الثلاثاء، 29 مارس 2011

شركات قوى خفية .. وليست حكومية ..!!

** القرار الرئاسي الصادر يوم الخميس الفائت، والذي يقضي بتصفية بعض الشركات الحكومية، قرار صائب جداً، ولكنه ليس بجديد ..وإذا بحثت بأي محرك بحث على جهاز حاسوبك، أوقصدت دار الوثائق وراجعت صحف الخمس سنوات الأخيرة فقط، ستجد كثير أمر وتوجيه وقرار وتحذير ومناشدة..وكلها حول ذات الأمر، أي حول الآفة الاقتصادية المسماة بالشركات الحكومية..ولم يمض عاماً مالياً ولم تصدر فيه رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو وزارة المالية توجيهاً للوزارات والولايات والهيئات بالتخلص من تلك الآفة، وكذلك تقارير المراجع العام بحت أوراقها وبهتت من تكرار النداء بأهمية القضاء على هذا الوباء..ومع ذلك، ربما لأن ذاكرة الصحف مصابة بالزهايمر، تصدر القرار الأخير قائمة أخبار صحف الجمعة، وكأن الحدث لم يحدث لم قبل أوكأن الحديث لم يتحدث به أحد أو جهة من قبل ..!!
** المهم، ربما الذي جعل للقرار الأخير طعماً ولوناً ورائحة عند الصحف، هو عدد وأسماء الشركات المراد تصفيتها عاجلا ..فقط (22 شركة)لاغير، أشهرها في الأسواق: أواب، المشير، كوبتريد، بشائر، كردفان، الجزيرة، شواهق وأخريات..نعم، ذاك الرقم وتلك الأسماء ساهما في أن يكون الخبر عريضاً، علماً بأن القرارات والتوجيهات والمناشدات السابقة كانت أعرض، بحيث كانت تقول: يجب تصفية كل الشركات الحكومية..لقد تقزم الـ(كل) إلى (22)، ولهذا تحتفي الصحف، وليس في الأمر عجب إذ كثيرة هي الطموحات التي تقزمت، وإذا تحققت نحتفي بها وكأنها تحققت كلها..ومن الأسئلة التي لم أجد لها إجابات شافيات: لماذا استعصت - على جهات الدولة العليا - تصفية شركات الوزارات والولايات والهيئات؟..بل، لماذا تتحدى الوزارات والحكومات الولائية تلك الجهات وتوجيهاتها وقراراتها، ليس بعدم تنفيذ أمر تصفية شركاتها، بل بتأسيس المزيد من الشركات؟..أي، من أين تستمد أجهزة الدولة الدنيا قوتها التي تهزم بها توجيهات وقرارات أجهزة الدولة العليا؟
** تلك هي الأسئلة، وكل الإجابات تؤدي إلى مراكز القوى، تلك القوى الخفية التي تخرب اقتصاد البلد تحت سمع وبصر سلطة البلد، وذلك لأنها هي التي تجني ثمار هذه الشركات..وليت المراجع العام نشر تقريراً يحوي أنشطة هذه الشركات المراد تصفيتها في الخمس سنوات الفائتة فقط، ومعها رواتب وامتيازات ومصروفات إداراتها، ليعرف الرأي العام: كيف كانوا يديرون (ماله العام)..؟..ولكن المراجع لم يفعل، إذ سقف الشفافية أدنى من ذلك بكثير.. ثم هناك شركات لايعرف المراجع العام حتى أمكنة مقارها، ناهيك بأن يعرف حساباتها، ولذلك ليس بمدهش أن يتحفنا تقرير المراجع العام كل عام بعدد الوحدات الحكومية المتهربة من المراجع.. وبالمناسبة، قد تسأل يا صديق: كم عدد الشركات الحكومية المتبقية بعد تصفية (22 شركة)؟..الإجابة هي (لايعرف عددها إلا الله)،أو هكذا أجاب الدكتور بابكر محمد التوم، رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، عندما سألته (الأحداث) قبل أسبوع ونيف، وأعادت (الصحافة) ذات الإجابة يوم الأربعاء الفائت، وها أنا أعيدها بالنص:(لايعرف عدد الشركات الحكومية إلا الله، ولا حتى وزارة المالية تعرف عددها، حيث هناك شركات تنشأ دون علم الوزارة، وكذلك المراجع العام لايعرف عناوينها، وبالتالي يصعب تحديدها)، هكذا يتحدث نائب رئيس اللجنة البرلمانية المناط بها رقابة حركة اقتصاد البلد..لكم أن تتخيلوا شكل الرقابة، وكذلك ما يحدث في الشركات العامة، عندما يكون رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان ونائبه ثم وزير المالية وكذلك المراجع العام يجهلون حتى عدد الشركات المؤسسة بالمال العام.. هكذا المؤسسية في بلادي، وكهذا الرقابة على المال العام، يتجلى في حديث برلمان لايعرف عدد الشركات التي تستمد أسهمها ونشاطها من (أموال الناس والبلد).. وعليه، اقترح لمجلس الوزراء بأن يمنح وزير المالية ورئيس اللجنة البرلمانية والمراجع العام إجازة - وعربة لاندكروزر وبرميل وقود و زاد مجاهد - ليتجولوا في شوارع البلاد حتى يتحصلوا ولو على (رقم تقريبي)، بحيث نقدمه للشعب باعتباره عدد شركاته..نعم اقترح ذلك، ربما يعرفوا في إجازاتهم ما يجهلونه أثناء ساعات وأيام وشهور وسنوات عملهم..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق