السبت، 3 مارس 2012

تغييرات المؤتمر الوطني.. تغيير مواقع أم أفكار؟! أجرى المؤتمر الوطني في اجتماعه الأخير تغييرات للقيادات السياسية في الأمانات. وأشارت بعض الصحف الصادرة

تغييرات المؤتمر الوطني.. تغيير مواقع أم أفكار؟!
أجرى المؤتمر الوطني في اجتماعه الأخير تغييرات للقيادات السياسية في الأمانات. وأشارت بعض الصحف الصادرة في الخرطوم أن التغييرات التي أحدثها المؤتمر الوطني « الحزب الحاكم» تعد تغييرات جذرية ذهبت ببعض القيادات التاريخية وأتت بقيادات شابة في بعض المواقع. وقال الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب « إن التغييرات سوف تستمر متى ما احتاج لذلك»، إلا أن حديث دكتور نزار خالد محجوب عضو القطاع السياسي للمؤتمر الوطني يعد الأكثر توضيحا عندما قال (إن هناك قضايا إصلاحية واسعة مطروحة على الساحة الحزبية والسياسية تحتاج لإرادة سياسية عليا من قبل مؤسسات الحزب المختلفة، وأن التعديل الذي طرأ على أمانات الحزب يعول عليه الكثير من موضوعات الإصلاح الداخلي والانفتاح على القوى السياسية والأحزاب بصورة أفضل). وأضاف قائلا (المطلوب إيجاد إصلاحات فكرية وتنظيمية ومنهجية ملموسة، بجانب تطوير العلاقة السياسية مع الأحزاب المختلفة، خاصة مسألة التوافق على دستور قومي مشترك) واعتقد أن أي رؤية تحليلية لعملية التغيير في هيكلية المؤتمر الوطني سوف تكون من الجانب الذي طرحه الدكتور نزار لأن لها انعكاساتها على الساحة السياسية من جانب والعملية الفكرية المرجوة من المؤتمر الوطني من جانب آخر.
ويعتقد البعض كما أسلفت سابقا، أن التغييرات التي أحدثها المؤتمر الوطني تغييرات جذرية، والبعض الآخر اعتقد أنها عملية تمكين للشباب، ولكنني لا اعتقد ذلك، حيث إن المؤتمر الوطني يدور في دائرة واحدة من القيادات، لا يستطيع الخروج منها، وهي خروج قيادات من السلطة التنفيذية تحتل موقعها في الهيئة القيادية للحزب، وخروج قيادات من الحزب لكي تحتل موقعها في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي رئاسة الجمهورية «مساعدو رئيس الجمهورية ومستشارون»، وبالتالي هي تبادل للكراسي، مما يجعل الأطروحة التي قالها الدكتور نزار لن تجد طريقها للتنفيذ، وباعتبار أن تبادل المواقع لا يحدث تطويرا في العملية السياسية، ولا في العملية الفكرية، خاصة أن التغيير لم يحدث تغييرا جوهريا يسمح بهامش من الحرية والديمقراطية، في المؤسسة السياسية، وأن يفسح مجالا لتطوير العملية الفكرية، وعملية الانفتاح على القوى السياسية الأخرى، والتغيير الجوهري هو أن يكون متاحا في عملية التغيير، أي أن يحدث تغييرا في رأس الهرم نفسه، لأن المؤتمر الوطني لا يقوم على المؤسسية، أنما يقوم على الفردية « الكاريزما»، التي تلتف حولها المؤسسة، مما يجعل الحزب نفسه مرتبط بالفرد، وليس المؤسسة، وبالتالي مهما حدث تغيير في المواقع لن ينعكس على السياسة العامة للحزب الممارسة الآن.
في هذا المبحث، أحاول التركيز على عملية التغيير التي حدثت في البنية القيادية لحزب المؤتمر الوطني، ومن خلال قطاعين مهمين جدا، القطاع السياسي، والذي أوكل إلى الدكتور الحاج آدم يوسف، وقطاع الفكر والثقافة، والذي استلم حقيبته الدكتور أمين حسن عمر، وهما القطاعان اللذان مناط بهما تنفيذ عملية بناء الجسور مع القوى السياسية الأخرى، وفي ذات الوقت عملية الإنتاج الثقافي، والتجديد الفكري، وما هو الجديد الذي يحمله الدكتوران كل في موقعه، وسوف أحاول أخذ كل قطاع على حده، رغم أن القطاعين يتقاطعان في الكثير من القضايا وفي ذات الوقت يتفاعلان، باعتبار أن المخرجات الفكرية والثقافية يجب أن تنعكس في العملية السياسية، مما يحتم على قيادة القطاعين التفاهم في العمل المشترك والمشاركة في الحوارات لتجسيد البعدين الفكري والثقافة في العملية السياسية وأي تخلف في أحدهما عن الأخرى سوف يخل بالعملية برمتها، وإلى أي مدى تتطابق رؤى رئيسي القطاعين.
نبدأ بالقطاع السياسي الذي أوكل إلى الدكتور الحاج أدم يوسف، ونسأل ما هو الجديد الذي يحمله الرجل، خلافا لسلفيه الدكتور قطبي المهدي ومن قبله الدكتور أحمد إبراهيم الطاهر، خاصة أن سابقيه لم يقدما جديدا في العملية السياسية. السؤال المهم هل القطاع سوف يصنع السياسات، ثم يلزم بها الحزب، والسلطتين التنفيذية والتشريعية، أم سوف تكون مهمته متابعة مؤسسة الرئاسة وتصريحاتها واتخاذها موجهات للعمل السياسي ثم إيجاد المسوغات لها؟ وكل حالة من الحالتين تختلف عن الآخر، فإذا كان القطاع السياسي هو الذي يجتهد من أجل صناعة السياسات وتنفيذها، هذه تتطلب عناصر مؤمنة بقضية الحوار السياسي، ومؤمنة بقضية الحرية والديمقراطية، وهذا المنهج كان غائبا عن الحزب، وعن القطاع السياسي الذي حصر دوره فقط في متابعة تصريحات الرئاسة، ومحاولة شرحها أو تبريرها حيث كان رئيس الجمهورية هو الذي يصنع السياسيات، ويقدم الأفكار في المنابر العامة، إذا كانت إيجابية أو سلبية ثم يأتي دور القطاع السياسي للبحث عن المسوغات، والرد فقط عن تساؤلات الصحافة، لذلك عجز القطاع عن تقديم أي مبادرات سياسية، يستطيع أن يخترق بها الأزمة السياسية في البلاد، وذلك ربما كان يعود من تخوف العناصر التي كانت تقود القطاع أن تصطدم بمؤسسة الرئاسة، الأمر الذي جعل هناك قناعة عند القوى السياسية السودانية إن أي تفاهمات مع الحزب الحاكم بعيدا عن مشاركة الرئيس غير مجدية، هذه القناعة كيف يستطيع الدكتور آدم أن يغيرها في الذهنية السياسية السودانية، وما هو المنهج الذي يريد تطبيقه لكسر الحاجز النفسي القائم بين المؤتمر الوطني والقوى السياسية الأخرى؟
القضية الأخرى متعلقة بالدكتور حاج آدم، وقناعاته السياسية، وتصوره للقطاع واختيار الكادر السياسي الذي يعمل معه، لوضع منهج جديد للقطاع السياسي.. هل الدكتور آدم ما زال يقف عند تصريحاته القديمة التي كان قد أدلى بها لجريدة الرائد لسان حال حزب المؤتمر الوطني؟ حيث قال في ذلك اللقاء (الحوار مع القوى السياسية ينبني على مفاهيم السياسة، ونحن في السودان ارتضينا أن يكون هناك تداول سلمي للسلطة، وقد اختار الشعب السوداني في أبريل 2011المؤتمر الوطني كقيادة للدولة في هذه المرحلة)، وأضاف قائلا (لن تشارك القوى السياسية الأخرى في القيادة السياسية للدولة وأجهزة الحكم وإن كان لها أن تفعل بالاتفاق مع المؤتمر الوطني). وفي ذات اللقاء قال (المؤتمر الوطني له أفكار وأطروحات في كل القضايا التي تهم الشعب السوداني، ولكن هو ليس بمستغن عن آراء الآخرين التي تتسق والمفاهيم الأخرى له). وفي الأخيرة رهن الدكتور نجاح الحوار بتوافق القوى السياسية مع أطروحات المؤتمر الوطني، هذا الاستعلاء حتما سوف يقف حجر عثرة أمام الحوار مع القوى السياسية، والتي كان الدكتور قد طالبها بالتنازل عن أطروحاتها السياسية، لكي تتوافق مع المؤتمر الوطني، ولا أعرف أن كان الدكتور ما زال يحمل نفس الأطروحة أم لديه جديد يدفع بالحوار إلى الأمام، ويخترق الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، والسبب الرئيس فيها المؤتمر الوطني، وعجز القطاع السياسي يجيء باستمرارية الأزمة وعدم تقديم أفكار ومبادرات تفضي لحوار بين القوى السياسية، وتعالج أسباب الأزمة، إنما كان دائما يبحث عن مسوغات للمشكلة وليس إجتراحها وسبر غورها.
وفي الندوة التي كان قد أقامها الاتحاد العام للطلاب السودانيين في جامعة بخت الرضا، قال الدكتور حاج آدم (إن حزبه قد وضع ثلاثة معايير وأهداف في تعامله مع القوى السياسية « الاندماج- تحالفات – تراضٍ») وهي معايير تخص المؤتمر الوطني، ولكنها لا تخص القوى السياسية الأخرى، كما هناك قوى سياسية من ناحية البرنامج والمرجعية الفكرية لا يمكن أن تلتقي مع المؤتمر الوطني، فهل يعني ذلك حرمانها من مزاولة العمل السياسي، أم هناك خيارات أخرى تخلق نوع من التوافق السياسي، دون أن تتنازل القوى السياسية عن أطروحاتها الفكرية؟ فهل الدكتور آدم لديه استعداد للدخول مع تلك القوى في حوار للبحث عن أرضيات توافقية بعيدا عن تقديم تنازلات في أطروحاتها أم أن الحوار السياسي قاصر على القوى السياسية التي تتراضى مع المؤتمر الوطني؟ وإذا كان الدكتور واقفا في ذات محطته السابقة أعتقد أنه لن يضيف جديدا في العملية السياسية، ولن يكون أفضل من سابقيه، ولكن إذا كان الرجل يحمل رؤية جديدة تدفع بالحوار الوطني، سوف يكسر حاجز الصمت، ويتطور الحوار إلى توافق وطني، يوصل الجميع لدستور يتراضى عليه الجميع، ويلتزمون به. أما العزل للقوى السياسية وتجاهلها ووضع الشروط المسبقة، سوف تعقد المشكلة ولا تؤدي للوصول إلى دستور تراضي وبعيدا عن توافق القوى السياسية لدستور قومي، سوف يكون دستور المؤتمر الوطني ولن تقبل به القوى السياسية ويكون مكان سر.
إذن هناك تحدٍ حقيقي أمام الدكتور الحاج آدم يوسف في موقعه السياسي الجديد من ناحية، وفتح الحوار مع القوى السياسية الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات والنخب السياسية غير الملتزمة، على أن يكون حوارا بناءا، يفضي إلى توافقات وطنية، وتؤسس لدولة مدنية ديمقراطية يتراضى عليها الناس، ولكن هذا التوافق يحتاج لتقديم مبادرات ومشروعات سياسية، تعتبر مسودة للحوار الوطني، ومعلوم أي حوار فيه تنازلات من الجانبين، لكي يصل الحوار إلى مقاصده، ولكن اللغة التي كان قد تحدث بها الدكتور آدم، فيها نوع من الوصاية السياسية، وشروطا تعيق الحوار، ونحن ننتظر ما يقدمه الدكتور آدم، من مبادرات سياسية يؤكد فيها، إن هناك منهجا جديدا للمؤتمر الوطني بدأ يتخلق، رغم أن البيئة السياسية في المؤتمر الوطني رغم التغييرات في المواقع ما تزال باقية، ولكنه تحدٍ مفروض على الرجل، وهو تحدٍ يحتم على الرجل أن يسمع أكثر، من أن يتحدث، ويعرف كيف يتعامل مع العناصر المنتجة للفكر، إن كانت داخل حزبه أو في القوى السياسية الأخرى، وأن يستخدم كل الوسائل المتاحة للحوار، إن كانت في الدولة، أو في الحزب، لأن الهدف المقصود هو كيف أن تخلق وطنا آمنا مستقرا، وكيف تصنع السلام في بلد قد أنهكته الحروب والنزاعات، وهذه القضايا لا يستطيع أن يصنعها حزب لوحده، أنما تصنع بالإرادة الوطنية لكل المواطنين القادرين على العطاء، والقضية المهمة أيضا هل الدكتور آدم يرغب في حوار وطني جاد، أم أنه قبل الموقع لكي يرضي القيادة التي عينته ويحافظ فقط على موقعه وهما منهجان مختلفان.
و إذا نظرنا إلى قطاع الفكر والثقافة، الذي كان يشغله الدكتور إبراهيم أحمد عمر، لا نجد في الحديث عن هذا القطاع أفضل من الكلمات التي قالها رئيس القطاع، وفي أحد اجتماعات هيئة القيادة السابق، حيث قال « يجب عزلي من القطاع باعتبار أنني لم أقدم أي اجتهاد فكري أو إضافة ثقافية»، والآن تولي القطاع الدكتور أمين حسن عمر، ولا اعتقد يختلف اثنان، في أن الدكتور أمين رجل قارئ نهم، ومثقف واسع المعرفة، ويميل للقضايا الفكرية والثقافية، وإن كانت قراءته، لكي تدعم موقفه الرافض لقضية الحرية، والتعددية السياسية. وللدكتور أمين أطروحات حول قضايا الديمقراطية كان قد قدمها في أوائل التسعينيات، حاول من خلالها نقد نظم الديمقراطية التعددية والديمقراطية وخاصة ديمقراطية وست منستر، وكان ميالا للجان الشعبية «أطروحة القذافي السياسية»، ثم انتقل منها للدفاع عن دولة الحزب الواحد، وما زال يقف عند هذه المحطة، وبالتالي لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية بعيدا عن قناعته الذاتية، وهي أطروحات ربما تتماشى مع القاعدة الفكرية لحزبه المؤمن بدولة الحزب القائد، ولكنها أطروحات لا تساعد على بناء وطن ديمقراطي يتراضي عليه الناس، أو أطروحات فكرية تحاول أن تجد معالجات للتحديات المفروضة على البلاد، وعلى حزبه؛ لأنها تحديات تحتاج لتوحيد الجبهة الداخلية، وهذه لا تتم إلا عبر الحوار الوطني، والاعتراف بالآخر، الذي يشكل العمود الفقري في أي وطن يتطلع إلى السلام والاستقرار، وهذا الآخر يجب أن يكون له وجود في فكر الدكتور أمين حسن عمر، وهذا يتطلب تغييرا في منهج وفكر المؤتمر الوطني، فما هو الجديد في جعبة الدكتور أمين.
و حتى لا ابتعد عن الموضوعية، أريد أن أؤكد، أن الدكتور أمين حسن عمر لديه القدرة على إثارة العديد من القضايا، التي تفتح حوارات وطنية، على أفق واسع يشارك فيها العديد من المثقفين السودانيين، ولكن موقفه السياسي ومعتقداته حول دولة الحزب القائد، إذا لم تتغير، سوف يكون الحوار جدلا بيزنطيا لا طائل منه، ولا اعتقد إن هناك حزبا محتاجا لجدل بيزنطي، أنما يحتاج إلى جدل فكري يقرب المسافات بين القوى السياسية، ويخلق واقعا جديدا بديلا للأزمة السياسية المستمرة منذ استقلال السودان. ويعرف الدكتور أن الجدل لا يخلق واقعا جديدا إلا إذا ارتبط بحوار مع الآخر، ولا يطور العملية السياسية إلا في بيئة ديمقراطية توفر مساحات واسعة من الحرية للبحث، وأن تكون كل الوسائل الأدوات المتاحة للحزب الحاكم، متاحة أيضا للآخر؛ لأن الوعي الجماهيري لا ينمو ويتطور من اتجاه واحد أنما بحوار الأفكار، فإلى أي مدى يتسع صدر الدكتور لكي يسمع الآخر ولا يتجاهل أطروحاته.
والغريب في الأمر، رغم أن الدكتور أمين يتعاطى مع الفكر والثقافة، لكن لم نسمع نقدا من قبله للنظام السياسي الذي يشارك فيه طوال هذه السنين، فهل النظام السياسي لم تكن لديه أخطأ أم أن الرجل لا يحبذ المنهج النقدي، ورغم أن الدكتور مقتنع أن الفكر يعتمد على المنهج النقدي، الاقتناع يأتي أن الرجل حاصل على شهادة الدكتوراه وهي شهادة بحثية تعتمد على منهج، ولكن الدكتور ميّال للمنهج التبريري، الذي درجت عليه القيادات السياسية السودانية، وهو الذي أدى إلى تعميق الأزمة السياسية السودانية. وجعلها تظل في مكانها، بل وتخرج من أزمة تدخل في أخرى، وهذا المنهج التبريري لا يؤدي إلى التطور ولا يقبل التحديث، وفي ذات الوقت لا يقبل بالمؤسسية، إنما يعتمد على الكارزمة بديلا للمؤسسية، فهل الدكتور أمين قادر على تغيير منهجه وقبول المنهج النقدي حتى يستطيع أن يجذب إلى ساحته العديد من المفكرين والمثقفين السودانيين أم سيظل يحتكر وحده المساحة المخصصة لقطاع الفكر والثقافة دون أن يحتاج لفتح حوارات فكرية مع القوى السياسية الأخرى ويملأها بأطروحاته الخاصة، ويكون يناجي نفسه ولا يقدم جديدا، أما إذا كانت للرجل رؤية في النهوض بالقطاع فإن النهضة لا تقوم إلا بالفكر الصحيح.. وفي الختام نسأل الله التوفيق للجميع.

أجرى المؤتمر الوطني في اجتماعه الأخير تغييرات للقيادات السياسية في الأمانات. وأشارت بعض الصحف الصادرة في الخرطوم أن التغييرات التي أحدثها المؤتمر الوطني « الحزب الحاكم» تعد تغييرات جذرية ذهبت ببعض القيادات التاريخية وأتت بقيادات شابة في بعض المواقع. وقال الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب « إن التغييرات سوف تستمر متى ما احتاج لذلك»، إلا أن حديث دكتور نزار خالد محجوب عضو القطاع السياسي للمؤتمر الوطني يعد الأكثر توضيحا عندما قال (إن هناك قضايا إصلاحية واسعة مطروحة على الساحة الحزبية والسياسية تحتاج لإرادة سياسية عليا من قبل مؤسسات الحزب المختلفة، وأن التعديل الذي طرأ على أمانات الحزب يعول عليه الكثير من موضوعات الإصلاح الداخلي والانفتاح على القوى السياسية والأحزاب بصورة أفضل). وأضاف قائلا (المطلوب إيجاد إصلاحات فكرية وتنظيمية ومنهجية ملموسة، بجانب تطوير العلاقة السياسية مع الأحزاب المختلفة، خاصة مسألة التوافق على دستور قومي مشترك) واعتقد أن أي رؤية تحليلية لعملية التغيير في هيكلية المؤتمر الوطني سوف تكون من الجانب الذي طرحه الدكتور نزار لأن لها انعكاساتها على الساحة السياسية من جانب والعملية الفكرية المرجوة من المؤتمر الوطني من جانب آخر.
ويعتقد البعض كما أسلفت سابقا، أن التغييرات التي أحدثها المؤتمر الوطني تغييرات جذرية، والبعض الآخر اعتقد أنها عملية تمكين للشباب، ولكنني لا اعتقد ذلك، حيث إن المؤتمر الوطني يدور في دائرة واحدة من القيادات، لا يستطيع الخروج منها، وهي خروج قيادات من السلطة التنفيذية تحتل موقعها في الهيئة القيادية للحزب، وخروج قيادات من الحزب لكي تحتل موقعها في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي رئاسة الجمهورية «مساعدو رئيس الجمهورية ومستشارون»، وبالتالي هي تبادل للكراسي، مما يجعل الأطروحة التي قالها الدكتور نزار لن تجد طريقها للتنفيذ، وباعتبار أن تبادل المواقع لا يحدث تطويرا في العملية السياسية، ولا في العملية الفكرية، خاصة أن التغيير لم يحدث تغييرا جوهريا يسمح بهامش من الحرية والديمقراطية، في المؤسسة السياسية، وأن يفسح مجالا لتطوير العملية الفكرية، وعملية الانفتاح على القوى السياسية الأخرى، والتغيير الجوهري هو أن يكون متاحا في عملية التغيير، أي أن يحدث تغييرا في رأس الهرم نفسه، لأن المؤتمر الوطني لا يقوم على المؤسسية، أنما يقوم على الفردية « الكاريزما»، التي تلتف حولها المؤسسة، مما يجعل الحزب نفسه مرتبط بالفرد، وليس المؤسسة، وبالتالي مهما حدث تغيير في المواقع لن ينعكس على السياسة العامة للحزب الممارسة الآن.
في هذا المبحث، أحاول التركيز على عملية التغيير التي حدثت في البنية القيادية لحزب المؤتمر الوطني، ومن خلال قطاعين مهمين جدا، القطاع السياسي، والذي أوكل إلى الدكتور الحاج آدم يوسف، وقطاع الفكر والثقافة، والذي استلم حقيبته الدكتور أمين حسن عمر، وهما القطاعان اللذان مناط بهما تنفيذ عملية بناء الجسور مع القوى السياسية الأخرى، وفي ذات الوقت عملية الإنتاج الثقافي، والتجديد الفكري، وما هو الجديد الذي يحمله الدكتوران كل في موقعه، وسوف أحاول أخذ كل قطاع على حده، رغم أن القطاعين يتقاطعان في الكثير من القضايا وفي ذات الوقت يتفاعلان، باعتبار أن المخرجات الفكرية والثقافية يجب أن تنعكس في العملية السياسية، مما يحتم على قيادة القطاعين التفاهم في العمل المشترك والمشاركة في الحوارات لتجسيد البعدين الفكري والثقافة في العملية السياسية وأي تخلف في أحدهما عن الأخرى سوف يخل بالعملية برمتها، وإلى أي مدى تتطابق رؤى رئيسي القطاعين.
نبدأ بالقطاع السياسي الذي أوكل إلى الدكتور الحاج أدم يوسف، ونسأل ما هو الجديد الذي يحمله الرجل، خلافا لسلفيه الدكتور قطبي المهدي ومن قبله الدكتور أحمد إبراهيم الطاهر، خاصة أن سابقيه لم يقدما جديدا في العملية السياسية. السؤال المهم هل القطاع سوف يصنع السياسات، ثم يلزم بها الحزب، والسلطتين التنفيذية والتشريعية، أم سوف تكون مهمته متابعة مؤسسة الرئاسة وتصريحاتها واتخاذها موجهات للعمل السياسي ثم إيجاد المسوغات لها؟ وكل حالة من الحالتين تختلف عن الآخر، فإذا كان القطاع السياسي هو الذي يجتهد من أجل صناعة السياسات وتنفيذها، هذه تتطلب عناصر مؤمنة بقضية الحوار السياسي، ومؤمنة بقضية الحرية والديمقراطية، وهذا المنهج كان غائبا عن الحزب، وعن القطاع السياسي الذي حصر دوره فقط في متابعة تصريحات الرئاسة، ومحاولة شرحها أو تبريرها حيث كان رئيس الجمهورية هو الذي يصنع السياسيات، ويقدم الأفكار في المنابر العامة، إذا كانت إيجابية أو سلبية ثم يأتي دور القطاع السياسي للبحث عن المسوغات، والرد فقط عن تساؤلات الصحافة، لذلك عجز القطاع عن تقديم أي مبادرات سياسية، يستطيع أن يخترق بها الأزمة السياسية في البلاد، وذلك ربما كان يعود من تخوف العناصر التي كانت تقود القطاع أن تصطدم بمؤسسة الرئاسة، الأمر الذي جعل هناك قناعة عند القوى السياسية السودانية إن أي تفاهمات مع الحزب الحاكم بعيدا عن مشاركة الرئيس غير مجدية، هذه القناعة كيف يستطيع الدكتور آدم أن يغيرها في الذهنية السياسية السودانية، وما هو المنهج الذي يريد تطبيقه لكسر الحاجز النفسي القائم بين المؤتمر الوطني والقوى السياسية الأخرى؟
القضية الأخرى متعلقة بالدكتور حاج آدم، وقناعاته السياسية، وتصوره للقطاع واختيار الكادر السياسي الذي يعمل معه، لوضع منهج جديد للقطاع السياسي.. هل الدكتور آدم ما زال يقف عند تصريحاته القديمة التي كان قد أدلى بها لجريدة الرائد لسان حال حزب المؤتمر الوطني؟ حيث قال في ذلك اللقاء (الحوار مع القوى السياسية ينبني على مفاهيم السياسة، ونحن في السودان ارتضينا أن يكون هناك تداول سلمي للسلطة، وقد اختار الشعب السوداني في أبريل 2011المؤتمر الوطني كقيادة للدولة في هذه المرحلة)، وأضاف قائلا (لن تشارك القوى السياسية الأخرى في القيادة السياسية للدولة وأجهزة الحكم وإن كان لها أن تفعل بالاتفاق مع المؤتمر الوطني). وفي ذات اللقاء قال (المؤتمر الوطني له أفكار وأطروحات في كل القضايا التي تهم الشعب السوداني، ولكن هو ليس بمستغن عن آراء الآخرين التي تتسق والمفاهيم الأخرى له). وفي الأخيرة رهن الدكتور نجاح الحوار بتوافق القوى السياسية مع أطروحات المؤتمر الوطني، هذا الاستعلاء حتما سوف يقف حجر عثرة أمام الحوار مع القوى السياسية، والتي كان الدكتور قد طالبها بالتنازل عن أطروحاتها السياسية، لكي تتوافق مع المؤتمر الوطني، ولا أعرف أن كان الدكتور ما زال يحمل نفس الأطروحة أم لديه جديد يدفع بالحوار إلى الأمام، ويخترق الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، والسبب الرئيس فيها المؤتمر الوطني، وعجز القطاع السياسي يجيء باستمرارية الأزمة وعدم تقديم أفكار ومبادرات تفضي لحوار بين القوى السياسية، وتعالج أسباب الأزمة، إنما كان دائما يبحث عن مسوغات للمشكلة وليس إجتراحها وسبر غورها.
وفي الندوة التي كان قد أقامها الاتحاد العام للطلاب السودانيين في جامعة بخت الرضا، قال الدكتور حاج آدم (إن حزبه قد وضع ثلاثة معايير وأهداف في تعامله مع القوى السياسية « الاندماج- تحالفات – تراضٍ») وهي معايير تخص المؤتمر الوطني، ولكنها لا تخص القوى السياسية الأخرى، كما هناك قوى سياسية من ناحية البرنامج والمرجعية الفكرية لا يمكن أن تلتقي مع المؤتمر الوطني، فهل يعني ذلك حرمانها من مزاولة العمل السياسي، أم هناك خيارات أخرى تخلق نوع من التوافق السياسي، دون أن تتنازل القوى السياسية عن أطروحاتها الفكرية؟ فهل الدكتور آدم لديه استعداد للدخول مع تلك القوى في حوار للبحث عن أرضيات توافقية بعيدا عن تقديم تنازلات في أطروحاتها أم أن الحوار السياسي قاصر على القوى السياسية التي تتراضى مع المؤتمر الوطني؟ وإذا كان الدكتور واقفا في ذات محطته السابقة أعتقد أنه لن يضيف جديدا في العملية السياسية، ولن يكون أفضل من سابقيه، ولكن إذا كان الرجل يحمل رؤية جديدة تدفع بالحوار الوطني، سوف يكسر حاجز الصمت، ويتطور الحوار إلى توافق وطني، يوصل الجميع لدستور يتراضى عليه الجميع، ويلتزمون به. أما العزل للقوى السياسية وتجاهلها ووضع الشروط المسبقة، سوف تعقد المشكلة ولا تؤدي للوصول إلى دستور تراضي وبعيدا عن توافق القوى السياسية لدستور قومي، سوف يكون دستور المؤتمر الوطني ولن تقبل به القوى السياسية ويكون مكان سر.
إذن هناك تحدٍ حقيقي أمام الدكتور الحاج آدم يوسف في موقعه السياسي الجديد من ناحية، وفتح الحوار مع القوى السياسية الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات والنخب السياسية غير الملتزمة، على أن يكون حوارا بناءا، يفضي إلى توافقات وطنية، وتؤسس لدولة مدنية ديمقراطية يتراضى عليها الناس، ولكن هذا التوافق يحتاج لتقديم مبادرات ومشروعات سياسية، تعتبر مسودة للحوار الوطني، ومعلوم أي حوار فيه تنازلات من الجانبين، لكي يصل الحوار إلى مقاصده، ولكن اللغة التي كان قد تحدث بها الدكتور آدم، فيها نوع من الوصاية السياسية، وشروطا تعيق الحوار، ونحن ننتظر ما يقدمه الدكتور آدم، من مبادرات سياسية يؤكد فيها، إن هناك منهجا جديدا للمؤتمر الوطني بدأ يتخلق، رغم أن البيئة السياسية في المؤتمر الوطني رغم التغييرات في المواقع ما تزال باقية، ولكنه تحدٍ مفروض على الرجل، وهو تحدٍ يحتم على الرجل أن يسمع أكثر، من أن يتحدث، ويعرف كيف يتعامل مع العناصر المنتجة للفكر، إن كانت داخل حزبه أو في القوى السياسية الأخرى، وأن يستخدم كل الوسائل المتاحة للحوار، إن كانت في الدولة، أو في الحزب، لأن الهدف المقصود هو كيف أن تخلق وطنا آمنا مستقرا، وكيف تصنع السلام في بلد قد أنهكته الحروب والنزاعات، وهذه القضايا لا يستطيع أن يصنعها حزب لوحده، أنما تصنع بالإرادة الوطنية لكل المواطنين القادرين على العطاء، والقضية المهمة أيضا هل الدكتور آدم يرغب في حوار وطني جاد، أم أنه قبل الموقع لكي يرضي القيادة التي عينته ويحافظ فقط على موقعه وهما منهجان مختلفان.
و إذا نظرنا إلى قطاع الفكر والثقافة، الذي كان يشغله الدكتور إبراهيم أحمد عمر، لا نجد في الحديث عن هذا القطاع أفضل من الكلمات التي قالها رئيس القطاع، وفي أحد اجتماعات هيئة القيادة السابق، حيث قال « يجب عزلي من القطاع باعتبار أنني لم أقدم أي اجتهاد فكري أو إضافة ثقافية»، والآن تولي القطاع الدكتور أمين حسن عمر، ولا اعتقد يختلف اثنان، في أن الدكتور أمين رجل قارئ نهم، ومثقف واسع المعرفة، ويميل للقضايا الفكرية والثقافية، وإن كانت قراءته، لكي تدعم موقفه الرافض لقضية الحرية، والتعددية السياسية. وللدكتور أمين أطروحات حول قضايا الديمقراطية كان قد قدمها في أوائل التسعينيات، حاول من خلالها نقد نظم الديمقراطية التعددية والديمقراطية وخاصة ديمقراطية وست منستر، وكان ميالا للجان الشعبية «أطروحة القذافي السياسية»، ثم انتقل منها للدفاع عن دولة الحزب الواحد، وما زال يقف عند هذه المحطة، وبالتالي لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية بعيدا عن قناعته الذاتية، وهي أطروحات ربما تتماشى مع القاعدة الفكرية لحزبه المؤمن بدولة الحزب القائد، ولكنها أطروحات لا تساعد على بناء وطن ديمقراطي يتراضي عليه الناس، أو أطروحات فكرية تحاول أن تجد معالجات للتحديات المفروضة على البلاد، وعلى حزبه؛ لأنها تحديات تحتاج لتوحيد الجبهة الداخلية، وهذه لا تتم إلا عبر الحوار الوطني، والاعتراف بالآخر، الذي يشكل العمود الفقري في أي وطن يتطلع إلى السلام والاستقرار، وهذا الآخر يجب أن يكون له وجود في فكر الدكتور أمين حسن عمر، وهذا يتطلب تغييرا في منهج وفكر المؤتمر الوطني، فما هو الجديد في جعبة الدكتور أمين.
و حتى لا ابتعد عن الموضوعية، أريد أن أؤكد، أن الدكتور أمين حسن عمر لديه القدرة على إثارة العديد من القضايا، التي تفتح حوارات وطنية، على أفق واسع يشارك فيها العديد من المثقفين السودانيين، ولكن موقفه السياسي ومعتقداته حول دولة الحزب القائد، إذا لم تتغير، سوف يكون الحوار جدلا بيزنطيا لا طائل منه، ولا اعتقد إن هناك حزبا محتاجا لجدل بيزنطي، أنما يحتاج إلى جدل فكري يقرب المسافات بين القوى السياسية، ويخلق واقعا جديدا بديلا للأزمة السياسية المستمرة منذ استقلال السودان. ويعرف الدكتور أن الجدل لا يخلق واقعا جديدا إلا إذا ارتبط بحوار مع الآخر، ولا يطور العملية السياسية إلا في بيئة ديمقراطية توفر مساحات واسعة من الحرية للبحث، وأن تكون كل الوسائل الأدوات المتاحة للحزب الحاكم، متاحة أيضا للآخر؛ لأن الوعي الجماهيري لا ينمو ويتطور من اتجاه واحد أنما بحوار الأفكار، فإلى أي مدى يتسع صدر الدكتور لكي يسمع الآخر ولا يتجاهل أطروحاته.
والغريب في الأمر، رغم أن الدكتور أمين يتعاطى مع الفكر والثقافة، لكن لم نسمع نقدا من قبله للنظام السياسي الذي يشارك فيه طوال هذه السنين، فهل النظام السياسي لم تكن لديه أخطأ أم أن الرجل لا يحبذ المنهج النقدي، ورغم أن الدكتور مقتنع أن الفكر يعتمد على المنهج النقدي، الاقتناع يأتي أن الرجل حاصل على شهادة الدكتوراه وهي شهادة بحثية تعتمد على منهج، ولكن الدكتور ميّال للمنهج التبريري، الذي درجت عليه القيادات السياسية السودانية، وهو الذي أدى إلى تعميق الأزمة السياسية السودانية. وجعلها تظل في مكانها، بل وتخرج من أزمة تدخل في أخرى، وهذا المنهج التبريري لا يؤدي إلى التطور ولا يقبل التحديث، وفي ذات الوقت لا يقبل بالمؤسسية، إنما يعتمد على الكارزمة بديلا للمؤسسية، فهل الدكتور أمين قادر على تغيير منهجه وقبول المنهج النقدي حتى يستطيع أن يجذب إلى ساحته العديد من المفكرين والمثقفين السودانيين أم سيظل يحتكر وحده المساحة المخصصة لقطاع الفكر والثقافة دون أن يحتاج لفتح حوارات فكرية مع القوى السياسية الأخرى ويملأها بأطروحاته الخاصة، ويكون يناجي نفسه ولا يقدم جديدا، أما إذا كانت للرجل رؤية في النهوض بالقطاع فإن النهضة لا تقوم إلا بالفكر الصحيح.. وفي الختام نسأل الله التوفيق للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق