الأربعاء، 30 مارس 2011

الانتصار الرخيص .. أو الهزيمة المخزية

الانتصار الرخيص .. أو الهزيمة



مجلس تعاون لدول وادي النيل
بقلم: د. خالد التيجاني النور (كاتب سوداني) ..
تاريخ نشر الخبر:الأربعاء 30/03/2011
مع التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تشهدها منطقة وادي النيل في الوقت الراهن, لم تعد تلك المسلمات والأطر السياسية التي ظلت تدار بها العلاقات السودانية المصرية على مدار العقود الماضية, وتشكلت محدداتها على مدار القرنين الماضيين, ذات جدوى في مخاطبة التحديات الجديدة البالغة الأهمية, وهي تحديات حقيقية تتعدى مجرد الجدل العقيم حول طبيعة العلاقات السياسية وحدودها إلى قضايا أعمق تهدد وجودها.
لم تكن مبادرة الرئيس عمر البشير بالذهاب إلى القاهرة كأول رئيس عربي يزور أرض الكنانة بعد الثورة, وزيارة رئيس الوزراء المصري عصام شرف للخرطوم وجوبا في أول مهمة خارجية له, إلا دلالة على الوعي المشترك للقيادة السياسية بأولوية العلاقة بين البلدين وإدراك عمقها الاستراتيجي, ولكن مع ذلك ينبغي التنبيه إلى أن الطرفين لا ينطلقان من نقطة الصفر, ولا يأتيان بجديد لم يكن معهوداً في سيرة العلاقات السودانية المصرية, ولكنها تؤكد من ناحية أخرى أن تغير الأنظمة والحكومات لا يغير من حقيقة أن مصالح الشعوب في الوادي هي الأبقى, وأزلية علاقاتها ليست مجرد تعبيرات عاطفية, ولكن تفرضها بالضرورة تشابك وترابط مصائرها وهو ما يقتضي استمرار التواصل.

وليس سراً أن العلاقات الرسمية شهدت على مدار العقود الستة الماضية الكثير من حالات المد والجذر, والصعود والهبوط, والتقارب أحياناً والتباغض في أحايين أخرى, وظلت محاصرة بالهواجس والظنون المتبادلة إلا أنها مع ذلك ظلت محتفظة برباط التواصل ولم تصل إلى حالة القطيعة حتى في أحلك أوقاتها.

وتغيير النظام في مصر لا يعني أن غيابه في حد ذاته يوفر ضماناً لمستقبل أفضل للعلاقات, فالمشكلة لم تكن في النظام نفسه إذ أنه لم يشكل عقبة كأداء في طريق تعزيز العلاقة, ولا كان ينقصه الوعي بخصوصية العلاقة وبعدها الاستراتيجي في حساباته, ولكن تكمن المشكلة في نمط التفكير وأسلوب التعبير عن سبل تجسيد هذه الأولوية المحسومة, ولعل ما يجمع عليه السودانيون في هذا الخصوص أن القاهرة ظلت تنظر للعلاقة مع بلادهم من ثقب المنظور الأمني, أي ما يعطي الانطباع بأنها مهدد أمني بأكثر ما هي مجال لعلاقة أوسع آفاقاً, ولذلك ظل ملف العلاقات بين البلدين محتكراً في أيدي أجهزة المخابرات, وهو أمر ضيق واسعاً, وحبس العلاقة في دائرة الشكوك والتوجس وحرمها من الانطلاق في فضاءات أرحب وأكثر نفعاً لمصالح الشعبين, لأن وجود المصالح الحقيقية هو أكبر ضامن لتوفير الأمن وحفظه وليس العكس.
ولئن حررت ثورة الشباب إرادة مصر ووضعتها على درب استعادة دورها الريادي على المحيطين الإقليمي والدولي, فقد أتاحت سانحة أيضاً لتحرير علاقات مصر بالسودان من ربقة حشرها وأسرها في الدوائر المخابراتية, ولعل زيارة رئيس الوزراء المصري للخرطوم حملت أولى الرسائل في هذا الخصوص, أي استعادة الإطار الأوسع للعلاقات, فقد خلت قائمة الوفد الكبير الذي رافقه من وجود ظاهر للعيان لتمثيل مخابراتي.
ومن المهم الإشارة في هذا المقام إلى أن التحولات الجيوسياسية الراهنة في وادي النيل توفر فرصة جديدة لإعادة تعريف العلاقات بين أطرافه وتحديد مصالحها المشتركة وإعادة ترتيب أولوياتها وسبل تنفيذها ضمن استراتيجية جديدة تضع في الحسبان المعطيات الجديدة.

وعامل الثورة المصرية وتغيير النظام وإعادة ترتيب البيت المصري ليس هو المتغير الوحيد في هذا الخصوص, ولعل المصادفة وحدها هي التي قادت لأن يرافق التحول المصري تحول آخر في الطرف الآخر في هذه العلاقة, فالسودان الموحد الذي تعاملت معه القاهرة على مدى أكثر من قرن لم يعد موجوداً, وفي طريقه لأن ينقسم ويصبح دولتين في غضون أشهر قليلة, وهو آخر ما كانت السياسة المصرية تتمنى حدوثه, ولكنه أصبح واقعاً ويحسب لمصر أنها تجاوزت ما كانت تعتبره خطاً أحمر في وقت مناسب وتهيأت له وتعاملت مع حقائقه المرة بواقعية ونجحت في كسب ود الجنوبيين ذلك أنها لم تقف في طريق طموحهم للحصول على الاستقلال.
والتحول الثوري الذي حدث في مصر, فضلاً عن الواقع السياسي الجديد في السودان وبروز دولتين فيه, تجعل الأطراف الثلاثة في مواجهة تحولات جديدة تجاوزت وقائع التاريخ والجغرافيا التي سادت طوال العقود الماضية, وهو ما يضعها جميعاً أمام مراجعات جذرية تتطلب بالضرورة التأسيس لمحددات جديدة لمفاهيم الأمن القومي, والبناء الوطني, ورسم استراتيجيات جديدة سواء على الصعيد الداخلي في كل واحدة منها, أو على صعيد العلاقات بينها بعد ان تحولت من علاقات ثنائية إلى علاقة ذات ثلاثة أطراف, وبالنظر إلى تداخل المصالح الحيوية المشتركة بينها فإن المهددات التي قد تطال أيا منها سينعكس بالضرورة سلباً على بقية أطرافها, وهو ما يعني أن هناك حاجة ملحة لإقامة علاقة جديدة تقوم على تحقيق التوازن بين مصالح الدول الثلاث, وتحقيق الاستقرار والأمن والتعاون بينها سيبقى ضرورة ملحة, لأن أية محاولة لخلق محور ثنائي خارج هذا الإطار والمعني هنا مصر وشمال السودان بحكم تقارب مكوناتهما, ووضع الدولة الجنوبية في مرتبة تالية أو اعتبارها مجرد رديف في هذه العلاقة لن يحقق أهداف الشراكة الاستراتيجية المرجوة لدول وادي النيل الثلاث بحكم ترابط المصالح بينها.
وليس سراً أن التحرك المصري السريع جنوباً يأتي مدفوعاً إلى حد كبير بالانزعاج من التطورات المقلقة بشأن حصتها من مياه النيل بعد توقيع بوروندي الدولة السابعة التي تقر الاتفاقية الإطارية لمبادرة دول حوض النيل مما يمهد الطريق لتفعيل الاتفاقية التي تتحفظ عليها مصر والسودان, وتعتبرها القاهرة خصوصاً خصماً على الحقوق التاريخية المكتسبة في حصتها في مياه النيل. كما يقلق مصر أيضاً شروع إثيوبيا في تنفيذ سدود ضخمة على النيل الأزرق بدون تنسيق وتوافق بين الطرفين.
والخبر السعيد الذي حمله الوفد المصري لدى عودته تأكيد حكومة الجنوب بأنها ستحترم اتفاقيات مياه النيل التي ظلت سارية بين السودان الموحد ومصر, بيد أن المشكلة الحقيقية التي تواجه مصر هي أن حصة المياه التي تحظى بها حالياً لن تكون كافية لحاجتها في ظل التزايد الكبير في عدد سكانها, وبالتالي فإن المطلوب مصرياً ليس فقط الحفاظ على حصتها الحالية بل البحث عن موارد إضافية, وهو أمر ممكن إذا تم تنفيذ قناة جونقلي التي أوقفت حرب الجنوب العمل فيها عند منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
ومن المؤكد أن إحياء مشروع الاستفادة من مياه المستنقعات في الجنوب التي تتبدد بفعل التبخر لن يكون أمراً تلقائياً بل يحتاج إلى إطار جديد لعلاقة استراتيجية جديدة تشترك دول الوادي الثلاث في رسمها بحيث تحقق توازناً في المصالح المتحقق منها للأطراف الثلاثة.
وعلى الرغم من أن مسألة المياه ستظل هي القضية المحورية في أية علاقات مستقبلية بين دول وادي النيل إلا أنها ليست المجال الوحيد الذي يستدعي التعاون بينها, فمسألة الأمن الغذائي للدول الثلاث ستظل شاغلاً لها بأقدار مختلفة, فكل واحدة من الدول الثلاث تواجه مشكلة خطيرة في توفير أمنها الغذائي بما في ذلك السودان الذي كان ينظر إليه بحسبانه منتجاً محتملاً للغذاء بما يغطي حاجة العالم العربي فإذا به اليوم عاجز عن توفير الغذاء لنفسه.
وهذا الواقع البالغ التعقيد لاتستطيع دول الوادي مجابهته منفردة أو بأطر التعاون المحدودة الحالية, فهناك حاجة حقيقية لأن تتبنى حكومات الدول الثلاث رؤية جديدة واستراتيجية مشتركة لوضع إطار جديد لآفاق شراكة اقتصادية متعددة الأغراض تجسدها مؤسسة فعالة للتعاون بين دول وادي الني
الانتصار الرخيص .. أو الهزيمة المخزية
سليمان الأمين
العنوان أعلاه يقابله الانتصار الباهر أو الهزيمة المشرِّفة .. أن تكون كل الأسلحة ضدك والشعب معك فأنت المنتصر مهما كانت نتيجة المعركة المحدودة فالحروب في الأصل طويلة، والمعارك نوعان كما هو معلوم في استراتيجيات الحروب، حرب تتحطم فيها والبنية التحتية ولكنها لا تهزم الإرادة السياسية، وهذه لا تعتبر هزيمة أو هي هزيمة محدودة، وأخرى تحطم الآلة العسكرية وتهزم الإرادة السياسية وهذه هي الهزيمة الحقيقية، وأفضل مثال يجسد الحالة الأولى هي حرب السادس من حزيران 1967م وقد حطمت دولة الكيان الصهيوني كل المطارات المصرية وعطلت سلاح الجو المصري وأصبحت السماوات المصرية مكشوفة والجيوش بدون غطاء وما تبع ذلك من تداعيات معلومة، إلا أن الزعيم جمال عبد الناصر خرج من تلك الحرب أقوى مما كان، فالسلاح الوحيد الذي بقي له هو سلاح الشعب فعلى المستوى المصري كانت الحشود غير المسبوقة التي تطالبه بالعدول عن الاستقالة، وعلى مستوى الشارع العربي حملت جماهير الخرطوم سيارة الزعيم جمال عبد الناصر في مشهد لم يكرره التاريخ، وتمخضت الهزيمة العسكرية عن أقوى نصر سياسي يمكن تحقيقه، أولاً كان مؤتمر الخرطوم بلا آته الثلاثة الشهيرة والتي بكل أسى صارت كلها نعم، لا صلح لا تفاوض لا اعتراف بإسرائيل، مؤتمر لم تشهده الجامعة العربية من قبل ولا من بعد إذ وقتها لم يكن عمرو موسى ومدرسته قد ظهرت على المسرح السياسي، ثانيا شهد منزل رئيس وزراء السودان محمد أحمد المحجوب بالخرطوم (2) المصالحة والتصافي بين العاهل السعودي الملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس جمال عبد الناصر رحمهم الله جمعاً، يوم أن كان العرب أقرب إلى الأمة الواحدة ولم يظهر بعد ملوك الطوائف الجدد الذين رهنوا بقاءهم في السلطة برضا أمريكا عنهم يعيد التاريخ نفسه ولكن بصورة أقسى فالحرب اليوم على ليبيا تحطم الآلة العسكرية والبنية التحتية وتعطل السلاح الجوي وتضعف كفاءة السلاح العادي، فالذي يحدث في ليبيا اليوم معركة من نوع غريب، طرف يملك كل شيء وطرف محروم من كل شيء مغلول اليد والإمكانات "طاف بذهني عندما كنا أطفالاً قرويين دائمي الشجار كأنداد وعادة ما ينتهي الأمر بسرعة وكأن لم يكن، ما لم يتدخل الأطفال الأكبر سناً متحيزين لطرف، وفي هذه الحالة يمسكون بالمُتَحَّز ضده ويطلبون من الآخر أن يضربه وهنا يمارس هذا الأخير الضرب بحرية دون الخوف من تلقي ضربه مرتدة ويتخير مواقع الضرب بمزاج ويأخذ أشكاله من الصفع واللكم والركل والعض أحياناً" أليس ما يحدث في ليبيا اليوم شبيه بذلك، وكأنها شخص مشدود على الدِروة (ميدان الرماية) مصوبة تجاهه فوهات البنادق! لقد حشدوا كل الأسلحة ضد الشعب الليبي وقائده بعد أن أحكموا الحصار وأغلقوا المجال الجوي بالقرار الفضيحة والغطاء العربي العار، عطلوا سلاح الجو الليبي وحطموا الدفاعات الجوية ثم أطلقوا آلة الموت تحملها صواريخ حلف الشيطان بين الناتو والدول وبعض الدول العربية، وجرح ذوي القربى أشد مضاضة، فأصبحت الطائرات تصطاد التشكيلات العسكرية لوحدات الشعب المسلح، بينما القوات المعادية تتقدم تحت غطاء النيران الصليبية، ثم الحصار البحري الذي يزود الآخرين بكل شيء من مؤن وسلاح بينما يحرم الشعب الليبي من كل أبسط مقومات الحياة "سبحان الله ليبيا التي كانت تغيث الملهوف أصبح جزء منها يتلقى الإغاثة" إنه حقاً الانتصار الرخيص إذا حدث وهو لن يحدث إن شاء الله، بطعم العلقم ورائحة الاستقواء بالأجنبي التي تزكم الأنوف وسيبقى سبة في جبين هؤلاء الذين جاءوا على جناح طائرات حلف شمال الأطلسي ظنوا أنهم أحكموا القبضة وأن نهاية النظام الذي أسموه نظام القذافي أمعاناً في الشخصانية مسألة زمن، لكنهم نسوا سلاحاً مهماً لم يعملوا حسابه لم يضعوا له ترياقه لأنهم باختصار لا يملكونه ولم يزودهم به عملاؤهم في الاستخبارات والطابور الخامس، سلاح غير قابل للتحطيم وهو أشد قوة وفتكاً وقدرة على المقاومة والصمود من كل آلتهم الجهنمية، إنه سلاح الشعب الأبي الشجاع المؤمن بقضيته وقيادته! الآن على الغرب إن كان به ذرة من حياء أن يخجل ويندى جبينه فقد سقطت كل الأقنعة واستبان كذب كل الإدعاءات وكل مسوقات العدوان وسقطت في امتحان التحدي بإرسال لجان تحقيق محايدة لتفنيد فرية أن القذافي كما يقولون يقهر شعبه ويقصفه بالطائرات!! هذه هي الجرعة الإعلامية الزائدة التي صدموا بها العالم وهم يعلمون أنها كاذبة ليقبل بعدها كل ما يترتب على ذلك من قرارات جائرة لجهة أن ما حدث يستحق ذلك وأكثر، كانوا يظنون وقد خاب فألهم بأن الأمر سيكون سريعاً وخاطفاً كما هو الحال في مصر وتونس، ولكنهم يفاجئون بمكر الله الذي هو خير الماكرين سبحانه، بهذا الشعب الذي ضرب مثلاً غير مسبوق في التضحية والفداء والعزة والكرامة والالتفاف حول القيادة، فقد أخرس الشعب الليبي العظيم كل الألسنة المأجورة والمخمورة، التي طالما أدعت بأنه شعب مقهور وأن القذافي طاغية وطاغوت! تعالوا بالله عليكم وانظروا هؤلاء المقهورين ولأكثر من عشرة أيام يرقصون في ساحات الموت يواصلون الليل بالنهار، كل قطاعات المجتمع وفئاته العُمرِية كبار وشباب وأطفال، رجال ونساء وشيوخ، ويجب أن يكون هذا واضحاً بأن هذا ليس للاستعراض فهم على علم تام بأن الذي يقومون به على درجة كبيرة من المجازفة بل وأقرب إلى الانتحار، فالكل يعلم بأنهم يوجهون عدواً لا قيم له ولا كابح أخلاقي أو قانوني يردعه، ويمكن أن يقوم بأي عمل أو يرتكب أي حماقة تكون نتيجتها كارثية وهو على يقين بأنه لن يساءل ولن يحاسب فهو الذي وضع القانون وهو الذي يطبقه على المستضعفين! ولكن لماذا يقوم الشعب الليبي بهذه المجازفة؟ إنه يفعل ذلك التفافاً حول القيادة وحماية المرافق الحيوية! بخ بخ بهؤلاء المقهورين، فقد انتصروا لعزتهم وكرامتهم وثورتهم وقائدهم مهما كانت نتيجة المعارك فهي إما نصر باهر مبين وهو ما سيحدث إن شاء الله، وإن خسروا المعركة في خسارة مشرفة ومحدودة ومؤقتة، وكما أسلفنا في أول هذا المقال بأن الحرب التي لا تكسر الإرادة لا تكون هزيمة وصاحبها في النهاية منتصر، فهل هناك إرادة أقوى من أن يذهب المرء بنفسه وأسرته وأطفاله ومن يحب إلى حيث يمكن أن يكون مهلكهم جميعاً علماء النفس الاجتماع والسلوك البشرى مدعوون لدراسة هذه الظاهرة المتفردة وهذا المثال الذي يضربه الشعب الليبي في الشجاعة والإقدام ولتسكت كل الأصوات التي تتهمه بأنه مقهور، بل هو شعب قاهر لكل أنواع المستحيل وضارب المثل الأعلى في التضحية والفداء وسيخرج من هذه التجربة إن شاء الله أقوى وأصلب مما كان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق