الخميس، 31 مارس 2011

انتخابات مبكرة.. تنازل أم تكتيك


انتخابات مبكرة.. تنازل أم تكتيك
رشان أوشي
اقترح عليَّ أحد أصدقائي قبل فترة طويلة الاشتراك في موقع فيس بوك الذي يعنى بالتواصل الاجتماعي وأقنعني بضرورة ذلك، بداية لم أكن متحمسة باعتبار أن العمل الصحفي يستغرق زمناً طويلاً، قبلت بالفكرة بعد أن وجدت الجميع مهتمين بالأمر الذي بدا لي ممتعاً للغاية، لم يجل بخاطري يوماً أن مشتركي فيس بوك الذين تركوا عندي انطباعاً بأنهم مجموعة عطالة يعملون على تمضية أوقات فراغهم، ولكن تحول الأمر عندي قبل شهور عندما وجدت أن ثورة مصر العظيمة كان منفذها الفيس بوك موقع العطالة. أطلقت حركة شباب لأجل التغيير(شرارة) صفحة على موقع فيس بوك تحمل ذات الاسم وتدعو للتغيير عبر ذات الآلية التي استخدمها الشباب المصري، ولكن يبدو أن الأمر مختلف تماماً هنا وأكثر صعوبة، أعلن هؤلاء الشباب لتظاهرة ترفض الغلاء في شارع القصر، وقبل أن يحتشد هؤلاء جيداً كانت الأجهزة الأمنية قد فضت التظاهرة واعتقلت المتظاهرين. خرجت تصريحات الحزب الحاكم استهزاءً وسخرية بثورة الفيس بوك، بعد شهر أعلن هؤلاء الشباب مرة أخرى لتظاهرة تهدف هذه المرة لإسقاط النظام، عندها اختلف الأمر تماماً وتضاربت تصريحات المسؤولين بين السحق والتنازل، وسخر تحالف المعارضة من تهديدات المؤتمر الوطني بسحق معارضيه وشباب الـ"فيس بوك"، ووصف الحزب الحاكم بالمعزول سياسياً ويعاني من فصام حاد. في خطوة مفاجئة أعلن قيادي بالمؤتمر الوطني مندور المهدي عزم حزبه إجراء انتخابات مبكرة تهدف إلى التغيير الذي ينشده الجميع، وأبلغ أحزاب المعارضة والحركات الشبابية بالاستعداد لخوض هذه الانتخابات التي ستقام بعد الفراغ من تصميم الدستور الدائم الجديد، وأكد أن حزبه لا يخشى خوض تلك الانتخابات. اعتبر مراقبون أن الخطوة التي سارع إليها المؤتمر الوطني تقع تحت احتمالين إما أنه اقتنع بأن تسونامي التغيير في طريقه الى الخرطوم، أو أنه يرغب في كسب مزيد من الشرعية لخرس الألسن التي تنادي بالتغيير الجذري، وذر رماد على عيون المجتمع الدولي التي أصبحت الحليف الإستراتيجي لثورات الشباب في الشرق الأوسط. أصبحت الحكومة تقود مركباً به عدة مجدفين، أولهم الحكومة القومية التي لم تجد الى الآن قبولاً من الأحزاب السياسية، وبالتالي أصبحت(كرت محروق) لا فائدة منه بعد أن فشل قطار التفاوض في الوصول الى آخر محطة، في الوسط يجدف الحوار الوطني الشامل الذي حشدت له أعداد كبيرة من المؤيدين ولكنهم ليسوا من ذوي الثقل الجماهيري، فأصبح غير مجدٍ، والآن يقود المركب مقترح الانتخابات المبكرة التي ألجمت ألسن قيادات المعارضة ولم ينطقوا بحرف واحد تأييداً أو رفضاً. تجربة سابقة: عندما اقترب موعد الانتخابات السابقة كانت القوى السياسية المعارضة قد أكملت ترتيب صفوفها، ونجحت في عقد فعاليات جماهيرية تعبوية لبرامجها الانتخابية، وقررت خوض التجربة التاريخية ككتلة واحدة بمرشح واحد لكي تتمكن من مواجهة طوفان المؤتمر الوطني الذي يمتلك المال والسلطة والأمن، ولكن في الزمن بدل الضائع فاجأت الهيئة العليا لتحالف جوبا الجميع بأنها قررت أن تخوض كل القوى السياسية المنضوية تحت لوائها التجربة منفردين بمرشحين لمستوى الرئاسة وبقية الدوائر، تيقن الجميع أن الأمر قد حسم لصالح الحزب الحاكم، حتى بعد الفوز الساحق الذي اتهم بعدم الشرعية والنزاهة، ثم سادت فترة هدوء في الساحة السياسية ولكن تجدد الاحتقان السياسي الداخلي، والإقصاء من المجتمع الدولي، يرى المراقبون أن السودان كان بإمكانه أن يعيش في حالة سلام، رغم كل المؤشرات السلبية، ولكن مظاهر الأزمات الماثلة أبعدته عن ذلك، غير أن الحقيقة تكمن بلا شك في مكان ما بين الروايتين: المتفائلة والمتشائمة؛ فالتوتر الذي أوجدته نتيجة الانتخابات الأخيرة محسوس، إلا أنه يمكن تلمس ما يمكن أن يحدث تحولاً إيجابياً في القضايا الشائكة، خاصة الاستفتاء ودارفور. تضاربت المصالح داخل كتلة التحالف المعارض، فقد قررت الأحزاب الكبيرة الانسحاب عن خوض تلك الانتخابات التي اتضحت معالم تزويرها على حد قول قياداتهم، بينما قررت الأحزاب الصغيرة ومعهم المؤتمر الشعبي خوض التجربة، قال مرشح الرئاسة من حزب التحالف الوطني السوداني العميد عبدالعزيز خالد لـ(التيار) حينها: إن حزبه قرر خوض الانتخابات ليس بغرض الفوز بمنصب الرئيس أو أي منصب آخر إنما لأغراض أُخرى أهمها معرفة ثقل وحجم الحزب الجماهيري، واكتساب خبرة خوض انتخابات للمرة الأولى. بينما عزت الحركة الشعبية بعد انسحاب مرشحها ياسر عرمان الموقف لتأكدها المسبق من تزوير واقع لا محالة، ولكن أفادتني بعض المصادر الخاصة عند إحدى زياراتي لعاصمة الجنوب جوبا أن مرشح الحركة انسحب بضغط من الحزب الحاكم الذي هدد بنسف الاستفتاء إذا لم تتنازل الحركة الشعبية عن خوض الانتخابات العامة، والتي اتضحت فيها ملامح فوز مرشح الحركة عرمان، وتبين الأمر في تصريحات رئيس الهيئة العليا لتحالف المعارضة فاروق أبوعيسى لـ(التيار) أنه شهد بنفسه مقايضة القوانين تحت قبة البرلمان، عندما كان رئيساً لكتلة التجمع البرلمانية. وأكد أبوعيسى أن الحركة والوطني قد تقايضا قانون الأمن مقابل قانون الاستفتاء، مشيراً الى أن ملامح تزوير الانتخابات باتت واضحة كالشمس. دكة البدلاء اقترح إدوارد لينو الرئيس السابق لاستخبارات الجيش الشعبي والقيادي بالحركة الشعبية "فالحركة الشعبية تلعب الآن دور المشاهد فقط" على حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن يبحث عن بديل للرئيس عمر البشير، وعلى حزبه أن يختار شخصاً آخر بديلاً إذا رغبت الحكومة جدية في إحداث تغيير جذري تفادياً لانتفاضة شعبية؛ كالتي عصفت بالجيران. ورأى المراقبون أن هذا هو التوجه الأول من نوعه منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير بذريعة المسؤولية عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في إقليم دارفور غرب السودان، ولم يقدم الجنرال أي مقترحات لبديل مناسب في الوقت الراهن. اعترضت المجموعات الشبابية المعارضة على مبدأ أن يكون البديل لتولي زمام حكم البلاد من قادة المعارضة الحاليين، وذهبوا الى أكثر من ذلك بتحميل هذه القيادات نصيبها من حالة الفشل المتوالية منذ الاستقلال التي تعاني منها البلاد، باعتبار أن جميع السياسيين الحاليين حكومة ومعارضة قد تمت تجربتهم كحكام، بل اقترحوا بدلاء من شخصيات قومية وشابة، الناطق الرسمي لحركة شباب لأجل التغيير(شرارة) مجدي عكاشة قدم نفسه كبديل، باعتبار المرحلة الحرجة الحالية تتطلب رؤى وبرامج جديدة للحكم؛ تخرج بالبلاد من النفق المظلم الذي ظلت تعاني منه لعقود، بينما وصف مسؤولو الحزب الحاكم الشباب بالحالمين ووصفتهم المعارضة بالمتحمسين، أي طرح البديل لم يرق للطرفين. موقف المعارضة: القيادي بحزب المؤتمر الشعبي الدكتور بشير آدم رحمة وافق على خوض الانتخابات المبكرة ولكن بشروط، لخص رحمة تلك الشروط في حديثه لـ(التيار) بضرورة وضع قانون انتخابات جديد، وإنشاء مفوضية نزيهة، وسجل انتخابي، خاصة بعد انفصال الجنوب، ووضع دستور أساسه الحريات لمراقبة الجهاز التنفيذي، وتشكيل حكومة قومية على رأسها تكنوقراط وليس سياسيين، وقيام جمعية تأسيسية، تعمل على إدارة مرحلة الانتخابات بحيادية، وتقسيم موارد السلطة على الأحزاب والمرشحين بالتساوي، وشدد على ضرورة أن يبتعد المؤتمر الوطني عن السلطة حتى تتصف الانتخابات بالنزاهة والحيادية، مشيراً الى تجربة سابقة أدارها الحزب الحاكم من على عرش المال والسلطة؛ أنفق خلالها مرشحوه على حملاتهم الانتخابية من خزانة وزارة المالية ومال الشعب، خاصة وأن التجربة السابقة واضحة للعيان بما تم فيها من تجاوزات. ووصف رحمة عرض الوطني بالتكتيك السياسي لكسب المزيد من الشرعية والبقاء في السلطة، بينما أقر الأمين العام لحزب الأمة الفريق صديق إسماعيل -أحد أحزاب التحالف الذي يقود حواراً مع الحكومة - بأن حزبه تقدم خطوات كبيرة في إطار الحوار الذي يقوده مع المؤتمر الوطني، وأن الاتفاق قد تجاوز الـ 85% من الأجندة المطروحة، ونفى أنهم تناولوا مقترح الانتخابات المبكرة ضمن الأجندة. البحث عن مخرج: اعتبر المحلل السياسي والإستراتيجي الأستاذ عمر مهاجر أن عرض الوطني يوصف بحالة الرشد التي توصل إليها المؤتمر الوطني، خاصة بعد التغييرات الجذرية التي حدثت في المنطقة المجاورة، نافياً أن يكون ما حدث حالة انهزام أو تكتيك سياسي، مبرراً أن المؤتمر الوطني لديه الشرعية للمكوث لدورة رئاسية كاملة وفق القانون، ولكن هناك حالة احتقان سياسي وغليان بادية في الساحة السياسية يحاول المؤتمر الوطني البحث عن مخرج عبر شتى السبل، حتى ولو كان بانتخابات مبكرة، واعتبرها خطوة تحمل شيئاً من العدالة عن طريق النزول الى الشارع لمعرفة الأحجام الحقيقية وأوزان القوى السياسية الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق