الأربعاء، 30 مارس 2011

خطاب الوطني ..«بروباغندا» الأيام الخوالي..!خطاب الوطني ..«بروباغندا» الأيام الخوالي..

خطاب الوطني ..«بروباغندا» الأيام الخوالي..!خطاب الوطني ..«بروباغندا» الأيام الخوالي..!!
تقرير :مصعب شريف: تغييرات الايام الاخيرة في تونس والقاهرة وطرابلس وغيرها ،كانت تنسحب تدريجياً على المشهد السياسي في السوداني،ليأخذ الخطاب السياسي السوداني في عمومه شكلاً جديداً ،ابتدرته قوى المعارضة بتصعيد لهجتها تجاه حكومة المؤتمر الوطني بعد أن عرضت عليه الحوار ،وأكملها الوطني بخطاب مرن لم يسبق أن خرج من أفواه قادته طوال العقدين الماضيين ..فكان الحديث عن محاربة البطالة وتشغيل الخريجين والحوار مع الاخر وما الى ذلك من تغييرات أعلن عنها الحزب الحاكم مؤخراً،بيد أن ثمة عوامل أخرى طرأت على الساحة لتغير المعادلة ،ليجابه الوطني تصعيد المعارضة بخطاب أكثر خشونة ،فعادت ريما لعادتها القديمة كما يقول المشهد هنا في النادي الكاثوليكي العتيق سابقاً، والمركز العام للمؤتمر الوطني حالياً ،والذي يعيد الى الاذهان صور شتى من لدن «بروباغندا» ساحات الفداء ،وأناشيد الحماسة التي كانت تحث على مقاتلة الكافرين في عقر دارهم ،وما الى ذلك من شعارات أيام الانقاذ الخوالي .فقد ارتفعت هتافات التكبير والتهليل والويل والثبور الاثيرة لدى الاسلاميين ،لتملأ فناء المركز العام للمؤتمر الوطني الحاكم ، عشية الثاني والعشرين من مارس الجاري ،عندما قام الحزب الحاكم بتخريج كتيبة استراتيجية ،بايعته على المنشط والمكره .ليستغل قادته زهو القوة متوعدين من يعارضهم ومن تحدثه نفسه بالوقوف أمام مسيرتهم القاصدة بالسحق كما قذف بذلك نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم محمد مندور المهدي الذي كان يتحدث وسط هتافات المؤيدين مؤكداً على ثبات حزبه على مواقفه وعدم التحرّك منها قيد أنملة،قبل أن يفسح المجال لنائب رئيس المؤتمر الوطني مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع الذي أشار باصبع من وعيد الى كتيبته الاستراتيجية قائلاً:« ان هذه الكتيبة تنفر ولا تصلي العصر الا عند بني قريظة، وتقول انّ الولاء لله أكبر من الولاء للرئيس أو الأمير أو القبيلة، وان لا خضوع ولا ذلة ولا استكانة الا لله»..حديث نافع على حدته الا أنه يبدو معقولاً أمام مادفع به مندور المهدي من تهديدات اصطبغت بصبغة عدائية ،حيث توعد الرجل من يقف أمامهم بالسحق سحقاً، ليردف مؤكداً على استعدادهم لملاقاة من يريد مواجهتهم بصدور عارية لينتهوا من وجوده على الارض .لهجة تصعيد قادة الوطني التي أعقبت أحاديث عن سعي الحزب للحوار وقبول الاخر والعمل على بسط الحريات وغيرها من الوعود المغايرة لما حمله نافع ومندور عشية تخريج كتيبتهم الاستراتيجية ،جوبهت برفض كبير من قبل قوى المعارضة ،الامر الذي دفع مندور المهدي لتغيير لهجته مؤكداً على أن حديثه قد انتزع من سياقه وانه لازال يدعو للحوار والتهدئة وان مهام الكتيبة تنبني على النفير والعمل الاجتماعي ،لا استخدام العنف في العمل السياسي . وان كان حديث مندور قد انتزع من سياقه أو لم يتم ذلك فان هذه التصريحات مصحوبة بانشاء حزب المؤتمر الوطني لكتيبة « مليشيا » مهمتها سحق المعارضة ، لا يمكن أن يفهم منها سوى أن المؤتمر الوطني قرر أن يخوض عملاً معلناً في مواجهة القوى السياسية المعارضة حسب مامضت لذلك قوى الاجماع الوطني المعارض، التي شددت في بيان صحفي عقب احتفاء الوطني بكتيبته بيومين فقط على أن مايقوم به قادة الوطني يخالف الدستور وقانون الأحزاب، الذي اشترط على الاحزاب السياسية، انتهاج العمل السياسي السلمي ،وهو الامر الذي يقتضي وفق البيان خطوة عملية من مجلس شؤون الأحزاب، للاضطلاع بدوره، ازاء انتهاج الوطني للعمل المسلح في مواجهة الخصوم السياسيين،ويرى البيان كذلك ،أن كيفية التعامل مع تصريحات قادة الوطني من قبل مجلس الاحزاب، تمثل اختباراً حقيقياً للمجلس مصداقيته وحياديته، وتجعل الجميع يقفون على ما اذا كان مجلس الاحزاب مستقلا أم مجرد أداة ديكورية، لتزيين وجه الحكومة الشمولي الشاحب، كما تضع كافة الاجهزة الأمنية والشرطية في ذات المحك حول كيفية التعامل مع اعتراف المؤتمر الوطني بتشكيله لكتيبة مسلحة لسحق المعارضة.ولم تكن قوى المعارضة وحدها التي أقلقت مضاجعها لهجة المؤتمر الوطني القتالية الشرسة ،فحتى المقربين من الوطني وأبنائه المدللين في حكومة الوحدة الوطنية أظهروا تبرمهم ازاء ماينتهجه حليفهم من خطاب تصعيدي حاد تجاه معارضيه،فواجب الحكومة وفق هؤلاء هو الانفتاح والسعي لقيادة الناس من باب الرضا وليس القهر والتهديد حسبما مضى لذلك السماني الوسيلة الذي يشغل منصب وزير الدولة بوزارة التنمية البشرية والقيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الموالي للمؤتمر الوطني الحاكم منذ منتصف تسعينات القرن الماضي ،ويبين الوسيلة في حواره مع «الصحافة» أمس الاول انه وحزبه ضد التهديدات التي أطلقتها الحكومة أخيراً على شاكلة «الداير يمرق الشارع يمرق.. ونحن شلناها بأيدينا» ،وغيرها من لهجة الوعيد والثبور، لجهة أن الوطن ليس ملكا لحزب محدد، وان القيادة هى جمع الناس وتأليفهم بالحسنى والكلمة الطيبة لا التهديد والاستفزاز-حسب السماني. وان كان الوطني قد أكد في مرات كثيرة على أن تصريحات قادته الاخيرة حول السحق والتنكيل قد نزعت من سياقها الا أن ردود الافعال الرافضة لها لم تتوقف حتى هذه اللحظة ،لتتعدى أروقة أحزاب المعارضة والموالاة ،الى أطراف جديدة نددت أيضاً بلغة الوعيد ،لتتوالى الانتقادات من قطاعات شعبية غير منظمة، تعدت شباب الفيس بوك ،الى إمام وخطيب مسجد كلية الهندسة بمدينة بورتسودان حاضرة البحر الأحمر الشيخ محجوب مصطفى ،الذي شن هجوماً لاذعاً على لهجة الوطني تجاه معارضيه ،ليركز بشكل أساسي على أسلوب نائب رئيسه ومساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع تجاه معارضيه، واصفاً سلوكه بـ«القمعي» ،ليردف الشيخ محجوب والذي كان يخطب وسط تدافع كبير من المواطنين في صلاة الجمعة الماضية ، ان الاسلوب القمعي الذي ينتهجه نافع لا يساعد على خلق أجواء ملائمة للحوار بين المكونات السياسية للبلاد.الا أن هنالك مايجد التبرير والعذر للغة المؤتمر الوطني العدائية ،وهو مايتجاوز الارث التاريخي من الخطاب العنتري للحركة الاسلامية التي خرج من عباءتها الوطني وقادته الى مايصفه المحلل السياسي المعروف حاج حمد محمد خير ،بحالة الوهم التي تولدها نشوة السلطة ،والتي حولت التنظيم الاسلامي الحاكم في البلاد الى مراكز قوى نسبة لطبيعة تركيبته التراتبية ،فافتقر الحزب حسب حاج حمد الذي تحدث لـ«الصحافة» أمس ،الى العمل السياسي المهني الاحترافي ،بعد افتقاده لابوة وزخم الدكتور الترابي ،الامر الذي أدى بمجموعة من غير المهنيين بالحزب مثل مندور ونافع الى انتهاج اسلوب عنتري بعد أن اتضح تماماً منهج حزبهم في ادارة العمل السياسي بالبلاد، الامر الذي ولد خطاباً مفارقا للروح السياسية السليمة بحسب حاج حمد.
محاولة قراءة خطاب الحزب الحاكم السياسي تبدو عسيرة بالنسبة لكثيرين ،فالخطاب في أساسه لاينطلق من أية فكرة ،لعدم وجودها في مفاصل العمل السياسي بالمؤتمر الوطني ،الذي لايمتلك استراتيجية واضحة للعمل السياسي ،وفق ما يرى ذلك الناطق الرسمي باسم تحالف المعارضة والقيادي بالمؤتمر الشعبي، كمال عمر عبد السلام، مؤكداً في حديثه لـ«الصحافة» أمس ،أن البلاد ومنذ مفاصلة الاسلاميين الشهيرة تدار بواسطة الاجهزة الامنية دون وجود أي رؤية سياسية ،لكون المفاصلة بحسب كمال عمر قد حدثت نتيجة لصراع بين التيارين الفكري والعسكري في الحركة الاسلامية ،لتؤول الامور بالقوة للتيار العسكري الذي تحتشد خطابات قادة الوطني بلغته هذه الايام ،وهو ما أكسبهم عداءً كبيراً وسط جموع السودانيين، ووفر للمعارضة فرصة نادرة للتعبئة ،دون أن تقوم بأي مجهود حسب كمال عمر، الذي يتابع حديثه،مشدداً، على أن مايتخذه الوطني هذه الايام، من لهجة تصعيدية ،ينم عن ضعف كبير يعتري مفاصله، ويؤرق قادته .لكن وبالمقابل فالوطني لازال في كامل قوته،وهو كالذهب لاتزيده النار الا لمعاناً حسبما مضى لذلك نافع علي نافع، مشيراً الى أن حكومته بمنأى عن رياح الثورات التي تجتاح الجوار العربي هذه الايام .بيد أن سودان اكتوبر وابريل ليس ببعيد عن رياح التغيير التي تنتظم المنطقة العربية كما أكد على ذلك، رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض ابراهيم الشيخ ،مؤكداً في حديثه لـ«الصحافة» أمس ،أن تهديدات قادة الوطني تنم عن خوفهم من تسونامي التغيير القادم لامحالة حسب الشيخ ،الذي يؤكد على أن هذا الخوف ينبع من التحركات الشبابية الاخيرة ووصول قوى الاجماع الوطني الى نقطة مفادها أن لاحل سوى اسقاط النظام .ومابين عزم معارضي الوطني على اسقاطه من سدة الحكم ، ووعده لهم بالسحق ،يبقى الخطاب السياسي للمؤتمر الوطني متأرجحاً ،مابين العودة للهجة القديمة ومحاولات تحديث الخطاب بمايتسق وحالة ارتفاع الوعي المطلبي في المنطقة وتأثر السودان به ، وعليه تبقى تفاصيل ماستحمله الايام القادمة والتنبؤ بها ،رهنا بثبات خطاب الحزب الحاكم ومن ثم استراتيجيته وانحيازهما الى احدى الخطابين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق