الإسلاميون والشورى والدولة المدنية...
|
مشاركات |
أمتنا الإسلامية في جميع أقطارها تودع مرحلة وتقبل على مرحلة جديدة بكل المقاييس، نعم تودع مرحلة الخوف والجهل والحرمان والتسلط والاستبداد وحكم الفرد ودولة العائلة وسلطة الطائفة والحزب الأوحد الذي بيده مقاليد الأمور، نعم تودع أمتنا كل هذا ومثله معه وتقبل على مرحلة الحرية والتحرر وبناء دولة المؤسسات وتكافؤ الفرص وتعزيز دور الأمة في إدارة الدولة والمجتمع، نعم كان ثمن هذا التحول باهظًا جدًا وتكاليفه طالت كل قطاعات المجتمع من شباب إلى أطفال نساء إلى رجال من عمال إلى موظفين إلى سياسيين إلى قانونيين إلى طلاب، الكل شارك في قهر الخوف، الكل قدم أعظم التضحيات بالمال بالنفس بالوقت من تونس الخضراء إلى مصر الكنانة إلى ليبيا المختار إلى اليمن السعيد إلى بلاد الشام التي ضربت أروع مثل للصمود في وجه عجلة النظام العسكرية الباطشة التي لا ترحم من درعا إلى حمص إلى القامشلي إلى دير الزور إلى إدلب إلى حلب إلى حماة إلى دمشق وريفها وأحيائها، فهي ثورة أمة بكاملها فلا يصح بأي حال أن تجير لصالح حزب دون الآخرين ولا لصالح أية جهة بل الواجب كل الواجب أن تستفيد منها كل الأمة. من الطبيعي جدًا أن يجد الإسلاميون مكانًا عليًا من اختيارات الأمة ثمن للظلم والحرمان السياسي الذي تعرضوا له من قبل أنظمة الحكم الشمولية التي لم تسمح لهم بحق الوجود والحركة وسط جماهير الشعب، بل لم تسمح لهم بحق اعتناق الفكرة من أصلها؛ لذا لم يعطوا أية فرصة لطرح مشروعهم أو حتى برنامجهم السياسي، فهم لم يخضعوا إلى قياس وتجربة وكل الذي قدموه في غالبيتهم برامج دعوية تغلب عليها الموعظة و الشكوى مما فعل بالأمة عبر سنوات غيابها وتغييبها مع رفع بعض الشعارات السياسية الإسلامية العامة التي لا تخضع للتقييم والمحاسبة مثل شعار الإسلام هو الحل وشعار مسلمون وكفى على درب المصطفى وشعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الشعارات والهتافات، وهذه الشعارات رغم أهميتها ومكانتها عند المسلمين إلا أنها لن تكون حلاً للأزمات المستحكمة في كيان الأمة، والأمة ليست بحاجة لأحزاب دينية بقدر ما هي بحاجة لأحزاب برامجية تواجه إشكالات المجتمعات بمهنية وتخصص أحزاب لا تتصدى للتعقيدات الاقتصادية بالمواعظ والعموميات، إنما التخطيط العلمي والتوقعات حسب السنن والتوازنات والمقاربات وأعمال أهل التخصص والخبرة من أي اعتبار لانتماء سياسي أو ولاء عرقي أو قبلي أو طائفي، الأمة بحاجة لأحزاب لا تنبش في تنوع المجتمع وتناقضاته. لقد جربت شعوبنا حكم الأحزاب العلمانية بشقيها اليساري واليميني وتجرعت من الفريقين ألونًا من الذل والحرمان والقهر والفقر، ولن ترجع هذه الشعوب للوراء مرة أخرى، وقد أعطت هذه الشعوب ثقتها للإسلاميين عن إرادة وحرية حقيقيتين، ولدى هذه الشعوب القدرة على سحب هذه الثقة من أية جهة كانت كما سبق وإن سحبتها من أعتى الدكتاتوريات فلا يظن الإسلاميون أنهم يملكون قداسة دينية تجعل ممارستهم لا تقبل النقض والتصويب بل الواجب التخلي عن دور الأستاذية الذي يمليه الاستعلاء الديني على أفراد المجتمع، وهو ظن ضلال الجميع وهذا ظن سيئ، فالمجتمعات العربية في غالبيتها مسلمة وراضية بالإسلام منهاجًا لحياتها فقط الذي ترفضه الجماهير هو تطويع الإسلام لخدمة فئة معينة وتأمين مصالحها، والإسلام أعلى ما جاء به هو الحرية، الحرية في التفكير والتعبير الحرية في النشاط والحركة الحرية في العبادة والتنسك الحرية في الاعتقاد والإيمان، والحرية هبة الله لخلقه وليس لأحد التعدي عليها (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا) وأيضًا مما جاء به الإسلام العدل والقسط في الحكم والقضاء العدل في توزيع الثروة والانتفاع بها، العدل في تقديم الخدمات وتنمية المجتمع وأثر شيء حاربه الإسلام وشن عليه حملة عارمة هو الظلم والظالمين بل جعله الله تعالى سببًا لزوال الحضارات وتحطيم الدول والمجتمعات، وقد تكون عقوبة الظلم في الدنيا قبل الآخرة، وأقصد ظلم العباد بعضهم لبعض، وأبشع أنواع الظلم هو مصادرة حق الأمة في اختيار سلطاتها والوصايا عليها؛ وهذا ما يعتقده كثير من الإسلاميين بحجة أن كثير من الناس يعتبروا دهماء وعوام لا يحسنون الاختيار، وعلى هذا نظرية أهل الحل والعقد وعندما تتعرض البلدان لعدوان فإن الذين يدافعون عنها وينتدبون لهذه المهمة هم الدهماء والعوام ومع هذا يحرمون من حقهم في تقرير مصير بلادهم والمساهمة في كيفية إدارتها وطرق حكمها. نواصل باذن الله (بقلم: محمود عبد الجبار )..
|
الاثنين، 19 مارس 2012
الإسلاميون والشورى والدولة المدنية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق