الوزراء في وقت سابق قراراً بإلغاء هذه الامتيازات وبالبرغم من أن المعاشيين قد طعنوا في هذا القرار حتى أبطلته المحاكم وأصدرت أحكامها لصالحهم إلا أن من بيدهم القرار ببنك السودان ووزارة المالية لا يزالون يماطلون في تنفيذ الأحكام التي صدرت لصالح العاملين بل نجد البنك المركزي، وتمادياً في ظلمه لمن أفنوا زهرات شبابهم بالجهاز المصرفي واستغلالاً منه للظروف المالية الحرجة التي يعاني منها الذين تقاعدوا عن الخدمة أو ُأقعدوا عنها, فرض عليهم تسوية قسرية كانت في البداية عشرين شهراً حسب راتب 2003م ولما كانت ظروف معظم العاملين حرجة جدا اضطر بعضهم لقبول هذه التسوية. ولكن يبدو أن البنك المركزي قد حس بالظلم الذي ألقاه على العاملين فرفع التسوية إلى أربعين شهراً، ولكن إمعاناً في الظلم - وحتى لا يستفيد العاملون من هذه المبالغ - قام بدفعها على أقساط سنوية. ولما كانت التسوية قد دفعت براتب 2003م كما أسلفت في الوقت الذي كان ينبغي أن تدفع به بمرتب 2004م تقدم العاملون بشكوى إلى القضاء الذي أنصفهم وتم صرف فروقات التسوية لهم !!
أليس هذا الذي لحق بهؤلاء العاملين الذين شردوا من وظائفهم بل فقدوا حتى امتيازاتهم بظلم يتعارض مع مبادئ الإسلام وتعاليمه التي تدعو إلى محاربة الظلم وبسط العدالة بين الناس فالمولى عز وجل يقول: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» وهو الذي حرم الظلم وجعله محرماً بيننا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «اعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه».
إن الإحالة للصالح العام التي مورست في عهد هذه الحكومة تعد واحدة من أبرز مظاهر الظلم التي لحقت بالناس وإن كانت هناك مظاهر أخرى لهذا الظلم كالظلم الذي لحق يالمناصير الذين هجروا من أرضهم ويعتصمون اليوم مطالبين برفع الظلم عنهم وإنصافهم بتعويضهم عما فقدوه جراء هذا التهجير. وإذا أردت أن أتتبع نماذج الظلم الذي حاق بالناس منذ يونيو 89 وحتى اليوم فسوف لن أستطيع أن أحصي ذلك فحتى حالات التمرد التي وقعت ببعض أطراف البلاد تدخل ضمن قائمة هذا الظلم. فالذين تمردوا في دارفور أو شرق السودان أو حتى جبال النوبة والنيل الأزرق كلهم يشكون من الظلم والتهميش لذلك يمكنني القول بأن هذه الممارسات التي اتسمت بالظلم قد هزمت كل المبادئ والقيم التي كان الإسلاميون ينادون بها ويبشرون الناس بتحقيقها إذا قدر لهم الوصول إلى السلطة .
وفي ذات الإطار إذا نظرنا إلى هيكل الأجور بالدولة نجد أن الظلم الذي مارسته الحكومة لا يحتاج إلى دليل لتأكيده ووقوعه على الناس ففي الوقت الذي نجد فيه الحكومة قد وسعت على دستورييها وتنفيذييها في الأجور والمخصصات الأخرى نجدها قد ضيقت الخناق على عامة العاملين بالدولة فمخصصات الدستوري الواحد قد تصل مبلغ عشرين ألف جنيه في الشهر أو قد تزيد نجد أن الحد الأدنى للأجور بالدولة لا يزال مبلغ 165 جنيهاً!!! أليس هذا هو الظلم بعينه؟؟!! لكن يبدو أن ضمائر بعض البرلمانيين قد استيقظت من وقع هذا الظلم على العاملين بالدولة فتقدموا بطلب بعدم إجازة الموازنة الحالية إلا بعد تعديل قانون مخصصات الدستوريين حتى يتم تخفيضها ولكن نسبة لأن الظلم قد أصبح هو الأصل تمت إجازة الموازنة دون تعديل ذلك القانون بل حتى دون إقرار زيادة لمرتبات العاملين الذين تكرم عليهم رئيس الجمهورية بمنحة شهرية قدرها مائة جنيه ومعلوم أن فوضى الأسعار التي ضربت الأسواق بعلم الحكومة قد التهمت مرتبات العاملين التي أصبحت لا توفر أدنى متطلبات الحياة الكريمة لهم ولمن يعولون.
لكن حتى إذا سلمنا جدلاً بظلم الحكومة ألا توجد جهات أخرى كي تسدي النصح للحكومة وتطالبها برفع الظلم الذي حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده؟؟!! فأين رابطة علماء المسلمين وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدينية التي عليها أن تصدع بالحق حتى ولو في وجه الحكومة لكن لأن هذه الهيئة قد أصبحت هيئة لعلماء السلطان سكتت على مثل هذا الظلم ولم يفتح الله عليها بكلمة حق واحدة في وجه الحكومة!! ألم يقرأ أعضاء هذه الرابطة قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الساكت عن الحق شيطان أخرس». وقوله: «الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم». وقوله: «أعظم الجهاد كلمة حق في وجه إمام جائر». فهل هناك من ظلم وجور أكثر من أن يضيق على الإنسان في رزقه في الوقت الذي تتمتع فيه قلة من الدستوريين بمعظم إيرادات الدولة لتصرف لهم كمرتبات ومخصصات أخرى فقد سبق أن طالب البرلمانيون بضرورة تخصيص عربة واحدة للدستورين إذ يُشاع أن كل الدستوريين قد خصصت لهم ثلاث عربات لخدمته هو وأفراد أسرته وكل ذلك يحدث خصماً على إيرادات الدولة ورابطة علماء السلطان تتفرج بل بدلاً عن ذلك تفننت في إصدارها للفتاوى التي تكفر بها الناس!!
إن هذا الظلم الذي تفشى كما أسلفت يعتبر من أبرز الممارسات التي كذبت ادعاءات الحركة الإسلامية وأين هذا الذي يحدث من قول خليفة رسول الله أبوبكر الصديق الذي قال: «ألا إن الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له, ألا إن القوي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه». وقول الفاروق عمر بن الخطاب الذي قال: «لقد ولانا الله على هذه الأمة لنسد جوعتهم ونؤمن حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم».
نواصل
نعم ليس لدى الإسلاميين بضاعة غير الإسلام ينافسون بها القوى الأخرى لكن هل بضاعتهم التي يطرحونها إسلامية خالصة أم أنها بضاعة مغشوشة تحمل بعض معالم الإسلام في مظهرها الخارجي وتخالفه في جوهرها وممارساتها العملية؟؟ !!
إن المتتبع لمسيرة الإسلاميين قبل يونيو 89 وبعده، ويقارن واقعهم الذي هم فيه اليوم بما كانوا يدعون إليه الناس يجد الفرق كبيراً فالإسلاميون عندما كانوا بعيدين عن السلطة بل حتى عندما كانوا في المعارضة في فترة الديمقراطية الثالثة وقبل أن يشاركون في حكومة الصادق المهدي, كانوا يمنون الناس بأنهم سوف يملؤون الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وأنهم إذا ُقدر لهم أن يصلوا إلى السلطة فسوف يقدمون أياد نظيفة ونفوس طاهرة لتدير شؤون الدولة وسوف تتحقق العدالة وينعم الناس بالأمن والاستقرار ويعيشون في رفاهية, لذلك كانت شعاراتهم التي يرددونها في تلك الفترة تشير إلى ذلك كشعار «هي لله هي لله لا للسطة ولا للجاه» وشعار «في سبيل الله قمنا, نبتغي رفع اللواء, لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء» وغيرهما من شعارات لكن كيف هو حال البلاد والعباد اليوم بعد أن تسنم الإسلاميون السلطة بالبلاد منذ يونيو 89م؟ هل تحقق شيء من هذه الشعارات أم أن الواقع العملي قد كذبها؟؟!!
كرد على هذه الأسئلة وغيرها أعيد ما قلته من قبل بأن المتتبع لمسيرة الإسلاميين قبل يونيو 89 ويقارن ذلك بواقعهم اليوم فسوف يجد الفرق كبيراً وسوف يجد كذلك أن كل تلك الشعارات البراقة والجذابة قد انهزمت أمام بريق السلطة لدرجة أن من يستمع إلى بعض قواعدهم يرددون تلك الشعارات لا يملك إلا أن يضحك عليهم وإذا كان من الغيورين على الإسلام لا يملك إلا أن يذرف الدمع مدراراً حزناً على انهزام هذه الشعارات وسقوطها ويتساءل: هل كان الإسلاميون صادقين في دعواهم أم أنهم جعلوا من الإسلام ستاراً مستغلين في ذلك عواطف الناس وحبهم لكل ما هو إسلامي, حتى يصلوا إلى السلطة ومن ثم يظهرون على حقيقتهم؟؟!! فما هي هذه الممارسات التي ارتكبها الإسلاميون خلال العقدين الماضيين التي ساعدت في كشف زيف هذه الشعارات وكذبتها عمليا؟؟
إن أولى هذه الممارسات التي قام بها الإسلاميون بعد انفرادهم بالسلطة في يونيو 89 وساعدت في كشف زيف تلك الشعارات وكذبتها هي ممارسة الظلم الذي أصبح ظلمات فدعاواهم بإقامة العدل وبسطه بين الناس ورفع الظلم عن المظلومين قد هزمت منذ الأشهر الأولى لحكمهم حيث شردوا الآلاف من وظائفهم لأسباب سياسية أو بحجة الخصصة وإعادة الهيكلة التي كانت نتاجاً لسياسة التحرير التي تبنتها الدولة لإدارة اقتصاد البلاد فقد تم تشريد الآلاف من وظائفهم دون مراعاة للظروف الحرجة التي قد تواجههم ولما أحست الحكومة بمرارة الظلم الذي وقع على هؤلاء سعت لتخفيف حدة ذلك عليهم بابتداعها لصناديق وهمية بهدف تقديم الدعم الاجتماعي لهؤلاء بغرض مساعدتهم لتأمين مصدر جديد للرزق لتأمين معاشهم ومعاش من يعملون وإن كان لا أحد يعرف شيئاً عن هذه الصناديق ولا أين وفيم أنفقت أموالها بل نجد بعض الموظفين لم يفقدوا وظائفهم فحسب بل فقدوا معها بعض الحقوق المكتسبة التي أقرتها لهم شروط الخدمة الخاصة بهم كموظفي البنوك الذين حرموا من الاستحقاقات التي كانوا يتمتعون بها لأكثر من ثلاثين عاماً حيث أصدر مجلس الوزراء في وقت سابق قراراً بإلغاء هذه الامتيازات وبالبرغم من أن المعاشيين قد طعنوا في هذا القرار حتى أبطلته المحاكم وأصدرت أحكامها لصالحهم إلا أن من بيدهم القرار ببنك السودان ووزارة المالية لا يزالون يماطلون في تنفيذ الأحكام التي صدرت لصالح العاملين بل نجد البنك المركزي، وتمادياً في ظلمه لمن أفنوا زهرات شبابهم بالجهاز المصرفي واستغلالاً منه للظروف المالية الحرجة التي يعاني منها الذين تقاعدوا عن الخدمة أو ُأقعدوا عنها, فرض عليهم تسوية قسرية كانت في البداية عشرين شهراً حسب راتب 2003م ولما كانت ظروف معظم العاملين حرجة جدا اضطر بعضهم لقبول هذه التسوية. ولكن يبدو أن البنك المركزي قد حس بالظلم الذي ألقاه على العاملين فرفع التسوية إلى أربعين شهراً، ولكن إمعاناً في الظلم - وحتى لا يستفيد العاملون من هذه المبالغ - قام بدفعها على أقساط سنوية. ولما كانت التسوية قد دفعت براتب 2003م كما أسلفت في الوقت الذي كان ينبغي أن تدفع به بمرتب 2004م تقدم العاملون بشكوى إلى القضاء الذي أنصفهم وتم صرف فروقات التسوية لهم !!
أليس هذا الذي لحق بهؤلاء العاملين الذين شردوا من وظائفهم بل فقدوا حتى امتيازاتهم بظلم يتعارض مع مبادئ الإسلام وتعاليمه التي تدعو إلى محاربة الظلم وبسط العدالة بين الناس فالمولى عز وجل يقول: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» وهو الذي حرم الظلم وجعله محرماً بيننا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «اعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه».
إن الإحالة للصالح العام التي مورست في عهد هذه الحكومة تعد واحدة من أبرز مظاهر الظلم التي لحقت بالناس وإن كانت هناك مظاهر أخرى لهذا الظلم كالظلم الذي لحق يالمناصير الذين هجروا من أرضهم ويعتصمون اليوم مطالبين برفع الظلم عنهم وإنصافهم بتعويضهم عما فقدوه جراء هذا التهجير. وإذا أردت أن أتتبع نماذج الظلم الذي حاق بالناس منذ يونيو 89 وحتى اليوم فسوف لن أستطيع أن أحصي ذلك فحتى حالات التمرد التي وقعت ببعض أطراف البلاد تدخل ضمن قائمة هذا الظلم. فالذين تمردوا في دارفور أو شرق السودان أو حتى جبال النوبة والنيل الأزرق كلهم يشكون من الظلم والتهميش لذلك يمكنني القول بأن هذه الممارسات التي اتسمت بالظلم قد هزمت كل المبادئ والقيم التي كان الإسلاميون ينادون بها ويبشرون الناس بتحقيقها إذا قدر لهم الوصول إلى السلطة .
وفي ذات الإطار إذا نظرنا إلى هيكل الأجور بالدولة نجد أن الظلم الذي مارسته الحكومة لا يحتاج إلى دليل لتأكيده ووقوعه على الناس ففي الوقت الذي نجد فيه الحكومة قد وسعت على دستورييها وتنفيذييها في الأجور والمخصصات الأخرى نجدها قد ضيقت الخناق على عامة العاملين بالدولة فمخصصات الدستوري الواحد قد تصل مبلغ عشرين ألف جنيه في الشهر أو قد تزيد نجد أن الحد الأدنى للأجور بالدولة لا يزال مبلغ 165 جنيهاً!!! أليس هذا هو الظلم بعينه؟؟!! لكن يبدو أن ضمائر بعض البرلمانيين قد استيقظت من وقع هذا الظلم على العاملين بالدولة فتقدموا بطلب بعدم إجازة الموازنة الحالية إلا بعد تعديل قانون مخصصات الدستوريين حتى يتم تخفيضها ولكن نسبة لأن الظلم قد أصبح هو الأصل تمت إجازة الموازنة دون تعديل ذلك القانون بل حتى دون إقرار زيادة لمرتبات العاملين الذين تكرم عليهم رئيس الجمهورية بمنحة شهرية قدرها مائة جنيه ومعلوم أن فوضى الأسعار التي ضربت الأسواق بعلم الحكومة قد التهمت مرتبات العاملين التي أصبحت لا توفر أدنى متطلبات الحياة الكريمة لهم ولمن يعولون.
لكن حتى إذا سلمنا جدلاً بظلم الحكومة ألا توجد جهات أخرى كي تسدي النصح للحكومة وتطالبها برفع الظلم الذي حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده؟؟!! فأين رابطة علماء المسلمين وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدينية التي عليها أن تصدع بالحق حتى ولو في وجه الحكومة لكن لأن هذه الهيئة قد أصبحت هيئة لعلماء السلطان سكتت على مثل هذا الظلم ولم يفتح الله عليها بكلمة حق واحدة في وجه الحكومة!! ألم يقرأ أعضاء هذه الرابطة قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الساكت عن الحق شيطان أخرس». وقوله: «الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم». وقوله: «أعظم الجهاد كلمة حق في وجه إمام جائر». فهل هناك من ظلم وجور أكثر من أن يضيق على الإنسان في رزقه في الوقت الذي تتمتع فيه قلة من الدستوريين بمعظم إيرادات الدولة لتصرف لهم كمرتبات ومخصصات أخرى فقد سبق أن طالب البرلمانيون بضرورة تخصيص عربة واحدة للدستورين إذ يُشاع أن كل الدستوريين قد خصصت لهم ثلاث عربات لخدمته هو وأفراد أسرته وكل ذلك يحدث خصماً على إيرادات الدولة ورابطة علماء السلطان تتفرج بل بدلاً عن ذلك تفننت في إصدارها للفتاوى التي تكفر بها الناس!!
إن هذا الظلم الذي تفشى كما أسلفت يعتبر من أبرز الممارسات التي كذبت ادعاءات الحركة الإسلامية وأين هذا الذي يحدث من قول خليفة رسول الله أبوبكر الصديق الذي قال: «ألا إن الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له, ألا إن القوي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه». وقول الفاروق عمر بن الخطاب الذي قال: «لقد ولانا الله على هذه الأمة لنسد جوعتهم ونؤمن حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم».
نواصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق